المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌(مسألة المجاز خلف عن الحقيقة

الِاسْتِعَارَةُ ثُمَّ إنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْعَكْسُ لِمَا ذَكَرْت أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَجْرِي إلَّا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، (وَأَمَّا مِثَالُ الْبَيْعِ، وَالْمِلْكِ فَصَحِيحٌ) ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ السَّمَاعُ فِي أَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ لَا فِي أَفْرَادِهَا فَإِنَّ إبْدَاعَ الِاسْتِعَارَاتِ اللَّطِيفَةِ مِنْ فُنُونِ الْبَلَاغَةِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ فَإِنَّ النَّخْلَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ دُونَ غَيْرِهِ قُلْنَا لِاشْتِرَاطِ الْمُشَابَهَةِ فِي أَخَصِّ الصِّفَاتِ.

‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَعِنْدَهُ التَّكَلُّمُ بِهَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ خَلَفٌ عَنْ التَّكَلُّمِ بِهِ فِي إثْبَاتِ الْبُنُوَّةِ، وَالتَّكَلُّمُ بِالْأَصْلِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَعِنْدَهُمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ بِهَذَا اللَّفْظِ خَلَفٌ عَنْ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ بِهِ وَالْأَصْلُ مُمْتَنِعٌ وَمِنْ شَرْطِ الْخَلَفِ إمْكَانُ الْأَصْلِ وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ لِعَارِضٍ فَيُعْتَقُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْخَلَفِيَّةَ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ أَوْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مَثَلًا بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ

ــ

[التلويح]

وَيَتَنَوَّعُ الْمَجَازُ بِحَسَبِ ذَلِكَ مَثَلًا إطْلَاقُ الْمُشَفَّرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارٍ تَشْبِيهًا بِهِ فِي الْغِلَظِ فَاسْتِعَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ فَمَجَازٌ مُرْسَلٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ رحمه الله.

(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُعْتَبَرُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ الْمَعْلُومُ اعْتِبَارُ نَوْعِهَا فِي اسْتِعْمَالَاتِ الْعَرَبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اعْتِبَارُهَا بِشَخْصِهَا حَتَّى يَلْزَمَ فِي آحَادِ الْمَجَازَاتِ أَنْ تُنْقَلَ بِأَعْيَانِهَا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ اخْتِرَاعَ الِاسْتِعَارَاتِ الْغَرِيبَةِ الْبَدِيعَةِ الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ بِأَعْيَانِهَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ مِنْ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ، وَشُعَبِهَا الَّتِي بِهَا تَرْتَفِعُ طَبَقَةُ الْكَلَامِ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يُدَوِّنُوا الْمَجَازَاتِ تَدْوِينَهُمْ الْحَقَائِقَ، وَتَمَسَّكَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّجَوُّزُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْعَلَاقَةِ لَجَازَ إطْلَاقُ نَخْلَةٍ لِطَوِيلٍ غَيْرِ إنْسَانٍ لِلْمُشَابَهَةِ، وَشَبَكَةٍ لِلصَّيْدِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَالْأَبِ لِلِابْنِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالِابْنِ لِلْأَبِ لِلْمُسَبِّبِيَّةِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْمُقْتَضَى لَيْسَ بِقَادِحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْمُقْتَضَى، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَمْ تَجُزْ اسْتِعَارَةُ نَخْلَةٍ لِطُولِ غَيْرِ إنْسَانٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاسْتِعَارَةِ، وَهُوَ الْمُشَابَهَةُ فِي أَخَصِّ الْأَوْصَافِ أَيْ فِيمَا لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ فَإِنْ قِيلَ الطُّولُ لِلنَّخْلَةِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ اسْتِعَارَتُهَا لِإِنْسَانٍ طَوِيلٍ قُلْنَا لَعَلَّ الْجَامِعَ لَيْسَ مُجَرَّدَ الطُّولِ بَلْ مَعَ فُرُوعٍ، وَأَغْصَانٍ فِي أَعَالِيهَا، وَطَرَاوَةٍ، وَتَمَايُلٍ فِيهَا.

[مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ]

(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّرُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ

ص: 154

الْحُكْمِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ مَثَلًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ فَبَعْضُ الشَّارِحِينَ فَسَّرُوهُ بِأَنَّ لَفْظَ هَذَا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ هَذَا حُرٌّ فَيَكُونُ التَّكَلُّمُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْ التَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَبَعْضُهُمْ فَسَّرُوهُ بِأَنَّ لَفْظَ هَذَا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ خَلَفَ عَنْ لَفْظِ هَذَا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْبُنُوَّةُ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُفِيدٌ لِلْغَرَضِ فَإِنَّ لَفْظَ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ هَذَا حُرٌّ أَيْ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَالْأَصْلُ وَهُوَ هَذَا حُرٌّ صَحِيحٌ لَفْظًا وَحُكْمًا فَيَصِحُّ الْخَلَفُ لَكِنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ إلَّا فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَقَطْ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ وَفِيمَا هُوَ الْخَلَفُ بَلْ الْخِلَافُ يَكُونُ فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَقَطْ فَعِنْدَهُمَا هَذَا ابْنِي إذَا كَانَ مَجَازًا خَلَفَ عَنْ هَذَا

ــ

[التلويح]

الْخَلَفِيَّةِ فَعِنْدَهُمَا هِيَ الْحُكْمُ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي الْمَجَازِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِهَذَا اللَّفْظِ، وَعِنْدَهُ التَّكَلُّمُ حَتَّى يَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ سَوَاءٌ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا فَقَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا ابْنِي لِعَبْدٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ مَجَازٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ فَعِنْدَهُ مَجَازٌ يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا لَغْوٌ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَكْبَرُ مَخْلُوقًا مِنْ نُطْفَةِ الْأَصْغَرِ.

(قَوْلُهُ فَالْخِلَافُ) يَعْنِي عِنْدَهُمَا الْأَصْلُ هَذَا ابْنِي لِإِثْبَاتِ الْبُنُوَّةِ، وَالْخَلَفُ هَذَا ابْنِي لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي لِكَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا يَقَعُ الْخِلَافُ إلَّا فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى التَّفْصِيلِ الْأَوَّلِ فَالْأَصْلُ عِنْدَهُ هَذَا حُرٌّ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ أَيْضًا، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْخَلَفِيَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَالْخِلَافُ يَكُونُ فِي الْأَصْلِ، وَالْخُلْفُ أَيْ فِي تَعْيِينِ مَجْمُوعِهِمَا لَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الْمَجَازُ الَّذِي هُوَ الْخَلَفُ إنَّمَا هُوَ هَذَا ابْنِي لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ لَا يُقَالُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَعْنَى الْخَلَفِيَّةِ فِي الْحُكْمِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَجَازِيَّ خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ فَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ، وَالْخَلَفُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هَذَا حُرٌّ، وَالْخَلَفُ هَذَا ابْنِي مَجَازًا فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَازِمٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ لَيْسَ هَذَا ابْنِي حَقِيقَةً بَلْ التَّكَلُّمُ بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَصْلَ وَالْخَلَفَ هُمَا اللَّفْظَانِ أَعْنِي الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَالنِّزَاعُ فِي أَنَّ هَذَا خَلَفٌ عَنْ ذَاكَ فِي حُكْمِهِ، أَوْ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذَا خَلَفٌ عَنْ حُكْمِ ذَاكَ أَخْذٌ بِالْحَاصِلِ، وَتَوْضِيحٌ لِلْمَقْصُودِ فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ تَكُونُ الْحَقِيقَةُ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ مُغَايِرَةً لِمَا هِيَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ

ص: 155

ابْنِي إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَيْ حُكْمِهِ الْمَجَازِيِّ خَلَفَ عَنْ حُكْمِهِ الْحَقِيقِيِّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا اللَّفْظُ خَلَفَ عَنْ عَيْنِ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ بِالْجِهَتَيْنِ فَعَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ الْأَصْلُ هَذَا ابْنِي وَالْخِلَافُ فِي الْجِهَةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَعِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا ابْنِي خَلَفَ عَنْ هَذَا حُرٌّ فَالْخِلَافُ يَكُونُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفُ لَا فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَقَطْ وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ إنَّهُ يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِيجَابِ بِصِيغَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَصِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَعَذُّرُ الْعَمَلِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَخْصُوصَانِ بِهَذَا ابْنِي فَأَمَّا هَذَا حُرٌّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ هَذَا ابْنِي مُرَادًا بِهِ الْبُنُوَّةَ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظٌ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ هَلْ يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ فَحَيْثُ يُمْنَعُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَا يَصِحُّ الْمَجَازُ وَعِنْدَهُ لَا بَلْ يَكْفِي صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ (لَهُمَا أَنَّ فِي الْمَجَازِ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى لَازِمِهِ فَالثَّانِي) أَيْ اللَّازِمُ

ــ

[التلويح]

التَّفْسِيرِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَالْخَلَفِ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ.

(قَوْلُهُ فَصِحَّةُ الْأَصْلِ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَنْقُلْ جَوَابَ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُهُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى خَلَفِهِ احْتِرَازًا عَنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ مَا صَحَّ تَكَلُّمًا، وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى هَذَا ابْنِي لَا عَلَى هَذَا حُرٌّ.

(قَوْلُهُ لَهُمَا) الْمَشْهُورُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ لَا نَفْسُ اللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْأَصَالَةِ وَالْخَلَفِيَّةِ فِي الْمَقْصُودِ أَوْلَى وَفِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْأَصَالَةِ وَالْخَلْفِيَّةِ فِي التَّكَلُّمِ الَّذِي هُوَ اسْتِخْرَاجُ اللَّفْظِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ أَوْلَى، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا مَا يُلَائِمُ كَلَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْمَلْزُومِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِهِ لَا عَلَى إرَادَتِهِ، وَالْفَهْمُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ، وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى إمْكَانِ مَعْنَاهُ وَصِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجَازَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ صِحَّةُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى بَلْ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ، وَهُوَ الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ فَإِعَادَةُ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ مُمْكِنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا، وَهُوَ مَيِّتٌ وَقْتَ الْحَلِفِ لِإِمْكَانِ إعَادَةِ حَيَاتِهِ، وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا قُلْنَا ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ فِي الْكُوزِ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمُمْكِنِ فِي الظَّاهِرِ، وَعِنْدَ الْإِرَاقَةِ مَا بَقِيَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ

ص: 156

(مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّازِمُ خَلَفًا وَفَرْعًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْخَلَفِيَّةِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ (فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِهِ) أَيْ إمْكَانِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ لِتَوَقُّفِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عَلَيْهِ وَأَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْخَلَفِ إمْكَانُ الْأَصْلِ (كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ) فَإِنَّ إمْكَانَ الْأَصْلِ فِيهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخَلَفِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَحْلِفَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمَسُّ السَّمَاءَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْبِرُّ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الْبِرُّ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فَفِي مَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ الْبِرُّ وَهُوَ مَسُّ السَّمَاءِ مُمْكِنٌ فِي حَقِّ الْبَشَرِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام وَإِنْ حَلَفَ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالْمُسْتَشْهَدُ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ وَالْفَرْقُ الَّذِي

ــ

[التلويح]

مُمْكِنًا فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ عَلَى خِلَافِ مَا انْعَقَدَتْ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمَيِّتِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ فَالْيَمِينُ قَدْ انْعَقَدَتْ ابْتِدَاءً عَلَى الْقُدْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى الْإِمْكَانِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَى مَاءٍ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُوزِ كَمَا انْعَقَدَتْ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِي الشَّخْصِ بَعْدَمَا حَلَفَ مَعَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْخَلْقِ لَا يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْيَمِينِ، وَلَا يُقَدِّرُ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ إنْ خَلَقَهُ اللَّهُ فِيهِ كَمَا يُقَدِّرُ لَأَقْتُلَنَّ الشَّخْصَ إنْ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ إشَارَةٌ إلَى مَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ مُشَارًا إلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ فَيَلْزَمُ اتِّصَافُ الشَّيْءِ بِالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا فُهِمَ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْمُشَارِ إلَيْهِ ابْنًا لَهُ، وَامْتَنَعَ إرَادَتُهُ لِلْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ ذَلِكَ، وَهِيَ كَوْنُهُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ أَوْ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْ الْقَائِلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَازِمُهُ أَيْ لَازِمُ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ، وَهُوَ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ حَيْثُ أَطْلَقَ الِابْنَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِابْنٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَازِمٍ مَشْهُورٍ، وَهُوَ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ، وَهُوَ فِي الِابْنِ أَقْوَى وَأَشْهَرُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ، وَهِيَ هَاهُنَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا، وَلَا نَسَبَ ثَمَّ ادَّعَاهُ فَثَبَتَتْ الْبُنُوَّةُ فَيُعْتَقُ، وَالْحُكْمُ فِي عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا لَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا لَا سِيَّمَا فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبُنُوَّةِ فَلَا يَكُونُ مُسَبَّبًا عَنْهَا، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مُسَبِّبِهِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ إقْرَارًا) جَوَابٌ لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ مَجَازًا لِإِنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّهُ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْتُهُ إقْرَارٌ لَا إنْشَاءٌ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالْكُرْهِ وَالْهَزْلِ، وَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ جُعِلَ مَجَازًا لِلْإِقْرَارِ فَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّ

ص: 157

بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ نَذْكُرْ فِي الْمَتْنِ مَسْأَلَةَ الْكُوزِ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي كُتُبِنَا ذِكْرُهُمَا مَعًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْبِئُ عَنْ الْآخَرِ (قُلْنَا مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى إرَادَتِهِ إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْمُرَادُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ فِيهَا أَيْ فِي الْإِرَادَةِ فَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إرَادَةِ الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ إمْكَانُ الْأَوَّلِ وَحَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى فَهْمِ الْأَوَّلِ وَفَهْمُ الْأَوَّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ يَكْفِي صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ (فَإِذَا فُهِمَ الْأَوَّلُ وَامْتَنَعَ إرَادَتُهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَازِمُهُ وَهُوَ عِتْقُهُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ) فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ (فَيُجْعَلُ إقْرَارًا فَيُعْتَقُ قَضَاءً مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُعْتَقُ بِقَوْلِهِ يَا بُنَيَّ لِأَنَّهُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِصُورَةِ الِاسْمِ بِلَا قَصْدِ الْمَعْنَى فَلَا تَجْرِي الِاسْتِعَارَةُ لِتَصْحِيحِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَقَعُ أَوَّلًا فِي الْمَعْنَى وَبِوَاسِطَتِهِ فِي اللَّفْظِ) فَيُسْتَعَارُ أَوَّلًا

ــ

[التلويح]

عِتْقَهُ بِالْبُنُوَّةِ أَمْرٌ مُسْتَحِيلٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ إعْتَاقٌ، وَالْإِقْرَارُ يَبْطُلُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ دَلِيلُ الْكَذِبِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ كَذِبًا بِيَقِينٍ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ لِلْإِقْرَارِ، وَالْمُسْتَحِيلُ إنَّمَا هُوَ الْبُنُوَّةُ لَا الْحُرِّيَّةُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ أُعْتِقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته كَانَ صَحِيحًا فَإِنْ قِيلَ الْإِعْتَاقُ لَمْ يُوجَدْ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ سَبَقَ مِنْهُ إعْتَاقٌ فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَعْتِقُ قَضَاءً مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يَعْتِقُ دِيَانَةً فَالْعِتْقُ قَضَاءٌ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنْ الشَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا إذَا قَالَ هَذَا أَخِي يَحْتَمِلُ الْأُخُوَّةَ فِي الدِّينِ، وَالِاتِّحَادَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْأُخُوَّةَ فِي النَّسَبِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْأُخُوَّةَ أَبًا وَأُمًّا قُلْنَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْ دَلِيلٍ لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ هُوَ الْعِتْقُ لَا غَيْرُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُتَعَيَّنًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ هَذَا أَخِي، وَفِيهِ نَظَرٌ.

فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا هَذِهِ بِنْتِي قُلْنَا لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّ حُكْمَ النَّسَبِ لَيْسَ إزَالَةَ الْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بَلْ انْتِفَاءُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ حَقُّهَا لَا حَقُّهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ هَذَا ابْنِي فَإِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْبُنُوَّةِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ابْنَهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ.

فَإِنْ قِيلَ إذَا قَالَ لِعَبْدٍ يَا ابْنِي يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ، وَتَعَيُّنِ الْمَجَازِ قُلْنَا وُضِعَ النِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى وَطَلَبِ إقْبَالِهِ بِصُورَةِ الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى مَعْنَاهُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَصْحِيحِ الْكَلَامِ بِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِهِ بِمَا أَمْكَنَ. فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ بِمِثْلِ يَا حُرُّ قُلْنَا لَفْظُ الْحُرِّ مَوْضُوعٌ لِلْمُعْتَقِ، وَعَلَمٌ لِإِسْقَاطِ الرِّقِّ فَيَقُومُ عَيْنُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ حَتَّى لَوْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَبْدِي حُرٌّ يَعْتِقُ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَقَعُ أَوَّلًا، فِي الْمَعْنَى)

ص: 158

الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ لِلشُّجَاعِ ثُمَّ بِتَوَسُّطِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ يُسْتَعَارُ لَفْظُ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ وَلِأَجْلِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَقَعُ أَوَّلًا فِي الْمَعْنَى لَا تَجْرِي الِاسْتِعَارَةُ فِي الْأَعْلَامِ إلَّا فِي أَعْلَامٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى كَحَاتِمٍ وَنَحْوِهِ وَيُعْتَقُ بِقَوْلِهِ يَا حُرُّ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَهُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ بَلْ هُوَ تَشْبِيهٌ بِغَيْرِ آلَةٍ لِأَنَّهُ دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ قَصْدًا لِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ يَتَوَجَّهَانِ إلَى الْخَبَرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِعَارَةً إذَا حُذِفَ الْمُشَبَّهُ نَحْوَ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي وَإِنْ كَانَ هَذَا مُسْتَحِيلًا أَيْضًا بِوَاسِطَةِ

ــ

[التلويح]

مَيْلٌ إلَى الْمَذْهَبِ الْمَرْجُوحِ فِي تَحْقِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ لُغَوِيٍّ بَلْ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي أَمْرٍ عَقْلِيٍّ حَيْثُ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِأَسَدٍ أَسَدًا أَيْ اُسْتُعِيرَ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْأَسَدِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَأَنَّ جَعْلَ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ أَسَدًا لَيْسَ مَعْنَاهُ اسْتِعَارَةَ الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ لَهُ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ أَفْرَادَ الْأَسَدِ قِسْمَيْنِ: مُتَعَارَفًا، وَهُوَ مَا لَهُ تِلْكَ الشَّجَاعَةِ فِي ذَلِكَ الْهَيْكَلِ وَتِلْكَ الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَهُوَ مَا لَهُ تِلْكَ الشَّجَاعَةُ لَكِنْ لَا فِي ذَلِكَ الْهَيْكَلِ وَتِلْكَ الصُّورَةِ، وَالرَّجُلُ الشُّجَاعُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ لَمْ يُوضَعْ بِالتَّحْقِيقِ إلَّا لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَأَمَّا عَدَمُ جَرَيَانِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْأَعْلَامِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الِاسْتِعَارَةِ إدْخَالُ الْمُشَبَّهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِجَعْلِ أَفْرَادَهُ قِسْمَيْنِ مُتَعَارَفًا، وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَالْعَلَمِيَّةُ تُنَافِي الْجِنْسِيَّةَ، وَاعْتِبَارَ الْأَفْرَادِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ نَوْعَ وَصْفِيَّةٍ اُشْتُهِرَ بِهَا كَحَاتِمٍ فِي الْجُودِ فَيُجْعَلُ قِسْمَيْنِ مُتَعَارَفًا، وَهُوَ مَا لَهُ غَايَةُ الْجُودِ فِي ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْهُودِ، وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَهُوَ مَا لَهُ غَايَةُ الْجُودِ فِي ذَلِكَ الشَّخْصِ فَيُجْعَلُ زَيْدٌ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي، وَيُسْتَعَارُ لَهُ لَفْظُ حَاتِمٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْأَعْلَامِ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لِيُسْتَعَارَ أَوَّلًا مَعْنَاهُ ثُمَّ لَفْظُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَلَمَ دَالٌّ عَلَى مَعْنَاهُ الْعَلَمِيِّ بِالضَّرُورَةِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَتُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ ادِّعَاءً وَتَخْيِيلًا كَمَا جَازَ اسْتِعَارَةُ الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ بِالْأَسَدِ لِلْإِنْسَانِ الشُّجَاعِ؟ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشَبَّهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى الَّذِي يُسْتَعَارُ أَوَّلًا لِلْمُشَبَّهِ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ كَالْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَا الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ كَالشُّجَاعِ مَثَلًا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ لِلْمُشَبَّهِ حَقِيقَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ لَازِمٍ مَشْهُورٍ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالشَّبَهِ بِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَمًا أَوْ غَيْرَ عَلَمٍ جَازَ اسْتِعَارَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ) حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ عِنْدَ

ص: 159

الْقَرِينَةِ لَكِنْ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى الرُّؤْيَةِ هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ هَذَا ابْنِي اسْتِعَارَةً اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ ادِّعَاءُ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ فِي الشَّيْءِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ مَعَ حَذْفِ التَّشْبِيهِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَالِاسْتِعَارَةُ لَا تَجْرِي فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَهُمْ فَقَوْلُهُمْ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ بَلْ تَشْبِيهٌ بِغَيْرِ آلَةٍ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ هَذَا ابْنِي اسْتِعَارَةً بَلْ يَكُونُ تَشْبِيهًا وَفِي التَّشْبِيهِ لَا يُعْتَقُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ الِاسْتِعَارَةَ إذَا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِدَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ قَصْدًا فَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمَجَازِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (قُلْنَا هَذَا فِي الِاسْتِعَارَةِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَتُسَمَّى اسْتِعَارَةً أَصْلِيَّةً لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ قَلْبُ الْحَقَائِقِ لَا فِي الِاسْتِعَارَةِ فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَتُسَمَّى اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً نَحْوَ نَطَقَتْ الْحَالُ أَوْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ فَإِنَّ هَذَا اسْتِعَارَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُ هُنَا قَلْبُ الْحَقَائِقِ وَهَذَا ابْنِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) هَذَا الَّذِي ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَقَعُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ إنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِعَارَةِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ أَمَّا الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ فَإِنَّهَا تَجْرِي فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ كَمَا يُقَالُ الْحَالُ نَاطِقَةٌ أَيْ دَلَالَةٌ اُسْتُعِيرَ النَّاطِقَةُ لِلدَّلَالَةِ وَهَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ لَكِنْ لَيْسَتْ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بَلْ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ فَيُجَوِّزُونَ هَذَا فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَفَرْقُهُمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ تَسْتَلْزِمُ قَلْبَ الْحَقَائِقِ إذَا كَانَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ اسْمَ جِنْسٍ أَمَّا إذَا كَانَ اسْمًا مُشْتَقًّا

ــ

[التلويح]

الْمُحَقِّقِينَ بَلْ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ زَيْدٌ مِثْلُ الْأَسَدِ، وَهَذَا مِثْلُ ابْنِي، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ بِالِاتِّفَاقِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنِي مَعْنَاهُ مَوْلُودٌ مِنِّي، وَمَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِثْلَ نَاطِقَةٌ ثُمَّ أَدْرَجَ فِيهِ سُؤَالًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِعَارَةٍ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازِ الْمُرْسَلِ فَيَكُونُ الْمَجَازُ خَلَفًا فِي الْحُكْمِ لَا فِي التَّكَلُّمِ، وَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحَالُ نَاطِقَةٌ اسْتِعَارَةٌ مَعَ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ ثُبُوتُ النُّطْقِ لِلْحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ إمْكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَجَازِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعَارَضَةً، وَأَنْ يُجْعَل مَنْعًا مَعَ السَّنَدِ.

(قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ ادِّعَاءُ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ فِي الشَّيْءِ) مَيْلٌ إلَى الْمَذْهَبِ الْمَرْجُوحِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَإِرَادَةُ الْمُشَبَّهِ مُدَّعِيًا دُخُولَ الْمُشَبَّهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ يَجْعَلُ أَفْرَادَهُ قِسْمَيْنِ مُتَعَارَفًا، وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ مَعَ

ص: 160

فَلَا تَسْتَلْزِمُ قَلْبَ الْحَقَائِقِ نَحْوَ الْحَالُ نَاطِقَةٌ فَلَا تَجُوزُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَتَجُوزُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَهُنَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ ابْنِي اسْمٌ مُشْتَقٌّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَوْلُودٌ مِنِّي فَتَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِنَا الْحَالُ نَاطِقَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الِاسْتِعَارَةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ اسْتِعَارَةٌ أَصْلِيَّةً وَالِاسْتِعَارَةَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةً لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ إنَّمَا تَقَعُ فِيهَا بِتَبَعِيَّةِ وُقُوعِهَا فِي الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي أَوْرَدْتُهُ فِي الْمَتْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ زَعْمِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ وَتَرْكِ الْمُنَاقَشَةِ عَلَى دَلَائِلِهِمْ الْوَاهِيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي اسْتِعَارَةً لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْته فِي الْمَتْنِ أَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ قَصْدًا بِخِلَافِ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي لَا شَكَّ أَنَّهُ فَرْقٌ وَاهٍ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ

ــ

[التلويح]

نَصْبِ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمُتَعَارَفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ادِّعَاءَ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ مَعَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَمْرَانِ مُتَدَافِعَانِ.

(قَوْلُهُ فَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِهِمَا) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَى هَذَا عَدَمُ الْقَصْدِ إلَى دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ وَعِنْدَهُمَا عَدَمُ الِاسْتِحَالَةِ فَأَيَّدَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي أَوْرَدْته فِي الْمَتْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ زَعْمِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ) قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ بِخِلَافِ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لَا اسْتِعَارَةٌ، وَأَنَّ نَحْوَ الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَجْرِي فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ إلَّا إذَا كَانَ مُشْتَقًّا، وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ نَحْوِ زَيْدٌ أَسَدٌ، وَنَحْوِ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَشْتَمِلُ عَلَى دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ قَصْدًا إذْ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ إنَّمَا يَتَوَجَّهَانِ إلَى الْخَبَرِ الَّذِي قَصَدَ الْمُتَكَلِّمُ إثْبَاتَهُ أَوْ نَفْيَهُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْحُكْمُ بِمُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ وَالتَّكْذِيبَ بِخِلَافِهِ فَيَتَّصِفُ الْخَبَرُ بِكَوْنِهِ مُحَالًا أَوْ مُسْتَقِيمًا فَيَفْتَقِرُ نَحْوُ زَيْدٌ أَسَدٌ إلَى تَقْدِيرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الِاسْتِقَامَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي فَإِنَّهُ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى إثْبَاتِ الْأَسَدِيَّةِ لِزَيْدٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَصْدًا بَلْ الْقَصْدُ إنَّمَا هُوَ إلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَقْدِيرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ لِلتَّصْحِيحِ بَيْنَ الْفَرْقِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْخَبَرُ جَامِدًا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُشْتَقًّا بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَشْتَمِلُ عَلَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ جَعْلُ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ حَقِيقَةَ الْأَسَدِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَشْتَمِلُ إلَّا عَلَى إثْبَاتِ وَصْفٍ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهَا ثُمَّ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمُحَالِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ رُبَّمَا تَشْتَمِلُ عَلَى دَعْوَى أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ قَصْدًا مِثْلَ رَمَى أَسَدٌ، وَتَكَلَّمَ بَدْرٌ، وَلِأَنَّ

ص: 161

لَا تَجْرِي الِاسْتِعَارَةُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَتَجْرِي فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ أَضْعَفَ مِنْ الْأَوَّلِ وَفَرْقُهُمْ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقْضِي إلَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ دُونَ الثَّانِي أَوْهَنُ مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لَيْسَ فِي الِاسْتِحَالَةِ أَدْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ زَيْدٌ أَسَدٌ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتِعَارَةٌ وَالْآخَرَ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ أَذْكُرْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ فِي الْمَتْنِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لَمَّا كَانَتْ اسْتِعَارَةً بِالِاتِّفَاقِ عُلِمَ أَنَّ إمْكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمَجَازِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُشْتَقَّاتِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ قَوْلُهُمْ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَقَّاتِ فَتَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ بِلَا اشْتِرَاطِ إمْكَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.

(مَسْأَلَةٌ: قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ تَوْسِعَةً فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ فِي اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِأَجْلِ الدَّاعِي الَّذِي يَأْتِي مِنْ بَعْدُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ

ــ

[التلويح]

الْمُحَالَ رُبَّمَا يَجُوزُ ادِّعَاؤُهُ لِأَغْرَاضٍ وَاعْتِبَارَاتٍ لَطِيفَةٍ مَعَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ ثُبُوتِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَبِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمُشْتَقِّ أَضْعَفُ مِنْ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَثْبُتُ ضِمْنًا وَبَيْنَ مَا يَثْبُتُ قَصْدًا لَكِنَّ إثْبَاتَ الْمُحَالِ بَاطِلٌ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمُشْتَقِّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لِظُهُورِ أَنَّ اسْتِحَالَةَ نُطْقِ الْحَالِ لَيْسَتْ أَدْنَى مِنْ اسْتِحَالَةِ أَسَدِيَّةِ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ سَمَّى قَلْبَ الْحَقَائِقِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ عَلَى أَنَّ انْقِلَابَ الْحَقَائِقِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ انْقِلَابٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ إلَى الْآخَرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نُطْقَ الْحَالِ مُمْتَنِعٌ فَإِثْبَاتُهُ يَكُونُ جَعْلَ الْمُمْتَنِعِ مُمْكِنًا هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَا أُطْلِعُك عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ بِأَنْ أَحْكِيَ لَك كَلَامَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا تُطْلَقُ حَيْثُ يُسْتَعْمَلُ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَيُجْعَلُ الْكَلَامُ خِلْوًا عَنْ الْمُشَبَّهِ صَالِحًا لَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُشَبَّهُ بِهِ لَوْلَا الْقَرِينَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشَبَّهُ مَذْكُورًا لَفْظًا كَمَا فِي زَيْدٌ أَسَدٌ، وَلَقِيَنِي مِنْهُ أَسَدٌ، وَلَقِيت بِهِ أَسَدًا. أَوْ تَقْدِيرًا مِثْلَ أَسَدٌ فِي مَقَامِ الْإِخْبَارِ عَنْ زَيْدٍ لَمْ يُسَمِّ اسْتِعَارَةً، وَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبُوا إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] بِوَاسِطَةِ قَوْلِهِ مِنْ الْفَجْرِ خَرَجَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ إلَى بَابِ التَّشْبِيهِ فَفِي مِثْلِ " زَيْدٌ أَسَدٌ " يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ لِامْتِنَاعِ حَمْلِ الْأَسَدِ عَلَى زَيْدٍ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ، وَنَطَقَتْ الْحَالُ بِكَذَا فَاسْتِعَارَةٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ مَتْرُوكٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ الدَّلَالَةُ الَّتِي شُبِّهَتْ بِنُطْقِ النَّاطِقِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمِثْلِ " زَيْدٌ أَسَدٌ " ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ لَا مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الِابْنِ بِالْمُشْتَقِّ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى تَشْبِيهِ الْعَبْدِ بِالِابْنِ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ لَهُ لَا عَلَى تَشْبِيهِ الْعِتْقِ بِالْبُنُوَّةِ

ص: 162