المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل: قصر العام على بعض ما تناوله - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌(فصل: قصر العام على بعض ما تناوله

ذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَطْ (حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَامُّ عَامًّا مُخَصَّصًا) ، بَلْ يَكُونُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي لَا كَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ.

‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ) أَيْ: بِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ وَلَا يَكُونُ تَامًّا بِنَفْسِهِ، وَالْمُسْتَقِلُّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ كَلَامًا أَوْ لَمْ يَكُنْ. (وَهُوَ) أَيْ: غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ. (الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ وَالصِّفَةُ وَالْغَايَةُ) فَالِاسْتِثْنَاءُ يُوجِبُ قَصْرَ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَالشَّرْطُ يُوجِبُ قَصْرَ صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ، نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَالصِّفَةُ تُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَى مَا يُوجَدُ فِيهِ الصِّفَةُ، نَحْو: فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، وَالْغَايَةُ تُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَى الْبَعْضِ الَّذِي جَعَلَ الْغَايَةَ حَدًّا لَهُ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَنَحْوَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . (أَوْ بِمُسْتَقِلٍّ وَهُوَ) أَيْ:

ــ

[التلويح]

تَنَاوُلُهُ لِلْخَاصِّ الْمُتَأَخِّرِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ) تَفْرِيعٌ عَلَى جَعْلِ الْخَاصِّ الْمُتَرَاخِي نَاسِخًا لَا مُخَصِّصًا يَعْنِي: يَكُونُ الْعَامُّ فِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْخَاصُّ قَطْعِيًّا لَا ظَنِّيًّا كَمَا إذَا كَانَ الْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ مَوْصُولًا بِهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ

[فَصْلٌ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ]

(قَوْلُهُ فَصْلُ قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ) تَخْصِيصٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ، أَوْ بِمُسْتَقِلٍّ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ، بَلْ إنْ كَانَ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ بِإِنْ وَمَا يُؤَدِّي مُؤَدَّاهَا فَشَرْطٌ وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ بِإِلَى وَمَا يُفِيدُ مَعْنَاهَا فَغَايَةٌ وَإِلَّا فَصِفَةٌ نَحْوُ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَوْ غَيْرِهَا، نَحْوَ جَاءَنِي الْقَوْمُ أَكْثَرُهُمْ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّانِي هُوَ التَّخْصِيصُ سَوَاءٌ كَانَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْحِسِّ أَوْ الْعَادَةِ أَوْ نُقْصَانِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَوْ زِيَادَتِهِ، وَفُسِّرَ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ بِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ وَلَا يَكُونُ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لِلشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْجَزَاءِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمَا جَاءَنِي إلَّا زَيْدًا أَحَدٌ لِتَعَلُّقِهِمَا بِآخِرِ الْكَلَامِ لَا بِصَدْرِهِ وَلَا لِلْوَصْفِ بِالْجُمَلِ، نَحْوُ لَا تُكْرِمْ رَجُلًا أَبُوهُ جَاهِلٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِمِثْلِ لَيْسَ زَيْدًا وَلَا يَكُونُ زَيْدًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ فِي الِاعْتِبَارِ سَوَاءٌ قُدِّمَ فِي الذِّكْرِ أَوْ أُخِّرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّيْءِ أَوَّلًا، ثُمَّ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهُ أَوْ تَعْلِيقُهُ وَقَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ الْغَيْرِ التَّامِّ مَا لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى لَوْ ذُكِرَ مُنْفَرِدًا، وَالْجُمَلُ الْوَصْفِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ بِمِثْلِ لَيْسَ زَيْدًا وَلَا يَكُونُ زَيْدًا كَذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، فَإِنْ قُلْت لَا مَعْنَى لِلْقَصْرِ إلَّا ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِلْبَعْضِ، وَنَفْيَهُ عَنْ الْبَعْضِ، وَهَذَا قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ قُلْت، بَلْ الْمُرَادُ هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْبَعْضِ وَلَا يَدُلُّ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا حَتَّى

ص: 76

الْقَصْرُ بِمُسْتَقِلٍّ (التَّخْصِيصُ وَهُوَ إمَّا بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ إمَّا الْعَقْلُ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ. (نَحْوَ {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] يَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَخْصُوصٌ مِنْهُ، وَتَخْصِيصُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَأَمَّا الْحِسُّ نَحْوَ {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] وَأَمَّا الْعَادَةُ نَحْوُ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَأَمَّا كَوْنُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ نَاقِصًا فَيَكُونُ اللَّفْظُ أَوْلَى بِالْبَعْضِ الْآخَرِ، نَحْوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيُسَمَّى مُشَكِّكًا أَوْ زَائِدًا) عَطْفٌ

ــ

[التلويح]

لَوْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَوْ انْعَدَمَ انْعَدَمَ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ لِلْقَصْرِ عَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَسَاكِتٌ عَنْ سَائِرِ التَّقَادِيرِ حَتَّى إنَّ مُجَرَّدَ الْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ هُوَ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَالشَّرْطِ تَعْلِيقًا وَقَصْرًا لَهُ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَأَفَادَ الْكَلَامُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَحِينَ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى الْبَعْضِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، فَإِنْ قِيلَ جَعَلَ الْمُسْتَقِلَّ هَاهُنَا مُخَصِّصًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُتَرَاخِي وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُتَرَاخِيَ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ قُلْنَا التَّخْصِيصُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُ النَّسْخَ فَلَا يُقَيَّدُ بِعَدَمِ التَّرَاخِي وَلِهَذَا يُقَالُ النَّسْخُ تَخْصِيصٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ، وَهُوَ الْمُقَيَّدُ بِعَدَمِ التَّرَاخِي وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى غَيْرِ الْمُتَرَاخِي يُوجِبُ بُطْلَانَ كَلَامِ الْقَوْمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، مِثْلَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتَخْصِيصِ بَعْضِ الْآيَاتِ بِالْبَعْضِ مَعَ التَّرَاخِي.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحِسُّ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ بِالْحِسِّ هُوَ أَنَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَقْلِ لَا غَيْرُ، وَفِي التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَجْرِي فِي الْخَبَرِ كَالنَّسْخِ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَادَةُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَالرَّأْسُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا عُرْفًا فِي رَأْسِ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ عَادَةً أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ عَادَةً رَأْسُ الْعُصْفُورِ وَالْجَرَادِ فَيُخَصُّ بِمَا يَكُونُ مُتَعَارَفًا بِأَنْ يُكْبَسَ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعَ مَشْوِيًّا وَبِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا بِرَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، وَثَانِيًا بِرَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهُمَا بِرَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً.

(قَوْلُهُ وَيُسَمَّى مُشَكِّكًا) يَعْنِي: اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِمَعْنًى لَا يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ، بَلْ تَخْتَلِفُ بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ كَالْمَمْلُوكِ فِي الْقِنِّ وَالْمُكَاتَبِ أَوْ بِالْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ بِالتَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ كَالْوُجُودِ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ يُسَمَّى مُشَكِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْمُتَوَاطِئِ أَعْنِي: مَا وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَفْرَادُ فَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ

ص: 77

عَلَى قَوْلِهِ نَاقِصًا أَيْ: وَأَمَّا كَوْنُ بَعْضِ أَفْرَادِهِ زَائِدَةً. (كَالْفَاكِهَةِ لَا تَقَعُ عَلَى الْعِنَبِ فَفِي غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُوجِبُ لِقَصْرِ الْعَامِّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ (وَهُوَ) أَيْ: الْعَامُّ (حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي)

؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ اللَّفْظَ الَّذِي اسْتَثْنَى مِنْهُ لِلْبَاقِي. (وَهُوَ) أَيْ: الْعَامُّ. (حُجَّةٌ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ) أَيْ: فِي الْبَاقِي، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا.

أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَا (وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الْقَاصِرُ مُسْتَقِلًّا وَيُسَمَّى هَذَا تَخْصِيصًا سَوَاءٌ كَانَ

ــ

[التلويح]

فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةً لَا يَدًا حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى اسْتِكْسَابَهُ وَلَا وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ بِالْمُكَاتَبِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَهُوَ فِي الْمُكَاتَبِ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَالْكِتَابَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ وَاشْتِرَاطُ الْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا يَصِحُّ بِهِ التَّحْرِيرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الرِّقَّ فِيهِمَا نَاقِصٌ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْعِتْقِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً، وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فَاكِهَةً لُغَةً وَعُرْفًا إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى التَّفَكُّهِ أَيْ: التَّلَذُّذِ وَالتَّنَعُّمِ وَهُوَ الْغِذَائِيَّةُ وَقِوَامُ الْبَدَنِ بِهِ فَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يُخَصُّ عَنْ مُطْلَقِ الْفَاكِهَةِ.

(قَوْلُهُ فَفِي غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ) اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِّ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ، هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي أَمْ مَجَازٌ؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ حَقِيقَةٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ أَيْ: لَهُ كَثْرَةٌ يَعْسُرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا وَإِلَّا فَمَجَازٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ مِنْ شَرْطٍ، أَوْ صِفَةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ، أَوْ غَايَةٍ، وَمَجَازٌ إنْ كَانَ بِمُسْتَقِلٍّ مِنْ عَقْلٍ، أَوْ سَمْعٍ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ لَا صِفَةٍ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَا اسْتِثْنَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ بِدَلِيلٍ لَفْظِيٍّ اتَّصَلَ أَوْ انْفَصَلَ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: حَقِيقَةٌ فِي تَنَاوُلِهِ، مَجَازٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ إخْرَاجَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَصِيغَةُ الْعَامِّ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ بِمُسْتَقِلٍّ فَهِيَ فِي الْبَاقِي مَجَازٌ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ لَهُ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ بِاسْتِثْنَاءٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ غَايَةٍ مَوْضُوعٌ لِلْبَاقِي مَثَلًا إذَا قَالَ عَبِيدُهُ أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا فَالْعَبِيدُ الْمُخْرَجُ مِنْهُمْ سَالِمٌ مَوْضُوعٌ لِلْبَاقِي، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْوَضْعَ الشَّخْصِيَّ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ هَذَا اللَّفْظَ لِلْمَجْمُوعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِلْبَاقِي عِنْدَ اقْتِرَابِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِلَّا لَكَانَ مُشْتَرَكًا وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُتَنَاوِلٌ لِلْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ أَرَادَ الْوَضْعَ النَّوْعِيَّ

ص: 78

الْمُخَصِّصُ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُ (مَجَازٌ) أَيْ: لَفْظُ الْعَامِّ مَجَازٌ فِي الْبَاقِي. (بِطَرِيقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَاقِي. (حَقِيقَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الْعَامِّ مُتَنَاوِلٌ لِلْبَاقِي يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ. (عَلَى مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْمَجَازِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ: التَّخْصِيصِ (بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ) فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا كُلُّ عَامٍّ خُصَّ بِمُسْتَقِلٍّ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُ.

(لَكِنْ يَجِبُ هُنَاكَ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْعَقْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَكِنَّهُ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْعَقْلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْرُوغٌ عَنْهُ حَتَّى لَا نَقُولَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وَنَظَائِرُهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ) ، وَهَذَا فَرْقٌ تَفَرَّدْت بِذِكْرِهِ وَهُوَ وَاجِبُ الذِّكْرِ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنْ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ الَّتِي خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِالْعَقْلِ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ كَالْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ بِالْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا إجْمَاعًا مَعَ كَوْنِهَا مَخْصُوصَةً عَقْلًا، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ لَا يُورِثُ شُبْهَةً

ــ

[التلويح]

بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ الْوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا قَرَنَ اللَّفْظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْبَاقِي فَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِهَذَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَيْضًا كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الذَّاهِبِينَ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْبَاقِي وَالِاسْتِثْنَاءُ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ.

هَذَا وَلِنُنَبِّهكَ عَلَى فَائِدَةٍ جَلِيلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَضْعَ النَّوْعِيَّ قَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَكُونُ بِكَيْفِيَّةِ كَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى مَخْصُوصٍ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ تَعَيُّنِهِ لَهُ، مِثْلُ الْحُكْمِ بِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ آخِرُهُ أَلْفٌ أَوْ بَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مَا قَبْلَهَا وَنُونٌ مَكْسُورَةٌ فَهُوَ لِفَرْدَيْنِ مِنْ مَدْلُولِ مَا أُلْحِقَ بِآخِرِهِ هَذِهِ الْعَلَامَةُ وَكُلُّ اسْمٍ غُيِّرَ إلَى نَحْوِ رِجَالٍ وَمُسْلِمِينَ وَمُسْلِمَاتٍ فَهُوَ لِجَمْعٍ مِنْ مُسَمَّيَاتِ ذَلِكَ الِاسْمِ، وَكُلُّ جَمْعٍ عُرِّفَ بِاللَّامِ فَهُوَ لِجَمِيعِ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْضُوعَاتِ الشَّخْصِيَّةِ بِأَعْيَانِهَا، بَلْ أَكْثَرُ الْحَقَائِقِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَالْمُثَنَّى الْمَجْمُوعِ وَالْمُصَغَّرِ وَالْمَنْسُوبِ وَعَامَّةِ الْأَفْعَالِ وَالْمُشْتَقَّاتِ، وَالْمُرَكَّبَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى بِالْهَيْئَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى فَهُوَ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى تَعَلُّقًا مَخْصُوصًا، وَدَالٌّ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ لَا بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْوَاضِعِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ، وَفَهْمُهُ مِنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ بِحَالِهَا، وَمِثْلُهُ مَجَازٌ؛ لِتَجَاوُزِهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ، فَالْوَضْعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ

ص: 79

فَإِنَّ.

(كُلَّ مَا يُوجِبُ الْعَقْلُ تَخْصِيصَهُ يُخَصُّ وَمَا لَا فَلَا. وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ بِالْكَلَامِ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا مَعْلُومًا كَانَ الْمَخْصُوصُ كَالْمُسْتَأْمَنِ)

حَيْثُ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]

ــ

[التلويح]

بِأَنْ يُفْرَدَ اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِدَرْجٍ فِي الْقَاعِدَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَيَشْمَلُ الْوَضْعَ الشَّخْصِيَّ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَلَفْظُ الْأُسُودِ فِي مِثْلِ قَوْلِنَا رَكِبْت الْأُسُودَ مِنْ حَيْثُ قُصِدَ بِهِ الشُّجْعَانُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَمِنْ حَيْثُ قُصِدَ بِهِ الْعُمُومُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَلْيُتَدَبَّرْ.

وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ فَإِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ الْبَعْضَ بَقِيَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْبَاقِي، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْبَاقِيَ كَمَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ التَّنَاوُلُ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَدَمُ إرَادَةِ الْبَعْضِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ صِفَةِ التَّنَاوُلِ لِلْبَاقِي فَيَكُونُ حَقِيقَةً مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الْمَجَازِ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ حَيْثِيَّتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَضْعَيْنِ.

وَأَمَّا بِحَسَبِ وَضْعٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ الْمَعْنَى، إمَّا نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً أَوْ غَيْرُهُ فَيَكُونُ مَجَازًا نَعَمْ لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْعُمُومِ مَوْضُوعَةً لِلْكُلِّ، وَالْبَعْضِ بِالِاشْتِرَاكِ لَكَانَتْ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْبَاقِي مَجَازًا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لِلْكُلِّ، وَحَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لِلْبَعْضِ إلَّا أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ خَاصَّةً لَا يُقَالُ مُرَادُهُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ أَعْنِي: إطْلَاقَ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَقِيقَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقَابِلُ مُطْلَقَ الْمَجَازِ وَلَا إشَارَةَ إلَيْهِ فِي فَصْلِ الْمَجَازِ عَلَى مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا فِيهِ إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالٍ ثَانٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ عَدَمُ إرَادَةِ الْبَعْضِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّغْيِيرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَ الْعَبِيدِ لِغَيْرِ سَالِمٍ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عِنْدَ عَدَمِ إخْرَاجِهِ فَكَذَا عِنْدَ إخْرَاجِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَقْصُورُ عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ أَيْضًا حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ بِحَسَبِ التَّنَاوُلِ، وَإِنْ أُخْرِجَ الْبَعْضُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ فَرْقِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُسْتَقِلِّ وَغَيْرِهِ قُلْنَا لَمَّا كَانَ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ مَضْبُوطَةٌ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْبَاقِي عِنْدَ انْضِمَامِهِ إلَى إحْدَى تِلْكَ الصِّيَغِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقِلِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ، فَلَا يَنْضَبِطُ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْتِقَاضِهِ بِالصِّفَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي التَّنَاوُلِ أَنَّ الْعَامَّ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْآحَادِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الرِّجَالِ فُلَانٌ فُلَانٌ فُلَانٌ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَ

ص: 80

بِقَوْلِهِ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] . (أَوْ مَجْهُولًا كَالرِّبَا) حَيْثُ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275](لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَجْهُولًا صَارَ الْبَاقِي مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ كَالِاسْتِثْنَاءِ إذْ هُوَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ) أَيْ: التَّخْصِيصُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَامِّ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إنْ كَانَ مَجْهُولًا يَكُونُ الْبَاقِي فِي صَدْرِ الْكَلَامِ مَجْهُولًا وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ. (وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ) وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ. (وَلَا يُدْرَى كَمْ يَخْرُجُ بِالتَّعْلِيلِ فَيَبْقَى الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا بَقِيَ الْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ) فِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ (فَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيلُ) إذْ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَفِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْعَامِّ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي

ــ

[التلويح]

إنَّمَا وُضِعَ الرِّجَالُ اخْتِصَارًا لِذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّ فِي تَكْرِيرِ الْآحَادِ إذَا بَطَلَ إرَادَةُ الْبَعْضِ لَمْ يَصِرْ الْبَاقِي مَجَازًا فَكَذَا هَاهُنَا وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَتَكْرِيرِ الْآحَادِ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ فَبِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَاهُ فَبِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ لَا يَصِيرُ الْبَاقِي مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ، وَمَقْصُودُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي وَضْعِهِ لَا أَنَّهُ مِثْلُ الْمُتَكَرِّرِ بِعَيْنِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ حَقِيقَةَ صِيغَةِ الْعُمُومِ لِلْكُلِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كُلٌّ لَا بَعْضٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ يُصَيِّرُ الْكَلَامَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى بِطَرِيقِ أَنَّهُ كُلٌّ لَا بَعْضٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ كُلٌّ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ نَظَرًا إلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ فَلَوْ قَالَ: مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا مَمْلُوكَ لَهُ سِوَاهُمَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضًا إذَا كَانَ سِوَاهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ إلَّا مَمَالِيكِي.

1 -

(قَوْلُهُ أَيْ: لَفْظُ الْعَامِّ مَجَازٌ) كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَيْ: لَفْظُ الْعَامِّ بِالْوَصْفِ دُونَ الْإِضَافَةِ، إذْ الْكَلَامُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ لَا فِي لَفْظِ الْعَامِّ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَإِنْ اُشْتُرِطَ كَانَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَامِّ عَلَى مَا أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَامٌّ لَوْلَا الْإِخْرَاجُ، وَإِنْ اكْتَفَى بِانْتِظَامِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّخْصِيصُ إلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ) تَقْرِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَامَّ الْمَقْصُورَ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ أَوْ بِمُسْتَقِلٍّ فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ الْمُخْرِجُ مَعْلُومًا فَهُوَ حُجَّةٌ بِلَا شُبْهَةٍ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقَصْرِ عَلَى الْبَعْضِ لِعَدَمِ

ص: 81

كَمَا كَانَ فَكَذَا التَّخْصِيصُ.

(وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً لِمَا قُلْنَا) إنَّ التَّخْصِيصَ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولُ يَجْعَلُ الْبَاقِيَ مَجْهُولًا فَلَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً فِي الْبَاقِي.

(وَعِنْدَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا فَكَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا) إنَّ الْعَامَّ يَبْقَى فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ كَمَا كَانَ. (وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ الْمُخَصِّصُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ) وَلَمَّا كَانَ الْمُخَصِّصُ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا وَكَانَ مَعْنَاهُ مَجْهُولًا يَسْقُطُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَلَا تَتَعَدَّى جَهَالَتُهُ إلَى صَدْرِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ فَجَهَالَتُهُ تَتَعَدَّى إلَى صَدْرِ الْكَلَامِ.

(وَعِنْدَنَا تُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَى ظَاهِرِهِ) وَهُوَ إرَادَةُ الْكُلِّ فَعُلِمَ أَنَّ

ــ

[التلويح]

مُورِثِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا جَهَالَةُ الْمُخْرَجِ أَوْ احْتِمَالُهُ التَّعْلِيلَ، وَغَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيلَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا قَالَ عَبِيدُهُ أَحْرَارٌ إلَّا بَعْضًا أَوْرَثَ ذَلِكَ جَهَالَةً فِي الْبَاقِي فَلَمْ تَصْلُحْ حُجَّةً إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ وَعَلَى الثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ عَقْلًا أَوْ كَلَامًا أَوْ غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ هُوَ الْعَقْلُ كَانَ الْعَامُّ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ مُورِثِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ إخْرَاجَهُ فَهُوَ مُخْرَجٌ وَغَيْرُهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ يَقْتَضِي إخْرَاجَ بَعْضٍ مَجْهُولٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا يَمْتَنِعُ عَلَى الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ، مِثْلُ الرِّجَالُ فِي الدَّارِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفْصَلَ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَيُجْعَلَ قَطْعِيًّا إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا كَمَا فِي الْخِطَابَاتِ الَّتِي خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيَّتُهَا بِوَاسِطَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَ قَطْعِيًّا قَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ الِاجْتِهَادُ وَالْإِجْمَاعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ غَيْرَ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى قَطْعِيًّا لِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ، وَخَفَاءِ الزِّيَادَةِ، وَالنُّقْصَانِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى تَفَاصِيلِ الْأَشْيَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ الْقَدْرُ الْمَخْصُوصُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ هُوَ الْكَلَامُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ قَطْعِيٌّ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ الْمُخَصِّصُ، وَيَبْقَى الْعَامُّ عَلَى مَا كَانَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ دَلِيلٌ تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ مَعْلُومًا كَانَ الْمُخَصِّصُ أَوْ مَجْهُولًا وَالتَّمَسُّكَاتُ مَشْرُوحَةٌ فِي الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ الْمُخَصِّصُ) وَيَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً فِيمَا تَنَاوَلَهُ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا فَلَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلدَّلِيلِ فَيَبْقَى حُكْمُ الْعَامِّ عَلَى مَا كَانَ وَلَا يَتَعَدَّى جَهَالَةُ الْمُخَصِّصِ إلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ قَائِمٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَا يُفِيدُ بِدُونِهِ شَيْئًا حَتَّى إنَّ مَجْمُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَصَدْرَ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ وَاحِدٍ، فَجَهَالَتُهُ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَيَصِيرُ مَجْهُولًا مُجْمَلًا مُتَوَقِّفًا عَلَى الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا تَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةٌ) أَيْ: الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ

ص: 82

الْمُرَادَ الْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مَثَلًا إذَا كَانَ كُلُّ أَفْرَادِهِ مِائَةً، وَعُلِمَ أَنَّ الْمِائَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي دُونَ الْمِائَةِ مُسَاوٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ ثُمَّ ذَكَرَ ثَمَرَةَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهِ بِقَوْلِهِ. (فَيَصِيرُ عِنْدَنَا كَالْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يُخَصِّصَهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ) ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَقَالَ (لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ

ــ

[التلويح]

حَتَّى لَا يَكُونَ مُوجِبًا قَطْعًا وَيَقِينًا.

أَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً فَلِاحْتِجَاجِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ الْمَخْصُوصُ مِنْهَا الْبَعْضُ شَائِعًا زَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَأَمَّا تَمَكُّنُ الشُّبْهَةِ فَلِأَنَّهُ إذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ لَمْ يَبْقَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْكُلِّ، بَلْ فِيمَا دُونَهُ مَجَازًا، وَمَا دُونَ الْكُلِّ أَفْرَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا فِيهَا مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ فَلَا يَثْبُتُ بَعْضٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ أَمَّا فِي الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الرُّجْحَانِ مَمْنُوعٌ، بَلْ مَجْمُوعُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ مُتَعَيِّنٌ مَثَلًا إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةٌ تَعَيَّنَ التِّسْعُونَ، وَإِذَا أُخْرِجَ عِشْرُونَ تَعَيَّنَ الثَّمَانُونَ، وَإِذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَعَيَّنَ غَيْرُهُمْ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً أَصْلًا وَيَصِيرُ مُجْمَلًا مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ، وَغَايَةُ تَوْجِيهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَجْهُولًا لَا يَتَرَجَّحُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا يَتَرَجَّحُ مَجْمُوعُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ لَكِنْ ظَنًّا لَا قَطْعًا لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ بَعْضٍ آخَرَ بِالتَّعْلِيلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ " مُخْتَصًّا بِصُورَةِ الْمَجْهُولِ.

(قَوْلُهُ حَتَّى يُخَصِّصَهُ) يَعْنِي: لَمَّا لَمْ يَبْقَ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيًّا جَازَ فِي الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْحَدِيثِ مَعْلُومًا كَانَ الْمَخْصُوصُ أَوْ مَجْهُولًا أَنْ يُخَصَّصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ إجْمَاعًا وَيُعْلَمُ مِنْ جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ أَنَّهُ دُونَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الدَّرَجَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى رَجَّحُوا خَبَرَ الْقَهْقَهَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَكَذَا خَبَرُ الْأَكْلِ نَاسِيًا فِي الصَّوْمِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ إنَّمَا هُوَ مَعَ شَكٍّ فِي أَصْلِهِ، وَاحْتِمَالٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي طَرِيقِهِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ غَلَطِ الرَّاوِي أَوْ مَيْلِهِ عَنْ الصِّدْقِ إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَصْلُحُ الْقِيَاسُ مُعَارِضًا لَهُ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ هَذَا الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلْقَطْعِ بِتَرَاخِي الْقِيَاسِ عَنْ الْكِتَابِ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ، فَالْمُخَصِّصُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّصُّ الْمُثْبِتُ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُعْلَمُ

ص: 83

الْمُخَصِّصَ يُشْبِهُ النَّاسِخَ بِصِيغَةٍ، وَالِاسْتِثْنَاءَ بِحُكْمِهِ كَمَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ فِي نَفْسِهِ لِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ، وَيُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْعَامِّ لِلشَّبَهِ الثَّانِي فَيَدْخُلُ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْعَامِّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ) أَيْ: بِالشَّكِّ إذْ قَبْلَ التَّخْصِيصِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فَلَمَّا خُصَّ دَخَلَ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ هَلْ بَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ أَمْ بَطَلَ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ: الْمُخَصِّصُ. (مَعْلُومًا فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ) لَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشَابِهُ النَّاسِخَ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُعَلِّلَ النَّاسِخَ الَّذِي يَنْسَخُ بَعْضَ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِيَنْسَخَ بِالْقِيَاسِ بَعْضًا آخَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَإِنَّ تَعْلِيلَ النَّاسِخِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ، بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَصٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ.

(كَمَا هُوَ عِنْدَنَا) فَإِنَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَإِذَا صَحَّ تَعْلِيلُهُ لَا يُدْرَى أَنَّهُ كَمْ يَخْرُجُ بِالتَّعْلِيلِ أَيْ: بِالْقِيَاسِ وَكَمْ يَبْقَى تَحْتَ الْعِلْمِ. (فَيُوجِبُ جَهَالَةً فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ الْعَامِّ، وَلِلشَّبَهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبَعْضِ فَدَخَلَ الشَّكُّ فِي سُقُوطٍ الْعَامِّ فَلَا سَقْطَ بِهِ) أَيْ: الشَّبَهُ الثَّانِي هُوَ شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ

ــ

[التلويح]

تَرَاخِيهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ يُشْبِهُ النَّاسِخَ بِصِيغَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَفْهُومٌ بِنَفْسِهِ مُفِيدٌ لِلْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ الْعَامُّ، وَيُشْبِهُ الِاسْتِثْنَاءَ بِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بَيَانُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ، وَعَدَمُ دُخُولِ الْمَخْصُوصِ تَحْتَ حُكْمِ الْعَامِّ لَا رَفْعُ الْحُكْمِ عَنْ مَحَلِّ الْمَخْصُوصِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

وَالْأَصْلُ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهِمَا وَيُوفِيَ حَظًّا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُبْطِلَ أَحَدَهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْمُخَصِّصُ إنْ كَانَ مَجْهُولًا أَيْ: مُتَنَاوِلًا لِمَا هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَ السَّامِعِ فَمِنْ جِهَةِ اسْتِقْلَالِهِ يَسْقُطُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَلَا تَتَعَدَّى جَهَالَتُهُ إلَى الْعَامِّ كَالنَّاسِخِ الْمَجْهُولِ، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ يُوجِبُ جَهَالَةَ الْعَامِّ، وَسُقُوطَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِتَعَدِّي جَهَالَتِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْعَامِّ، وَقَدْ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، بَلْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ جَهَالَةٍ تُورِثُ زَوَالَ الْيَقِينِ فَيُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَمِنْ جِهَةِ اسْتِقْلَالِهِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ الْمُسْتَقِلَّةِ فَيُوجِبُ جَهَالَةً فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ الْعَامِّ، إذْ لَا يُدْرَى أَنَّهُ كَمْ خَرَجَ بِالْقِيَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْقِطَ الْعَامَّ، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيُّ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا مُسْتَقِلًّا، بَلْ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ قَائِمٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ دَالٍّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَيَكُونُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ مَعْلُومًا فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى الْعَامُّ بِحَالِهِ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي عَدَمِ حُجِّيَّةِ الْعَامِّ فَلَا نُبْطِلُ حُجِّيَّتَهُ الثَّابِتَةَ بِيَقِينٍ، بَلْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُوجِبُ

ص: 84

حَيْثُ إنَّ الْمُخَصِّصَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُخَصِّصَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَامِّ؛ فَلِهَذَا الشَّبَهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيُّ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُسْتَثْنَى وَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ يَصِيرُ الْبَاقِي تَحْتَ الْعَامِّ مَجْهُولًا فَلَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ حُجَّةً فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ هَذَا مَا قَالُوا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَكُمْ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةَ تَعْلِيلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْعَامُّ عِنْدَكُمْ بِنَاءً عَلَى زَعْمِكُمْ فِي صِحَّةِ تَعْلِيلِهِ، وَلَا تَمَسُّكَ لَكُمْ بِزَعْمِ الْجُبَّائِيُّ أَنَّ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ فَلِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ قَالَ (عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ تَخْصِيصَهُ يَخُصُّ وَمَا لَا فَلَا) فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ إنْ لَمْ يُدْرَكْ فِيهِ عِلَّةٌ لَا يُعَلَّلُ فَيَبْقَى الْعَامُّ فِي الْبَاقِي حُجَّةً، وَإِنْ عُرِفَ فِيهِ عِلَّةٌ فَكُلُّ مَا تُوجَدُ الْعِلَّةُ فِيهِ يَخُصُّ قِيَاسًا وَمَا لَا فَلَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَامُّ بِاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ (فَظَهَرَ هُنَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ) أَيْ: لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُخَصِّصِ صَحِيحٌ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخَصِّصِ وَالنَّاسِخِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ النَّاسِخِ الَّذِي يَنْسَخُ الْحُكْمَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِيُثْبِتَ النَّسْخَ فِي بَعْضٍ آخَرَ قِيَاسًا صُورَتُهُ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ خَاصٌّ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْعَامِّ، وَيَكُونَ وُرُودُهُ مُتَرَاخِيًا عَنْ وُرُودِ الْعَامِّ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ نَاسِخًا لَا مُخَصِّصًا عَلَى مَا سَبَقَ.

(فَإِنَّ الْعَامَّ الَّذِي نُسِخَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ لَا يُنْسَخُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَنْسَخُ النَّصَّ

ــ

[التلويح]

الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَصِّصَ الْمَجْهُولَ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ يُبْطِلُهُ، وَالْمَعْلُومَ بِالْعَكْسِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْيَقِينِ، بَلْ وَصْفَهُ.

(قَوْلُهُ: لَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ) لَمَّا كَانَ مَعْنَى سُقُوطِ الْمُخَصِّصِ الْمَجْهُولِ لِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ فَسَقَطَ كَمَا سَقَطَ النَّاسِخُ الْمَجْهُولُ، وَمَعْنَى إيجَابِهِ جَهَالَةَ الْعَامِّ لِلشَّبَهِ الثَّانِي أَنَّهُ لِشُبْهَةٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا يُوجِبُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيلِ الْمُخَصِّصِ الْمَعْلُومِ لِلشَّبَهِ الثَّانِي أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ السَّابِقُ إلَى الْوَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ النَّاسِخِ فَدَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِأَنَّ النَّاسِخَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيلُ الْمُخَصِّصِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كِلَا شَبَهَيْهِ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ التَّعْلِيلِ قُلْنَا شَبَهُهُ بِالنَّاسِخِ وَهُوَ الِاسْتِقْلَالُ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّعْلِيلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّاسِخِ لِمَانِعٍ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْقِيَاسِ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ، وَلَا مَانِعَ فِي الْمُخَصِّصِ فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ أَيْ: لِاسْتِقْلَالِهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ) يَصْلُحُ فِعْلًا لِلشُّبْهَةِ الْمُورَدَةِ مِنْ قِبَلِ الْكَرْخِيِّ فِي بُطْلَانِ الِاحْتِجَاجِ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لَا جَوَابًا عَنْ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى كَلَامِ الْقَوْمِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ صِحَّةُ تَعْلِيلِ الْمَخْصُوصِ تُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْعَامِّ وَتَقْتَضِي سُقُوطَهُ، وَبُطْلَانَ حُجِّيَّتِهِ كَمَا زَعَمْتُمْ لَوَجَبَ بُطْلَانُ حُجِّيَّةِ الْعَامِّ

ص: 85

إذْ هُوَ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ لَكِنْ يُخَصِّصُهُ، وَلَا يَلْزَمُ بِهِ الْمُعَارَضَةُ؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَهُنَا مَسَائِلُ مِنْ الْفُرُوعِ تُنَاسِبُ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ (فَنَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ مَا إذَا بَاعَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ بِثَمَنٍ أَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ إلَّا هَذَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَصَارَ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ يَصِيرُ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ فَيَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَيْسَتْ حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودَةً لَكِنَّهَا تُنَاسِبُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

ــ

[التلويح]

الْمَخْصُوصِ عِنْدَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ قَائِلُونَ بِصِحَّةِ تَعْلِيلِ الْمَخْصُوصِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ بُطْلَانِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَة بِأَنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ تُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْعَامِّ، فَإِنْ قِيلَ الْمُخَصِّصُ إذَا لَمْ يُدْرَكْ عَلَيْهِ فَاحْتِمَالُ التَّعْلِيلِ بَاقٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ، وَإِذَا أُدْرِكَتْ فَاحْتِمَالُ الْغَيْرِ قَائِمٌ لِمَا فِي الْعِلَلِ مِنْ التَّزَاحُمِ، وَبَعْدَمَا تَعَيَّنَتْ لَا يُدْرَى أَنَّهَا فِي أَيِّ قَدْرٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ تُوجَدُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ جَهَالَةَ الْعَامِّ، وَبُطْلَانَ حُجَّتِهِ قُلْنَا لَا، بَلْ يُوجِبُ تَمَكُّنَ الشُّبْهَةِ فِيهِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَالشَّكُّ لَا يُوجِبُ زَوَالَ أَصْلِ الْيَقِينِ، بَلْ وَصْفَ كَوْنِهِ يَقِينًا.

(قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ: الْقِيَاسُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ دُونَ النَّصِّ فَلَا يَنْسَخُهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّاسِخِ إنَّمَا هُوَ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنْ يُخَصَّصُ النَّصُّ الْعَامُّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُخَصِّصِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ دُونَ الْمُعَارَضَةِ، فَالْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْمُخَصِّصِ يُبَيِّنُ أَنَّ قَدْرَ مَا تَعَدَّى إلَيْهِ الْعِلَّةُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَامِّ كَمَا أَنَّ النِّصْفَ الْمُخَصِّصَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَدْرَ مَا تَنَاوَلَهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَجُزْ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً؟ قُلْنَا؛ لِأَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْقِيَاسُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَامِّ قَطْعًا، وَالْقِيَاسُ يُبَيِّنُ عَدَمَ دُخُولِهِ ظَنًّا فَلَا يُسْمَعُ بِخِلَافِ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ أَيْضًا ظَنِّيٌّ، وَالْقِيَاسُ مُؤَيَّدٌ بِمَا يُشَارِكُهُ فِي بَيَانِ عَدَمِ دُخُولِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ يُقَالُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يُسْنَدُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لِهَذَا الْعَامِّ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ شَيْئًا مِنْ أَفْرَادِهِ، فَكَذَا الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ لَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لِلْعَامِّ فَلَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُعَارِضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صُلُوحِ الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّنَاوُلِ لِشَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَالْكَلَامُ فِي الْقِيَاسِ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ كَوْنُهُ مُخَصِّصًا، فَعَدَمُ صُلُوحِ الْأَصْلِ لِلْبَيَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صُلُوحِ الْقِيَاسِ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْقِيَاسِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْعَامِّ بَلْ إذَا خُصَّ الْعَامُّ بِقَطْعِيٍّ صَارَ ظَنِّيًّا فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى أَصْلٍ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ.

(قَوْلُهُ فَنَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ مَا إذَا بَاعَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ بِثَمَنٍ) أَيْ: بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، إذْ لَوْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ

ص: 86

لَمْ يَدْخُلْ الْحُرُّ تَحْتَ الْإِيجَابِ مَعَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَنَاوَلَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ إلَّا هَذَا حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودَةٌ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ أَحَدُهُمَا فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُقَابِلِ بِهِمَا وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْحِصَّةِ بَقَاءٌ صَحِيحٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ نَظِيرُ النَّسْخِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآخَرِ بَيْعٌ بِشَرْطٍ مُخَالِفٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ أَنَّ قَبُولَ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ وَهُوَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْتَثْنَى يَصِيرُ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ.

(وَنَظِيرُ النَّسْخِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَبْقَى الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ)(فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَاسِبُ النَّسْخَ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْبَيْعِ لَكِنْ لَمَّا مَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ فَصَارَ كَالنَّسْخِ لِأَنَّ النَّسْخَ تَبْدِيلٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ لَكِنْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الطَّارِئَةَ لَا تُفْسِدُ.

(وَنَظِيرُ التَّخْصِيصِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ إنْ عَلِمَ مَحَلَّ الْخِيَارِ وَثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِالْخِيَارِ يَدْخُلُ فِي الْإِيجَابِ لَا فِي الْحُكْمِ

ــ

[التلويح]

بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ فِي الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.

(قَوْلُهُ لَمْ يَدْخُلْ الْحُرُّ تَحْتَ الْإِيجَابِ) ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّيْءِ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ بِصِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحُرِّ وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ أَوْ بَيْنَ مَيْتَةٍ وَذَكِيَّةٍ أَوْ بَيْنَ خَلٍّ وَخَمْرٍ.

(قَوْلُهُ: فَصَارَ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً) بِأَنْ يُقَسِّمَ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَقِيمَةِ الْحُرِّ بَعْدَ أَنْ يَفْرِضَ عَبْدًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَثْنَى فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَحِصَّةُ الْعَبْدِ مِنْ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ عَلَى التَّنَاصُفِ وَصُورَةُ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ مَا إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ الْمُوَزَّعِ عَلَى قِيمَتِهِ، وَقِيمَةُ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْبَيْعِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ يَصِيرُ شَرْطًا) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيجَابِ فَقَدْ شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبُولُهُ فِي الْآخَرِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي قَبُولَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا الِاشْتِرَاطُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيهِمَا لِئَلَّا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُلْحِقًا لِلضَّرَرِ بِالْبَائِعِ فِي قَبُولِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا، وَمُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ. قُلْنَا الْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ شَرْطًا فَاسِدًا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيهِمَا. وَأَمَّا إذَا صَحَّ فَهُوَ شَرْطٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ السُّؤَالِ مَنْعُ الِاشْتِرَاطِ عِنْدَ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيهِمَا وَمَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُ الْمَنْعَ.

(قَوْلُهُ: الْعَبْدُ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ دَاخِلٌ فِي الْإِيجَابِ) لِوُرُودِ الْإِيجَابِ

ص: 87

فَصَارَ فِي السَّبَبِ كَالنَّسْخِ، وَفِي الْحُكْمِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا جَهِلَ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ لِشَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِحُّ لِشَبَهِ النَّسْخِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يَفْسُدَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إذَا بَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيَانُ مُنَاسَبَتِهَا التَّخْصِيصُ أَنَّ التَّخْصِيصَ يُشَابِهُ النَّسْخَ بِصِيغَتِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءَ بِحُكْمِهِ، وَهُنَا الْعَبْدُ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ دَاخِلٌ فِي الْإِيجَابِ لَا الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْإِيجَابِ يَكُونُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ تَبْدِيلًا فَيَكُونُ كَالنَّسْخِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ يَكُونُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بَيَانَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فَيَكُونُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهَانِ يَكُونُ

ــ

[التلويح]

عَلَى الْعَبْدَيْنِ لَا فِي الْحُكْمِ لِمَا عَرَفْت فِي مَوْضِعِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ عَنْ الثُّبُوتِ لَا السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِيَارِ وَالثَّمَنُ كِلَاهُمَا مَعْلُومَيْنِ، أَوْ مَحَلُّ الْخِيَارِ مَعْلُومًا وَالثَّمَنُ مَجْهُولًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ كِلَاهُمَا مَجْهُولَيْنِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ بَاعَ سَالِمًا وَغَانِمًا بِأَلْفَيْنِ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَلْفٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي سَالِمٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِثَالُ الثَّانِي: بَاعَهُمَا بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي سَالِمٍ. مِثَالُ الثَّالِثِ بَاعَهُمَا بِأَلْفَيْنِ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا. مِثَالُ الرَّابِعِ بَاعَهُمَا بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا لِمَا فِيهِ الْخِيَارُ فَرِعَايَةُ شَبَهِ النَّسْخِ أَعْنِي: كَوْنَ مَحَلِّ الْخِيَارِ دَاخِلًا فِي الْإِيجَابِ تَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْإِيجَابِ مَبِيعٌ بَيْعًا وَاحِدًا، فَلَا يَكُونُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَقَاءً، وَرِعَايَةُ شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ أَعْنِي: كَوْنَ مَحَلِّ الْخِيَارِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْأُولَى مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِي الثَّالِثَةِ، وَجَهَالَتِهِمَا فِي الرَّابِعَةِ فَلِرِعَايَةِ الشَّبَهَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ أَعْنِي: صَحَّ فِي الْأُولَى رِعَايَةً لِشَبَهِ النَّسْخِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْبَوَاقِي رِعَايَةً لِشَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَوَجْهُ الِاخْتِصَاصِ أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ مَحَلِّ الْخِيَارِ، وَالثَّمَنِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الصِّحَّةِ فَيُلَائِمُ شَبَهَ النَّسْخِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ، وَجَهَالَةُ مَحَلِّ الْخِيَارِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ كِلَيْهِمَا تُرَجِّحُ جَانِبَ الْفَسَادِ فَيُلَائِمُ شَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.

أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ شَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا يُوجِبُ صِحَّتَهَا لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءً مَعْلُومًا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ شَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ لُزُومَ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ طَارِئَةٌ، وَشَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلِأَنَّ شَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَشَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ انْعِقَادَهُ فِي الْعَبْدَيْنِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالشَّكِّ، وَفِيهِ

ص: 88

كَالتَّخْصِيصِ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالنَّسْخِ وَشَبَهٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَلِرِعَايَةِ الشَّبَهَيْنِ قُلْنَا إنْ عَلِمَ مَحَلَّ الْخِيَارِ وَثَمَنَهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِيَارِ وَثَمَنُهُ مَعْلُومَيْنِ كَمَا إذَا بَاعَ هَذَا وَذَاكَ بِأَلْفَيْنِ هَذَا بِأَلْفٍ وَذَاكَ بِأَلْفٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِيَارِ مَعْلُومًا لَكِنَّ ثَمَنَهُ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا. وَالثَّالِثِ: عَلَى الْعَكْسِ. وَالرَّابِعِ: أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَلَوْ رَاعَيْنَا كَوْنَهُ دَاخِلًا فِي الْإِيجَابِ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ لَكِنَّهُ فِي الْبَقَاءِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَلَوْ رَاعَيْنَا كَوْنَهُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ.

أَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَحَلِّ الْخِيَارِ وَثَمَنِهِ مَعْلُومًا فَلِأَنَّ قَبُولَ غَيْرِ الْمَبِيعِ يَصِيرُ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَجْهُولًا فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ شَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ، وَشَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الْفَسَادَ فِي الْجَمِيعِ فَرَاعَيْنَا الشَّبَهَيْنِ، وَقُلْنَا إذَا كَانَ مَحَلُّ الْخِيَارِ أَوْ ثَمَنُهُ مَجْهُولًا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ رِعَايَةً لِشَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا يَصِحُّ الْبَيْعُ رِعَايَةً لِشَبَهِ النَّسْخِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يَفْسُدَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَنَّ قَبُولَ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ يَصِيرُ شَرْطًا لِقَبُولِ

ــ

[التلويح]

نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِيَارِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ فَيَكُونُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرَ مَبِيعٍ فَيَكُونُ قَبُولُهُ شَرْطًا فَاسِدًا مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا تَدْفَعُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا جُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي صُورَةِ جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَحْدَهُ مُوجِبًا لِلْفَسَادِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ هُوَ الِانْعِقَادُ وَالْجَوَازُ إذَا لَمْ تُوضَعْ فِي الشَّرْعِ إلَّا لِذَلِكَ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْفَسَادُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.

(قَوْلُهُ: وَلِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ) فَإِنْ قِيلَ: جَهَالَةُ الثَّمَنِ طَارِئَةٌ بِعَارِضِ الْخِيَارِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ كَمَا فِي بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ أُجِيبُ بِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ لَمَّا انْعَدَمَ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ بِنَصٍّ قَائِمٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْخِيَارُ لَزِمَ انْعِدَامُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِحُكْمِهِ فَصَارَ الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَمَا فِي بَيْعِ الْحُرِّ فَيَبْقَى الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهُمَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ فِيهِ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ حَقِّهِ لَا بِنَصٍّ قَائِمٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَيَبْقَى الْإِيجَابُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِيَارِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَالْحُكْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ يَخْرُجُ فَتَحْدُثُ جَهَالَةُ ثَمَنِ الْقِنِّ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ

ص: 89