الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَثْبُتَ التَّكْرَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ لَا عِنْدَنَا وقَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ الْأَفْرَادِ إجْمَاعًا فَيُرَادُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الْيَسَارِ) .
(فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ) أَيْ تَسَلُّمُ عَيْنِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ (، وَقَضَاءٌ) أَيْ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ، وَقُلْنَا فِي الْأَوَّلِ الثَّابِتُ بِهِ لِيَشْمَلَ النَّفَلَ.
ــ
[التلويح]
أَدَوَاتِ الْعُمُومِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ يَكُونُ بِمَعْنَى كُلِّ فَرْدٍ لَا بِمَعْنَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُ أَيْضًا وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ لَا نَعْنِي بِاحْتِمَالِ الْأَمْرِ لِلْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ سِوَى أَنَّهُ يُرَادُ إيقَاعُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) قَدْ فَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ مَسْأَلَةَ عَدَمِ قَطْعِ يَسَارِ السَّارِقِ فِي الْكَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَكَلَامُ الْقَوْمِ صَرِيحٌ فِي ابْتِنَائِهَا عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ، وَهُوَ السَّارِقُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ أَنَّ كُلَّ اسْمِ فَاعِلٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ لُغَةً مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ أَيْ كُلُّ اسْمِ فَاعِلٍ دَلَّ عَلَى مَصْدَرِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ مَصْدَرُهُ الْعَدَدَ فَاللَّامُ فِي الْمَصْدَرِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَضَمِيرٌ لَمْ يُحْتَمَلُ لِمَصْدَرِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الرَّبْطُ فَيَصِحُّ الْكَلَامُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَمَعْنَى السَّارِقُ الَّذِي سَرَقَ سَرِقَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْوَاحِدُ الِاعْتِبَارِيُّ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ السَّرِقَاتِ، وَإِلَّا لَتَوَقَّفَ قَطْعُ السَّارِقِ عَلَى آخِرِ الْحَيَاةِ إذْ لَا يُعْلَمُ تَحَقُّقُ جَمِيعِ سَرِقَاتِهِ إلَّا حِينَئِذٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْوَاجِبُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعُ يَدٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى الَّذِي سَرَقَ، وَاَلَّتِي سَرَقَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً يُقْطَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْيُمْنَى بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، وَالسُّنَّةِ قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْمَانَهُمَا فَلَا يَكُونُ قَطْعُ الْيُسْرَى مُرَادًا أَصْلًا، وَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرِ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ تَكَرُّرِ الْجَلْدِ بِتَكَرُّرِ الزِّنَا فَإِنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ، وَهُوَ الْبَدَنُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ فِي ابْتِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَصْدَرِ الْأَمْرِ أَعْنِي اقْطَعُوا فَإِنَّ الْوَاحِدَ الْحَقِيقِيَّ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَقَطْعُ الْيَمِينِ مُرَادٌ إجْمَاعًا فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى قَطْعِ الْيَسَارِ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ تَقْرِيرِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ كَالسَّارِقِ مَثَلًا عَامٌّ، وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي عُمُومَ الْمَصْدَرِ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ قِيَامِ الْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ بِالْمَجْمُوعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْدَةِ وَحْدَةُ الْمَصْدَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ السَّارِقِ مَثَلًا.
[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]
(قَوْلُهُ فَصْلٌ) لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْمُؤَقَّتَاتِ، وَغَيْرِهَا مِثْلُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ، وَقَضَاءِ الْحَجِّ، وَالْإِتْيَانِ ثَانِيًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
بَعْدَ فَسَادِ الْأَوَّلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَعِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يَخْتَصَّانِ بِالْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ فَلِهَذَا قَالُوا: الْأَدَاءُ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا، وَالْقَضَاءُ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُمْ مُطْلَقًا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ قَضَاءُ النَّائِمِ، وَالْحَائِضِ إذْ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَيْفَ، وَجَوَازُ التَّرْكِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَالْإِعَادَةُ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ثَانِيًا لِخَلَلٍ فِي الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: لِعُذْرٍ فَالصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا تَكُونُ إعَادَةً عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْفَضِيلَةِ عُذْرٌ لَا عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْخَلَلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مُقَابِلٌ لِلْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءُ خَارِجٌ عَنْ تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءَ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَعَلَ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مَا فُعِلَ ثَانِيًا لَا أَوَّلًا.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى أَنَّهَا قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ أَوَّلًا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْمُقَدَّرُ لَهُ شَرْعًا احْتِرَازًا عَنْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ عليه السلام فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا فَقَضَاءُ صَلَاةِ النَّائِمِ أَوْ النَّاسِي عِنْدَ التَّذَكُّرِ قَدْ فُعِلَ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا ثَانِيًا لَا أَوَّلًا، وَعِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَدَاءُ، وَالْقَضَاءُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُوَقَّتًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَالْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا ثَبَتَ بِالْأَمْرِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ مَا وَجَبَ بِالْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّابِتِ بِالْأَمْرِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ لَا مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِهِ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ السَّبَبُ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَسْلِيمُ عَيْنِ الثَّابِتِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَقْبَلُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ عَيْنِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا وَجَبَ بِالسَّبَبِ، وَثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ لَا تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ كَفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَوْ إيتَاءِ رُبُعِ الْعُشْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ، وَالْمِثْلِيَّةَ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ مِنْ الْأَمْرِ لَا مَا ثَبَتَ بِالسَّبَبِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ: إنَّ الشَّرْعَ شَغَلَ الذِّمَّةِ بِالْوَاجِبِ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَفْرِيغِهَا فَأَخَذَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حُكْمَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَأَنَّهُ عَيْنُهُ، وَالثَّابِتُ بِالْأَمْرِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ بِصَرِيحِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ، وَمَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ أَوْ الْمِثْلِ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَعْرَاضِ إيجَادُهَا، وَالْإِتْيَانُ بِهَا كَأَنَّ الْعِبَادَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعَبْدُ يُؤَدِّيهَا، وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ الزَّكَوَاتِ، وَالْأَمَانَاتِ، وَالْمَنْذُورَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَقَالَ: الثَّابِتُ بِالْأَمْرِ دُونَ الْوَاجِبِ بِهِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ النَّوَافِلِ فَاعْتُبِرَ فِي الْقَضَاءِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْمَتْرُوكِ لَا مَضْمُونًا، وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ، وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ، وَأَفْسَدَهُ فَقَدْ صَارَ بِالشُّرُوعِ وَاجِبًا فَيُقْضَى، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ هَاهُنَا مَا يَعُمُّ الْفَرْضَ أَيْضًا، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ مِثْلَ الْوَاجِبِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ
(وَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا) .
(، وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ
ــ
[التلويح]
عِنْدِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ صَرْفِ دَرَاهِمِ الْغَيْرِ إلَى دَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ ظُهْرَ يَوْمِهِ قَضَاءً مِنْ ظُهْرِ أَمْسِهِ أَوْ عَصْرِهِ قَضَاءً مِنْ ظُهْرِهِ لَا يَصِحُّ مَعَ قُوَّةِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ صَرْفِ النَّفْلِ مَعَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهِ أَدْنَى فَإِنْ قُلْت: يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ الْإِتْيَانُ بِالْمُبَاحِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ كَالِاصْطِيَادِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ، وَلَا يُسَمَّى أَدَاءً قُلْت: الْمُبَاحُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَالثَّابِتُ بِالْأَمْرِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، وَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ مَا فَسَّرَ الْأَدَاءَ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ، هُوَ النَّفَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ يَعْنِي أَنَّ الْأَدَاءَ، وَالْقَضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ جُعِلَ الْأَمْرُ اسْمًا لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ اخْتَصَّ الْأَدَاءُ بِالْوَاجِبِ، وَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ أَقْسَامِ مُوجِبِ الْأَمْرِ، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلطَّلَبِ جَازِمًا كَانَ أَوْ رَاجِحًا عَلَى التَّرْكِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ دَخَلَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ الْوَاجِبُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُبَاحُ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالنَّفْلِ، وَهُوَ مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ، وَلَا يُسِيءُ تَارِكُهُ، وَهَذَا مَعْنَى الْمَنْدُوبِ أَدَاءً فَيُفَسَّرُ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمَنْدُوبِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمُوجِبِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُبَاحِ إذْ لَيْسَ فِي الْعُرْفِ إطْلَاقُ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ كَالِاصْطِيَادِ مَثَلًا إلَّا مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى أَدَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً لِلنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبُ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ أَيْ يَجْعَلُهَا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ لَفْظًا أَوْ يَجْعَلُهَا مَوْضُوعَةً لِلْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْمُبَاحِ أَيْضًا أَدَاءً لَاكْتَفَى بِقَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ بِاعْتِبَارِ الِاشْتِرَاكِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى، وَقَدْ أَطْلَعْنَاك عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا لَفْظُ الْأَمْرِ لَا صِيغَتُهُ، وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا سَبَقَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ مُطْلَقِ الطَّلَبِ جَازِمًا أَوْ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا.
لَكِنَّ التَّحْقِيقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ فَيَدْخُلُ فِي الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، وَإِنْ كَانَ صِيغَةُ الْأَمْرِ مَجَازًا فِي النَّدْبِ فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَمْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْكَعْبِيِّ.
(قَوْلُهُ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا شَرْعِيًّا لِتَبَايُنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي تَسْلِيمِ الشَّيْءِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَفِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمْ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ
عُرِفَتْ فِي وَقْتِهَا فَإِذَا فَاتَ شَرَفُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِثْلٌ إلَّا بِنَصٍّ، وَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِسَبَبِهِ لَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ عِنْدِهِ يَصْرِفُهُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَمَا فَاتَ إلَّا شَرَفُ الْوَقْتِ، وَقَدْ فَاتَ غَيْرَ مَضْمُونٍ إلَّا بِالْإِثْمِ إذَا كَانَ عَامِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» الْحَدِيثَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَقَالَ عليه السلام «مَنْ نَامَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ شَرَفَ الْوَقْتِ غَيْرُ
ــ
[التلويح]
وَكَقَوْلِك أَدَّيْت الدَّيْنَ، وَنَوَيْت أَدَاءَ ظُهْرِ الْأَمْسِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ اللُّغَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَضَاءَ حَقِيقَةٌ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ، وَالْإِتْمَامُ، وَالْإِحْكَامُ، وَأَنَّ الْأَدَاءَ مَجَازٌ فِي تَسْلِيمِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ، وَذَلِكَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمِثْلِ
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ يَكُونُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَضَاءِ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ فَعِنْدَ الْبَعْضِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ أَيْ نَصٍّ مُبْتَدَأٍ مُغَايِرٍ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فَفِي عِبَارَةِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هَاهُنَا مَا يُعْلَمُ بِهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا مَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُجُودُ كَالْوَقْتِ مَثَلًا، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ الدَّلِيلِ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ، وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءُ يَجِبُ بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَوْجَبَ الْأَدَاءَ احْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إقَامَةَ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا عُرِفَتْ قُرْبَةً شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُمْكِنُنَا إقَامَةُ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ آخَرَ مَقَامَهُ بِالْقِيَاسِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ إقَامَةَ الْخُطْبَةِ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فَإِذَا فَاتَ شَرَفُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَيْ لِلْفِعْلِ الَّذِي عُرِفَ كَوْنُهُ قُرْبَةً مِثْلٌ إلَّا بِنَصٍّ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَيْئَاتِهَا، وَإِثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا لَا يُقَالُ: لَوْ وَجَبَ بِنَصٍّ جَدِيدٍ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ قَضَاءً حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ سُمِّيَ قَضَاءً لِكَوْنِهِ اسْتِدْرَاكًا لِوُجُوبٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً.
وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ فِي وَقْتِهِ بِسَبَبِهِ أَيْ بِدَلِيلِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْحَالُ أَنَّ لِلْفِعْلِ مِثْلًا مِنْ عِنْدِ الْمُكَلَّفِ يَصْرِفُهُ إلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُقَرِّرُ تَرْكَ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ يُقَرِّرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ عِنْدِهِ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ إقَامَةُ الْخُطْبَةِ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ قِيلَ: مِنْ جُمْلَةِ الْهَيْئَاتِ وَالْأَوْصَافِ هُوَ الْوَقْتُ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ قُلْنَا فَيُقْصَرُ الْفَوَاتُ عَلَى مَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ إدْرَاكُ شَرَفِ الْوَقْتِ، وَيَبْقَى أَصْلُ الْعِبَادَةِ مَقْدُورًا مَضْمُونًا فَيُطَالَبُ بِالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ
مَضْمُونٍ أَصْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَامِدًا فِي التَّرْكِ.
(وَإِذَا ثَبَتَ فِي الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَهُوَ مَعْقُولٌ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِمَا كَالْمَنْذُورَاتِ الْمُعَيَّنَةِ، وَالِاعْتِكَافِ قِيَاسًا، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّصِّ لِإِعْلَامِ أَنَّ مَا وَجَبَ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ غَيْرُ سَاقِطٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَأَنَّ شَرَفَ الْوَقْتِ سَاقِطٌ لَا لِلْإِيجَابِ ابْتِدَاءً) جَوَابُ إشْكَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَجَبَ بِالنَّصِّ وَهُوَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَيَكُونُ، وَاجِبًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَا بِالسَّبَبِ الَّذِي أَوْجَبَ الْأَدَاءَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّصِّ لِإِعْلَامِ إلَخْ، وَأَيْضًا (لَا يَرِدُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ، وَالْمَنْذُورَاتِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا الْأَصْلُ) ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ (قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ) أَيْ إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يَعْتَكِفْ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ
ــ
[التلويح]
مَا هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَيُمَاثِلُهُ فِي الْهَيْئَاتِ، وَالْأَذْكَارِ حِسًّا، وَعَقْلًا، وَفِي إزَالَةِ الْمَأْثَمِ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يُمَاثِلْهُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ فَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا كَالْوَاجِبِ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ يَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا قُلْنَا: نَعَمْ إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَقْصُودَةً، وَالْوَقْتُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعِبَادَةِ هُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَامْتِنَاعُ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ فَإِنْ قِيلَ: الْفَائِتُ يُقَابَلُ بِالْمِثْلِ أَوْ الضَّمَانِ فَمَا الَّذِي قُوبِلَ بِهِ شَرَفُ الْوَقْتِ الْفَائِتِ قُلْنَا: قَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْمِثْلِ إذَا لَمْ يُشْرَعْ لِلْعَبْدِ مَا يُمَاثِلُ شَرَفَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا الْمُقَابَلَةُ بِالضَّمَانِ فَقَدْ انْتَفَتْ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ» ، وَيَثْبُتُ تَحْقِيقُ الْإِثْمِ فِي الْعَمْدِ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَأْثِيمِ تَارِكِ الْوَاجِبِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ أَنْ يُرَادَ الْآيَةُ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِلتَّمَسُّكِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا كَانَ عَامِدًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَامِدًا لَا يَكُونُ شَرَفُ الْوَقْتِ مَضْمُونًا أَصْلًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ جَزَاءَ التَّرْكِ غَيْرَ عَامِدٍ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالصَّوْمِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِشَيْءٍ آخَرَ بَلْ مَعَ إيمَاءٍ إلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَأْتِيِّ بِهِ فِي وَقْتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِمَا عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ نَبَّهَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى زِيَادَةِ فَائِدَةٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ بَقَاءُ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْوَقْتِ ثَابِتٌ فِي الصَّوْمِ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَفِي الصَّلَاةِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ، وَكِلَاهُمَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا، وَلَا عَجْزَ فِي حَقِّ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ كَالْمَنْذُورِ، وَالِاعْتِكَافِ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ، وَجَبَتْ بِسَبَبِهَا فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَضَاءِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْكِتَابِ
الْمَنْذُورِ فِي رَمَضَانَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ، وَالْأَدَاءُ قَدْ أَوْجَبَهُ النَّذْرُ، وَالنَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ لَمْ يُوجِبْ صَوْمًا مَخْصُوصًا بِالِاعْتِكَافِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ.
(قُلْنَا: الْقَضَاءُ هَاهُنَا يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ) أَيْ النَّذْرُ (وَهُوَ يَقْتَضِي صَوْمًا مَخْصُوصًا بِالِاعْتِكَافِ لَكِنَّهُ) أَيْ الصَّوْمَ الْمَخْصُوصَ بِالِاعْتِكَافِ (سَقَطَ فِي رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَ هَذَا) أَيْ عَارِضُ شَرَفِ الْوَقْتِ (بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ دَرْكُهُ إلَّا بِوَقْتٍ مَدِيدٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ) وَهُوَ مِنْ شَوَّالٍ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ (عَادَ إلَى الْأَصْلِ مُوجِبًا لِصَوْمٍ مَقْصُودٍ) أَيْ لِصَوْمٍ مَخْصُوصٍ بِالِاعْتِكَافِ (فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَعَ سُقُوطِ شَرَفِ الْوَقْتِ أَحْوَطُ مِنْ وُجُوبِهِ مَعَ رِعَايَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ إذْ سُقُوطُهُ يُوجِبُ صَوْمًا مَقْصُودًا، وَفَضِيلَةُ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ أَحْوَطُ مِنْ فَضِيلَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ) هَذَا هُوَ مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ، وَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ، وَالْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى السُّقُوطِ فِي قَوْلِهِ فَسَقَطَ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ
ــ
[التلويح]
وَالسُّنَّةِ، وَوُجُوبَ قَضَاءِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِالْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَدَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ لَا بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّصَّ لِإِيجَابِ الْقَضَاءِ بَلْ لِلْإِعْلَامِ بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ، وَسُقُوطِ شَرَفِ الْوَقْتِ لَا إلَى مِثْلٍ، وَضَمَانٍ فِيمَا إذَا كَانَ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ عَنْ الْوَقْتِ بِعُذْرٍ، وَالْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ فَيَكُونُ بَقَاءُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ، وَالِاعْتِكَافِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي بَقَاءِ وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ لَا يُقَالُ: لَوْ ثَبَتَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَكَانَ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لَهُ، وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يَقْتَضِي صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَيْضًا لَوْ اقْتَضَاهُ لَكَانَ أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ: صُمْ إمَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَإِمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَكَانَا سَوَاءً فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُمِرَ بِالصَّوْمِ، وَبِإِيقَاعِهِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ فَلَمَّا فَاتَ إيقَاعُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ بَقِيَ الْوُجُوبُ مَعَ نَقْصٍ فِيهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ اقْتِضَاءُ خُصُوصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَا كَوْنُهُ أَدَاءً فِيهِ، وَلَا كَوْنُ صَوْمِ الْيَوْمَيْنِ سَوَاءً.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ:) لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ أَعْتَكَفَ هَذَا الشَّهْرَ مُشِيرًا إلَى رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَزِمَهُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ شَهْرًا مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ مُكْتَفِيًا بِصَوْمِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله فَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ النَّذْرُ لَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ الْآخَرَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الصَّوْمِ مَشْرُوعًا فِيهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَكَوْنُ الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَحِيحًا، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عُلِمَ أَنَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ هُوَ التَّفْوِيتُ، وَهُوَ سَبَبٌ مُطْلَقٌ يُوجِبُ الِاعْتِكَافَ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا نَذَرَ ابْتِدَاءً أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَظَاهِرُ هَذَا التَّقْرِيرِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْجَدِيدِ أَوْ السَّبَبِ
مِنْ الزِّيَادَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ، وُجُوبَ الْقَضَاءِ مَعَ سُقُوطِ زِيَادَةٍ تَثْبُتُ بِشَرَفِ الْوَقْتِ أَحْوَطُ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَجِبَ الْقَضَاءُ مَعَ وُجُوبِ رِعَايَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا أَنَّ الْأَدَاءَ وَجَبَ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي سُقُوطِ شَرَفِ الْوَقْتِ تَرْكَ الِاحْتِيَاطِ فَنُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا أَحْوَطُ مِنْ وُجُوبِ رِعَايَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَحْوَطِيَّةِ مَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ إلَخْ فَمَعْنَاهُ أَنَّ شَرَفَ الْوَقْتِ أَوْجَبَ زِيَادَةً، وَأَوْجَبَ نُقْصَانًا فَالزِّيَادَةُ هِيَ أَفْضَلِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى صِيَامِ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَالنُّقْصَانُ هُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ فَلَمَّا مَضَى رَمَضَانُ سَقَطَ وُجُوبُ رِعَايَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إمْكَانِ الْمَوْتِ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطُ ذَلِكَ النُّقْصَانُ الْمُنْجَبِرُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى.
وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَسُقُوطُ النُّقْصَانِ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَأَيْضًا سُقُوطُ الزِّيَادَةِ بِشَرَفِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِخَوْفِ الْمَوْتِ، وَسُقُوطُ النُّقْصَانِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ يَثْبُتُ بِخَوْفِ الْمَوْتِ، وَالنَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ أَيْضًا فَإِذَا سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ سَقَطَ النُّقْصَانُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
وَسُقُوطُ
ــ
[التلويح]
الْأَوَّلِ هُوَ سَبَبُ الْحُكْمِ لَا النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْأَدَاءِ هُوَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَالسَّبَبُ الْجَدِيدُ هُوَ قِيَاسُ الْمَنْذُورِ عَلَى الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ بَلْ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ سَبَبِ الْقَضَاءِ هُوَ النَّذْرَ كِنَايَةً عَنْ وُجُوبِهِ بِالنَّصِّ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْمَنْذُورِ، وَكَوْنُهُ هُوَ التَّفْوِيتَ كِنَايَةً عَنْ وُجُوبِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ تَعْبِيرًا بِاللَّازِمِ عَنْ الْمَلْزُومِ، وَفِي لَفْظِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى.
أَوْ يُقَالُ: هَذَا تَمْثِيلٌ لِإِيجَابِ الشَّارِعِ الْفِعْلَ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِإِيجَابِ الْمُكَلَّفِ إيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِيمَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ يَكُونُ بِمُوجِبٍ جَدِيدٍ لَا بِالْمُوجِبِ الْأَوَّلِ فَكَذَا فِي إيجَابِ الشَّارِعِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي صَوْمًا، وَلِلِاعْتِكَافِ أَثَرٌ فِي إيجَابِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا النُّقْصَانُ فِي مَسْأَلَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ، وَمَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ مِثْلِهِ إلَّا بِالْحَيَاةِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ، وَهُوَ وَقْتٌ مَدِيدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَيَاةُ، وَالْمَمَاتُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْقُدْرَةُ فَسَقَطَ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَبَقِيَ مَضْمُونًا بِإِطْلَاقِهِ، وَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَمَّا احْتَمَلَ السُّقُوطَ، فَالنُّقْصَانُ، وَالرُّخْصَةُ الْوَاقِعَةُ بِالشَّرَفِ لَأَنْ يَحْتَمِلَ السُّقُوطَ، وَالْعَوْدَ إلَى الِاعْتِكَافِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
أَوْلَى فَإِذَا عَادَ لَمْ يَتَأَدَّ فِي رَمَضَانَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ يَقْتَضِي صَوْمًا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» ، وَإِيجَابُ الشَّيْءِ إيجَابٌ لِتَوَابِعِهِ، وَشَرَائِطِهِ الَّتِي لَا يَتَوَسَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهَا، وَيَكُونُ مِمَّا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَلَاةً، وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ جَازَ أَدَاؤُهَا بِهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى وُضُوءٍ لِأَجْلِهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا النُّقْصَانُ أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ بِالِاعْتِكَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوَاسِطَةِ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ بِشَرَفِهِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِفَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ لَا يَقْبَلُ إيجَابَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُ الصَّوْمِ الْمُخَصَّصِ بِالِاعْتِكَافِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمَا أَمْكَنَ إدْرَاكُ فَضِيلَةِ الِاعْتِكَافِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ فَثَبَتَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ نُقْصَانٌ هُوَ عَدَمُ وُجُوبِ صَوْمٍ مَخْصُوصٍ بِالِاعْتِكَافِ، وَزِيَادَةٌ هِيَ فَضِيلَةُ الْعِبَادَةِ فِي الْوَقْتِ الشَّرِيفِ، وَفَضْلُ صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى صِيَامِ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْقُدْرَةُ أَيْ عَلَى اكْتِسَابِ مِثْلِ مَا فَاتَ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ الثَّابِتَةِ بِشَرَفِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ اكْتِسَابِهِ فَبَقِيَ الِاعْتِكَافُ مَضْمُونًا بِإِطْلَاقِهِ إذْ لَا عَجْزَ عَنْهُ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي صَوْمًا مَقْصُودًا مَخْصُوصًا بِهِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَجَبَتْ مَعَ شَرَفِ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ إدْرَاكِ شَرَفِ الْوَقْتِ لِخُرُوجِهِ فَبَقِيَ أَصْلُ الصَّلَاةِ مَضْمُونًا بِشَرَائِطِهَا، وَقَوْلُهُ، وَكَانَ هَذَا أَيْ سُقُوطُ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ، وَبَقَاءِ الِاعْتِكَافِ مَضْمُونًا بِإِطْلَاقِهِ أَحْوَطُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْقَضَاءِ مَعَ سُقُوطِ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجِبَ الْقَضَاءُ بِصَوْمٍ مَخْصُوصٍ، وَالْآخَرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ مَعَ رِعَايَةِ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْضِيَ الِاعْتِكَافَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ: هُوَ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِشَرَفِ الْوَقْتِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَمَّا احْتَمَلَ السُّقُوطَ بِمُضِيِّ رَمَضَانَ فَالنُّقْصَانُ الثَّابِتُ، وَالرُّخْصَةُ الْوَاقِعَةُ بِشَرَفِ الْوَقْتِ أَوْلَى بِاحْتِمَالِ السُّقُوطِ، وَالْعَوْدَةِ إلَى الْكَمَالِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ بِهِ، وَإِذَا عَادَ الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ إلَى كَمَالِهِ لَمْ يَتَأَدَّ بِالِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ الثَّانِي لِخُلُوِّهِ عَنْ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصِ بِالِاعْتِكَافِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا.
وَوَجْهُ أَوْلَوِيَّةِ سُقُوطِ النُّقْصَانِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْعِبَادَةِ أَحْوَطُ مِنْ تَرْكِهَا، وَإِيجَابَهَا أَوْلَى مِنْ نَفْيِهَا، وَزِيَادَتَهَا خَيْرٌ مِنْ النُّقْصَانِ فِيهَا فَسُقُوطُ النُّقْصَانِ فِيهَا يَكُونُ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَأَيْضًا سُقُوطُ النُّقْصَانِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ صَوْمٍ مَخْصُوصٍ بِهِ فَهُوَ تَكْثِيرٌ لِلْعِبَادَةِ، وَتَكْمِيلٌ لِلِاعْتِكَافِ فَيَكُونُ أَوْلَى، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ مُوجِبَ سُقُوطِ الزِّيَادَةِ أَمْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ خَوْفُ الْمَوْتِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَمُوجِبُ سُقُوطِ النُّقْصَانِ أَمْرَانِ: خَوْفُ الْمَوْتِ، وَالنَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ خَوْفَ
النُّقْصَانِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ فَعُلِمَ أَنَّ سُقُوطَ شَرَفِ الْوَقْتِ يُوجِبُ وُجُوبَ صَوْمٍ مَقْصُودٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ مَعَ فَضِيلَةِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ أَحْوَطُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ
ــ
[التلويح]
الْمَوْتِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي يُوجِبُ قَضَاءَ الِاعْتِكَافِ قَبْلَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِسُقُوطِ النُّقْصَانِ، وَإِيجَابِ صَوْمٍ مَخْصُوصٍ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ شَرْعٌ بِصَوْمٍ لَهُ أَثَرٌ فِي إيجَابِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ إلَّا بِعَارِضٍ فَبِالنَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ يَثْبُتُ صَوْمٌ مَخْصُوصٌ بِهِ، وَهُوَ مَعْنَى سُقُوطِ النُّقْصَانِ فَإِذَا ثَبَتَ مَا يُثْبِتُهُ خَوْفُ الْمَوْتِ فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَا يُثْبِتُهُ خَوْفُ الْمَوْتِ، وَشَيْءٌ آخَرُ مَعَ تَحَقُّقِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ قُوَّةَ السَّبَبِ، وَكَثْرَتِهِ أَدْعَى إلَى وُجُودِ الْمُسَبِّبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ الْمُؤَثِّرَيْنِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِثْبَاتِ هَاهُنَا الِاسْتِلْزَامُ وَالِاقْتِضَاءِ لَا التَّأْثِيرُ، وَالْإِيجَادُ فَإِنْ قُلْت: الزِّيَادَةُ، وَالنُّقْصَانُ قَدْ ثَبَتَا بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ فَيَسْقُطَانِ لِفَوَاتِهِ لِانْعِدَامِ الْأَثَرِ بِانْعِدَامِ الْمُؤَثِّرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّطْوِيلِ قُلْت السَّبَبُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُدُوثِ الْمُسَبِّبِ دُونَ بَقَائِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِ كَالصَّلَاةِ وَجَبَتْ بِالْوَقْتِ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ الْمَطْلُوبِ مِمَّا ذَكَرُوا فِيهِ إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ سُقُوطَ شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ فَيَكُونُ وُجُوبُهُ ثَابِتًا بِلَا دَلِيلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالِاعْتِكَافِ مُوجِبٌ لِصَوْمٍ مَقْصُودٍ إلَّا أَنَّ عَارِضَ شَرَفِ الْوَقْتِ كَانَ مَانِعًا عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَبَعْدَ انْعِدَامِهِ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَقَوْلُهُ؛ لَأَنْ يَحْتَمِلَ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا اللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الَّتِي مُبْتَدَؤُهَا أَنْ يَحْتَمِلَ، وَخَبَرُهَا أَوْلَى، وَضَمِيرُ يَحْتَمِلُ عَائِدٌ إلَى النُّقْصَانِ وَالرُّخْصَةِ وَحْدَهُ لِاتِّحَادِهِمَا مَعْنًى إذْ الْمُرَادُ بِهِمَا عَدَمُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ.
وَقَوْلُهُ رَمَضَانَ آخَرَ، وَرَمَضَانُ الثَّانِي بِتَنْكِيرِ الْوَصْفِ، وَتَعْرِيفِهِ أُخْرَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ إذَا قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ، وَمُنَكَّرٌ إذَا قَصَدْت بِهِ مُبْهَمًا مِثْلُ مَرَرْت بِزَيْدٍ الْفَاضِلِ، وَزَيْدٍ آخَرَ فَأَرَادَ بِرَمَضَانَ آخَرَ رَمَضَانَ مُغَايِرًا لِلَّذِي نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ أَيًّا كَانَ، وَبِرَمَضَانَ الثَّانِي الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ.
إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْآخَرَ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالنَّكِيرِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ لِإِبْهَامِهِ، وَإِلَى رَمَضَانَ الْآخَرَ لِتَعَيُّنِهِ، وَالْعَلَمُ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِالْإِضَافَةِ، وَرَمَضَانُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَذْفِ لِتَخْفِيفِ ذِكْرِهِ فِي الْكَشَّافِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَمَضَانُ عَلَمًا لَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ إنْسَانِ زَيْدٍ، وَلَا يَخْفَى قُبْحُهُ، وَلِهَذَا كَثُرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُسْمَعْ شَهْرُ رَجَبٍ، وَشَهْرُ شَعْبَانَ عَلَى الْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ، وَسُقُوطُ النُّقْصَانِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ) ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذَا عَلَى قَصْدِ التَّفْسِيرِ وَهَاهُنَا عَلَى قَصْدِ التَّقْرِيرِ لِيَسْتَنْتِجَ مِنْهُ أَنَّ سُقُوطَ شَرَفِ الْوَقْتِ يُوجِبُ وُجُوبَ صَوْمٍ مَقْصُودٍ
مَعَ فَضِيلَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ إذْ فَضِيلَةُ شَرَفِ الْوَقْتِ فَضِيلَةٌ يَغْلِبُ فَوْتُهَا بِخِلَافِ فَضِيلَةِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا الْبَحْثُ مِنْ مُشْكِلَاتِ مَبَاحِثِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ فَسَّرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي الْوَجْهَانِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرْت لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْكِيَاسَةِ الْمُمَارِسِينَ لِلْعُلُومِ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْأَحْوَطِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْت لَا مَا تَوَهَّمُوهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابَ.
(وَالْأَدَاءُ إمَّا كَامِلٌ، وَهُوَ أَنْ يُؤَدَّى بِالْوَصْفِ الَّذِي شُرِعَ كَالْجَمَاعَةِ
ــ
[التلويح]
لِأَنَّهُ يُوجِبُ سُقُوطَ النُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ.
وَسُقُوطُ الْعَدَمِ ثُبُوتٌ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَكُونُ سُقُوطُ النُّقْصَانِ عِبَارَةً عَنْ وُجُوبِ صَوْمٍ مَقْصُودٍ فَيَكُونُ مُوجِبُ السُّقُوطِ مُوجِبًا لَهُ (قَوْلُهُ إذْ فَضِيلَةُ شَرَفِ الْوَقْتِ فَضِيلَةٌ يَغْلِبُ فَوْتُهَا) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِخِلَافِ فَضِيلَةِ الصَّوْمِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ فَوْتَهَا نَادِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَقَدْ فَسَّرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي الْوَجْهَانِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرْت) فَقِيلَ: أَحَدُهُمَا إيجَابُ الْقَضَاءِ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ، وَالْآخَرُ: إيجَابُهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ هُوَ التَّفْوِيتُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي صُورَةِ الْفَوَاتِ دُونَ التَّفْوِيتِ كَمَا إذَا حَدَثَ بِهِ فِي رَمَضَانَ مَرَضٌ مَانِعٌ مِنْ الِاعْتِكَافِ دُونَ الصَّوْمِ كَالْإِسْهَالِ مَثَلًا، وَقِيلَ أَحَدُهُمَا: إيجَابُ الْقَضَاءِ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ، وَالْآخَرُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ بِزَوَالِ الْوَقْتِ لِتَعَذُّرِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ، وَتَعَذُّرِ إيجَابِ الصَّوْمِ بِلَا مُوجِبٍ كَمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ النُّقْصَانِ، وَإِعَادَةَ الْوَاجِبِ إلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِإِيجَادِ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ بِوُجُوبِهِ، وَفِي الثَّانِي إسْقَاطُ أَصْلِ الْوَاجِبِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ التَّبَعِ.
وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ مِنْ الثَّانِي بِهَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَتِيجَةَ الدَّلِيلِ هُوَ عَدَمُ التَّأَدِّي فِي رَمَضَانَ الثَّانِي فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْغَيْرُ الْأَحْوَطِ هُوَ التَّأَدِّي فِي رَمَضَانَ الثَّانِي بِأَنْ يَجِبَ الْقَضَاءُ مَعَ رِعَايَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا الْوُجُوبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَمَا فِي التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَلَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنْ أَصْلِهِ كَمَا فِي التَّفْسِيرِ الثَّانِي، وَلِهَذَا اعْتَرَفَ الذَّاهِبُونَ إلَى التَّفْسِيرَيْنِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى الْأَحْوَطِيَّةِ بَلْ بَيَانًا لِإِمْكَانِ إيجَابِ الْقَضَاءِ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ بِمَعْنَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الثَّابِتَةَ لِلْعِبَادَةِ بِشَرَفِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَسْقُطُ بِزَوَالِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ فَسُقُوطُ النُّقْصَانِ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَالْعَوْدُ مِنْ النُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَوْدٌ مِنْ الْكَمَالِ إلَى النُّقْصَانِ، وَهَذَا عَوْدٌ مِنْ النُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ، وَمِنْ الرُّخْصَةِ إلَى الْعَزِيمَةِ، وَلَمَّا سَقَطَ النُّقْصَانُ، وَعَادَ إلَى الْكَمَالِ لَمْ يَتَأَدَّ فِي رَمَضَانَ الثَّانِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعِيدٌ لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ
(قَوْلُهُ، وَالْأَدَاءُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَأْمُورَ
أَوْ قَاصِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ كَصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، وَالْمَسْبُوقُ مُنْفَرِدٌ أَوْ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ كَفِعْلِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهُ أَدَاءٌ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ، وَقَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ بِمِثْلِهِ فَكَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا إنْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِمِثْلِهِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، ثُمَّ أَقَامَ) إمَّا بِدُخُولِ مِصْرِهِ لِيَتَوَضَّأَ، وَإِمَّا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ (، وَقَدْ فَرَغَ إمَامُهُ يَبْنِي رَكْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَضَاءٌ) ، وَالْقَضَاءُ لَا يَتَغَيَّرُ أَصْلًا لَا بِإِقَامَةٍ، وَلَا بِالسَّفَرِ (وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ) أَيْ إمَامُهُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرٍ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ سَبَقَ الْمُقْتَدِي حَدَثٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَالْإِمَامُ لَمْ يَفْرُغْ يُتِمُّ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ اعْتَرَضَتْ عَلَى الْأَدَاءِ فَصَارَ فَرْضًا أَرْبَعًا (أَوْ كَانَ هَذَا الْمُسَافِرُ مَسْبُوقًا) أَيْ كَانَ الْمُسَافِرُ الَّذِي اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْوَقْتِ مَسْبُوقًا أَيْ اقْتَدَى بَعْدَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً فَلَمَّا تَمَّ صَلَاةُ الْإِمَامِ نَوَى الْمُقْتَدِي الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ اعْتَرَضَتْ عَلَى قَدْرِ مَا سَبَقَ، وَهُوَ مُؤَدٍّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ كُلِّ
ــ
[التلويح]
بِهِ إمَّا أَدَاءٌ أَوْ قَضَاءٌ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مَحْضٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَبَهُ الْآخَرِ أَوْ غَيْرُ مَحْضٍ إنْ كَانَ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْأَمْرُ يَتَنَوَّعُ بِنَوْعَيْنِ، وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهُمَا يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْأَدَاءِ الْمَحْضِ، وَالْقَضَاءِ الْمَحْضِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْمَحْضَ إنْ كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَشْرُوعَةِ فَأَدَاءٌ كَامِلٌ، وَإِلَّا فَقَاصِرٌ، وَالْقَضَاءُ الْمَحْضُ إمَّا أَنْ يُعْقَلَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فَقَضَاءٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْقَلَ فَقَضَاءٌ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَصِيرُ الْأَقْسَامُ سِتَّةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ صِفَةَ حُكْمِ الْأَمْرِ أَدَاءٌ، وَقَضَاءٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَالْأَقْسَامُ بِحَسَبِ الْإِجْمَالِ أَرْبَعَةٌ، وَبِحَسَبِ التَّفْصِيلِ سِتَّةٌ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَقْسِيمَ مُطْلَقِ الْأَدَاءِ إلَى الْكَامِلِ، وَالْقَاصِرِ حَاصِلٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّبِيهُ بِالْقَضَاءِ قِسْمًا مِنْهُمَا، وَقَدْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَفِي الْعِبَارَةِ اخْتِصَارٌ أَيْ الْأَدَاءُ إمَّا مَحْضٌ، وَهُوَ كَامِلٌ أَوْ قَاصِرٌ وَإِمَّا تَشْبِيهٌ بِالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ كَالْجَمَاعَةِ) يَعْنِي فِيمَا شُرِعَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ مِثْلُ الْمَكْتُوبَاتِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ، وَالتَّرَاوِيحِ، وَإِلَّا فَالْجَمَاعَةُ صِفَةُ قُصُورٍ بِمَنْزِلَةِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ إمَّا أَنْ تُؤَدَّى كُلُّهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْأَدَاءُ الْكَامِلُ أَوْ كُلُّهَا بِالِانْفِرَادِ، وَهُوَ الْأَدَاءُ الْقَاصِرُ أَوْ يُؤَدَّى بِالِانْفِرَادِ بَعْضُهَا فَقَطْ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا الْأَوَّلَ فَهُوَ أَيْضًا قَاصِرٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا الْآخَرَ فَهُوَ أَدَاءٌ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ، وَفِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ، وَالْمَسْبُوقُ مُنْفَرِدًا أَيْ فِيمَا سُبِقَ بِهِ فَيَكُونُ أَدَاؤُهُ قَاصِرًا فَفِي التَّمْثِيلِ لِلْقَاصِرِ بِالْمِثَالَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً تَامَّةً كَالصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ
الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ أَدَاءَ هَذَا الْقَدْرِ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ قَاضِيًا لِمَا الْتَزَمَ أَدَاءَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَلَمْ يُؤَدِّ مَعَ الْإِمَامِ قَاضِيًا.
(أَوْ تَكَلَّمَ) أَيْ تَكَلَّمَ اللَّاحِقُ (بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ، وَنَوَى الْإِقَامَةَ)(يُتِمُّ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ فَيَتَغَيَّرُ بِالْإِقَامَةِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافَ فَإِذَا اسْتَأْنَفَ يَكُونُ مُؤَدِّيًا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ اعْتَرَضَتْ عَلَى الْأَدَاءِ فَيُتِمُّ أَرْبَعًا (وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ اللَّاحِقُ، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّاحِقَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَقْرَأُ، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ أَيْ إذَا سَهَا فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَالْمُقْتَدِي إذَا سَهَا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ) فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا سُبِقَ فَيَقْرَأُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
(، وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَإِمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ، وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ، وَثَوَابِ النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ، وَكُلُّ مَا لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ قُرْبَةٌ لَا يُقْضَى إلَّا بِنَصٍّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالْأُضْحِيَّةِ)، وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهَا عَلَى صِفَةِ الْجَهْرِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} [الأعراف: 205] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (فَإِنَّ كَوْنَهَا قُرْبَةً مَخْصُوصٌ بِزَمَانٍ، وَلَا يُقْضَى تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ
ــ
[التلويح]
بَعْضًا مِنْهَا كَفِعْلِ الْمَسْبُوقِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْكَامِلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَاصِرًا كَانَ كَامِلًا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْقَاصِرَ، وَالشَّبِيهَ بِالْقَضَاءِ هُوَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالتَّمْثِيلُ بِالْمِثَالَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَفَاوُتِ الْقُصُورِ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا.
(قَوْلُهُ كَفِعْلِ اللَّاحِقِ) هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلًا الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ، وَفَاتَهُ الْبَاقِي بِأَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ انْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَتَوَضَّأَ، وَجَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَفِعْلُهُ أَدَاءٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي الْوَقْتِ قَضَاءٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ يَقْضِي مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ مِنْ الْمُتَابَعَةِ لَهُ، وَالْمُشَارَكَةِ مَعَهُ بِمِثْلِهِ أَيْ بِمِثْلِ مَا انْعَقَدَ لَهُ الْإِحْرَامُ لَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَزِيمَةُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءَ مَعَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ مُقْتَدِيًا، وَقَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ بِعُذْرٍ جَعَلَ الشَّرْعُ أَدَاءَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ أَدَاءً، وَلَمَّا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ جُعِلَ أَدَاءً شَبِيهًا بِالْقَضَاءِ لَا شَبِيهًا بِالْأَدَاءِ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ) إذْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ فَرَغَ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ثُمَّ أَقَامَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ يَكُونُ مَعَ حُصُولِ فَرَاغِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَغَيَّرُ) ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ لِانْقِضَائِهِ، وَالْخُلْفُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ) يَعْنِي أَنَّهُ إمَّا مَحْضٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ
لِأَنَّ إبْطَالَ الْأَصْلِ بِالْوَصْفِ بَاطِلٌ، وَالْوَصْفُ وَحْدَهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِثْمُ، وَكَذَا صِفَةُ الْجَوْدَةِ) أَيْ لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْأَصْلِ إلَخْ (إذَا أَدَّى الزُّيُوفَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَوْجَبْتُمْ الْفِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ قِيَاسًا) أَيْ عَلَى الصَّوْمِ؟ هَذَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ، قَوْلُهُ لَا يُقْضَى إلَّا بِنَصٍّ، وَقَدْ عُدِمَ النَّصُّ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ لِلشَّيْخِ الْفَانِي، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الصَّوْمِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَلِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَا يُدْرَى أَنَّ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ الشَّاةِ أَوْ بِقِيمَتِهَا هَلْ هُوَ مِثْلُ قُرْبَةِ الْإِرَاقَةِ أَمْ لَا (وَالتَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ قُلْنَا يُحْتَمَلُ فِي الصَّوْمِ التَّعْلِيلُ بِالْعَجْزِ فَقُلْنَا بِالْوُجُوبِ احْتِيَاطًا فَيَكُونُ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ أَوْ الْوَاجِبِ، وَنَرْجُو الْقَبُولَ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْفِدْيَةُ وَاجِبَةً قَضَاءً لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ وَمُحَمَّدٌ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَرْجُو الْقَبُولَ.
(فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ إلَى الْإِرَاقَةِ تَطْيِيبًا لِلطَّعَامِ، وَتَحْقِيقًا لِضِيَافَةِ اللَّهِ لَكِنْ لَمْ نَعْمَلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ الْمَظْنُونِ) ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ (وَفِي الْوَقْتِ) حَتَّى لَمْ نَقُلْ إنَّ التَّصَدُّقَ بِالْعَيْنِ فِي الْوَقْتِ يَجُوزُ (فِي مَعْرِضِ النَّصِّ، وَعَمِلْنَا بِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ احْتِيَاطًا فَلِهَذَا) الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ، وَعَمِلْنَا بِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ (إذَا جَاءَ الْعَامُ الثَّانِي لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى التَّضْحِيَةِ
ــ
[التلويح]
أَوْ غَيْرِ مَعْقُولٍ وَإِمَّا غَيْرُ مَحْضٍ (قَوْلُهُ: وَثَوَابُ النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إلَّا أَنَّ فِي الْحَجِّ شَائِبَةَ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الزَّادِ، وَالرَّاحِلَةِ فَمِنْ جِهَة الْمُبَاشَرَةِ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِنْفَاقِ عَنْ الْآمِرِ.، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بِظَوَاهِر الْأَحَادِيثِ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْآمِرِ مُبَاشَرَةُ الْأَفْعَالِ، وَالصَّادِرُ عَنْهُ هُوَ الْإِنْفَاقُ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ، وَثَوَابُ النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ يُسَامَحُ؛ لِأَنَّ التَّمْثِيلَ إمَّا لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْمِثْلِ، وَالثَّوَابُ لَيْسَ شَيْئًا مِنْهُمَا.
(قَوْلُهُ، وَلَا يَقْضِي تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ) الْفَائِتَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا صِفَةَ الْجَوْدَةِ الْفَائِتَةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْضِيَ الْوَصْفَ وَحْدَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ نَصٌّ أَوْ مَعَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَقْضِيَ صَلَاةً مُعْتَدِلَةَ الْأَرْكَانِ أَوْ يَقْضِيَ نَفْسَ الرُّكْنِ بِصِفَةِ الِاعْتِدَالِ، وَيَقْضِيَ دَرَاهِمَ جِيَادًا، وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْأَصْلِ بِوَاسِطَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ، وَهُوَ نَقْضُ الْأُصُولِ، وَقَلْبُ الْمَعْقُولِ (قَوْلُهُ فَقُلْنَا بِالْوُجُوبِ احْتِيَاطًا) أَيْ لَا قِيَاسًا، وَلَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ كَالْعَجْزِ مَثَلًا مَشْكُوكٌ لَا مَعْلُومٌ إلَّا أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّعْلِيلِ بِالْعَجْزِ تَكُونُ الْفِدْيَةُ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَاجِبَةً بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعْلِيلِ تَكُونُ حَسَنَةً مَنْدُوبَةً تَمْحُو سَيِّئَةً فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ أَحْوَطَ
لِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ جِهَةُ أَصَالَتِهِ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّكِّ، وَإِمَّا قَضَاءٍ يُشْبِهُ الْأَدَاءَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ (كَمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ رَاكِعًا كَبَّرَ فِي رُكُوعِهِ) أَيْ كَبَّرَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ (فَإِنَّهُ، وَإِنْ فَاتَ مَوْضِعُهُ، وَلَيْسَ لِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَضَاءٌ إذْ لَيْسَ لَهَا الْمِثْلُ قُرْبَةً لَكِنْ لِلرُّكُوعِ شَبَهٌ بِالْقِيَامِ فَيَكُونُ شَبِيهًا بِالْأَدَاءِ) .
(، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ أَيْضًا تَنْقَسِمُ إلَى هَذَا
ــ
[التلويح]
وَيُرْجَى قَبُولُهَا، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الزِّيَادَاتِ فِي فِدْيَةِ الصَّلَاةِ تُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْأُضْحِيَّةِ) عَطْفٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ أَيْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِمَا ذُكِرَ، وَبِوُجُوبِ التَّصْدِيقِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ تَثْبُتُ فِي قُرْبَةٍ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ مُخَالَفَةٌ لِهَوَى النَّفْسِ بِتَرْكِ الْمَحْبُوبِ إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْعَيْنِ نُقِلَ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَى إرَاقَةِ الدَّمِ تَطْيِيبًا لِلطَّعَامِ بِإِزَالَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَالُ الصَّدَقَةِ مِنْ أَوْسَاخِ الذُّنُوبِ، وَالْآثَامِ فَبِالْإِرَاقَةِ يَنْتَقِلُ الْخُبْثُ إلَى الدِّمَاءِ فَتَصِيرُ ضِيَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَطْيَبَ مَا عِنْدَهُ عَلَى مَا هُوَ مَادَّةُ الْكِرَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ التَّضْحِيَةِ، وَالْإِرَاقَةِ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى التَّصَدُّقِ فَفِي الْوَقْتِ لَمْ نَعْمَلْ بِالتَّعْلِيلِ الْمَظْنُونِ، وَلَمْ نَقُلْ بِجَوَازِ التَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِقِيَامِ النَّصِّ الْوَارِدِ بِالتَّضْحِيَةِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ عَمِلْنَا بِالْأَصْلِ، وَأَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ الشَّاةِ الَّتِي عُيِّنَتْ لِلتَّضْحِيَةِ أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ اُسْتُهْلِكَتْ الْمُعَيَّنَةُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَةِ، وَأَخَذَ بِالْمُحْتَمَلِ لَا عَمَلًا بِالْقِيَاسِ فِيمَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فَقَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ، وَفِي مَعْرِضِ النَّصِّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَمْ نَعْمَلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرًا إلَى عِبَارَةِ الْمَتْنِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْوَقْتِ مُتَعَلِّقًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ مِنْ كَلَامِ شَرْحِ (قَوْلِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّكِّ) أَيْ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْإِرَاقَةُ أَصْلًا، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ بِمَجِيءِ أَيَّامِ النَّحْرِ.
فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الصَّوْمِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عَنْ الصَّوْمِ فَقَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ؟ قُلْت؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ فِي الشَّهْرِ هُوَ الصَّوْمُ لَيْسَ بِمَشْكُوكٍ بَلْ مُتَيَقَّنٌ فَعِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ تَيَقَّنَ بَقَاءَ وُجُوبِ الصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184](قَوْلُهُ لَكِنَّ لِلرُّكُوعِ شَبَهٌ بِالْقِيَامِ) مِنْ جِهَةِ بَقَاءِ الِانْتِصَابِ، وَالِاسْتِوَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبَدَنِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْقُعُودُ بِانْتِفَائِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ أَعَالِي الْبَدَنِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَامٍ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الِانْحِنَاءِ
قَوْلُهُ (تَنْقَسِمُ إلَى هَذَا الْوَجْهِ) الصَّوَابُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا هُوَ لَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ، وَالْبَيْعُ) أَيْ وَكَتَسْلِيمِ عَيْنِ الْحَقِّ فِي الْبَيْعِ، وَفِي عَقْدِ الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ فَيَكُونُ هَذَا الْعَطْفُ مِنْ قَبِيلِ
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
لِأَنَّ الرَّدَّ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ الْأَخْذِ فَيَصِحُّ فِي الْغَصْبِ دُونَ الْبَيْعِ، وَفِي التَّمْثِيلِ بِالْأَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَدَاءَ الْكَامِلَ قَدْ
الْوَجْهِ فَالْأَدَاءُ الْكَامِلُ كَرَدِّ غَيْرِ الْحَقِّ فِي الْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ لَمَّا عَقَدَ الصَّرْفَ أَوْ السَّلَمِ يَجِبُ لَهُ بَدَلُ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُ بَدَلِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ قَضَاءً إذْ الْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ عَيْنَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ اسْتِبْدَالًا فِي بَدَلِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالِاسْتِبْدَالُ فِيهِمَا حَرَامٌ، وَالْقَاصِرُ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَالْمَبِيعِ مَشْغُولًا بِجِنَايَةٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا) بِأَنْ كَانَ حَامِلًا أَوْ مَرِيضًا (حَتَّى إذَا هَلَكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ اُنْتُقِضَ الْقَبْضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
ــ
[التلويح]
يَكُونُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ، وَالْبَيْعُ، وَقَدْ يَكُونُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ كَتَسْلِيمِ بَدَلِ الصَّرْفِ، وَتَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ وَصْفٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّسْلِيمَ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمُؤَدَّى عَيْنَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاسْتِبْدَالُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ حَرَامٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ امْتِنَاعُ الْجَبْرِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّرَاضِي، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالْعَيْنُ الْمُؤَدَّى مُغَايِرٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ عَيْنَ الْوَاجِبِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ: الْقَضَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ الْأَدَاءِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَسْلِيمُ مِثْلِ مَا يَكُونُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ أَدَاءً فَإِذَا امْتَنَعَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ امْتَنَعَ تَسْلِيمُ الْمِثْلِ قُلْنَا: الْعَيْنُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ، وَالْمُمْتَنَعُ فِي الدَّيْنِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ، وَانْتِفَاءُ الْخَاصِّ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْعَامِّ فَالْمُؤَدَّى فِي الدَّيْنِ عَيْنُ الْحَقِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلًا لِلْعَيْنِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ لَا نَفْسِهِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ التَّغَايُرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَإِنَّ الْمُؤَدَّى مِثْلٌ لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّرْعُ عَيْنَ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمَقْبُوضِ مُمْكِنٌ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْبُوضِ يَكُونُ الْمُؤَدَّى مِثْلًا، وَأَمَّا مَا يُقَالُ: مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِالْمِثْلِ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَمَّا سَلَّمَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ صَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ مَالُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَيَتَقَاضَانِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَسْلِيمَ عَيْنِ الثَّابِتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا تَسْلِيمَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الدَّيْنِ. وَالتَّسْلِيمُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى نَفْسِ الْمَالِ الْمُؤَدَّى، وَأَيْضًا عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ بَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْقَرْضِ فَرْقٌ، وَقَدْ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَغَيْرُهُ بِأَنَّ تَأْدِيَةَ الْقَرْضِ قَضَاءٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، وَتَأْدِيَةَ الدَّيْنِ أَدَاءً كَامِلٌ.
(قَوْلُهُ وَالْقَاصِرُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَارِغًا فَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِجِنَايَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ أَوْ طُرْفَةٍ أَوْ بِدَيْنٍ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ فِي يَدِهِ مَالَ إنْسَانٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِمَرَضٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ غَصَبَ جَارِيَةً فَرَدَّهَا حَامِلًا أَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً سَالِمًا عَنْ ذَلِكَ فَسَلَّمَهُ بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَهَذَا