المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التقسيم الثالث في ظهور المعنى وخفائه] - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌[التقسيم الثالث في ظهور المعنى وخفائه]

الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ) الْمَعْنَى، وَخَفَائِهِ اللَّفْظُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمُرَادُ يُسَمَّى ظَاهِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ثُمَّ إنْ زَادَ الْوُضُوحُ بِأَنْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ يُسَمَّى نَصًّا، ثُمَّ إنْ زَادَ حَتَّى سَدَّ بَابَ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ يُسَمَّى مُفَسَّرًا، ثُمَّ إنْ زَادَ حَتَّى سَدَّ بَابَ احْتِمَالِ النَّسْخِ أَيْضًا يُسَمَّى مُحْكَمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ نَصٌّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا؛ لِأَنَّهُ فِي

ــ

[التلويح]

طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْبَيْنُونَةِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ بِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ بِاعْتِبَارِ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ

[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

(قَوْلُهُ التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ) لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الْمَعْنَى عَنْهُ، وَخَفَائِهِ، وَمَرَاتِبِ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ فَبِاعْتِبَارِ الظُّهُورِ يَنْحَصِرُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الظَّاهِرُ، وَالنَّصُّ، وَالْمُفَسَّرُ، وَالْمُحْكَمُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الظَّاهِرِ ظُهُورُ الْمُرَادِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَسُوقًا لَهُ أَوْ لَا، وَفِي النَّصِّ كَوْنُهُ مَسُوقًا لِلْمُرَادِ سَوَاءٌ احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ أَوْ لَا، وَفِي الْمُفَسَّرِ عَدَمُ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ سَوَاءٌ احْتَمَلَ النَّسْخَ أَوْ لَا، وَفِي الْمُحْكَمِ عَدَمُ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ مَثَّلُوا لِلظَّاهِرِ بِنَحْوِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] الْآيَةَ، وَنَحْوُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ فَتَكُونُ الْأَرْبَعَةُ أَقْسَامًا مُتَمَايِزَةً بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ مُتَدَاخِلَةً بِحَسَبِ الْوُجُودِ إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا أَقْسَامٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ كَوْنِهِ مَسُوقًا لِلْمَعْنَى الَّذِي يُجْعَلُ ظَاهِرًا فِيهِ، وَفِي النَّصِّ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ أَوْ التَّأْوِيلِ، أَيْ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ الْخَاصِّ نَصًّا، وَفِي الْمُفَسَّرِ احْتِمَالُ النَّسْخِ، وَسَيَجِيءُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ، ثُمَّ إنْ زَادَ الْوُضُوحُ) أَتَى بِصَرِيحِ الْوُضُوحِ دُونَ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الظُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوحَ فَوْقَ الظُّهُورِ، وَلِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ فِي النَّصِّ، وَالْمُفَسَّرِ، وَالْمُحْكَمِ دُونَ الظُّهُورِ (قَوْلُهُ بِأَنْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ) دَالٌّ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ هُوَ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِلْمُرَادِ فَإِنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَى شَيْءٍ، وَسَوْقَهُ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْأَوَّلِ، فَإِذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَسُوقٌ لَهُ فَهُوَ نَصٌّ فِيهِ مِنْ نَصَصْت الشَّيْءَ رَفَعْته، وَنَصَصْت الدَّابَّةَ اسْتَخْرَجْت مِنْهَا بِالتَّكَلُّفِ سَيْرًا فَوْقَ سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ حَتَّى سَدَّ بَابَ التَّأْوِيلِ) مِنْ أَوَّلْت الشَّيْءَ صَرَفْته، وَرَجَعْته، وَهُوَ انْكِشَافُ اعْتِبَارِ دَلِيلٍ يَصِيرُ الْمَعْنَى بِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ، وَالتَّفْسِيرُ مُبَالَغَةُ الْفَسْرِ، وَهُوَ الْكَشْفُ فَيُرَادُ بِهِ كَشْفٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْمُرَادِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ التَّفْسِيرُ بِالرَّأْيِ دُونَ التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ الظَّنُّ بِالْمُرَادِ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ بِلَا جَزْمٍ فَيَقْبَلُهُ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا أَبْعَدَ دُونِ الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ

ص: 238

جَوَابِ الْكُفَّارِ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا (وقَوْله تَعَالَى {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ) ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ قَدْ عُلِمَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُقَيَّدٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا فَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ هَذَا الْقَيْدِ نَحْوُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «بِيعُوا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» (وَنَظِيرُ الْمُفَسَّرِ قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] أَوْ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] ، وَالْمُحْكَمِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] . وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» )

النَّظِيرُ أَنَّ الْأَوَّلَانِ لِلْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ مَذْكُورَانِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَفِي

ــ

[التلويح]

أَصْلًا (قَوْلُهُ، ثُمَّ إنْ زَادَ) أَيْ الْوُضُوحُ حَتَّى سَدَّ احْتِمَالَ النَّسْخِ، أَيْضًا كَمَا سَدَّ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ، وَالْمُرَادُ نَسْخُ الْمَعْنَى إذْ الْمُحْكَمُ يَحْتَمِلُ فِي زَمَنِ الْوَحْيِ نَسْخَ اللَّفْظِ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ، وَلَا حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ، وَالْحَائِضُ يُسَمَّى مُحْكَمًا مِنْ أَحْكَمْت الشَّيْءَ، أَيْ أَتْقَنْته، وَبِنَاءٌ مُحْكَمٌ مَأْمُونُ الِانْتِقَاضِ، وَقِيلَ: مِنْ أَحْكَمْت فُلَانًا مَنَعْته فَالْحُكْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ وَمَنْ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ، وَالتَّبْدِيلُ، وَاعْتَبَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُحْكَمِ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ لَا زِيَادَةَ الْوُضُوحِ حَيْثُ قَالَ: فَإِذَا ازْدَادَ قُوَّةً، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَحْكَامِ، وَعَدَمَ احْتِمَالِ النَّسْخِ، وَأَيْضًا إذَا بَلَغَ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ أَصْلًا فَلَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ، نَعَمْ يَزْدَادُ قُوَّةً بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدٍ وَتَأْيِيدٍ يَدْفَعُ عَنْهُ احْتِمَالَ النَّسْخِ وَالِانْتِقَاضِ.

ثُمَّ إنَّهُ بَيَّنَ وَجْهَ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِلْمُرَادِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي الْمُفَسَّرِ، وَالْمُحْكَمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا النَّسْخَ أَوْ لَحِقَهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ أَوْ يُفِيدُ الدَّوَامَ، وَالتَّأْبِيدَ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] مِثَالٌ لِلظَّاهِرِ، وَالنَّصِّ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْوَاحِدَ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، نَصًّا فِي مَعْنًى آخَرَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي حِلِّ الْبَيْعِ، وَحُرْمَةِ الرِّبَا إلَّا أَنَّهُ مَسُوقٌ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا رَدًّا عَلَى الْكَفَرَةِ الْقَائِلِينَ بِتَمَاثُلِهِمَا، ثُمَّ أَوْرَدَ مِثَالًا آخَرَ يَكُونُ الظَّاهِرُ بِاعْتِبَارِ لَفْظٍ، وَالنَّصُّ بِاعْتِبَارِ لَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، أَيْ انْكِحُوا الطَّيِّبَاتِ لَكُمْ مَعْدُودَاتٍ هَذَا الْعَدَدَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا فَإِنَّ لَفْظَ انْكِحُوا ظَاهِرٌ فِي حِلِّ النِّكَاحِ إذْ لَيْسَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ الْعَدَدِ فَيَكُونُ نَصًّا فِيهِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ مَثْنَى، وَثُلَاثَ، وَرُبَاعَ.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى كَوْنِهِ مَسُوقًا لِإِثْبَاتِ الْعَدَدِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ حِلَّ النِّكَاحِ قَدْ عُلِمَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَالْحَمْلُ عَلَى قَصْدِ فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْآيَةِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ تِلْكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ

ص: 239

التَّمْثِيلِ بِهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ أَنَّ الْمُفَسَّرَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ وَالْمُحْكَمَ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ، وَالْمِثَالَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِحَسَبِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا قَبُولَ النَّسْخِ وَعَدَمَهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُفَسَّرٌ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ مَا يَمْنَعُ النَّسْخَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِحَسَبِ

ــ

[التلويح]

إذَا أُورِدَ بِشَيْءٍ مُقَيَّدٍ بِقَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا فَهُوَ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْقَيْدِ كَقَوْلِهِ عليه السلام «بِيعُوا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قَرَّرَهُ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ: مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى قَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فَذَلِكَ الْقَيْدُ هُوَ مَنَاطُ الْإِفَادَةِ، وَمُتَعَلَّقُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، وَمَرْجِعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَقَيْدُ الشَّيْءِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ: النَّظِيرَانِ الْأَوَّلَانِ) أَوْرَدَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُفَسَّرِ، وَالْمُحْكَمِ مِثَالَيْنِ فَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْمُفَسَّرِ هُوَ قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] ، وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْمُحْكَمِ هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ فِي الْمُحْكَمِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ احْتِمَالِ النَّسْخِ بِاعْتِبَارِ لَفْظٍ دَالٍ عَلَى الدَّوَامِ، وَالتَّأْبِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُحْكَمًا، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ أُرِيدَ عَدَمُ احْتِمَالِ النَّسْخِ بِاعْتِبَارِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ الْكَلَامِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] ، أَيْضًا مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحْتَمِلُ النَّسْخَ لِتَعَالِيهِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ، وَمَبْنَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَاشْتِرَاطِ احْتِمَالِ النَّسْخِ فِي الْمُفَسَّرِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُفَسَّرَ هُوَ قَوْله تَعَالَى {الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قَوْلِهِ فَسَجَدُوا إلَّا فَالْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، وَبِقَوْلِهِ كُلُّهُمْ ازْدَادَ وُضُوحًا فَصَارَ نَصًّا، وَبِقَوْلِهِ أَجْمَعُونَ انْقَطَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَصَارَ مُفَسَّرًا، وَقَوْلُهُ: فَسَجَدَ إخْبَارٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَيَكُونُ مُحْكَمًا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نَسْخَ الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي كَلَامٍ دَالٍّ عَلَى حُكْمٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي الْمُفَسَّرِ احْتِمَالُ النَّسْخِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُفِيدًا لِحُكْمٍ، وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] لَا يَصْلُحُ مِثَالًا لِلْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى إبْلِيسَ فَيَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلتَّخْصِيصِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ إبْلِيسَ مِنْ الْجِنِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ، وَعَدَّ إبْلِيسُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ

ص: 240

مَحَلِّ الْكَلَامِ أَوْ أَعَمَّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِسُجُودِ الْمَلَائِكَةِ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ كَمَا أَنَّ الْإِخْبَارَ بِعِلْمِ اللَّهِ لَا يَقْبَلُهُ فَلِأَجَلِ هَذَا أَوْرَدْت مِثَالَيْنِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] مُفَسَّرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَافَّةً سَدٌّ لِبَابِ التَّخْصِيصِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ لِكَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَقَوْلَهُ عليه السلام «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» سَدٌّ لِبَابِ النَّسْخِ (وَالْكُلُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَإِذَا خَفِيَ فَإِنْ خَفِيَ لِعَارِضٍ يُسَمَّى خَفِيًّا، وَإِنْ خَفِيَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ أُدْرِكَ عَقْلًا فَمُشْكِلٌ أَوْ بَلْ نَقْلًا فَمُجْمَلٌ أَوْ لَا أَصْلًا فَمُتَشَابِهٌ، فَالْخَفِيُّ كَآيَةِ السَّرِقَةِ خَفِيَتْ فِي حَقِّ النَّبَّاشِ وَالطَّرَّارِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِاسْمٍ آخَرَ، فَيُنْظَرَ إنْ كَانَ الْخَفَاءُ لِمَزِيَّةٍ يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ، وَلِنُقْصَانٍ لَا، وَالْمُشْكِلُ إمَّا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَإِنَّ غَسْلَ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَاجِبٌ وَغَسْلَ بَاطِنِهِ سَاقِطٌ فَوَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي الْفَمِ فَإِنَّهُ بَاطِنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِابْتِلَاعِ الرِّيقِ وَظَاهِرٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَفْسُدَ بِدُخُولِ شَيْءٍ فِي الْفَمِ فَاعْتَبَرْنَا الْوَجْهَيْنِ فَأُلْحِقَ بِالظَّاهِرِ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى) .

حَتَّى وَجَبَ غَسْلُهُ فِي

ــ

[التلويح]

عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلِهَذَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] بَلْ الْجَوَابُ مَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]، أَيْضًا لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ مُفَسَّرًا قُلْنَا: الْمُرَادُ الِاحْتِمَالِ فِي زَمَنِ الْوَحْيِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْقُرْآنِ بِمُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ وَمِثْلُهُ يُسَمَّى مُحْكَمًا لِغَيْرِهِ لِيَشْمَلَ الظَّاهِرَ، وَالنَّصَّ، وَالْمُفَسَّرَ، وَالْمُحْكَمَ (قَوْلُهُ وَالْكُلُّ) أَيْ الظَّاهِرُ، وَالنَّصُّ، وَالْمُفَسَّرُ، وَالْمُحْكَمُ يُوجِبُ الْحُكْمَ، أَيْ يُثْبِتُهُ قَطْعًا، وَيَقِينًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ وُجُوبُ الْعَمَلِ وَاعْتِقَادُ حَقِّيَّةِ الْمُرَادِ لَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَطْعًا وَيَقِينًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا قَاطِعٌ لِلْيَقِينِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ الدَّلِيلِ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يُفِيدُ الْقَطْعَ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ يُفِيدُ الظَّنَّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ احْتِمَالُ غَيْرِ الْمُرَادِ مِمَّا يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ عِنْدَ التَّعَارُضِ) فَيُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالْمُفَسَّرُ عَلَيْهِمَا، وَالْمُحْكَمُ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَوْضَحِ، وَالْأَقْوَى أَوْلَى، وَأَحْرَى، وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِينَ بِحَمْلِ الظَّاهِرِ مَثَلًا عَلَى احْتِمَالِهِ الْآخَرِ الْمُوَافِقِ لِلنَّصِّ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ظَاهِرٌ فِي حِلِّ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ الْمُحَرَّمَاتِ وقَوْله تَعَالَى {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَصٌّ فِي وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَيُعْمَلُ بِهِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِحَمْلِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّوْقِيتِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» مُفَسَّرٌ فَيُعْمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ، وَإِذَا خَفِيَ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ فَخَفَاؤُهُ إمَّا لِنَفْسِ اللَّفْظِ أَوْ لِعَارِضٍ،

ص: 241

الْجَنَابَةِ (وَبِالْبَاطِنِ فِي الصُّغْرَى) فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ (لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] بِالتَّشْدِيدِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَلُّفِ وَالْمُبَالَغَةِ لَا قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ بَدِيعَةٍ نَحْوُ {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 16] فَقَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمُشْكِلُ إمَّا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا أَشْكَلَ هَذَا بِسَبَبِ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارُورَةَ تَكُونُ مِنْ الزُّجَاجِ لَا مِنْ الْفِضَّةِ فَالْمُرَادُ أَنَّ صَفَاءَهَا صَفَاءُ الزُّجَاجِ، وَبَيَاضَهَا

ــ

[التلويح]

الثَّانِي يُسَمَّى خَفِيًّا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يُدْرَكَ الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ أَوْ لَا: الْأَوَّلُ يُسَمَّى مُشْكِلًا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُدْرَكَ الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَوْ لَا يُدْرَكَ أَصْلًا الْأَوَّلُ يُسَمَّى مُجْمَلًا، وَالثَّانِي مُتَشَابِهًا فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَبَايِنَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْمُشْكِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَشْكَلَ عَلَى كَذَا إذَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَالْمُجْمَلُ مِنْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ رَدَّهُ إلَى الْجُمْلَةِ، وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ أَبْهَمَهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَفِيُّ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ.

قُلْنَا الْخَفَاءُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَوْقَ الْخَفَاءِ بِعَارِضٍ، فَلَوْ كَانَ الْخَفِيُّ مَا يَكُونُ خَفَاؤُهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لِلظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْخَفَاءُ) أَيْ خَفَاءُ اللَّفْظِ فِيمَا خَفِيَ فِيهِ لِمَزِيَّةٍ لَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْحُكْمُ كَالطَّرَّارِ فَإِنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ، وَيَقَظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ مِنْ الْبَيْتِ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ، وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ فَيُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فِي ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالنَّبَّاشِ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ لِعَدَمِ الْمُحَافَظَةِ بِالْمَوْتَى فَلَا يُقْطَعُ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ إلْحَاقُ بَاطِنِ الْفَمِ بِالظَّاهِرِ فِي الْغَسْلِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ، وَبِالْبَاطِنِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى لَا يَجِبَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَنَابَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَلُّفِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّطْهِيرِ، وَذَلِكَ فِي غَسْلِ بَاطِنِ الْفَمِ دُونَ تَرْكِهِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ الْكُبْرَى فَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَلْيَقُ، وَتَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا أَرْفَقُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْعَيْنِ فَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ يُورِثُ الْعَمَى فَأُلْحِقَ بِالْبَاطِنِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى التَّطَهُّرِ مَعْلُومٌ لُغَةً، وَشَرْعًا إلَّا أَنَّهُ مُشْتَبِهٌ فِي حَقِّ دَاخِلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ كَآيَةِ السَّرِقَةِ فِي الطَّرَّارِ، وَالنَّبَّاشِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْخَفِيِّ لَا الْمُشْكِلِ.

قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا قَبْلَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ، كَيْفَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَاقٍ بَعْدُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّطَهُّرِ غَسْلُ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ غُمُوضًا لَا يُعْلَمُ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَالتَّأَمُّلُ أَنَّ جَمِيعَ ظَاهِرِ الْبَدَنِ هُوَ الْبَشَرَةُ وَالشَّعْرُ مَعَ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَوْ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا - قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15 - 16] ، أَيْ تَكَوَّنَتْ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ

ص: 242

بَيَاضُ الْفِضَّةِ (، وَالْمُجْمَلُ كَآيَةِ الرِّبَا) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الْفَضْلُ، وَلَيْسَ كُلُّ فَضْلٍ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّ فَضْلٍ فَيَكُونُ مُجْمَلًا، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ اُحْتِيجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ لِيُعْرَفَ عِلَّةُ الرِّبَا وَالْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (، وَالْمُتَشَابِهُ كَالْمُقَطَّعَاتِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ) ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ

ــ

[التلويح]

مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُسْنِهَا فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا فَاسْتَعَارَ الْقَوَارِيرَ لِمَا يُشْبِهُهَا فِي الصَّفَاءِ، وَالشَّفِيفِ اسْتِعَارَةَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، ثُمَّ جَعَلَهَا مِنْ الْفِضَّةِ مَعَ أَنَّ الْقَارُورَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الزُّجَاجِ فَجَاءَتْ اسْتِعَارَةً غَرِيبَةً بَدِيعَةً (قَوْلُهُ، وَالْمُجْمَلُ) وَهُوَ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ خَفَاءً لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِتَزَاحُمِ الْمَعَانِي الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَقْدَامِ كَالْمُشْتَرَكِ، أَوْ لِغَرَابَةِ اللَّفْظِ كَالْهَلُوعِ، أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالرِّبَا.

(قَوْلُهُ، وَالْمُتَشَابِهُ) وَهُوَ مَا خَفِيَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ وَلَا يُرْجَى دَرْكُهُ أَصْلًا كَالْمُقَطَّعَاتِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِثْلُ {الم} [البقرة: 1] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِحُرُوفٍ يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ فِي التَّكَلُّمِ كُلٌّ مِنْهَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَتَسْمِيَتُهَا بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَاتِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَاتِهَا حُرُوفٌ أَوْ لِأَنَّ الْحَرْفَ يُطْلَقُ عَلَى الْكَلِمَةِ (قَوْلُهُ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ، وَنَحْوِهِمَا) مِثْلِ الْعَيْنِ، وَالْقَدَمِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْمَجِيءِ، وَجَوَازِ الرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ النَّصُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ مَعَانِيهَا الظَّاهِرَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الشَّاهِدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِتَنَزُّهِهِ عَنْ الْجِسْمِيَّةِ، وَالْجِهَةِ، وَالْمَكَانِ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهِ يُعْتَقَدُ حَقِّيَّتُهُ، وَلَا يُدْرَكُ كَيْفِيَّتُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْمُقَطَّعَاتِ أَسْمَاءَ السُّوَرِ، وَالْوَجْهَ مَجَازًا عَنْ الرِّضَا، وَالْيَدَ عَنْ الْقُدْرَةِ، أَوْ يَجْعَلُ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْوَجْهُ وَالْيَدُ وَنَحْوُهُمَا تَمْثِيلًا لَا يُعْتَبَرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ تَشْبِيهًا فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَرُبَّمَا يَسْتَدِلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا صِفَاتٌ كَمَا فِي الشَّاهِدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا إلَّا أَنَّا قَاطِعُونَ بِامْتِنَاعِ الْجَارِحَةِ وَالْجِهَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ الْكَيْفِيَّةُ مَجْهُولَةً لَا يُرْجَى دَرْكُهَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُوَ كَمَالٌ فِي الْمَخْلُوقِ رُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانًا فِي الْخَالِقِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّسَتُّرَ عَمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلرُّؤْيَةِ وَالْكَرَامَةِ يَكُونُ مِنْ عَيْبٍ وَنُقْصَانٍ فِي الْمُتَسَتِّرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا.

فَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِغَايَةِ الْعَظَمَةِ كَمَا قِيلَ:

وَلَا سَتْرَ إلَّا هَيْبَةٌ وَجَلَالٌ

وَالْحَقُّ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَتَكُونُ حَقًّا إلَّا أَنَّهُ لَا يُرْجَى دَرْكُ الْكَيْفِيَّةِ فَتَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، لَا يُقَالُ: الرُّؤْيَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْجِهَةِ وَالْمَسَافَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَانَا فَلَا تَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ فِي الرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.

(قَوْلُهُ

ص: 243

وَنَحْوِهِمَا، وَحُكْمُ الْخَفِيِّ الطَّلَبُ، وَالْمُشْكِلِ الطَّلَبُ ثُمَّ التَّأَمُّلُ، وَالْمُجْمَلِ الِاسْتِفْسَارُ ثُمَّ الطَّلَبُ ثُمَّ التَّأَمُّلُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمَا كَمَا فِي الرِّبَا، وَالْمُتَشَابِهِ التَّوَقُّفُ أَيْ حُكْمُ الْمُتَشَابِهِ التَّوَقُّفُ فَهَذَا مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ، وَالْمَجْرُورُ مُقَدَّمٌ، نَحْوُ فِي الدَّارِ زَيْدٌ، وَالْحُجْرَةِ عَمْرٌو (وَعَلَى اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ عِنْدَنَا عَلَى قِرَاءَةِ الْوَقْفِ عَلَى {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عمران: 7] فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَرَأَ بِالْوَقْفِ عَلَى إلَّا اللَّهُ وَقْفًا لَازِمًا، وَالْبَعْضُ قَرَأَ بِلَا وَقْفٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَالرَّاسِخُونَ غَيْرُ عَالِمِينَ بِالْمُتَشَابِهَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَهَذَا أَلْيَقُ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ حَيْثُ جَعَلَ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهَاتِ حَظَّ الزَّائِغِينَ، وَالْإِقْرَارَ بِحَقِيقَتِهِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ دَرْكِهِ حَظَّ الرَّاسِخِينَ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] أَيْ سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَوْ لَمْ نَعْلَمْ، وَالْأَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] سُؤَالًا لِلْعِصْمَةِ عَنْ الزَّيْغِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ الدَّاعِي إلَى اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّذِي يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْفِتْنَةِ وَالضَّلَالَةِ وَأَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ يَقُولُونَ آمَنَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ

ــ

[التلويح]

، وَحُكْمُ الْخَفِيِّ الطَّلَبُ) أَيْ الْفِكْرُ الْقَلِيلُ لِنَيْلِ الْمُرَادِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى أَنَّ خَفَاءَهُ لِمَزِيَّةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَحُكْمُ الْمُشْكِلِ التَّأَمُّلُ، أَيْ التَّكَلُّفُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الْفِكْرِ لِيَتَمَيَّزَ الْمَعْنَى عَنْ إشْكَالِهِ إذْ الْخَفَاءُ فِي الْمُشْكِلِ أَكْثَرُ، وَحُكْمُ الْمُجْمَلِ الِاسْتِفْسَارُ، وَطَلَبُ الْبَيَانِ مِنْ الْمُجْمَلِ فَبَيَانُهُ قَدْ يَكُونُ شَافِيًا لِيَصِيرَ بِهِ الْمُجْمَلُ مُفَسَّرًا كَبَيَانِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَبَيَانِ الرِّبَا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَبْوَابَ الرِّبَا فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى طَلَبِ ضَبْطِ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ثُمَّ تُأَمَّلُ لِتَعْيِينِ الْبَعْضِ، وَزِيَادَةِ صُلُوحِهِ لِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمُتَشَابِهِ التَّوَقُّفُ عَنْ طَلَبِ الْمُرَادِ مَعَ اعْتِقَادِ حَقِّيَّتِهِ بِنَاءً عَلَى قِرَاءَةِ الْوَقْفِ عَلَى، {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ اللَّهِ، وَرَجَّحَهَا بِوَجْهَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْوَقْفِ عَلَى " الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ " الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَلْيَقُ بِالنَّظْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَشَابِهًا جَعَلَ النَّاظِرِينَ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، الزَّائِغِينَ عَنْ الطَّرِيقِ، وَالرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، أَيْ الثَّابِتِينَ الْمُسْتَقِيمِينَ الَّذِينَ لَا يَتَهَيَّأُ اسْتِزْلَالُهُمْ وَتَشْكِيكُهُمْ فَجَعَلَ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ حَظَّ الزَّائِغِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] ، وَجَعَلَ اعْتِقَادَ الْحَقِّيَّةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِدْرَاكِ حَظَّ الرَّاسِخِينَ بِقَوْلِهِ، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] ، أَيْ نُصَدِّقُ بِحَقِّيَّتِهِ سَوَاءٌ عَلِمْنَاهُ أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَكَانَ الْأَلْيَقُ بِالنَّظْمِ أَنْ يُقَالَ: وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ، أَيْ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ

ص: 244

وَالْحَذْفُ خِلَافُ الْأَصْلِ (فَكَمَا اُبْتُلِيَ مَنْ لَهُ ضَرْبُ جَهْلٍ بِالْإِمْعَانِ فِي السَّيْرِ) أَيْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْمُرَادُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَالطَّاقَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (اُبْتُلِيَ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ بِالتَّوَقُّفِ) أَيْ عَنْ طَلَبِهِ، وَهَذَا جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ لِلْإِفْهَامِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَظٌّ فِي الْعِلْمِ بِالْمُتَشَابِهَاتِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إنْزَالِ الْمُتَشَابِهَاتِ فَنُجِيبُ أَنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ الِابْتِلَاءُ فَكَمَا اُبْتُلِيَ الْجَاهِلُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ اُبْتُلِيَ الرَّاسِخُ بِكَبْحِ عِنَانِ ذِهْنِهِ عَنْ التَّأَمُّلِ وَالطَّلَبِ، فَإِنَّ رِيَاضَةَ الْبَلِيدِ تَكُونُ بِالْعَدْوِ، وَرِيَاضَةَ الْجَوَادِ تَكُنْ بِكَبْحِ الْعِنَانِ وَالْمَنْعِ عَنْ السَّيْرِ (، وَهَذَا أَعْظَمُهَا بَلْوًى، وَأَعَمُّهَا جَدْوًى) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِابْتِلَاءِ أَعْظَمُ النَّوْعَيْنِ بَلْوًى، وَالنَّوْعَانِ مِنْ الِابْتِلَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ابْتِلَاءِ الْجَاهِلِ، وَالْعَالِمِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَعْظَمَهُمَا بَلْوًى؛ لِأَنَّ هَذَا الِابْتِلَاءَ هُوَ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُفَوِّضَهُ إلَيْهِ، وَيُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي مَدْرَجَةِ الْعَجْزِ، وَالْهَوَانِ، وَيَتَلَاشَى عِلْمُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ فِي بَحْرِ الْفَنَاءِ اسْمٌ، وَلَا رَسْمٌ

ــ

[التلويح]

الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ بِهِ عَطْفًا لِلرَّاسِخَيْنِ عَلَى اللَّهِ وَتَرْكًا لِلْوَقْفِ عَلَى إلَّا اللَّهُ يَكُونُ يَقُولُونَ كَلَامًا مُبْتَدَأً مُوَضِّحًا لِحَالِ الرَّاسِخِينَ بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ، أَيْ هُمْ يَقُولُونَ، وَالْحَذْفُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَهَكَذَا صَرَّحَ جَارُ اللَّهِ فِي الْكَشَّافِ، وَالْمُفَصَّلِ بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ صَالِحَةٌ لِلِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اعْتِبَارِ حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَقُولُونَ حَالًا مِنْ الْمَعْطُوفِ فَقَطْ أَعْنِي الرَّاسِخُونَ لِعَدَمِ الِالْتِبَاسِ.

(قَوْلُهُ فَكَمَا اُبْتُلِيَ) لَمَّا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهَةِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِمَا لَا يُفْهَمُ، وَإِنْ جَازَ عَقْلًا فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَتَخْصِيصُ الْحَالِ أَعْنِي يَقُولُونَ بِالْمَعْطُوفِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُهَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَهْوَنُ مِنْ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفِيدُ أَصْلًا، وَلَا تَنَاقُضَ فِي حَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ وَمَعْطُوفٍ بِمَعْنَى انْفِرَادِهِمَا بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمَا مِثْلُ: مَا جَاءَنِي إلَّا زَيْدٌ وَعَمْرٌو، أَيْ لَا بَكْرٌ وَلَا خَالِدٌ، أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْخِطَابِ بِالْمُتَشَابِهِ هِيَ الِابْتِلَاءُ فَإِنَّ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ ابْتِلَاؤُهُ بِالْأَمْرِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ كَمَنْ لَهُ ضَرْبٌ مِنْ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ غَايَةُ مُتَمَنَّاهُ فَكَيْفَ يُبْتَلَى بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ضَرْبٌ مِنْ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، فَلِلرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ نَوْعٌ مِنْ الِابْتِلَاءِ، وَلِمَنْ لَهُ ضَرْبٌ مِنْ الْجَهْلِ نَوْعٌ آخَرُ، وَابْتِلَاءُ الرَّاسِخِ أَعْظَمُ النَّوْعَيْنِ بَلْوَى؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي تَرْكِ الْمَحْبُوبِ أَكْثَرُ مِنْ الْبَلْوَى فِي تَحْصِيلِ غَيْرِ الْمُرَادِ، وَأَعُمُّهَا جَدْوًى، أَيْ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ فَثَوَابُهُ أَكْثَرُ فَإِنْ قِيلَ: مَا مِنْ آيَةٍ إلَّا، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ، وَهَذَا كَالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي الْمُتَشَابِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَقُّفَ مَذْهَبُ السَّلَفِ إلَّا أَنَّهُ

ص: 245