المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌[الحسن لمعنى في غيره]

عَنْ الْعَقْلِ فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَمْرِ فَالْأَمْرُ بِالزَّكَاةِ وَأَمْثَالِهَا دَالٌّ عَلَى حُسْنِهَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا لَكِنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكَ مُخَالَفَتِهِ مِمَّا يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِحُسْنِهِ خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيِّ، فَإِنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ عَقْلًا، فَأَدَاءُ الزَّكَاةِ يَكُونُ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ إنَّمَا يَحْسُنُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ، وَهُوَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ أَنَّهُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ حَسَنًا إمَّا لِعَيْنِهِ، وَإِمَّا لِجُزْئِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِكَوْنِهِ إتْيَانًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ الْمَعْنَيَانِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ وَإِتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَدْ يُوجَدُ الْأَوَّلُ بِدُونِ الثَّانِي، وَإِذَا أَتَى بِهِ لِكَوْنِهِ حَسَنًا لِعَيْنِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ لَكِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَأَيْضًا عَلَى الْعَكْسِ فِي الْحَسَنِ لَا لِجُزْئِهِ، وَلَا لِعَيْنِهِ لَكِنْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ كَالْوُضُوءِ فَعُلِمَ فَسَادُ مَا قَالَ أَنَّ كُلَّ الْمَأْمُورَاتِ حَسَنَةٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا

ــ

[التلويح]

حُسْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: كُلٌّ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عِبَادَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَالْعِبَادَةُ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا حَسَنًا لِجُزْئِهِ فَيَكُونُ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّكَلُّفَاتِ قُلْنَا كَوْنُهُ عِبَادَةً مَخْصُوصَةً لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْعِبَادَةِ جُزْءًا مِنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْهُ صَادِقًا عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ شَيْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَدْلًا وَإِحْسَانًا) لَا نِزَاعَ لِلْأَشْعَرِيِّ فِي كَوْنِ الْعَدْلِ عَدْلًا وَالْإِحْسَانِ إحْسَانًا قَبْلَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ مَنَاطًا لِلْمَدْحِ عَاجِلًا وَالثَّوَابِ آجِلًا.

(قَوْلُهُ: فَالْأَمْرُ بِالزَّكَاةِ وَأَمْثَالِهَا دَالٌّ عَلَى حُسْنِهَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَمْرٌ مُطْلَقٌ بَلْ الْعَقْلُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِهَا لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَنَحْوِهِ.

[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا مُنْفَصِلٌ) عِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَضَرْبٌ مِنْهُ مَا هُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مَقْصُودٌ لَا يَتَأَدَّى بِاَلَّذِي قَبْلَهُ بِحَالٍ أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَضَرْبٌ مِنْهُ مَا هُوَ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَكِنَّهُ أَيْ: ذَلِكَ الْغَيْرُ يَتَأَدَّى بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إتْيَانٍ بِهِ عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ مُنْفَصِلًا فَيَكُونُ مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِهِ، وَظَاهِرٌ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَفْتَقِرُ فِي التَّحَيُّزِ وَالْإِشَارَةِ إلَى التَّبَعِيَّةِ لِلْغَيْرِ كَالْجَوَاهِرِ لِأَنَّ مِثْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا عَرْضٌ فَكَيْفَ

ص: 374

يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا أَتَى بِهِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، فَالْوُضُوءُ الْغَيْرُ الْمَنْوِيِّ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ عِنْدَنَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَالْمَنْوِيُّ بِنِيَّةِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، وَلِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

(حَتَّى شُرِطَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ) فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ يُشْتَرَطُ لَهَا الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ.

(فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا مُنْفَصِلٌ عَنْ هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ) كَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ السَّعْيِ، وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَغْيِيرٌ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ التَّغْيِيرِ هَكَذَا فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ، فَأَسْقَطْتُ قَوْلِي إمَّا قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَوْلُهُ: مُنْفَصِلٌ يَكُونُ مُكَرَّرًا.

(كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ حَسَنٌ لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَالْوُضُوءُ حَسَنٌ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً حَيْثُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ وَسِيلَةً لَهَا إلَى النِّيَّةِ، وَإِمَّا قَائِمٌ بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ كَالْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ حَتَّى إنْ أَسْلَمَ الْكُفَّارُ بِأَجْمَعِهِمْ لَا يُشْرَعُ الْجِهَادُ، وَإِنْ قَضَى الْبَعْضُ حَقَّ الْمَيِّتِ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ يَتَأَدَّى بِعَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ هَذَا الضَّرْبُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ قَائِمًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

(لَا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ.

(شَبِيهًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَجْهُ الْمُشَابَهَةِ أَنَّ مَفْهُومَ

ــ

[التلويح]

يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: إمَّا مُنْفَصِلٌ، وَإِمَّا غَيْرُ مُنْفَصِلٍ لَكِنَّهُ قَالَ: وَإِمَّا قَائِمٌ بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَبِالْمَأْمُورِ بِهِ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ وَغَيْرُ الْمُنْفَصِلِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ) أَيْ الْوُضُوءُ فِي كَوْنِهِ وَسِيلَةً لِلصَّلَاةِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَفْتَقِرُ إلَى الْوُضُوءِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ طَهَارَةً لَا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ عِبَادَةً، وَالْمُفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ هُوَ وَصْفُهُ لَا ذَاتُهُ.

(قَوْلُهُ: كَالْجِهَادِ) فَإِنَّهُ يَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ تَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ، فَالْغَيْرَانِ أَمْرَانِ حَسَنَانِ حَاصِلَانِ بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْنِي الْجِهَادَ وَالصَّلَاةَ لَا يَنْفَصِلَانِ عَنْهُمَا، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمَا إنَّمَا صَارَا حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى كُفْرِ الْكَافِرِ وَإِسْلَامِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ مَعْنًى مُنْفَصِلٌ عَنْ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنْ لَيْسَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ مِمَّا يَتَأَدَّى بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْنِي الْجِهَادَ وَالصَّلَاةَ، وَأَنْ لَا مَعْنَى لِبَيَانِ الِانْفِصَالِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ الِانْفِصَالِ بِمَعْنَى تَأَدِّيهِ بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمِ قِيَامِهِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالِانْفِصَالِ التَّغَايُرَ، وَالتَّبَايُنَ تَحْقِيقًا لِكَوْنِ حُسْنِ الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِالْغَيْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْحَسَنَ لِغَيْرِهِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الْغَيْرِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، فَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا

ص: 375

الْجِهَادِ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَأَمْثَالُهُمَا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَفْهُومَ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فِي الْخَارِجِ صَارَ هَذَا الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ السَّعْيَ فِي الْمَفْهُومِ غَيْرُ الْأَدَاءِ لَكِنْ فِي الْخَارِجِ عَيْنُهُ، وَكَمَا أَنَّ الْحَيَوَانَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَفْهُومِ غَيْرُ النَّاطِقِ وَالْكَاتِبِ لَكِنْ فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُهُمَا فَالْجِهَادُ حَقِيقَةٌ، وَهِيَ الْقَتْلُ لَيْسَتْ حَسَنَةً لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا لَكِنْ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ عَيْنُ الْإِعْلَاءِ، وَالْإِعْلَاءُ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَشَابَهَ هَذَا الضَّرْبُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لَا الضَّرْبَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَفْهُومِ، وَفِي الْخَارِجِ.

(وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْحُسْنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ.

(يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيُصْرَفُ عَنْهُ إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْبَلُ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ مِنْ الْحَسَنِ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ.

لِأَنَّ كَمَالَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ لَزِمَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَكُونُ أَمْرًا كَامِلًا بِأَنْ يَكُونَ لِلْإِيجَابِ، فَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي لِلْإِبَاحَةِ أَوْ النَّدْبِ فَنَاقِصٌ فِي كَوْنِهِ أَمْرًا إذَا ثَبَتَ هَذَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْحُسْنَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ حَسَنًا لَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (فَيَكُونُ الْأَمْرُ الْكَامِلُ) أَيْ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ لِلْإِيجَابِ (مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ الْكَامِلِ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَكُونُ فِي فِعْلِهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي تَرْكِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ لَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[التلويح]

لَهُ بِحَسَبِ الْخَارِجِ أَيْضًا كَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ فَلَا شَبَهَ لَهُ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغَايِرًا لَهُ بِحَسَبِ الْخَارِجِ كَالْجِهَادِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فِي الْخَارِجِ عَيْنَ ذَلِكَ الْغَيْرِ الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ جُعِلَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ الشَّبِيهِ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ دُونَ الْعَكْسِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ.؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُ لَا جِهَةَ هُنَا لِارْتِفَاعِ الْوَسَائِطِ وَصَيْرُورَتِهَا فِي الْحُكْمِ الْعَدَمَ بِخِلَافِهَا ثَمَّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ هَاهُنَا كُفْرُ الْكَافِرِ، وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ، وَهُمَا اخْتِيَارُ الْعَبْدِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ) عِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ فِي اقْتِضَاءِ صِفَةِ الْحُسْنِ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عِبَادَةً يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الثَّانِيَ بِدَلِيلٍ فَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ عَلَى الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَالضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْهُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ: وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبُ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ: وَيُصْرَفُ عَنْهُ لِيَشْمَلَ الْحَسَنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالْجِهَادِ، وَمَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَوْ يُشْبِهُ الْحَسَنَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَفِي الْجِهَادِ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى احْتِمَالِ سُقُوطِ التَّكْلِيفِ، وَفِي الزَّكَاةِ عَلَى كَوْنِهَا شَبِيهَةً بِالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ

ص: 376