الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَيْدَ يَدُلُّ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.
(وَالْأَوَّلُ) ، وَهُوَ إجْزَاءُ الْمُؤْمِنَةِ (حَاصِلٌ فِي الْمَقِيسِ) ، وَهُوَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ) ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ (فَلَا يُفِيدُ تَعْدِيَتُهُ فَهِيَ) أَيْ التَّعْدِيَةُ (فِي الْمَثَانِي فَقَطْ فَتَعْدِيَةُ الْقَيْدِ تَعْدِيَةُ الْعَدَمِ بِعَيْنِهَا) أَيْ بِعَيْنِ تَعْدِيَةِ الْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَهِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْهَا أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْدِيَةُ الْقَيْدِ غَيْرَ تَعْدِيَةِ الْعَدَمِ فَتَعْدِيَةُ الْعَدَمِ مَقْصُودَةٌ مِنْ تَعْدِيَةِ الْقَيْدِ، وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ تَعْدِيَةَ الْقَيْدِ هِيَ عَيْنُ تَعْدِيَةِ الْعَدَمِ، وَإِنْ سَلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ تَعْدِيَةِ الْقَيْدِ غَيْرُ مَفْهُومِ تَعْدِيَةِ الْعَدَمِ فَتَعْدِيَةُ الْعَدَمِ مَقْصُودَةٌ مِنْ تَعْدِيَةِ الْقَيْدِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ نَحْنُ نُعَدِّي الْقَيْدَ فَثَبَتَ الْعَدَمُ ضِمْنًا بَلْ الْعَدَمُ يَثْبُتُ قَصْدًا، وَهُوَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ (فَتَكُونُ) أَنَّ تَعْدِيَةَ الْقَيْدِ (لِإِثْبَاتِ مَا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ) ، وَهُوَ عَدَمُ إجْزَاءِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهُ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ.
(وَإِبْطَالُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) ، وَهُوَ إجْزَاءُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ)، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] .
(وَكَيْفَ يُقَاسُ مَعَ وُرُودِ النَّصِّ) فَإِنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَقِيسِ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى الْحُكْمِ الْمُعَدَّى أَوْ عَلَى عَدَمِهِ.
(وَلَيْسَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ كَمَا زَعَمُوا لِيَجُوزَ بِالْقِيَاسِ) جَوَابٌ عَنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى جَوَازِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إنْ اقْتَضَى الْقِيَاسُ حَمْلَهُ، وَهُوَ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى الْأَفْرَادِ فَوْقَ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى الْأَفْرَادِ قَصْدِيَّةٌ، وَدَلَالَةَ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا ضِمْنِيَّةٌ، وَالْعَامُّ يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا، وَبَيْنَكُمْ فَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ الْمُطْلَقُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَكُمْ أَيْضًا فَأَجَابَ بِمَنْعِ جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْعَامُّ
ــ
[التلويح]
كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي السِّيَاقِ، وَالسِّيَاقُ قُلْت تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْقَيْدَ فُهِمَ أَنَّ عَدَمَ إجْزَاءِ الْكَافِرَةِ بَاقٍ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ.
(قَوْلُهُ:، وَدَلَالَةُ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَفْرَادِ ضِمْنِيَّةٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ أَوْ إلَى حِصَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مُحْتَمِلَةٍ لِحِصَصٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمُرَادُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْأَفْرَادِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ دُونَ الشُّمُولِ لِظُهُورِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إعْتَاقِ رَقَبَةٍ مَا.
(قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ أَنْتُمْ قَيَّدْتُمْ الرَّقَبَةَ بِالسَّلَامَةِ) مَوْرِدُ الْإِشْكَالِ لَيْسَ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَلْ إبْطَالُ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ بِالْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِي الْمَحْصُولِ جَوَابًا عَمَّا قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ: أَعْتِقْ رَقَبَةً يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْمُكَلَّفِ مِنْ إعْتَاقِ أَيِّ رَقَبَةٍ شَاءَ مِنْ رِقَابِ الدُّنْيَا فَلَوْ دَلَّ الْقِيَاسُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْمُؤْمِنَةُ لَكَانَ الْقِيَاسُ دَلِيلًا عَلَى زَوَالِ الْمُكْنَةِ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْقِيَاسُ نَاسِخًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ
[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلُ حُكْمِ الْمُشْتَرَكِ التَّأَمُّلُ) فِي نَفْسِ الصِّيغَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَالْأَمَارَاتِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ، وَلَمَّا
مُخَصَّصًا بِقَطْعِيٍّ، وَهُنَا يَثْبُتُ الْقَيْدُ ابْتِدَاءً بِالْقِيَاسِ لَا أَنَّهُ قُيِّدَ أَوَّلًا بِالنَّصِّ ثُمَّ بِالْقِيَاسِ فَيَصِيرُ الْقِيَاسُ هُنَا مُبْطِلًا لِلنَّصِّ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَامَّ لَا يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ عِنْدَنَا مُطْلَقًا بَلْ إنَّمَا يُخَصُّ إذَا خُصَّ أَوَّلًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَفِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَمْ يُقَيَّدْ الْمُطْلَقُ بِنَصٍّ أَوَّلًا حَتَّى يُقَيَّدَ ثَانِيًا بِالْقِيَاسِ بَلْ الْخِلَافُ فِي تَقْيِيدِهِ ابْتِدَاءً بِالْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ.
(وَقَدْ قَامَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الْقَتْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ) لِمَا ذَكَرَ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ، وَهُوَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ تَنَزُّلُهُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَذَكَرَ فِيهَا مَانِعًا آخَرَ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي كَفَّارَتِهِ الْإِيمَانُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا دُونَهُ فَإِنَّ تَغْلِيظَ الْكَفَّارَةِ بِقَدْرِ غِلَظِ الْجِنَايَةِ.
(لَا يُقَالُ أَنْتُمْ قَيَّدْتُمْ الرَّقَبَةَ بِالسَّلَامَةِ) هَذَا إشْكَالٌ أَوْرَدَهُ عَلَيْنَا فِي الْمَحْصُولِ، وَهُوَ أَنَّكُمْ قَيَّدْتُمْ الْمُطْلَقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ رَقَبَةً، وَهُوَ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ) أَيْ الْكَامِلِ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى مَاءِ الْوَرْدِ فَلَا يَكُونُ حَمْلُهُ عَلَى الْكَامِلِ تَقْيِيدًا.
(وَلَا يُقَالُ أَنْتُمَا قَيَّدْتُمْ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ زَكَاةٌ» بِقَوْلِهِ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» مَعَ أَنَّهُمَا
ــ
[التلويح]
كَانَ هُنَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَتَأَمُّلٍ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا أَوْرَدَ عَقِيبَ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ امْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ، وَتَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرَكِ فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ فَمِنْ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ النِّسْبَةُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ بِأَنْ يُقَالَ رَأَيْت الْعَيْنَ، وَيُرَادُ بِهَا الْبَاصِرَةُ، وَالْجَارِيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي الدَّارِ الْجَوْنُ أَيْ الْأَسْوَدُ، وَالْأَبْيَضُ، وَأَقْرَأَتْ هِنْدٌ أَيْ حَاضَتْ، وَطَهُرَتْ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ، وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ بِخِلَافِ صِيغَةِ أَفْعَلَ عَلَى قَصْدِ الْأَمْرِ، وَالتَّهْدِيدِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَالْإِبَاحَةِ مَثَلًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فَقِيلَ حَقِيقَةٌ، وَقِيلَ مُجَازٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فَالْعَامُّ عِنْدَهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ مُتَّفِقُ الْحَقِيقَةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلِفُ الْحَقِيقَةِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَقِيلَ لَا يُمْكِنُ لِلدَّلِيلِ الْقَائِمِ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ يَصِحُّ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ مِثْلُ الْعُيُونِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُفْرَدِ فَإِنْ جَازَ
دَخَلَا فِي السَّبَبِ) ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَكُمْ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ إذَا دَخَلَا عَلَى السَّبَبِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
(وَقَيَّدْتُمْ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] مَعَ أَنَّهُمَا فِي حَادِثَتَيْنِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَأَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ قَيْدَ الْإِسَامَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ، وَالْحَوَامِلِ، وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ» ، وَالْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] .
(فَصْلٌ حُكْمُ
ــ
[التلويح]
جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ يَجُوزُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْمُفْرَدِ، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ لَا حَقِيقَةً، وَلَا مَجَازًا أَمَّا حَقِيقَةٌ فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ لِيَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ اسْتِعْمَالًا فِي نَفْسِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونَ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ لَمَا صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ حَقِيقَةً ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ بَلْ لَهُ جُزْءٌ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ مَنْعَ الْمُلَازَمَةِ مُسْتَنِدًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ كَمَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَجْمُوعِ فَجَوَابُهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ حِينَئِذٍ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا فِي أَحَدِ الْمَعَانِي، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا نَعْنِي بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا لِلْمَجْمُوعِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْمُرَادِ لَا جُزْءٌ مِنْ مَعْنًى ثَالِثٍ هُوَ الْمُرَادُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ إلَّا كَوْنُهُ مَوْضُوعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُ بِدُونِ الْآخَرِ أَيْ بِشَرْطِ انْفِرَادِهِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ مُطْلَقًا أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ انْفِرَادِهِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِشَرْطِ الْآخَرِ لِمَا مَرَّ فِي بَيَانِ انْتِفَاءِ وَضْعِهِ لِلْمَجْمُوعِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَثْبُتُ الْمُدَّعِي إمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَإِمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ بِالْمَعْنَى أَيْ جَعْلُهُ بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَلَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَدَائِمًا لَا يُمْكِنُ إلَّا اعْتِبَارُ وَضْعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اعْتِبَارَ كُلٍّ مِنْ الْوَضْعَيْنِ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْآخَرِ ضَرُورَةَ أَنَّ اعْتِبَارَ وَضْعِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ إرَادَةَ هَذَا الْمَعْنَى خَاصَّةً، وَاعْتِبَارَ وَضْعِهِ لِلْمَعْنَى الْآخَرِ يُوجِبُ إرَادَتَهُ خَاصَّةً فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْوَضْعَانِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ صِفَةُ الِانْفِرَادِ عَنْ الْآخَرِ، وَالِاجْتِمَاعُ مَعَهُ بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُرَادًا وَغَيْرُ مُرَادٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ عَرَفَ سَبَبَ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ
الْمُشْتَرَكِ التَّأَمُّلُ حَتَّى يَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَعَانِيهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ لَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَاضِعَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ وُضِعَ الْمُشْتَرَكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَيْ لِلْمَجْمُوعِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَالثَّانِي غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يَضَعْهُ لِلْمَجْمُوعِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ هَذَا صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوعِ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ اسْتِعْمَالًا فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّالِثُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الْوَضْعَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَكُلُّ وَضْعٍ يُوجِبُ أَنَّ الْإِيرَادَ بِاللَّفْظِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِالْمَوْضُوعِ لَهُ، وَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى تَمَامَ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ الْمَوْضُوعَيْنِ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْآخَرِ، وَمَنْ عَرَفَ سَبَبَ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ فَقَوْلُهُ: لَا نَعْلَمُ بِوَضْعٍ
ــ
[التلويح]
امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْوَضْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إمَّا لِلِابْتِلَاءِ إنْ كَانَ الْوَاضِعُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِمَّا لِقَصْدِ الْإِبْهَامِ أَوْ لِغَفْلَةٍ مِنْ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الْوَاضِعِينَ إنْ كَانَ غَيْرَهُ، وَالْوَضْعُ هُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً لَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ اللَّفْظُ، وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ التَّخْصِيصِ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْآخَرِ، وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ مَنْشَؤُهَا اشْتِرَاكُ لَفْظِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ بَيْنَ قَصْرِ الْمُخَصَّصِ عَلَى الْمُخَصَّصِ بِهِ كَمَا يُقَالُ فِي مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ أَنَّهُ لِتَخْصِيصِ زَيْدٍ بِالْقِيَامِ، وَبَيْنَ جَعْلِ الْمُخَصَّصِ مُنْفَرِدًا مِنْ بَيْنِ الْأَشْيَاءِ بِالْحُصُولِ لِلْمُخَصَّصِ بِهِ كَمَا يُقَالُ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] مَعْنَاهُ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ، وَفِي ضَمِيرِ الْفَصْلِ أَنَّهُ لِتَخْصِيصِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ، وَخَصَصْت فُلَانًا بِالذِّكْرِ أَيْ ذَكَرْته، وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى أَيْ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَجَعْلُهُ مُنْفَرِدًا بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَخْتَارَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ انْفِرَادٍ أَوْ اجْتِمَاعٍ فَيُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لَهُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِي الْآخِرَةِ، وَتَارَةً مَعَ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً، وَأَمَّا إنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ مَجَازًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا سَيَأْتِي بَيَانُ اللُّزُومِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُرَادٌ، وَهُوَ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ يَلْزَمُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مِنْ اللَّفْظِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ دَاخِلًا فِي الْمُرَادِ لَا نَفْسِ الْمُرَادِ، وَمِثْلُ هَذَا
لِلْمَجْمُوعِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَجْمُوعِ، وَوَضْعُهُ لِلْمَجْمُوعِ مُنْتَفٍ أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا.
(وَلَا مَجَازًا لِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ) فَإِنَّ اللَّفْظَ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مَعًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
(فَإِنْ قِيلَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الْآيَةَ وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ قُلْنَا لَا اشْتِرَاكَ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لِإِيجَابِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى
ــ
[التلويح]
لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ كَالْعَامِّ الْمَوْضُوعِ لِلْمَجْمُوعِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَدَخَلَ تَحْتَهُ كُلُّ فَرْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ إرَادَةَ الْمَجْمُوعِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَيْسَتْ إلَّا إرَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا مَجْمُوعٌ يُرَادُ بِاللَّفْظِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِخِلَافِ الْعَامِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَا مَجْمُوعٌ يُرَادُ بِاللَّفْظِ، وَيُغَايِرُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَقَدْ تَمَّ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إلَّا وَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ النِّزَاعِ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُرَادًا بِاللَّفْظِ، وَمَنَاطًا لِلْحُكْمِ لَا دَاخِلًا تَحْتَ مَعْنًى ثَالِثٍ هُوَ الْمُرَادُ، وَالْمَنَاطُ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَاقَةٌ فَيُرَادُ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ يُنَاسِبُ الْمَوْضُوعَ لَهُ بِعَلَاقَةٍ فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذْ لَوْ أُرِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَالتَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ أُرِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ مُنَاسِبٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ فَلِذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَتَنَاوَلُهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ بِالِاسْتِقْلَالِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَجْمُوعِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَجَازًا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْوَضْعِ الثَّالِثِ، وَالْعَلَاقَةِ قُلْنَا سَيَجِيءُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ مَشْرُوطٌ بِلُزُومٍ، وَاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الرَّقَبَةِ، وَالشَّخْصِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَإِطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِصِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعُودُ الِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ) لِأَنَّ إيجَابَ الِاقْتِدَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْحَمْلِ، وَالتَّحْرِيضِ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْ الْمُقْتَدَى بِهِ إذْ لَا إيجَابَ اقْتِدَاءٍ فِي مِثْلِ فُلَانٍ يُصَلِّي فَاقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ رَكَاكَةَ
الصَّلَاةِ مِنْ الْجَمِيعِ لَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ لَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُجَوِّزِينَ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قِبَلِنَا إشْكَالًا فَاسِدًا، وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الضَّمَائِرِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ لَفْظَ يُصَلِّي، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى هَذَا، وَهَذَا الْإِشْكَالُ مِنْ قِبَلِنَا فَاسِدٌ لِأَنَّا لَا نُجَوِّزُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ فِي صُورَةِ تَعَدُّدِ الضَّمَائِرِ أَيْضًا فَتَكُونُ الْآيَةُ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ لَنَا أَنَّ فِي الْآيَةِ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لِإِيجَابِ اقْتِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَمَلَائِكَتِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ مِنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْحَمُ النَّبِيَّ وَالْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْعُوا لَهُ لَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ
ــ
[التلويح]
الْكَلَامِ، وَعَدَمَ إيجَابِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ اخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِيجَابِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا رَكَاكَةَ فِي مِثْلِ قَوْلِنَا إنَّ السُّلْطَانَ قَدْ أَطْلَقَ زَيْدًا أَوْ الْأَمِيرَ قَدْ خَلَعَ عَلَيْهِ فَاخْدِمُوهُ، وَعَظِّمُوهُ أَيُّهَا الرَّعَايَا فَكَذَا الْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْحَمُ النَّبِيَّ، وَيُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ يُعَظِّمُونَهُ بِمَا فِي وُسْعِهِمْ فَأْتُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَلَامًا حَسَنًا.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا بَيَّنُوا) يَعْنِي أَنَّ ذِكْرَ اخْتِلَافِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عِنْدَ بَيَانِ اخْتِلَافِ الْمَعْنَى حَيْثُ قَالُوا الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ النَّاسِ دُعَاءٌ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِيَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ.
(قَوْلُهُ: هَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ) نَعَمْ لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِإِيجَابِ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الْآيَةِ بَلْ اكْتَفَى بِمَنْعِ اشْتِرَاكِ لَفْظِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، وَتَجْوِيزِ أَنْ يُرَادَ بِهِ فِي الْكُلِّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازُ.
(قَوْلُهُ: إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالِانْقِيَادِ امْتِثَالُ أَوَامِرِ التَّكَالِيفِ، وَنَوَاهِيهَا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فَهُوَ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ أُرِيدَ امْتِثَالُ حُكْمِ التَّكْوِينِ، وَالتَّسْخِيرِ أَوْ مُطْلَقُ الْإِطَاعَةِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، وَذَاكَ فَشُمُولُهُ لِجَمِيعِ النَّاسِ ظَاهِرٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بِمَعْنًى آخَرَ يَخُصُّهُمْ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ أَوْ امْتِثَالِ التَّكَالِيفِ فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ مِنْ أَنَّهَا عَلَى حَذْفِ الْفِعْلِ أَيْ وَيَسْجُدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الْأَوَّلِ الِانْقِيَادُ، وَالْخُضُوعُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى شُمُولِهِ جَمِيعَ النَّاسِ ذِكْرُ مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَبِالثَّانِي سُجُودُ
الرَّكَاكَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْنًى حَقِيقِيًّا أَوْ مَعْنًى مَجَازِيًّا أَمَّا الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ الدُّعَاءُ فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ تَعَالَى يَدْعُو ذَاتَه بِإِيصَالِ الْخَيْرِ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام ثُمَّ مِنْ لَوَازِمِ هَذَا الدُّعَاءِ الرَّحْمَةُ فَاَلَّذِي قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ فَقَدْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّ الصَّلَاةَ وُضِعَتْ لِلرَّحْمَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] أَنَّ الْمَحَبَّةَ مِنْ اللَّهِ إيصَالُ الثَّوَابِ، وَمِنْ الْعَبْدِ طَاعَةٌ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَحَبَّةَ مُشْتَرَكَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَوْضُوعُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَحَبَّةِ لَازِمَهَا، وَاللَّازِمُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، وَمِنْ الْعَبْدِ هَذَا، وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَكَإِرَادَةِ الْخَيْرِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَقَامِ ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَمَّا بَيَّنُوا اخْتِلَافَ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَوْصُوفِ لَا أَنَّ مَعْنَاهُ مُخْتَلِفٌ وَضْعًا، وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ تَفَرَّدْت بِهِ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الحج: 18] الْآيَةَ حَيْثُ نَسَبَ السُّجُودَ إلَى الْعُقَلَاءِ، وَغَيْرِهِمْ كَالشَّجَرِ، وَالدَّوَابِّ فَمَا نُسِبَ إلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ يُرَادُ بِهِ الِانْقِيَادُ لَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا نُسِبَ إلَى الْعُقَلَاءِ يُرَادُ بِهِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْإِنْسَانِ هُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الِانْقِيَادَ لَمَا قَالَ {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] لِأَنَّ الِانْقِيَادَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَقُولُ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذِهِ
ــ
[التلويح]
الطَّاعَةِ، وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ) هَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ لَا وَضْعُ الرَّأْسِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ الرَّأْسَ مِنْ جَانِبِ الْقَفَا لَمْ يَكُنْ سَاجِدًا، وَلَوْ سَلَّمَ فَإِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الرَّأْسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ كَالسَّمَاوِيَّاتِ مَثَلًا مِنْ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَغَيْرِهِمَا مُشْكِلٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ أَلَمْ تَرَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ) فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْجَمَادَاتِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنْ لَيْسَ لَهَا وُجُوهٌ، وَلَا جِبَاهٌ كَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِاسْتِحَالَةِ الْمَشْيِ بِالْأَرْجُلِ، وَالْبَطْشِ بِالْأَيْدِي، وَالنَّظَرِ بِالْأَعْيُنِ بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ فَإِنَّهُ أَلْفَاظٌ، وَحُرُوفٌ لَا يَمْتَنِعُ صُدُورُهَا عَنْ الْجَمَادَاتِ بِإِيجَادِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَصَا، وَالْجِذْعِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْأَعْضَاءِ، وَالْجَوَارِحِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ مُحْكَمَ التَّنْزِيلِ نَاطِقٌ بِهَذَا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى شَهَادَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ، لَا إلَى حَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّة، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحْكَمًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُحْكَمِ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى، وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ لَا تَفْقَهُونَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ حَقِيقَةَ التَّسْبِيحِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَفْقَهُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةَ، وَلَا يَعْرِفُونَهَا لِإِخْلَالِهِمْ