الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا
لِرُجْحَانِ الْمَتْبُوعِ عَلَى التَّابِعِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتَقِ إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَا يُرَادُ غَيْرُ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ
ــ
[التلويح]
الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ وَالِاضْطِرَارِ إلَى اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَإِنْ أُرِيدَ الضَّرُورَةُ مِنْ جِهَةِ الْكَلَامِ وَالسَّامِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ ضَرُورَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْكَلَامِ وَإِخْلَاءُ اللَّفْظِ عَنْ الْمَرَامِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّرُورَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى تُنَافِي الْعُمُومَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَعِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَاحْتَمَلَهُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ إنْ عَامًّا فَعَامٌّ، وَإِنْ خَاصًّا فَخَاصٌّ. بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَقْلِيٌّ غَيْرُ مَلْفُوظٍ فَيُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ صِحَّةُ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتٍ لِلْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَّفْظِ خَاصَّةً. فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَجَازُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ بِدَلِيلِ عُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمَجَازُ مَوْضُوعٌ بِالنَّوْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدٍ نِزَاعٌ فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا أَوْ تَخْصِيصُهُمْ الصَّاعَ بِالْمَطْعُومِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلِّيَّةِ الطَّعْمِ فِي بَابِ الرِّبَا لَا عَلَى عَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَجِدَ الْمُتَكَلِّمُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ مُرَادِهِ بِالْحَقِيقَةِ فَيَضْطَرُّ إلَى الْمَجَازِ فَكَمَا يُتَصَوَّرُ الِاضْطِرَارُ إلَى الْمَجَازِ لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْخَاصِّ فَكَذَا لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْعَامِّ، وَإِنَّمَا يُلَائِمُهُ بَعْضَ الْمُلَاءَمَةِ الضَّرُورَةُ مِنْ جَانِبِ السَّامِعِ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ عَلَى مَا مَرَّ
[مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]
(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ) لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَاسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ عُرْفًا فِيمَا يَدُبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَوَضْعِ الْقَدَمِ فِي الدُّخُولِ، وَلَا فِي امْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ فِي الْمَجَازِ قَرِينَةً مَانِعَةً مِنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَحْدَهُ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ مَجَازٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ، وَيُرَادُ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ لَا تَقْتُلْ الْأَسَدَ أَوْ الْأَسَدَيْنِ أَوْ الْأُسُودَ، وَتُرِيدَ السَّبُعَ وَالرَّجُلَ الشُّجَاعَ أَحَدَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْآخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ بِنَوْعِ عَلَاقَةٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ بِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مَجَازًا أَوْ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ فَرْعُ اسْتِعْمَالِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالنَّوْعِ فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَضْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ فَمَنْ جَوَّزَ ذَاكَ جَوَّزَ هَذَا، وَمَنْ لَا فَلَا. وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِفْتَاحِ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يُقَالُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ جُزْءٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا لَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ لَازِمًا لِلْجُزْءِ بِمَعْنَى انْتِقَالِ الذِّهْنَ مِنْ الْجُزْءِ إلَيْهِ كَالْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَالْأَسَدُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِاعْتِبَارٍ مَحْضٍ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي اللُّغَةِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَفْظِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَالسَّبُعِ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّ امْتِنَاعَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَالْقَوْمُ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَقْلًا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مَتْبُوعٌ وَالْمَجَازِيَّ تَابِعٌ عَلَى مَا مَرَّ، وَالتَّابِعُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَتْبُوعِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِرَادَةِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ، الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلِّ لِلَّفْظِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَكُونُ مُسْتَقِرًّا فِي مَحَلٍّ، وَمُتَجَاوِزٍ إيَّاهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ إرَادَةُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِمَكَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَعَدَمِ إرَادَتِهِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْقَرِينَةِ وَالْمَجَازَ يُوجِبُ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ. الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ لِلشَّخْصِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَعْنَيَيْنِ هُوَ حَقِيقَةٌ لِأَحَدِهِمَا مَجَازٌ لِلْآخَرِ كَمَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقَيْ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ بَلْ كَمَا يَمْتَنِعُ اكْتِسَاءُ شَخْصَيْنِ ثَوْبًا وَاحِدًا فِي آنٍ وَاحِدٍ يَلْبَسُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَمَامِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكٌ لِأَحَدِهِمَا، وَعَارِيَّةٌ لِلْآخَرِ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي رُجْحَانِ الْمَتْبُوعِ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ التَّابِعِ أَيْضًا مِثْلَ رَأَيْت أَسَدَيْنِ يَرْمِي أَحَدُهُمَا، وَيَفْتَرِسُ الْآخَرُ، وَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إرَادَةِ التَّابِعِ فَقَطْ بِمَعُونَةِ الْقَرِينَةِ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ مَعَ إرَادَةِ الْمَتْبُوعِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إلَّا إرَادَتُهُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ اسْتِقْرَارِهِ وَحُلُولِهِ فِي الْمَعْنَى، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إرَادَةَ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ تُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمَجْمُوعُ أَوْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلًا تَحْتَ الْمُرَادِ؟ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ اسْتِغْنَاءَ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْقَرِينَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يُفْهَمُ بِلَا قَرِينَةٍ، وَهُوَ لَا يُنَافِي نَصْبَ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمَجَازَ يَفْتَقِرُ إلَى قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيُنَافِي الْحَقِيقَةَ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ لَا كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا مَعًا، وَالْمَشْرُوطُ
- عليه السلام «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا مَا وُضِعَتْ لَهُ وَلَا الْمَسُّ بِالْيَدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] لِأَنَّ الْوَطْءَ وَهُوَ الْمَجَازُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ فِي الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَهُوَ الْمُعْتَقُ مَجَازٌ فِي مُعْتَقِ الْمُعْتَقِ فَإِذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ لَا يَسْتَحِقُّ مُعْتَقُ الْمُعْتَقِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتَقِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ أَوْ لِأَبْنَائِهِ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنُو بَنِينَ فَالْوَصِيَّةُ لِأَبْنَائِهِ دُونَ بَنِي بَنِيهِ أَمَّا دُخُولُ بَنِي الْبَنِينَ فِي الْأَمَانِ فِي قَوْلِهِ آمِنُونَا عَلَى أَوْلَادِنَا فَلِأَنَّ الْأَمَانَ لِحَقْنِ الدَّمِ فَيَبْتَنِي عَلَى الشُّبُهَاتِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ (وَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْحِنْثِ إذَا دَخَلَ حَافِيًا أَوْ مُتَنَعِّلًا أَوْ رَاكِبًا فِي لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ لَا يَدْخُلُ فَيَحْنَثُ كَيْفَ دَخَلَ فَلِهَذَا مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ) اعْلَمْ أَنَّهُ تُذْكَرُ هُنَا مَسَائِلُ تَتَرَاءَى أَنَّا جَمَعْنَا فِيمَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ
ــ
[التلويح]
بِالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ هُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مَجَازًا لَا إرَادَةَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَيْ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِنَوْعِ عَلَاقَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ عَيْنُ النِّزَاعِ فَإِنْ قِيلَ فَاللَّفْظُ فِي الْمَجْمُوعِ مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ مَشْرُوطٌ بِالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُرَادًا، وَهَذَا مُحَالٌ قُلْنَا الْمَوْضُوعُ لَهُ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَحْدَهُ فَيَجِبُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَهِيَ لَا تُنَافِي كَوْنَهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْمُرَادِ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ مُحَالٌ شَرْعًا، وَحُصُولُ الشَّخْصَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ يَشْغَلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَمَامِهِ مُحَالٌ عَقْلًا فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحَالَةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا؟ ، وَإِنْ كَانَ تَوْضِيحًا وَتَمْثِيلًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى اسْتِحَالَةِ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ، وَدَعْوَى الضَّرُورَةِ فِيهَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُ اللَّفْظَ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا لِيَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِعْمَالِ الثَّوْبِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ بَلْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا قَطْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ) أَوْرَدَ فِي الْمَتْنِ مِنْ فُرُوعِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةً لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ إرَادَةُ الْمَجَازِ فَيَمْتَنِعُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ كَالْمُلَامَسَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] أُرِيدَ بِهَا الْوَطْءُ مَجَازًا بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى حَلَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ فَلَا يُرَادُ الْمَسُّ بِالْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ لَا إجْمَاعَ مَعَ مُخَالَفَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَعِنْدَهُ الْمُرَادُ بِهَا الْمَسُّ بِالْيَدِ، وَلَا صِحَّةَ لِتَيَمُّمِ الْجُنُبِ قُلْنَا أَرَادَ إجْمَاعَ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ بَلْ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ، وَجَوَّزَ تَيَمُّمَ الْجُنُبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا يُقَالُ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْوَطْءُ، وَيَحِلُّ تَيَمُّمُ الْجُنُبِ أَوْ لَمْسٌ بِالْيَدِ، وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَوْ رَفَعَ أَمْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَسُّ بِالْيَدِ مَعَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ قَوْلًا بِالْعَدَمِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مُخَالَفَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُرَادُ الْمَجَازُ، وَذَلِكَ إمَّا فِي مُفْرَدٍ كَالْخَمْرِ إذَا
وَالْمَجَازِ أَوَّلُهَا إذَا حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ حَافِيًا أَوْ مُتَنَعِّلًا أَوْ رَاكِبًا وَالدُّخُولُ حَافِيًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْبَاقِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَقَوْلُهُ فِي لَا يَضَعُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ مَهْجُورٌ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنَامَ وَيَضَعَ الْقَدَمَيْنِ فِي الدَّارِ وَبَاقِي الْجَسَدِ يَكُونُ خَارِجَ الدَّارِ وَفِي الْعُرْفِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ لَا يَدْخُلُ (وَكَذَا) أَيْ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ قَوْلُهُ (لَا يَدْخُلُ فِي دَارِ فُلَانٍ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةُ السُّكْنَى) أَيْ يُرَادُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِقَوْلِهِ دَارُ فُلَانٍ كَوْنُ الدَّارِ مَنْسُوبَةً إلَى فُلَانٍ نِسْبَةَ السُّكْنَى إمَّا حَقِيقَةً وَإِمَّا دَلَالَةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِلْكَ فُلَانٍ وَلَا يَكُونُ فُلَانٌ سَاكِنًا فِيهَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِيهَا (وَهِيَ تَعُمُّ الْمِلْكَ وَالْإِجَارَةَ وَالْعَارِيَّةَ لَا نِسْبَةَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَغَيْرَهَا مَجَازًا) أَيْ لَا يُرَادُ نِسْبَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا أَيْ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ (حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ
ــ
[التلويح]
أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَتُهَا فَلَا يُرَادُ غَيْرُهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي السُّكْرِ مِنْهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ سُنَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ مُطْلَقُ اللَّمْسِ الشَّامِلِ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، وَبِالْخَمْرِ مُطْلَقُ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْجَمْعِ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ قُلْنَا لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَحْدَهُ، وَلَا قَرِينَةَ، وَلَوْ سَلِمَ فَخَارِجٌ عَنْ الْمَبْحَثِ، وَأَمَّا فِي نِسْبَةٍ كَمَا إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَهُ مُعْتَقٌ، وَمُعْتَقُ مُعْتَقٍ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَوْلَى زَيْدٍ مَثَلًا حَقِيقَةٌ فِي مُعْتَقِهِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْمُشْتَقِّ تُفِيدُ اخْتِصَاصَ مَعْنَاهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ مَثَلًا مَكْتُوبُ زَيْدٍ مَا يَخْتَصُّ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَكْتُوبِيَّتِهِ لَهُ مَجَازٌ فِي مُعْتَقِ مُعْتَقِهِ لِوُجُودِ الْمُلَابَسَةِ، وَهِيَ كَوْنُ زَيْدٍ سَبَبًا لِعِتْقِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا لَفْظُ الْمَوْلَى فَحَقِيقَةٌ فِي الْعِتْقِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ لَيْسَ بِمَجَازٍ فِي مُعْتَقِ الْمُعْتَقِ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعِتْقُ الْأَوَّلُ أَسْفَلَ لِأَنَّهُ أَصْلٌ، وَالْفُرُوعُ أَعَالِي لِلْأُصُولِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَمَّى أَسْفَلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُعْتِقِ اسْمُ فَاعِلٍ حَيْثُ سَمَّى الْمَوْلَى الْأَعْلَى.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَوْصَى) يُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ أَوْ الْوَلَدِ الْمُضَافَيْنِ شَخْصٌ حَقِيقَةٌ فِي أَبْنَائِهِ وَأَوْلَادِهِ الصُّلْبِيَّةِ مَجَازٌ فِي ابْنِ الِابْنِ فَلَوْ أَوْصَى لِأَبْنَائِهِ، وَلَهُ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ يَسْتَحِقُّ الذُّكُورُ خَاصَّةً عِنْدَهُ، وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إنَاثٌ خَاصَّةً فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبْنَاءٌ وَبَنُو أَبْنَاءٍ يَسْتَحِقُّ الْأَبْنَاءُ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا الْجَمِيعُ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ حَيْثُ يُطْلَقُ الْأَبْنَاءُ عُرْفًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ فَلِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ الصُّلْبِيَّةِ مُخْتَلِطَةً أَوْ مُنْفَرِدَةً، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَوْلَادُ ابْنٍ فَعِنْدَهُ يَسْتَحِقُّ الصُّلْبِيَّةُ خَاصَّةً وَعِنْدَهُمَا الْجَمِيعُ، وَقِيلَ الصُّلْبِيَّاتُ خَاصَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ لَا يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى أَوْلَادِ الِابْنِ بِخِلَافِ الْأَبْنَاءِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ الْكُفَّارُ آمِنُونَا
بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (وَلَا بِالْحِنْثِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحِنْثِ فِي قَوْلِهِ وَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْحِنْثِ (إذَا قَدِمَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ كَذَا يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلنَّهَارِ وَلِلْوَقْتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ يَحْنَثُ إنْ قَدِمَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فَالْيَوْمُ حَقِيقَةٌ فِي النَّهَارِ مَجَازٌ فِي اللَّيْلِ فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا بِالْحِنْثِ وَالْهَاءُ فِي لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْيَوْمِ وَالْمُرَادُ
ــ
[التلويح]
عَلَى أَوْلَادِنَا فَآمَنُوهُمْ، وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ، وَبَنُو أَبْنَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْمَلَ الْأَمَانُ بَنِي الْأَبْنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ يَشْمَلُهُمْ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ شُمُولَ الْأَمَانِ إيَّاهُمْ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمَانَ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ إذْ الْإِنْسَانُ بُنْيَانُ الرَّبِّ فَنَبْتَنِي عَلَى الشُّبُهَاتِ، وَاسْمُ الْأَبْنَاءِ قَدْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْفُرُوعِ مِثْلَ بَنِي آدَمَ وَبَنِي هَاشِمٍ فَجَعَلَ مُجَرَّدَ صُورَةِ الِاسْمِ شُبْهَةً أَثْبَتَ بِهَا الْأَمَانَ لَكِنْ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَفِي إطْلَاقِ الِاسْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا آمَنُوهُمْ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ تَبَعًا فِي تَنَاوُلِ الِاسْمِ لَكِنَّهُمْ أُصُولُ خِلْقَةٍ فَلَا يَدْخُلُونَ بِالدَّلِيلِ الضَّعِيفِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الِاسْمِ لِأَنَّ الْأَصَالَةَ الْخِلْقِيَّةَ تُعَارِضُهُ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ حُرْمَةُ نِكَاحِ الْجَدَّاتِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِأَنَّ لَفْظَ الْأُمَّهَاتِ يَتَنَاوَلُهَا (قَوْلُهُ: وَالدُّخُولُ حَافِيًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ) لِأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي ظَرْفًا لَهُ بِلَا وَاسِطَةٍ كَوَضْعِ الدِّرْهَمِ فِي الْكِيسِ، وَالْكِيسِ فِي الْبَيْتِ، وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هَاهُنَا مَهْجُورٌ إذْ لَوْ اضْطَجَعَ، وَوَضَعَ الْقَدَمَيْنِ فِي الدَّارِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَاقِي جَسَدِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَا يُقَالُ عُرْفًا أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنَامَ وَيَضَعَ الْقَدَمَيْنِ فِي الدَّارِ، وَبَاقِي الْجَسَدِ يَكُونُ خَارِجَ الدَّارِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ خُرُوجَ بَاقِي الْجَسَدِ شَرْطٌ فِي حَقِيقَةِ وَضْعِ الْقَدَمِ، وَلَفْظُ يَنَامُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنْ قُلْت فَالدُّخُولُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِيقَةِ وَضْعِ الْقَدَمِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ، وَالدُّخُولُ حَافِيًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ؟ قُلْت أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا دَخَلَ حَافِيًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ مُتَنَعِّلًا أَوْ رَاكِبًا فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ بِأَنَّ الدُّخُولَ مَاشِيًا حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا قُلْت كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الدُّخُولِ مَاشِيًا، وَهِيَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَعْنِي وَضْعَ الْقَدَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الدُّخُولِ أَوْ بِدُونِهِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ بِلَا دُخُولٍ لَمْ يَحْنَثْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَفِي الْعُرْفِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ لَا يَدْخُلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي مُطْلَقِ الدُّخُولِ.
(قَوْلُهُ يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِ الدَّارِ
بِالْيَوْمِ فِي الْآيَةِ الْوَقْتُ فَالْيَوْمُ حَقِيقَةٌ فِي النَّهَارِ وَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ مَجَازًا فَاحْتَجْنَا إلَى ضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ أَوْ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَالضَّابِطُ هُوَ قَوْلُهُ (فَإِذْ تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ فَلِلنَّهَارِ وَبِغَيْرِ مُمْتَدٍّ فَلِلْوَقْتِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا نُسِبَ إلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ بِغَيْرِ فِي يَقْتَضِي كَوْنَهُ) أَيْ كَوْنَ ظَرْفِ الزَّمَانِ (مِعْيَارًا لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ وَالْمُرَادُ بِالْمِعْيَارِ ظَرْفٌ لَا يَفْضُلُ عَنْ الْمَظْرُوفِ كَالْيَوْمِ لِلصَّوْمِ وَهَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ يَأْتِي فِي كَلِمَةٍ فِي فَصْلِ حُرُوفِ الْمَعَانِي (فَإِنْ امْتَدَّ الْفِعْلُ امْتَدَّ الْمِعْيَارُ فَيُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ) لِأَنَّ النَّهَارَ أَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَمْتَدَّ) أَيْ لِلْفِعْلِ (كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ هُنَا)
ــ
[التلويح]
مُضَافَةً إلَى فُلَانٍ نِسْبَةُ السُّكْنَى بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّارَ لَا تُعَادَى، وَلَا تُهْجَرُ لِذَاتِهَا بَلْ لِبَعْضِ سَاكِنِهَا إلَّا أَنَّ السُّكْنَى قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا فَيَحْنَثَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ تَكُونُ مِلْكًا لِفُلَانٍ، وَلَا يَكُونُ هُوَ سَاكِنًا فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا أَوْ لَا لِقِيَامِ دَلِيلِ السُّكْنَى التَّقْدِيرِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ النِّسْبَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ
1 -
(قَوْلُهُ فَإِذَا تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ) هُوَ مَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِمُدَّةٍ مِثْلَ لَبِسْتُ الثَّوْبَ يَوْمَيْنِ، وَرَكِبْتُ الْفَرَسَ يَوْمًا بِخِلَافِ قَدِمْت يَوْمَيْنِ، وَدَخَلْت ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْيَوْمُ لَا الْفِعْلُ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْيَوْمُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ فِي النَّهَارِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْيَوْمُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَنْسُوبَ إلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ بِوَاسِطَةِ تَقْدِيرِ فِي دُونَ ذِكْرِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ الظَّرْفِ مِعْيَارًا لَهُ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِثْلَ صُمْتُ الشَّهْرَ يَدُلُّ عَلَى صَوْمِ جَمِيعِ أَيَّامِهِ بِخِلَافِ صُمْت فِي الشَّهْرِ فَإِذَا امْتَدَّ الْفِعْلُ امْتَدَّ الظَّرْفُ لِيَكُونَ مِعْيَارًا لَهُ فَيَصِحُّ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ مَا امْتَدَّ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الْغُرُوبِ، وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ الْفِعْلُ لَمْ يَمْتَدَّ الظَّرْفُ لِأَنَّ الْمُمْتَدَّ لَا يَكُونُ مِعْيَارًا لِغَيْرِ الْمُمْتَدِّ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى النَّهَارِ الْمُمْتَدِّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنْ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا، وَهُوَ الْآنَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النَّهَارِ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] فَإِنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، أَوْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْآنَ جُزْءٌ مِنْ الْآنَ الْيَوْمِيِّ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ الْآنَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ فَنُحَقِّقُ الْعَلَاقَةَ، وَكَلَامُ الْمُحِيطِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْيَوْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَبَيْنَ بَيَاضِ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ الْمُتَعَارَفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ، وَفِي بَيَاضِ النَّهَارِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ، وَاسْتِعْمَالُ النَّاسِ حُجَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، فَإِنْ قُلْت قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا فِي مِثْلِ
أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ (لَا يَمْتَدُّ الْمِعْيَارُ فَيُرَادُ بِهِ الْآنَ) إذْ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ النَّهَارِ بِالْيَوْمِ فَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْآنَ وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ الْآنَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَلِأَنَّ الْعَلَاقَةَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَمُطْلَقِ الْآنَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْآنَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ (وَلَا بِالْحِنْثِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحِنْثِ الَّذِي سَبَقَ (بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عِنْدَهُمَا فِي لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بَاطِنُهَا عَادَةً فَيَحْنَثُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ)(وَلَا يَرِدُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْ عَلَى مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ
ــ
[التلويح]
أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك أَوْ أُكَلِّمُك إنَّ التَّزَوُّجَ أَوْ التَّكَلُّمَ لَا يَمْتَدُّ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِيمَانِ الْهِدَايَةِ قُلْت هُوَ مِنْ تَسَامُحَاتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجَوَابُ لِتَوَافُقِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فِي الِامْتِدَادِ، وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفْنَا فِي مِثْلِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الظَّرْفُ، لَا مَا أُضِيفَ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَدِمَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا مِمَّا يَمْتَدُّ فَإِنْ قُلْت التَّكَلُّمُ مِمَّا يَقْبَلُ التَّقْدِيرَ بِالْمُدَّةِ فَكَيْفَ جَعَلُوهُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ قُلْت امْتِدَادُ الْأَعْرَاضِ إنَّمَا هُوَ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَالرُّكُوبِ فَمَا يَكُونُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجُعِلَ كَالْعَيْنِ الْمُمْتَدِّ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا يَتَحَقَّقُ تَجَدُّدُ الْأَمْثَالِ فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ الْيَوْمَ ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ كَذَلِكَ هُوَ ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَجِبُ امْتِدَادُهُ بِامْتِدَادِهِ، وَعَدَمُهُ بِعَدَمِ امْتِدَادِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْآنَ عِنْدَ عَدَمِ امْتِدَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت هُوَ ظَرْفٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بِتَقْدِيرِ فِي كَمَا فِي صُمْت الشَّهْرَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ الظَّرْفِ مِعْيَارًا لَهُ فَيَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ، وَيَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ الَّذِي يَرْكَبُ فِيهِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ وُقُوعُ الْفِعْلِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ظَرْفِيَّتَهُ لِلْعَامِلِ قَصْدِيَّةٌ لَا ضِمْنِيَّةٌ، وَحَاصِلَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لَا مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَاعْتِبَارُ الْعَامِلِ أَوْلَى عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الدَّلِيلِ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَعَمَّا قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّ امْتِدَادَ الْفِعْلِ يَقْتَضِي امْتِدَادَ الظَّرْفِ وَعَدَمَهُ يَقْتَضِي عَدَمَهُ لَكِنْ مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ فِي الْأَوَّلِ حَمْلُهُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ؟ فَإِنْ قُلْت كَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ مِثْلَ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْعَدُوُّ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ، وَبِالْعَكْسِ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ نَصُومُ، وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْخُلُوِّ عِنْدَ الْمَوَانِعِ، وَلَا يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ
بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (فِيمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ وَنَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ نَذْرٌ وَيَمِينٌ) هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ (حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُمْ يَجِبُ الْقَضَاءُ) لِكَوْنِهِ نَذْرًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَوْنِهِ يَمِينًا فَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَإِذَا كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي النَّذْرِ مَجَازٌ فِي الْيَمِينِ (لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَرِدُ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ إيجَابَ الْمُبَاحِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ ضِدِّهِ وَتَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] كَمَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ شِرَاءٌ بِصِيغَتِهِ تَحْرِيرٌ بِمُوجَبِهِ (فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) بَلْ الصِّيغَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلنَّذْرِ وَمُوجَبُ
ــ
[التلويح]
فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَيَحْصُلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ يَقُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَعَلَ التَّخْيِيرَ وَالتَّفْوِيضَ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ مَعَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إنْشَاءُ الْأَمْرِ، وَحُدُوثُهُ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهَا مُخَيَّرَةً وَمُفَوَّضَةً، وَهُوَ مُمْتَدٌّ فَكَذَا كَوْنُهَا مُطَلَّقَةً وَكَوْنُ الْعَبْدِ مُعْتَقًا مُمْتَدٌّ قُلْنَا أُرِيدَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وُقُوعُهُمَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ كَوْنِ الشَّخْصِ مُطَلِّقًا أَوْ مُعْتِقًا بِالزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ بِالْمُدَّةِ، وَفِي التَّخْيِيرِ وَالتَّفْوِيضِ كَوْنُهَا مُخَيَّرَةً وَمُفَوَّضَةً لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَيُفِيدُ تَوْقِيتَهُ بِالْمُدَّةِ فَإِنْ قُلْت ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ، وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ، وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بَاطِنُهَا) أَيْ مَا فِي الْحِنْطَةِ مِنْ الْأَجْزَاءِ يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ أَيْ طَعَامُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ، وَأَكْلُ مَا فِي الْحِنْطَةِ يَعُمُّ أَكْلَ عَيْنِهَا، وَأَكْلُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ دُونَ السَّوِيقِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا جِنْسُ الدَّقِيقِ، وَقِيلَ يَحْنَثُ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا حَقِيقَةُ أَكْلِ الْحِنْطَةِ فَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْأَكْلُ عَلَى نَفْسِ الْحِنْطَةِ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي الْفَمِ فَيَمْضُغَهَا.
(قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرَ مُنَوَّنٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ الرَّجَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ رَجَبٌ بِعَيْنِهِ أَيْ الَّذِي يَأْتِي عَقِيبَ الْيَمِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْقَائِلَ إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا أَوْ يَنْوِيَ النَّذْرَ مَعَ نَفْيِ الْيَمِينِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ يَنْوِيَ الْيَمِينَ مَعَ نَفْيِ النَّذْرِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ يَنْوِيَ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ جَمِيعًا. فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ نَذْرٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالرَّابِعُ يَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ خِلَافٌ، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ، وَنَوَى الْيَمِينَ أَيْ مَعَ نِيَّةِ النَّذْرِ أَوْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِالنَّفْيِ
هَذَا الْكَلَامِ الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ بِالْمُوجَبِ اللَّازِمُ الْمُتَأَخِّرُ، فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لَازِمِهِ لَا تَكُونُ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ يَدُلُّ عَلَى الشَّجَاعَةِ الَّتِي هِيَ لَازِمَةٌ لِلْأَسَدِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ مَجَازًا وَإِنَّمَا الْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ وَيُرَادُ بِهِ لَازِمُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُنَا وَقَعَ فِي خَاطِرِي إشْكَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُ (يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا مُوجَبَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ الْيَمِينَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْقَرِيبَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجَبَهُ يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ) فِي جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ (لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ) لِأَنَّهُ نَوَى الْيَمِينَ وَلَمْ يَنْوِ النَّذْرَ (لَكِنَّهُ يَثْبُتُ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَالْيَمِينُ بِإِرَادَتِهِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِلنَّذْرِ وَهُوَ إنْشَاءٌ فَيَثْبُتُ الْمَوْضُوعُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
ــ
[التلويح]
وَالْإِثْبَاتِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخَامِسُ يَمِينٌ، وَالسَّادِسُ نَذْرٌ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا نَذْرٌ وَيَمِينٌ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ فَمُوجَبُ الْأَوَّلِ الْوَفَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ، وَالْقَضَاءُ عِنْدَ الْفَوْتِ لَا الْكَفَّارَةُ، وَمُوجَبُ الثَّانِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْبِرِّ، وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْفَوْتِ لَا الْقَضَاءُ، وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِي النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا وَلُغَةً، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِرَادَتُهُمَا مَعًا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ أَيْ لَازِمُهُ الْمُتَأَخِّرُ يَمِينٌ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ لِلْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ صَوْمُ رَجَبٍ مَثَلًا، وَإِيجَابُ الْمُبَاحِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ أَيْضًا كَتَرْكِ الصَّوْمِ مَثَلًا لِأَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يُوجِبُ الْمَنْعَ عَنْ ضِدِّهِ، وَتَحْرِيمُ الْمُبَاحِ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ شَرَعَ لَكُمْ تَحْلِيلَهَا بِالْكَفَّارَةِ سَمَّى تَحْرِيمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَارِيَةَ أَوْ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ يَمِينًا فَعَلَى تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُوجِبُ هُوَ نَفْسُ الْيَمِينِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَمِينٌ بِوَاسِطَةِ مُوجَبِهِ أَيْ أَثَرِهِ الثَّابِتِ بِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ لُزُومُ الْمُنْذَرِ الَّذِي هُوَ جَائِزُ التَّرْكِ فِي نَفْسِهِ إذْ لَا نَذْرَ فِي الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ فَصَارَ النَّذْرُ تَحْرِيمًا لِلْمُبَاحِ بِوَاسِطَةِ مُوجَبِهِ أَيْ حُكْمِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لَازِمِ مَعْنَاهُ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي اللَّازِمِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ اللَّازِمَ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى وَلَازِمِهِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ، وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا فَفَهْمُ الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمُرَادِ فَاللَّفْظُ حِينَئِذٍ مَجَازٌ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءُ الْمُرَادِ أَوْ لَازِمُهُ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ كَمَا إذَا فُهِمَ الْجِدَارُ مِنْ لَفْظِ الْبَيْتِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَاهُ، وَفُهِمَ الشَّجَاعَةُ مِنْ لَفْظِ الْأَسَدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي السَّبُعِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا، وَالْيَمِينُ لَازِمٌ لَهَا فَلَا جَمْعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ هُوَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا
وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَكِنْ فِي الْإِنْشَاءَاتِ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكَلَامِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ فَالْحَقِيقِيُّ لِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَالْمَجَازِيُّ إنْ أَرَادَ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَى النَّذْرَ مَعَ نَفْيِ الْيَمِينِ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ عَمَلًا بِالصِّيغَةِ وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ فَنَذْرٌ وَيَمِينٌ، أَمَّا النَّذْرُ فَبِالصِّيغَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِرَادَةِ فِيمَا نَوَاهُمَا وَأَمَّا الْيَمِينُ فَبِالْإِرَادَةِ، وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ مَعَ نَفْيِ النَّذْرِ فَيَمِينٌ فَقَطْ وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدْته إشْكَالًا وَهُوَ قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ النَّذْرُ أَيْضًا إذَا نَوَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِنَذْرٍ) لِأَنَّ النَّذْرَ يَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (قُلْنَا لَمَّا نَوَى مَجَازَهُ وَنَفَى حَقِيقَتَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً) لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا نَفَى النَّذْرَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ حَتَّى يُوجِبَهُ الْقَاضِي وَلَا يُصَدِّقُهُ فِي نَفْيِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَرَدْتُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَنَفَيْتُ الْحَقِيقِيَّ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ فَقَضَاءُ الْقَاضِي أَصْلٌ فِيهِ.
ــ
[التلويح]
لَا كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَالْمَجَازُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَلِهَذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَحْرِيرِ الْمَبْحَثِ عَنْ عِبَارَةِ الْقَوْمِ إلَى قَوْلِهِ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا فَإِذَا أُرِيدَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلصِّيغَةِ وَلَازِمُهُ الْمُتَأَخِّرُ كَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ سَوَاءٌ سُمِّيَتْ الصِّيغَةُ مَجَازًا أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ) يَعْنِي أَصْلَ الْإِشْكَالِ الْمُتَوَهَّمِ عَلَى مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا الْإِشْكَالَ الْوَارِدَ عَلَى جَوَابِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا الْمَقَالِ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ تَحَقَّقَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا، وَلَا مَعْنَى لِلْجَمْعِ إلَّا هَذَا فَإِنْ قُلْت لَا عِبْرَةَ بِإِرَادَةِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِلْإِرَادَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ قُلْت فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا وَقَعَ فِي خَاطِرِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى سَبِيلِ التَّوَارُدِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ مَعَ الْجَوَابِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ الصِّيغَةُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَرَجَتْ الْيَمِينُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً فَصَارَتْ كَالْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ فَلَا تَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَالثَّانِي أَنَّ تَحْرِيمَ تَرْكِ الْمَنْذُورِ يَثْبُتُ بِمُوجَبِ النَّذْرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ يَمِينًا إلَّا عِنْدَ الْقَصْدِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ إعْتَاقًا قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ وَمِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ بِاَللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَاَللَّهِ مَا غَرَبَتْ