الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَنَّهُ قَبْلَ هَذَا الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ فِي الْحَالِ يَقَعُ أَيْضًا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ فَيَقَعَانِ مَعًا (وَبَعْدَ عَلَى الْعَكْسِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ قَبْلَ وَاحِدَةٍ
(وَعِنْدَ لِلْحَضْرَةِ فَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفٌ يَكُونُ وَدِيعَةً لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ)
(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)
(إنْ لِلشَّرْطِ فَقَطْ) فَتَدْخُلُ
ــ
[التلويح]
يَقَعَانِ أَبَدًا كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ طَلَاقَك، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ أَعَادَ فِي النَّوَازِلِ فِي غَيْرِ الْمُقَيَّدِ صِيغَةَ الطَّلَاقِ فَقَالَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ بِتَأْخِيرِ الشَّرْطِ عَلَى مَعْنَى إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الثِّنْتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُقَدَّمٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى لَمْ يُعِدْ حَتَّى يَبْقَى التَّعْلِيقُ بِالثَّلَاثِ فَقَدَّمَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْمُقَيَّدِ فَيَنْصَرِفَ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ إلَى مَا انْصَرَفَ إلَيْهِ الْمَشِيئَةُ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثِنْتَيْنِ
[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]
(قَوْلُهُ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ) عَقَّبَ بَحْثَ حُرُوفِ الْمَعَانِي بِبَعْضِ أَسْمَاءِ الظُّرُوفِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ ثُمَّ عَقَّبَهَا بِكَلِمَاتٍ بَعْضُهَا حُرُوفٌ وَبَعْضُهَا أَسْمَاءٌ، وَهِيَ كَلِمَاتُ الشَّرْطِ، وَأَوْرَدَ فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ الظُّرُوفِ مَا يَكُونُ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ ضَبْطًا لِأَدَوَاتِ الشَّرْطِ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ لِتَعَلُّقِ مَبَاحِثَ بَعْضِهَا بِالْبَعْضِ
(قَوْلُهُ قَبْلَ وَاحِدَةٍ) صِفَةٌ لِلْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ فَاعِلَ الظَّرْفِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إلَيْهَا، وَقَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْوَاحِدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا فَاعِلُ الظَّرْفِ فَتَكُونُ هِيَ الْمُتَّصِفَةِ بِالْقَبْلِيَّةِ وَالتَّقَدُّمِ، وَالْمُرَادُ الصِّفَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ لَا النَّعْتُ النَّحْوِيُّ، وَإِلَّا فَالْجُمْلَةُ الظَّرْفِيَّةُ أَعْنِي قَبْلَهَا وَاحِدَةً نَعْتٌ لِلْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ، وَلَمَّا وُصِفَتْ الثَّانِيَةُ بِأَنَّهَا قَبْلَ السَّابِقَةِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ بَلْ إيقَاعُهَا مُقَارَنًا كَمَا إذَا قَالَ مَعَهَا وَاحِدَةٌ ثَبَتَ مِنْ قَصْدِهِ قَدْرُ مَا كَانَ فِي وُسْعِهِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ يُجْعَلُ إيقَاعًا فِي الْحَالِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِسْنَادِ إلَى مَا سَبَقَ الْوُقُوعُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ دُونَ الْإِسْنَادِ فَيَثْبُتُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَقَيَّدَ مَسَائِلَ الْقَبْلِيَّةِ، وَالْبَعْدِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ بِالْأُولَى، وَلِذَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِي مِثْلِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ إذْ الدِّرْهَمُ بَعْدَ الدِّرْهَمِ يَجِبُ دَيْنًا
(قَوْلُهُ عِنْدِي أَلْفٌ) لِلْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْحَضْرَةَ تَدُلُّ عَلَى الْحِفْظِ كَمَا لَوْ قَالَ وَضَعْت الشَّيْءَ عِنْدَك يُفْهَمُ مِنْهُ الِاسْتِحْفَاظُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى تَكُونَ دَيْنًا لَكِنْ لَا تُنَافِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدِي أَلْفٌ دَيْنًا ثَبَتَ
[كَلِمَاتُ الشَّرْطِ]
قَوْلُهُ (كَلِمَاتُ الشَّرْطِ) ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَسْمَاءَ الظُّرُوفِ،، وَكَلِمَاتِ الشَّرْطِ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَجَوُّزٌ، وَتَغْلِيبٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إنْ لِلشَّرْطِ) أَيْ لِتَعْلِيقِ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ لِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى.
فِي أَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ، وَهُوَ عَدَمُ الطَّلَاقِ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ، وَإِذَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ يَجِيءُ لِلظَّرْفِ، وَلِلشَّرْطِ نَحْوُ
، وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ
وَنَحْوُ
، وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ حَقِيقَةٌ فِي الظَّرْفِ، وَقَدْ يَجِيءُ لِلشَّرْطِ بِلَا سُقُوطِ مَعْنَى الظَّرْفِ، وَدُخُولِهِ فِي أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ
ــ
[التلويح]
فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ ظَرْفِيَّةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي إذَا وَمَتَى، فَتَدْخُلُ فِي أَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، أَيْ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ قَطْعِيُّ الْوُجُودِ أَوْ قَطْعِيُّ الِانْتِفَاءِ إلَّا عَلَى تَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ الْمَشْكُوكِ لِنُكْتَةٍ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ) أَيْ حَيَاةِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَا دَامَا حَيَّيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ، وَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْحَيَاةِ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ وَمِنْ شَرْطِهِ الْقُدْرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمَلْفُوظِ لَدَى الشَّرْطِ قُلْنَا هُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِحَقِيقَةِ التَّطْلِيقِ، وَلَا يُكْتَفَى بِوُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ التَّطْلِيقِ كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ، ثُمًّ جُنَّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَالَةَ جُنُونِهِ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ الْجَزَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ مُمْكِنٌ مَا لَمْ تَمُتْ وَالْعَجْزُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْوُقُوعُ قُلْنَا: بَلْ تَحَقُّقُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَعْقُبَهُ الْوُقُوعُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ، وَإِذَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ) تُسْتَعْمَلُ لِلظَّرْفِ بِمَعْنَى، وَقْتِ حُصُولِ مَضْمُونِ مَا إلَيْهِ أُضِيفَ فَلَا يَجْزِمُ بِهِ الْفِعْلُ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا هُوَ قَطْعِيُّ الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ:
، وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى إلَيْهَا
…
وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ
الْحَيْسُ الْخَلْطُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَيْسُ، وَهُوَ تَمْرٌ يُخْلَطُ بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ، وَحَاسَ الْحَيْسَ اتَّخَذَهُ، وَلِلشَّرْطِ بِمَعْنَى تَعْلِيقِ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَجْزِمُ بِهِ الْمُضَارِعُ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ:
، وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى
…
وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
أَيْ إنْ يُصِبْكَ فَقْرٌ وَمَسْكَنَةٌ فَأَظْهِرْ الْغِنَى مِنْ نَفْسِك بِالتَّزَيُّنِ وَتَكَلُّفِ الْجَمِيلِ أَوْ كُلِّ الْجَمِيلَ، وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ تَعَفُّفًا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ كُنْتُ قِدْمًا مُثْرِيًا مُتَمَوِّلًا
…
مُتَجَمِّلًا مُتَعَفِّفًا مُتَدَيِّنًا
فَالْآنَ صِرْتُ وَقَدْ عَدِمْتُ تَمَوُّلِي
…
مُتَجَمِّلًا مُتَعَفِّفًا مُتَدَيِّنًا
أَيْ كُنْت ذَا ثَرْوَةٍ، وَعِفَّةٍ، وَدِيَانَةٍ فَصِرْت الْآنَ آكُلُ شَحْمٍ مُذَابٍ، وَشَارِبُ عُفَافَةٍ أَيْ بَقِيَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
مَا فِي الضَّرْعِ مِنْ اللَّبَنِ، وَذَا دِينٍ، وَفِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَغَيْرِهِ أَنَّ " إذَا " حِينَئِذٍ لَيْسَ بِاسْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْفٌ بِمَعْنَى إنْ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ، وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي فَإِنَّ " إذَا " كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمَقْطُوعِ لِنُكْتَةٍ، وَهِيَ هَاهُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ شِيمَةَ الزَّمَانِ رَدُّ الْمَوَاهِبِ وَحَطُّ الْمَرَاتِبِ حَتَّى إنْ أَصَابَهُ الْمَكْرُوهُ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ لِيُوَطِّنَ الْمُخَاطَبُ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْمَنُ مُفَاجَأَةَ الْمَكْرُوهِ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إذَا حَقِيقَةٌ فِي الظَّرْفِ تُضَافُ إلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ لَكِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ وَتَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] أَيْ، وَقْتَ غَشَيَانِهِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الْقَسَمِ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ وَتَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْقَسَمِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ مَعْنَى الظَّرْفِ، مِثْلُ إذَا خَرَجْتَ خَرَجْتُ أَيْ أَخْرُجُ وَقْتَ خُرُوجِك، تَعْلِيقًا لِخُرُوجِك بِخُرُوجِهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِكَمَالِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَجْزِمُوا بِهِ الْمُضَارِعَ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْإِبْهَامِ اللَّازِمِ لِلشَّرْطِ فَإِنَّ قَوْلَك آتِيك إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ بِمَنْزِلَةِ آتِيك الْوَقْتَ الَّذِي يَحْمَرُّ فِيهِ الْبُسْرُ فَفِيهِ تَعْيِينٌ وَتَخْصِيصٌ بِخِلَافِ مَتَى تَخْرُجْ أَخْرُجْ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إنْ تَخْرُجْ الْيَوْمَ أَخْرُجْ الْيَوْمَ، وَإِنْ تَخْرُجْ غَدًا أَخْرُجْ غَدًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَزْمَانِ فَجَزْمُ الْفِعْلِ بِإِذَا لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ تَشْبِيهًا لِلتَّعْلِيقِ بَيْنَ جُمْلَتَيْهَا بِمَا بَيْنَ جُمْلَتَيْ إنْ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ النُّحَاةِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ جَزْمِ الْفِعْلِ فَشَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ لَا يُقَالُ: فَفِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ سُقُوطِ مَعْنَى الظَّرْفِ، جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي مَعْنَى الظَّرْفِ لَكِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ إفَادَةِ الْكَلَامِ تَقْيِيدَ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِمَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدَأِ الْمُتَضَمِّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلُ الَّذِي يَأْتِينِي أَوْ كُلُّ رَجُلٍ يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَصْلًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّنَافِي، وَلَا تَنَافِيَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ شَرْطًا، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ أَصْلًا، وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْوَقْتِ فِي مَجْمُوعِ الْوَقْتِ وَالشَّرْطِ اسْتِعْمَالَ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ، لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (قَوْلُهُ، وَدُخُولُهُ) أَيْ دُخُولُ إذَا إنَّمَا يَكُونُ لِأَمْرٍ كَائِنٍ مُتَحَقِّقٍ فِي الْحَالِ مِثْلَ قَوْلِهِ،
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا
أَيْ عِنْدَ نُزُولِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ أَيْ أَمْرٍ يُقْطَعُ بِتَحَقُّقِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] فَهِيَ تَقْلِبُ الْمَاضِيَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ
لَا مَحَالَةَ.
(وَمَتَى لِلظَّرْفِ خَاصَّةً فَيَقَعُ بِأَدْنَى سُكُوتٍ فِي مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ) لِأَنَّهُ وُجِدَ وَقْتٌ لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ: إذَا) أَيْ إنْ قَالَ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَعِنْدَهُمَا كَمَتَى) أَيْ كَقَوْلِهِ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى يَقَعَ بِأَدْنَى سُكُوتٍ (كَمَا فِي إذَا شِئْت فَإِنَّهُ كَمَتَى شِئْتِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْتِ فَإِنَّهُ كَمَتَى شِئْتِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ بِخِلَافِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْتِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ حَمَلَا كَلِمَةَ إذَا عَلَى كَلِمَةِ مَتَى فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا أَنَّ إذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَتَى بِاتِّفَاقٍ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت (، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ) أَيْ قَوْلُهُ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتَ طَالِقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَاحْتَاجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الْفَرْقِ (وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ لِكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْوُقُوعِ فِي الْحَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَثَمَّةَ فِي انْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَشِيئَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالشَّكِّ) أَيْ لَمَّا جَاءَ إذَا بِمَعْنَى مَتَى، وَبِمَعْنَى إنْ فَفِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ إنْ حُمِلَ عَلَى مَتَى يَقَعُ فِي
ــ
[التلويح]
لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَمَا تُوُهِّمَ مِنْ دُخُولِهِ لِأَمْرٍ كَائِنٍ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِمْرَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: 14] الْآيَةُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِعْلُ الْمُضَارِعِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ (قَوْلُهُ، وَمَتَى لِلظَّرْفِ خَاصَّةً) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ خَاصَّةً مَعَ سُقُوطِ مَعْنَى الظَّرْفِ بِمَنْزِلَةِ إنْ كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي إذَا فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ مَتَى كَلِمَةُ شَرْطٍ يُجْزَمُ بِهَا الْمُضَارِعُ مِثْلُ مَتَى تَخْرُجْ أَخْرُجْ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ
…
تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا إذَا مُتَمَحِّضًا لِلشَّرْطِ بِوَاسِطَةِ وُقُوعِهِ فِي بَيْتٍ شَاذٍّ جَازِمًا لِلْمُضَارِعِ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا مَتَى مُتَمَحِّضًا لِلشَّرْطِ مَعَ دَوَامِ ذَلِكَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا إذَا مِثْلُ مَتَى) فِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَعْنَى الظَّرْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَعِنْدَهُ مِثْلُ إنْ فِي التَّمَحُّضِ لِلشَّرْطِيَّةِ عَلَى مَا جَوَّزَهُ الْكُوفِيُّونَ (قَوْلُهُ فَاحْتَاجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الْفَرْقِ) بَيْنَ قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت حَيْثُ جَعَلَ إذَا فِي الْأَوَّلِ لِمَحْضِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ إنْ. حَتَّى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَى آخِرِ الْحَيَاةِ، وَفِي الثَّانِي لِلظَّرْفِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى حَتَّى لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّطْلِيقِ عَدَمُ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ، وَفِي التَّعْلِيقِ الْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالشَّكِّ فَإِنْ قِيلَ: طَلِّقِي نَفْسَك مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ، وَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ مَتَى شِئْت يَتَعَلَّقُ بِمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ
الْحَالِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى إنْ يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْوُقُوعِ فِي الْحَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ مِثْلَ إنْ وَثَمَّةَ، أَيْ فِي طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت لَا شَكَّ أَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ فِي الْحَالِ بِمَشِيئَتِهَا فَإِنْ حُمِلَ عَلَى إنْ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَتَى لَا يَنْقَطِعُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالشَّكِّ.
(، وَكَيْفَ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ فَإِنْ اسْتَقَامَ) أَيْ السُّؤَالُ عَنْ الْحَالِ، وَجَوَابُ إنْ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيهَا، وَيُحْمَلُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ (وَإِلَّا بَطَلَتْ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ السُّؤَالُ عَنْ الْحَالِ تَبْقَى كَلِمَةُ كَيْفَ (، وَيَحْنَثُ فَيَعْتِقُ فِي أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ السُّؤَالُ عَنْ الْحَالِ فَيَعْتِقُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَبَطَلَ كَيْفَ شِئْت، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت لَيْسَتْ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ بَلْ صَارَتْ مَجَازًا، وَمَعْنَاهَا أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَيَّةِ كَيْفِيَّةٍ شِئْت فَعَلَى هَذَا، الْمُرَادُ بِالِاسْتِقَامَةِ هُوَ أَنْ يَصِحَّ تَعَلُّقُ الْكَيْفِيَّةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ كَأَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا كَيْفِيَّةَ لَهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَعَلُّقُ الْكَيْفِيَّةِ بِصَدْرِ
ــ
[التلويح]
أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا زِيدَ عَلَيْهِ إنْ شِئْت فَفِي إذَا شِئْتِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَعَلُّقِهِ بِمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الشَّكُّ فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَجْلِسِ فِي طَلِّقِي نَفْسَك إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ضَرُورَةَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِذَا قُرِنَ بِمَتَى شِئْت صَارَ رَاجِعًا إلَى أَصْلِهِ شَامِلًا لِلْأَزْمِنَةِ، وَإِذَا قُرِنَ بِإِذَا شِئْت يَكُونُ الشَّكُّ فِي انْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَشِيئَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ
(قَوْلُهُ وَكَيْفَ لِلسُّؤَالِ) قَدْ يُظَنُّ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ كَيْفَ مِنْ كَلِمَاتِ الشَّرْطِ عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الْكُوفِيِّينَ، وَعَلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ إلَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَحْوَالٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِثْلِ الصِّحَّةِ، وَالسَّقَمِ، وَالْكُهُولَةِ، وَالشَّيْخُوخَةِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ بِهَا إلَّا إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا " مَا " نَحْوُ كَيْفَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهَا مِنْ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُبْحَثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ الظُّرُوف أَوْ كَلِمَاتِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ، أَيْ السُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ خَاصَّةً لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَمْ تَبْقَ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْوَصْفُ مُفَوَّضًا إلَى مَشِيئَتِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرَجْعِيًّا تُرِيدِينَ أَمْ بَائِنًا؟ عَلَى قَصْدِ السُّؤَالِ بَلْ صَارَتْ مَجَازًا، وَالْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ بِأَيَّةِ كَيْفِيَّةٍ شِئْتِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ أَيٍّ الِاسْتِفْهَامِيَّة لِأَنَّهُ مَعْنَى كَيْفَ شِئْتِ عِنْدَ الِاسْتِفْهَامِ أَيَّ حَالٍ شِئْتِ فَاسْتُعِيرَتْ لِأَيٍّ الْمَوْصُولَةِ بِجَامِعِ الْإِبْهَامِ عِنْدَ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ بِأَيَّةِ كَيْفِيَّةٍ شِئْتهَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سُلِبَ عَنْهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَاسْتُعْمِلَتْ اسْمًا لِلْحَالِ كَمَا حَكَى قُطْرُبٌ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ اُنْظُرْ إلَى فُلَانٍ كَيْفَ يَصْنَعُ، أَيْ إلَى حَالِ صَنْعَتِهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ كَيْفَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا كَيْفِيَّةَ لَهُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ يَكُونُ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا عَلَى مَالٍ وَبِدُونِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ
الْكَلَامِ.
(وَتَطْلُقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت، وَتَبْقَى الْكَيْفِيَّةُ) أَيْ كَوْنُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً (مُفَوَّضَةً إلَيْهَا إنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ، وَإِنْ نَوَى فَإِنْ اتَّفَقَا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ) ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْكَيْفِيَّةَ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ اُعْتُبِرَ نِيَّتُهُمَا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ فَإِنْ اتَّفَقَ نِيَّتُهُمَا يَقَعُ مَا نَوَيَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّتَيْنِ أَمَّا نِيَّتُهَا فَلِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا أَوْ نِيَّتُهُ؛ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْأَصْلُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا فَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الرَّجْعِيُّ.
(وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ الْأَصْلُ أَيْضًا) أَيْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت يَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ
ــ
[التلويح]
وَغَيْرَ مُطْلَقٍ أَوْ مُقَيَّدٍ بِمَا يَأْتِي مِنْ الزَّمَانِ، وَكُلُّ هَذِهِ كَيْفِيَّاتٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ: إنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ فَعُلِمَ أَنَّ بُطْلَانَ تَعَلُّقِ الْكَيْفِيَّةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ، وَتَطْلُقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت) أَيْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ بَانَتْ فَلَا مَشِيئَةَ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَالْكَيْفِيَّةُ مُفَوَّضَةٌ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضِ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ دُونَ الْأَصْلِ فَفِي الْعِتْقِ وَغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لَا مَشِيئَةَ بَعْدَ وُقُوعِ الْأَصْلِ فَيَلْغُو التَّفْوِيضُ، وَفِي الْمَدْخُولَةِ يَكُونُ التَّفْوِيضُ إلَيْهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَصَحَّ هَذَا التَّفْوِيضُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ رَجْعِيًّا فَيَصِيرُ بَائِنًا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا فَيَصِيرُ ثَلَاثًا بِضَمِّ اثْنَيْنِ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْحُرْمَةُ غَلِيظَةً فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ صَارَ التَّفْوِيضُ إلَى مَشِيئَتِهَا، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْأَصْلِ فِي نَحْوِ طَلِّقِي نَفْسَكِ كَيْفَ شِئْتِ فَلَيْسَ مِنْ كَلِمَةِ كَيْفَ بَلْ مِنْ لَفْظِ طَلِّقِي، وَكَيْفَ يُفِيدُ تَفْوِيضَ الْأَوْصَافِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ الْأَصْلُ، أَيْضًا) بِالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا كُلَّ حَالٍ حَتَّى الرَّجْعِيَّةِ فَيَلْزَمُ تَفْوِيضُ نَفْسِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُونِ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَوَصْفٍ مِنْ الْأَوْصَافِ كَمَا قَالُوا فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] الْآيَةَ: إنَّهُ إنْكَارٌ لِأَصْلِ الْكُفْرِ بِإِنْكَارِ أَحْوَالِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَالٍ، وَتَحْقِيقُ كَلَامِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مَحْسُوسًا كَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِهَا فَحَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحْسُوسًا كَانَ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ بِآثَارِهِ وَأَوْصَافِهِ، فَافْتَقَرَتْ مَعْرِفَةُ ثُبُوتِهِ إلَى مَعْرِفَةِ أَثَرِهِ، وَوَصْفِهِ كَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَالْحِلِّ فِي النِّكَاحِ، وَالْوَصْفُ مُفْتَقِرٌ، أَيْضًا إلَى الْأَصْلِ فَاسْتَوَيَا، وَصَارَ تَعْلِيقُ الْوَصْفِ تَعْلِيقَ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا ظَنَّهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ ابْتِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرْضِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا جِهَةَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُ عَرَضًا، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُمَا