المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التعليق بالشرط يوجب العدم عند عدمه] - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌[التعليق بالشرط يوجب العدم عند عدمه]

{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] هَذَا لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ) فَالْعَادَةُ أَنْ لَا يَنْكِحَ الْمُؤْمِنُ إلَّا الْمُؤْمِنَةَ، ثُمَّ أَوْرَدَ مَسْأَلَتَيْنِ يَتَوَهَّمُ فِيهِمَا أَنَّا قَائِلُونَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهُمَا مَسْأَلَتَا الدَّعْوَةِ، وَالشَّهَادَةِ فَقَالَ:(وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا أَمَةٌ، وَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ: الْمَوْلَى الْأَكْبَرُ مِنِّي فَإِنَّهُ نَفَى الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لِتَخْصِيصِهِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كَوْنَهُ نَفْيًا لِلْآخَرَيْنِ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ التَّخْصِيصَ دَالٌّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ (بَلْ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ) فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ أَيْ إلَى الدَّعْوَةِ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ فَلَمَّا سَكَتَ عَنْ الدَّعْوَةِ يَكُونُ بَيَانًا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ.

وَأَيْضًا إنَّمَا انْتَفَى نَسَبُ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا، وَلَمْ تُوجَدْ لَا لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ فِي بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْوَاحِدِ دَعْوَةٌ لِلْجَمِيعِ (لَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ فَإِنَّهَا صَارَتْ بِالْأَوَّلِ أُمَّ وَلَدٍ فَيَثْبُتُ نَسَبَا الْأَخِيرَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ

ــ

[التلويح]

بِالصِّفَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] .

[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

(قَوْلُهُ عَمَلًا بِشَرْطِيَّتِهِ) فَإِنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ، وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا مُؤَثِّرًا فِيهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الشَّرْطُ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الصِّفَةِ مِنْ الْمَقْبُولِ وَالْمُزَيَّفِ جَارٍ هَاهُنَا، وَبِالْجُمْلَةِ دَلَائِلُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَقْوَى حَتَّى ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَذْهَبْ إلَى مَفْهُومِ الصِّفَةِ.

(قَوْلُهُ بِعَيْنِ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلَّةِ الْحُكْمِ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مَعْلُوفَةً فَلَا تُؤَدَّ زَكَاتُهَا لَا يَجِبُ بِذَلِكَ الزَّكَاةُ فِي السَّائِمَةِ خِلَافًا لَهُ، وَأَيْضًا الْحُكْمُ الْمَعْدُومُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ تَعْدِيَتُهُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ) جَوَابٌ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ هَاهُنَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ بَلْ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَالدُّخُولِ فِي مِثْلِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمَعْنَيَانِ الْمَذْكُورَانِ لِلشَّرْطِ كِلَاهُمَا شَائِعٌ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَالشَّرْطُ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الشَّيْءِ، وَلَا مُؤَثِّرًا فِيهِ، وَفِي اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَدَوَاتِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ (وَ) مُسَبِّبِيَّةِ الثَّانِي ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا سَوَاءٌ كَانَ عِلَّةً لِلْجَزَاءِ، مِثْلُ: إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ، أَوْ مَعْلُومًا مِثْلُ إنْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِثْلُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ هُوَ الشَّرْطُ النَّحْوِيُّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ

ص: 279

لَوْ كَانَتْ دَعْوَةُ الْأَكْبَرِ قَبْلَ وِلَادَةِ الْأَخِيرَيْنِ) أَمَّا هَاهُنَا فَلَا فَإِنَّ دَعْوَةَ الْأَكْبَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَادَةِ الْأَخِيرَيْنِ فَلَا يَكُونُ الْأَخِيرَانِ وَلَدَيْ أُمٍّ لِوَلَدٍ بَلْ هُمَا وَلَدَا الْأَمَةِ فَيَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمَا إلَى الدَّعْوَةِ.

(وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فِي أَرَضِ كَذَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُمَا فَهَذَا) أَيْ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ دَالٌّ عَلَى مَا قُلْنَا) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الشُّهُودَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (لِأَنَّ الشَّاهِدَ) دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ (لَمَّا ذَكَرَ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ جَاءَ شُبْهَةٌ، وَبِهَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ، وَنَحْنُ لَا نَنْفِي الشُّبْهَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ أَيْ لَا نَنْفِيَ كَوْنَهُ شُبْهَةً فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَالشُّبْهَةُ كَافِيَةٌ فِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّلَالَةِ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا) أَيْ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ (سُكُوتٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَكَانِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَهُوَ هَاهُنَا) أَيْ ذِكْرُ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ (يَحْتَمِلُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُجَازَفَةِ) فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا مُتَفَحِّصِينَ عَلَى أَحْوَالِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَأَرَادُوا بِنَفْيِ عِلْمِهِمْ بِالْوَارِثِ فِي أَرْضِ كَذَا نَفْيَ وُجُودِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهَا لَكَانُوا عَالِمِينَ بِهِ أَمَّا

ــ

[التلويح]

السَّبَبُ فَالْحُكْمُ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَ سَبَبٌ آخَرُ فَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الْمَفْهُومِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِالْمَفْهُومِ، وَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ.

(قَوْلُهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} [النساء: 25] ، أَيْ، وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ زِيَادَةً فِي الْمَالِ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَلْيَنْكِحْ مَمْلُوكَةً مِنْ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ اسْتِطَاعَةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَيَكُونُ هَذَا حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وَعِنْدَنَا هُوَ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ لَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَنَّ الْمُخَصِّصَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا بِالْعَامِّ، وَلَا نَاسِخًا لَهُ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُنَا فِي الْمُتَرَاخِي أَنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسِخَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَا عَدَمًا أَصْلِيًّا، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا، أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الِاتِّصَالِ، وَلَا نَاسِخًا، أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاتِّصَالِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاتِّصَالِ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَصِّصًا، وَلَا نَاسِخًا يَبْقَى الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَبْلَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَإِنْ قِيلَ: الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ، وَهَذَا فِيمَا ثَبَتَ قَبْلَ الشَّرْطِ مُحَالٌ كَجَوَازِ

ص: 280

سَائِرُ الْأَرَاضِي فَلَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِأَحْوَالِهَا فَخَصُّوا عَدَمَ الْوَارِثِ بِالْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ سَائِرِ الْأَرَاضِي احْتِرَازًا عَنْ الْمُجَازَفَةِ

(وَمِنْهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَمَلًا بِشَرْطِيَّتِهِ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَا يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ، وَعِنْدَنَا الْعَدَمُ لَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْلِيقِ (بَلْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ) حَتَّى لَا يَكُونَ هَذَا الْعَدَمُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَدَمًا أَصْلِيًّا بِعَيْنِ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ ثَمَّتَ يَظْهَرُ هُنَا أَيْضًا (لِأَنَّ الشَّرْطَ يُقَالُ: لِأَمْرٍ خَارِجٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَا يَتَرَتَّبُ كَالْوُضُوءِ، وَقَدْ يُقَالُ: لِلْمُعَلَّقِ بِهِ، وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَالشَّرْطُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يُوجِبُ مَا ذَكَرْتُمْ لَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي) أَيْ يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَالْوُضُوءِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي صِحَّةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ بِهَذَا الْمَعْنَى حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بَلْ لَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوُضُوءِ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ عَدَمُ الْوُضُوءِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِانْتِفَائِهِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ بِدُونِ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَعِنْدَ انْتِفَاءِ الدُّخُولِ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بِسَبَبٍ آخَرَ.

ــ

[التلويح]

نِكَاحِ الْأَمَةِ قُلْنَا يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ فِي الْخَارِجِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَصٍّ آخَرَ كَمَا فِي الْآيَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا فَإِنَّ الْوُجُوبَ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْأَمْرِ مَعَ أَنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُحَالٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا بِنَاءٌ) التَّحْقِيقُ فِي الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَزَاءُ وَحْدَهُ، وَالشَّرْطُ قَيْدٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ، حَتَّى إنَّ الْجَزَاءَ إنْ كَانَ خَبَرًا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَإِنْشَائِيَّةٌ، وَعِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّ مَجْمُوعَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ دَالٌّ عَلَى رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَثُبُوتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الِانْتِفَاءِ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ فَكُلٌّ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فَمَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ التَّعْلِيقَ إيجَابًا لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِعْدَامًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَصَارَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ تَخْصِيصًا وَقَصْرًا لِعُمُومِ التَّقَادِيرِ عَلَى بَعْضِهَا، وَمَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الثَّانِي فَجَعَلَ الْكَلَامَ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ سَاكِتًا عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَصَارَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَدَمًا أَصْلِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ الثُّبُوتِ لَا حُكْمًا شَرْعِيًّا مُسْتَفَادًا مِنْ النَّظْمِ، وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ تَخْصِيصًا إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ حَتَّى يُقْصَرَ عَلَى الْبَعْضِ.

(قَوْلُهُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ) أَيْ وَجَوَّزَ تَعْجِيلَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ

ص: 281

(فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] الْآيَةَ يُوجِبُ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ طَوْلِ الْحُرَّةِ عِنْدَهُ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] عَلَّقَ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ ثَابِتَةً يَثْبُتُ عَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَهُ فَيَصِيرُ مَفْهُومُ هَذِهِ الْآيَةِ مُخَصِّصًا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وَعِنْدَنَا لَمَّا لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا، وَلَا نَاسِخًا لِتِلْكَ الْآيَةِ، فَيَثْبُتُ الْجَوَازُ بِتِلْكَ الْآيَةِ (وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى (أَنَّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ الْمَشْرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَالتَّعْلِيقُ قَيَّدَهُ) أَيْ الْحُكْمَ (بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ، وَأَعْدَمَهُ) أَيْ الْحُكْمَ (عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ) أَيْ لِلتَّعْلِيقِ (تَأْثِيرٌ فِي الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْحُكْمِ (وَنَحْنُ نَعْتَبِرُهُ مَعَهُ) أَيْ نَعْتَبِرُ الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ (فَإِنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ كَلَامٌ وَاحِدٌ أَوْجَبَ الْحُكْمَ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ فَالْمَشْرُوطُ بِدُونِ الشَّرْطِ مِثْلُ أَنْتِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ

ــ

[التلويح]

مَالِيَّةً بِأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَوْ يَكْسُوَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ يَنْعَقِدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَثَرُ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ لَا فِي مَنْعِ السَّبَبِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فِي شَيْءٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قُلْنَا: لَمَّا قُرِّرَ هَذَا الْأَصْلُ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ حَيْثُ كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبًا، وَالدُّخُولُ شَرْطًا أَشَارَ إلَى أَنَّهُ جَازَ فِي السَّبَبِ وَالشَّرْطِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ التَّعْلِيقِ، وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ أَوْ لَا، فَإِنَّ الْحَلِفَ عِنْدَهُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ، وَالْحِنْثُ شَرْطٌ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ إجْمَاعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ حَلَفَ فَلْيُكَفِّرْ إنْ حَنِثَ فَيَصِيرُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَوَّزَ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ لَا بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَنِيِّ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ نَفْسُ الْوُجُوبِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ إجْمَاعًا، وَالْوُجُوبُ فِي الْبَدَنِيِّ: إمَّا عَيْنُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ لَا انْفِكَاكَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَتَعْجِيلُهُ قَبْلَ الشَّرْطِ يَكُونُ تَعْجِيلًا قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحُلُولِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي صَلَاةِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَتَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْأَدَاءِ بَلْ يَظْهَرُ الْأَثَرُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِنَفْسِ الْمَالِ

ص: 282

الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ قَوْلُنَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، إذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا عَنْ الشَّرْطِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ بَلْ مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ كَمَا زَعَمَ (فَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْمَشْرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَا الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ (الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ) نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ لَكِنَّ التَّعْلِيقَ أَخَّرَ الْحُكْمَ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَالتَّعْلِيقُ قَيَّدَ الْحُكْمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ، وَأَعْدَمَ الْحُكْمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ التَّقَادِيرِ فَصَارَ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبًا لِلْحُكْمِ، وَيَكُونُ تَأْثِيرُ التَّعْلِيقِ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ لَا فِي مَنْعِ السَّبَبِيَّةِ (فَأَبْطَلَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ فَإِنَّ وُجُودَ الْمِلْكِ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمُعَلَّقُ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا عُلِّقَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ بِالْمِلْكِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ مَوْجُودٍ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ (وَجُوِّزَ تَعْجِيلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ) فَإِنَّ التَّعْجِيلَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ قَبْلَ: وُجُوبُ الْأَدَاءِ صَحِيحٌ

ــ

[التلويح]

فَلَا يُطَابِقُ أُصُولَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ بِقَرِينَةِ دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَمِنْ تَابَعَهُمَا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَمَعْنَى حُرْمَةِ الْعَيْنِ خُرُوجُهَا أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْفِعْلِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ خُرُوجُهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْحَذْفِ أَوْ الْمَجَازِ، وَأَيْضًا مَعْنَى الْحُرْمَةِ الْمَنْعُ فَمَعْنَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ أَنَّ الْعَبْدَ مُنِعَ عَنْ اكْتِسَابِهِ وَتَحْصِيلِهِ فَالْعَبْدُ مَمْنُوعٌ، وَالْفِعْلُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: لَا تَشْرَبْ هَذَا الْمَاءَ، وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَعْنَى حُرْمَةِ الْعَيْنِ أَنَّهَا مُنِعَتْ عَنْ الْعَبْدِ تَصَرُّفًا فِيهَا فَالْعَيْنُ مَمْنُوعَةٌ وَالْعَبْدُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذَا أَوْكَدُ، وَأَبْلَغُ. وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ إنَّمَا أَنْكَرُوا حُرْمَةَ الْأَعْيَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُمْ نِسْبَةُ خَلْقِ الْقَبِيحِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ قَبِيحٌ، وَالْأَقْرَبُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ أُضِيفَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ كَمَا يُقَالُ: جَرَى النَّهْرُ فَيُقَالُ حُرِّمَتْ الْمَيْتَةُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لِمَعْنًى فِيهَا، وَلَا يُقَالُ: حُرِّمَتْ شَاةُ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لِاحْتِرَامِ الْمَالِكِ لَا لِمَعْنًى فِيهَا.

(قَوْلُهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ الْمُعَلَّقُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَهُمْ فِي بَيَانِ ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ السَّبَبِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ

ص: 283

بِالِاتِّفَاقِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحُلُولِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ، وَهُوَ النِّصَابُ فَالنَّذْرُ الْمُعَلَّقُ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ مَالِيَّةً) فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَّزَ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَإِنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَيَثْبُتُ نَفْسُ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْحِنْثُ (لِأَنَّ الْمَالِيَّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ، وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْبَدَنِيِّ) فَفِي الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ الْفَصْلُ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ ثَابِتٌ كَمَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ بِالشِّرَاءِ، وَوُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْمُطَالَبَةِ فَأَمَّا فِي الْبَدَنِيَّةِ فَلَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَفِي الْمَالِيِّ لَمَّا ثَبَتَ نَفْسُ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ أَفَادَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ، وَفِي الْبَدَنِيِّ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَفِي فَصْلِ الْأَمْرِ يَأْتِي أَنَّ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ لَا يَنْفَكُّ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ.

(وَعِنْدَنَا لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ، وَقَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا عَهِدْنَا مِنْ الْأَصْلِ) ، وَهُوَ أَنَّا نَعْتَبِرُ الْمَشْرُوطَ

ــ

[التلويح]

بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَجُزْءُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ سَبَبًا الثَّانِي: أَنَّ التَّعْلِيقَ مَانِعٌ لِلْمُعَلَّقِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ أَسْبَابًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ وَمُفْضِيًا إلَيْهِ، فَكَمَا لَا يَكُونُ شَطْرُ الْبَيْعِ عِلَّةً لِلْبَيْعِ لِعَدَمِ التَّمَامِ كَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهِيَ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فِيهِ إعْدَامُ مُوجَبِ الْمُعَلَّقِ لَا وُجُودُهُ فَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهَا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْإِيجَابِ فِي وَقْتِهِ لَا لِمَنْعِ الْحُكْمِ فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُقُوعِ، وَأُورِدَ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَحَلِّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ كَمَا إذَا قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَرْجُوَّ الْوُصُولِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ جُعِلَ كَلَامًا صَحِيحًا لَهُ عَرْضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا كَشَطْرِ الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ عُلِّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَى وُجُودِهِ لَغَا مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ) يُشْكِلُ بِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهَا إلَّا بِزِيَادَةِ صَدَاقٍ، فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيَّنَ نَسْخُهُ أَوْ عَدَمُ صِحَّتِهِ.

(قَوْلُهُ، وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْحِنْثُ عِنْدَنَا) لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ

ص: 284

مَعَ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبَا لِلْوُقُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَزَاءَ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ فِي قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ (فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ سَبَبُهَا الْحِنْثُ) ؟ لَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا عِنْدَنَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ قَطْعًا، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ النَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ، هُوَ الْحِنْثُ عِنْدَنَا فَإِنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لَهَا، وَالْحِنْثُ سَبَبٌ.

(وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْمَالُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَدَاءُ فَيَصِيرُ كَالْبَدَنِيَّةِ (وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِنَا (بَيْنَ الشَّرْطِ، وَبَيْنَ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ هَذَيْنِ دَخَلَا عَلَى الْحُكْمِ أَمَّا الْأَجَلُ فَظَاهِرٌ) فَإِنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى

ــ

[التلويح]

أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ، وَوُضِعَتْ لِلْإِفْضَاءِ إلَيْهِ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْبِرِّ فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ مُفْضِيًا إلَيْهَا لِامْتِنَاعِ إفْضَاءِ الشَّيْءِ إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ يَجِبُ تَقَرُّرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسَبَّبِ، وَالْيَمِينُ لَا يَبْقَى عِنْدَ وُجُودِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ نَقْضٌ لِلْيَمِينِ بَلْ السَّبَبُ هُوَ الْحِنْثُ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ وَهَتْكٌ لَكِنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ شَرْطًا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْأَوَّلِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْضِيَ الْيَمِينُ إلَى الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَالْخَلْفِيَّةِ عَنْ الْبِرِّ كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَيْهِمَا وَبَعْدَ الِارْتِكَابِ يَصِيرَانِ سَبَبَيْنِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ؟ وَعَلَى الثَّانِي لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْخَلَفُ أَعْنِي الْكَفَّارَةَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْعِلَّةِ كَالْمَهْرِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ لِإِيجَابِ الْأَصْلِ لَا لِلْبَقَاءِ، وَالْخَلَفُ يَخْلُفُهُ فِي الْبَقَاءِ، وَفِي كَوْنِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْإِحْرَامُ أَوْ الصَّوْمُ نَظَرٌ بَلْ السَّبَبُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ، وَفَرْقُهُ) أَيْ فَرْقُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ بِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ فِي الْمَالِيَّةِ الْوُجُوبُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَيَنْعَقِدُ السَّبَبُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْبَدَنِيَّةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ هُوَ نَفْسُهُ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمَالُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ بَلْ آلَةً يَتَأَدَّى بِهَا الْوَاجِبُ بِمَنْزِلَةِ مَنَافِعِ الْبَدَنِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَالْبَدَنِيَّةِ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ هُوَ الْأَدَاءُ، وَأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا

ص: 285

الثَّمَنِ لَا عَلَى الْبَيْعِ (وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْحَظْرَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَدُخُولُهُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ أَسْهَلُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ فَيَحْتَمِلَانِ الْحَظْرَ) أَيْ الشَّرْطَ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالشَّرْطِ قِمَارًا فَشَرْطُ الْخِيَارِ شَرْطٌ مَعَ الْمُنَافِي فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ يَكُونُ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ وَالْحُكْمِ مَعًا فَدُخُولُهُ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ أَسْهَلُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهِمَا فَأَمَّا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ فَيَحْتَمِلَانِ الشَّرْطَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَدْخُلَ التَّعْلِيقُ فِي السَّبَبِ كَيْ لَا يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ السَّبَبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ

(الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمَا (اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ) إمَّا خَبَرٌ إنْ احْتَمَلَ الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ (مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ كَكَوْنِهِ خَبَرَ مُخْبِرٍ صَادِقٍ (أَوْ إنْشَاءٌ) إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ (وَأَخْبَارُ الشَّارِعِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] (آكَدُ) أَيْ مِنْ الْإِنْشَاءِ (لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْوُجُودِ) اعْلَمْ أَنَّ إخْبَارَ الشَّارِعِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ مَجَازًا، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْأَمْرِ إلَى الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَخْبَارِ يَلْزَمُ كَذِبُ الشَّارِعِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَمْرِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَإِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ عُدِلَ إلَى لَفْظِ الْإِخْبَارِ مَجَازًا (وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ أَقْسَامِهِ هَاهُنَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَالْأَمْرُ، قَوْلُ الْقَائِلِ

ــ

[التلويح]

جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَمُخَالَفَةُ هَوَى النَّفْسِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَدَنِيَّةِ، وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْأَمْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْبَدَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إذْ بِهِ يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ، وَيَنْدَفِعُ الْخُسْرَانُ.

(قَوْلُهُ وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ) لَمَّا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ، وَشَرْطَ الْخِيَارِ فِي أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ (الِانْعِقَادِ) وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ الْحُكْمَ فَقَطْ أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى الثَّمَنِ فَيُفِيدُ تَأْخِيرَ لُزُومِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ وَالْمِلْكَ عَنْ الثُّبُوتِ إذْ لَا جِهَةَ لِتَأْثِيرِ الشَّيْءِ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ دَخَلَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغَبْنِ، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِدُخُولِهِ فِي مُجَرَّدِ الْحُكْمِ بِأَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ وَيَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُمْكِنُ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَسْخُ الْبَيْعِ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَى السَّبَبِ دُخُولٌ عَلَى الْحُكْمِ وَتَأْخِيرٌ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُسَبِّبِ ثَابِتٌ بِهِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فَهُمَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ دُونَ الْإِثْبَاتَاتِ فَيَحْتَمِلَانِ الشَّرْطَ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ التَّعْلِيقُ عَلَى السَّبَبِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ عَنْ سَبَبِهِ، وَأَنْ يُحْمَلَ الشَّيْءُ عَلَى كَمَالِهِ، وَكَمَالُ التَّعْلِيقِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى السَّبَبِ إذْ لَا ضَرُورَةَ هُنَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مُجَرَّدِ الْحُكْمِ وَحَمْلِ

ص: 286