المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القسم الثاني كون الوقت مساويا للواجب وسببا للوجوب] - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌[القسم الثاني كون الوقت مساويا للواجب وسببا للوجوب]

الْوَقْتُ مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ.

(فَوَقْتُ الصَّوْمِ وَهُوَ رَمَضَانُ) أَيْ نَهَارُ رَمَضَانَ (شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَمِعْيَارٌ لِلْمُؤَدَّيْ؛ لِأَنَّهُ قُدِّرَ وَعُرِفَ بِهِ) ، فَإِنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِالْوَقْتِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمُعَرَّفٌ بِالْوَقْتِ، فَإِنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ مَعَ النِّيَّةِ فَالْوَقْتُ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ.

(وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِلتَّعْلِيلِ) وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ خَبَرَا لِلِاسْمِ الْمَوْصُولِ، فَإِنَّ الصِّلَةَ عِلَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُ مَرَّةٍ أَنَّهُ إذَا حُكِمَ عَلَى الْمُشْتَقِّ، فَإِنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةٌ لَهُ وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185] مَعْنَاهُ شَاهَدَ الشَّهْرَ فَالشُّهُودُ عِلَّةٌ.

(وَلِنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَيْهِ وَلِتَكَرُّرِهِ بِهِ وَلِصِحَّةِ الْأَدَاءِ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ مَعَ عَدَمِ الْخِطَابِ، وَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ لَا يُشْرَعَ فِيهِ غَيْرُهُ فَلِهَذَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَمَضَانَ إذَا

ــ

[التلويح]

وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ لَا كَمَا يُقَالُ فِي الْمُوَسَّعِ إنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفِي الْآخِرِ قَضَاءٌ أَوْ يَجِبُ فِي الْآخِرِ، وَفِي الْأَوَّلِ نَفْلٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ، وَفِي الْمُخَيَّرِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَمِيعُ وَيَسْقُطُ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ أَوْ الْوَاجِبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ أَوْ الْوَاجِبُ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ لَكِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ وَبِالْآخَرِ

[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّوْمَ قُدِّرَ بِالْوَقْتِ، وَلِهَذَا يَزْدَادُ بِازْدِيَادِهِ وَيَنْتَقِصُ بِانْتِقَاصِهِ وَعُرِفَ بِهِ أَيْ عُلِمَ مِقْدَارُ الصَّوْمِ بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مَقَادِيرُ الْأَوْزَانِ بِالْمِعْيَارِ، وَأَمَّا التَّعْرِيفُ بِهِ بِمَعْنَى دُخُولِهِ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمِعْيَارِ بِهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ.

(قَوْلُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِلتَّعْلِيلِ) أَيْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَوْصُولِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّةِ الصِّلَةِ لِلْخَبَرِ عَنْ صَلَاحِهَا لِذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا الَّذِي فِي الدَّارِ رَجُلٌ عَالِمٌ عَلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ مَنْ هَاهُنَا شَرْطِيَّةٌ فَتَكُونُ عَلَى السَّبَبِيَّةِ أَدَلَّ.

(قَوْلُهُ وَلِنِسْبَةِ الصَّوْمِ) إلَى الشَّهْرِ كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ الِاخْتِصَاصُ الْأَكْمَلُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالسَّبَبِ سَابِقٌ عَلَى سَائِرِ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ إلَّا أَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِالْوَقْتِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَأُقِيمَ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ وُجُودٌ شَرْعِيٌّ وَمُفْضٍ إلَى الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ مَقَامَهُ.

(قَوْلُهُ وَلِصِحَّةِ الْأَدَاءِ فِيهِ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ إمَّا الْوَقْتُ وَإِمَّا الْخِطَابُ لِلْإِجْمَاعِ أَوْ لِعَدَمِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ هُوَ الْخِطَابُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فِي الشَّهْرِ مَعَ عَدَمِ الْخِطَابِ فِي حَقِّهِمَا فَتَعَيَّنَ الْوَقْتُ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ عَلَى حِدَةٍ مُنْفَرِدَةٍ بِالِارْتِفَاعِ عِنْدَ طَرَيَانِ النَّاقِضِ كَالصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فَيَتَعَلَّقُ كُلٌّ بِسَبَبٍ، وَلِأَنَّ اللَّيْلَ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ السَّبَبَ مُطْلَقُ شُهُودِ الشَّهْرِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ

ص: 400

نَوَى الْمُسَافِرُ وَاجِبًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ هَذَا لَا غَيْرُ) إشَارَةٌ إلَى الصَّوْمِ الْمَخْصُوصِ بِرَمَضَانَ.

(فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسَافِرِ.

(لَكِنَّهُ رَخَّصَ بِالْفِطْرِ، وَذَا لَا يَجْعَلُ غَيْرَهُ مَشْرُوعًا فِيهِ قُلْنَا لَمَّا رُخِّصَ فِيهِ لِمَصَالِحِ بَدَنِهِ فَمَصَالِحُ دِينِهِ، وَهُوَ قَضَاءُ دِينِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ لِلْمُسَافِرِ غَيْرُهُ إنْ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ، وَهُنَا لَمْ يَأْتِ إذْ صَامَ وَاجِبًا آخَرَ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَا إنَّ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ صَوْمُ رَمَضَانَ لَا غَيْرُ فَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ هَذَا لَا غَيْرُ مُطْلَقًا بَلْ إنْ أَتَى الْمُسَافِرُ بِالْعَزِيمَةِ أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عَنْهَا فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ.

(وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ سَاقِطٌ عَنْهُ فَصَارَ هَذَا الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ كَشَعْبَانَ فَعَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ فَمَصَالِحُ دِينِهِ وَهُوَ قَضَاءُ دِينِهِ أَوْلَى.

(إنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي وَاجِبٍ آخَرَ إنَّمَا يَقَعُ عَنْهُ لِمَصَالِحِ دِينِهِ، فَإِنَّ قَضَاءَ

ــ

[التلويح]

مِنْ النَّصِّ وَالْإِضَافَةِ فَإِنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَقَدُّمُ الشَّيْءِ عَلَى سَبَبِهِ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ أَهْلًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ الْإِصْبَاحِ وَأَفَاقَ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ نِيَّةُ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مَعَ عَدَمِ جَوَازِ النِّيَّةِ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ كَمَا إذَا نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَسَبَبِيَّةُ اللَّيْلِ لَا تَقْتَضِي جَوَازَ الْأَدَاءِ فِيهِ كَمَنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الرُّؤْيَةِ إجْمَاعًا بَلْ مَا يَثْبُتُ بِهَا وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَلَا لَا جِهَةَ لِلتَّعْبِيرِ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ إلَّا أَنَّهَا أَمَارَاتٌ تُفِيدُ بِمَجْمُوعِهَا رُجْحَانَ سَبَبِيَّةِ شُهُودِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ) عَطْفٌ عَلَى مَضْمُونِ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَخَّصَ إلَخْ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ سَاقِطٌ عَنْهُ فَصَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّهِ أَيْ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ بَلْ فِي حَقِّ أَدَائِهِ وَتَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ شَعْبَانَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ أَدَائِهِ فِي حَقِّ نَفْسِ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ شَعْبَانَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِيهِ دُونَ شَعْبَانَ.

(قَوْلُهُ وَهُنَا رِوَايَتَانِ) رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ هَذَا إذَا نَوَى النَّفَلَ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَقِيلَ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ عَلَى مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فِي نِيَّةِ النَّفْلِ وَعَنْ النَّفْلِ عَلَى مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْرِضْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِصَرِيحِ نِيَّةِ النَّفْلِ فَانْصَرَفَ إطْلَاقُ النِّيَّةِ مِنْهُ إلَى صَوْمِ الْوَقْتِ كَالْمُقِيمِ، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ جَازَ تَرْكُ الدَّلِيلِ الثَّانِي بِالْكُلِّيَّةِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ شَعْبَانَ إذَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْعَزِيمَةِ، وَذَلِكَ بِنِيَّةِ صَرِيحِ النَّفْلِ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ) جَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي

ص: 401

مَا فَاتَ أَوْلَى لِلْمُسَافِرِ مِنْ أَدَاءِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَعَلَيْهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِمَصَالِحِ دِينِهِ فَفِيمَا إذَا نَوَى النَّفَلَ فَمَصَالِحُ دِينِهِ إنَّمَا هِيَ أَدَاءُ رَمَضَانَ لَا النَّفْلِ.

(وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ وَعَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْوَقْتَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَشَعْبَانَ (يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ وَهُنَا رِوَايَتَانِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.

(وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْ الْعَزِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ لِتَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ فِيهِ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ، وَفِي الْمُسَافِرِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِدَلِيلِ الْعَجْزِ وَهُوَ السَّفَرُ فَشَرْطُ الرُّخْصَةِ ثَابِتٌ هُنَا) قَوْلُهُ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَخِّصَ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَزْدَادُ بِالصَّوْمِ لَا الْمَرَضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الصَّوْمِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا صَامَ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ

ــ

[التلويح]

الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، وَأَمَّا الَّذِي يَخَافُ فِيهِ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِالْمَرِيضِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ تَفْرِيعٍ آخَرَ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ فِي الصَّوْمِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْسَكَ الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ زُفَرَ يَكُونُ صَوْمًا وَاقِعًا عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ إيجَادُهُ لَكِنَّهُ أَخَذَ حُكْمَ الْمُعَيَّنِ الْمُسْتَحَقِّ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ، فَعَلَى أَيِّ وَصْفٍ وُجِدَ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَهَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا كَانَ فِعْلُهُ وَاقِعًا عَنْ جِهَةِ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّعَ أَوْ أَدَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ، وَقَيَّدَ الْأَجِيرَ بِالْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي الْأَجِيرِ لِلْمُشْتَرَكِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الثَّوْبِ لَا مَنَافِعُ الْأَجِيرِ، وَكَمَا إذَا وُهِبَ كُلُّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فَإِنْ قِيلَ: إيتَاءُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى الْفَقِيرِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ زُفَرَ فَكَيْفَ بِالْهِبَةِ قُلْنَا الْمُرَادُ الْهِبَةُ مُتَفَرِّقَةً أَوْ الْفَقِيرُ الْمَدْيُونُ أَوْ الْكَلَامُ إلْزَامِيٌّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ تَغْيِيرَ الْوَقْتِ لِلصَّوْمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقًا لِمَنَافِعِ الْعَبْدِ وَإِمْسَاكَاتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ جَبْرُ الْعَدَمِ اخْتِيَارَ الْعَبْدِ فِي صَرْفِهَا فَلَا يَصْلُحُ عِبَادَةً وَقُرْبَةً؛ لِأَنَّهَا الْفِعْلُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْعَبْدُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَصْرِفُهُ عَنْ الْعَادَةِ إلَى الْعِبَادَةِ بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى تَعْيِينِ الشَّرْعِ إمْسَاكَ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ قُلْنَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَيَّنَ

ص: 402

الرُّخْصَةِ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ.

(وَقَالَ زُفَرُ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَهِيَ أَنَّهُ (لَمَّا صَارَ الْوَقْتُ مُتَعَيَّنًا لَهُ فَكُلُّ إمْسَاكٍ يَقَعُ فِيهِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْفَاعِلِ) .

أَيْ يَكُونُ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَاعِلِ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ.

(فَيَقَعُ الْفَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَهِبَةِ كُلِّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ بِغَيْرِ النِّيَّةِ قُلْنَا هَذَا يَكُونُ جَبْرًا، وَالشَّرْعُ عَيَّنَ الْإِمْسَاكَ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ لِهَذَا) أَيْ لِصَوْمِ رَمَضَانَ.

(وَلَا قُرْبَةَ بِدُونِ الْقَصْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا كَانَ مَنَافِعُهُ عَلَى مِلْكِهِ) لَا أَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ جَبْرًا لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِئَلَّا يَصِيرَ جَبْرًا فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ هَذَا قَوْلٌ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ أَيْ تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ عَلَى مَا يَأْتِي فَحَاصِلُهُ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ لَكِنْ نَقُولُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَحْدَهُ فَقَالَ آخَرُ يَا إنْسَانُ فَالْمُرَادُ بِهِ زَيْدٌ.

(وَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي الْوَصْفِ) بِأَنْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ (لِأَنَّ الْوَصْفَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا يَبْطُلُ فَبَقِيَ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ تَعْيِينٌ وَقَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَمَّا وَجَبَ التَّعْيِينُ وَجَبَ

ــ

[التلويح]

إمْسَاكَهُ الَّذِي يَكُونُ قُرْبَةً؛ لَأَنْ يَكُونَ صَوْمَ رَمَضَانَ لَا صَوْمًا آخَرَ، وَالْإِمْسَاكُ بِوَصْفِ الْقُرْبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النِّيَّةِ إذْ لَا قُرْبَةَ بِدُونِ الْقَصْدِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا إلَى صَوْمٍ آخَرَ قُلْنَا لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي اللَّيْلِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ أَصْلًا فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اخْتِيَارِيٌّ لَا جَبْرِيٌّ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَأَمَّا هِبَةُ النِّصَابِ فَإِنَّمَا صَارَتْ زَكَاةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَجَازًا مِنْ الصَّدَقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لَا عِوَضٌ مِنْ الْفَقِيرِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَعْنَى الْقَصْدِ حَصَلَ بِاخْتِيَارِ الْمَحَلِّ، وَمَعْنَى الْقُرْبَةِ بِحَاجَةِ الْمَحَلِّ لِحُصُولِ الثَّوَابِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) لَمَّا كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَحَقَّةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ لَزِمَ تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجُبْنُ فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ بِأَنْ يَكُونَ إمْسَاكُهُ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ لِلْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَاءَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَى، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ أَيْضًا عِبَادَةٌ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ ثَوَابًا فَكَمَا لَا بُدَّ لِصَيْرُورَةِ الْفِعْلِ قُرْبَةً مِنْ النِّيَّةِ كَذَلِكَ لَا بُدَّ لِصَيْرُورَةِ الْقُرْبَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مِنْهَا احْتِرَازًا عَنْ الْجَبْرِ، وَتَعْيِينُ الْمَحَلِّ إنَّمَا يَكْفِي لِلتَّمْيِيزِ لَا لِنَفْيِ الْجَبْرِ وَإِثْبَاتِ الْقَصْدِ، وَأَمَّا تَأَدِّي فَرْضِ الْحَجِّ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَدَّى فَرْضُ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ مُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَوْ فِي الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ، وَالْجَوَابُ أَنَّا نُسَلِّمُ وُجُوبَ التَّعْيِينِ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ

ص: 403

مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِذَا عُدِمَتْ فِي الْبَعْضِ فَسَدَ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) أَيْ لِعَدَمِ تَجَزِّي الصَّوْمِ صِحَّةً وَفَسَادًا، فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّوْمِ شَاعَ وَفَسَدَ الْكُلُّ.

(وَالنِّيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ لَا تَقْبَلُ التَّقَدُّمَ قُلْنَا لَمَّا صَحَّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْكُلِّ فَلَأَنْ يَصِحَّ بِالْمُتَّصِلَةِ بِالْبَعْضِ أَوْلَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَرِضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّقَدُّمَ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الِاسْتِنَادَ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ، وَيَرْجِعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يُحْكَمَ بِثُبُوتِهِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ كَالْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ حَتَّى إذَا اسْتَوْلَدَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَةَ فَهَلَكَتْ فَأَدَّى الضَّمَانَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إذَا اعْتَرَضَ النِّيَّةَ فِي النَّهَارِ لَا يُمْكِنُ تَقَدُّمُهُ إلَى الْفَجْرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ شَرْعًا كَالْمِلْكِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ، وَهُنَا صِحَّةُ الصَّوْمِ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ وَهِيَ أَمْرٌ وِجْدَانِيٌّ فَإِذَا كَانَ حَاصِلًا فِي وَقْتٍ لَا يَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَا تَسْتَنِدُ إذَا اعْتَرَضَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَمَا فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ تَسْتَنِدْ بَقِيَ الْبَعْضُ بِلَا نِيَّةٍ. فَنُجِيبُ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَرِضَةَ تَثْبُتُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ بِطَرِيقِ

ــ

[التلويح]

وَحْدَهُ، وَقُلْت يَا إنْسَانُ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِحْضَارِ وَطَلَبِ الْإِقْبَالِ فَكَذَا هَاهُنَا لَمَّا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْوَقْتِ إلَّا الصَّوْمُ الْفَرْضُ وَنَوَيْت مُطْلَقَ الصَّوْمِ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِيجَادِ وَطَلَبِ الْحُصُولِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ كَمَا لَا يُقَالُ زَيْدٌ بِاسْمِ عَمْرٍو قُلْنَا لَمَّا نَوَى الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ، وَالْوَقْتُ قَابِلٌ لِلْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ اقْتَصَرَ الْبُطْلَانُ عَلَى الْوَصْفِ، وَبَقِيَ إطْلَاقُ أَصْلِ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت الْوَصْفُ هَاهُنَا لَازِمٌ ضَرُورَةَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ وَصْفٍ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا سِوَى النَّفْلِ فَبُطْلَانُهُ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْأَصْلِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ بَلْ الْأَصْلُ وَالْوَصْفُ، وَإِنْ تَغَايَرَا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ فَهُمَا وَاحِدٌ بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَبُطْلَانُ أَحَدِهِمَا بُطْلَانُ الْآخَرِ قُلْت: اللَّازِمُ أَحَدُ الْأَوْصَافِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَبُطْلَانُ وَصْفٍ مُعَيَّنٍ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْأَصْلِ لِجَوَازِ أَنْ يُوجَدَ مَعَ وَصْفٍ آخَرَ كَالْفَرْضِ هَاهُنَا، ثُمَّ إنَّهَا أَوْصَافٌ رَاجِعَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْوَصْفِ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ وَصْفِ النِّفَايَةِ عَنْ الصَّوْمِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَفِي الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ نَفْلٌ لِيَكُونَ نَفْيًا لِلصَّوْمِ فَإِنْ قُلْتَ: نِيَّةُ النَّفْلِ إعْرَاضٌ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَافَاةِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ النِّيَّةِ قُلْت الْإِعْرَاضُ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ نِيَّةِ النَّفْلِ، وَقَدْ لَغَتْ فَيَلْغُو مَا فِي ضِمْنِهَا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ يَكُونُ

ص: 404

الِاسْتِنَادِ بَلْ نَقُولُ إنَّ النِّيَّةَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ مُتَحَقِّقَةٌ تَقْدِيرًا، فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مُقَارَنَةُ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَجَعَلَهَا الشَّرْعُ مُقَارِنَةً لِلْعَمَلِ تَقْدِيرًا فَكَذَا هُنَا، وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ يَكُونُ الْكُلُّ مُقَارِنًا بِالنِّيَّةِ تَقْدِيرًا فَلِهَذَا قَالَ.

(وَتَكُونُ تَقْدِيرِيَّةً لَا مُسْتَنِدَةً وَالطَّاعَةُ قَاصِرَةٌ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَادَةُ النَّاسِ فَيَكْفِيهَا النِّيَّةُ التَّقْدِيرِيَّةُ) فَلَا نَقُولُ إنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ الصَّوْمِ إذَا خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فَسَدَ، وَيَشِيعُ ذَلِكَ الْفَسَادُ، وَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِاعْتِرَاضِ النِّيَّةِ بَلْ نَقُولُ إنَّ

ــ

[التلويح]

بِقَصْدِ الْعَبْدِ بَلْ هُوَ إلْزَامٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْغَرَضَ اسْمٌ لِمَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، وَثَبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ، بِخِلَافِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَحْصُلُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِالنِّيَّةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ تَوْجِيهَ فِعْلِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، فَإِذَا وُجِدَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ كَانَ عِبَادَةً، ثُمَّ اتِّصَافُهُ بِصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَكُونُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ بَلْ بِوُجُودِ الْإِلْزَامِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنِيَّةُ النَّفْلِ أَوْ وَاجِبًا آخَرُ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضِيَّةَ الثَّابِتَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ لَا أَثَرَ لِظَنِّهِ أَنَّ اللَّازِمَ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَالْمَوْلُودِ الثَّانِي يَتَّصِفُ بِالْأُخُوَّةِ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَخٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّهُ لَمْ تَلِدْ مَوْلُودًا آخَرَ ظَنًّا فَاسِدًا.

(قَوْلُهُ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) لَا يُقَالُ صَحَّ الْبَعْضُ فَيَصِحُّ الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي؛ لِأَنَّا نَقُولُ الصِّحَّةِ وُجُودِيٍّ فَنَفْتَقِرُ إلَى صِحَّةِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْفَسَادِ، وَأَيْضًا تَرْجِيحُ الْفَسَادِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ أَحْوَطُ.

(قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ) يَعْنِي أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ مُتَعَذِّرٌ وَبِأَوَّلِ الْأَجْزَاءِ مُتَعَسِّرٌ وَحَرِجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْزِمَ فِي اللَّيْلِ أَنَّهُ يُمْسِكُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ عَزْمٌ عَلَى التَّرْكِ فَيُعْتَبَرُ اسْتِدَامَتُهُ كَالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ تُجْعَلُ بَاقِيَةً إلَى آخِرِهَا، وَأَمَّا النِّيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ فَلَا تَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْإِمْسَاكَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حُكْمًا إذَا تُصُوِّرَ حَقِيقَةً كَالنِّيَّةِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَا تُعْتَبَرُ مُتَقَدِّمَةً، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نَجْعَلُ النِّيَّةَ الْمُتَأَخِّرَةَ مُتَقَدِّمَةً بَلْ نَجْعَلُ النِّيَّةَ الْمَعْدُومَةَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ الْمُقَارِنَةَ لِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ مُتَحَقِّقَةً تَقْدِيرًا كَمَا أَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي لَا تُقَارِنُ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ تُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً لَهَا تَقْدِيرًا، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَلَأَنْ يَصِحَّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَعْضِ أَوْلَى لَكِنَّ جَعْلَ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى الِامْتِثَالِ، فَإِنْ قِيلَ الْمَعْدُومُ الْمَسْبُوقُ بِالْوُجُودِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ تَحَقُّقُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ وُجُودُهُ فِي حُكْمِ الْبَاقِي بَلْ رُبَّمَا يُمْنَعُ طَرَيَانُ الْعَدَمِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلٍ يُجْعَلُ عَازِمًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى تَرْكِهِ، وَأَمَّا الْمَعْدُومُ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَا

ص: 405

الْجُزْءَ الْأَوَّلَ لَمْ يَفْسُدْ بَلْ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْأَكْثَرِ عُلِمَ أَنَّ النِّيَّةَ التَّقْدِيرِيَّةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَوَّلِ، وَالنِّيَّةُ التَّقْدِيرِيَّةُ كَافِيَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِقُصُورِ الْعِبَادَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الْأَكْثَرِ عُلِمَ أَنَّ النِّيَّةَ التَّقْدِيرِيَّةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي الْأَوَّلِ.

(عَلَى أَنَّا نُرَجِّحُ بِالْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَهَذَا التَّرْجِيحُ الَّذِي بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِهِ بِالْوَصْفِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّرْجِيحِ) اعْلَمْ أَنَّا نُرَجِّحُ الْبَعْضَ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ النِّيَّةُ عَلَى الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ تُوجَدْ فِيهِ النِّيَّةُ بِالْكَثْرَةِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُرَجِّحُ عَلَى الْعَكْسِ بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ بِدُونِ النِّيَّةِ فَيَفْسُدُ ذَلِكَ الْبَعْضُ فَيَشِيعُ الْفَسَادُ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ النِّيَّةُ فَيَرْجِعُ الْبَعْضُ الْفَاسِدُ عَلَى الْبَعْضِ الصَّحِيحِ بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ، وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الْبَعْضَ الصَّحِيحَ عَلَى الْبَعْضِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَمْ تُوجَدْ فِيهِ النِّيَّةُ بِالْكَثْرَةِ، وَتَرْجِيحُنَا تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّا نُرَجِّحُ بِالْإِجْزَاءِ، وَتَرْجِيحُهُ بِالْوَصْفِ غَيْرُ الذَّاتِيِّ، وَهُوَ وَصْفُ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ فِي

ــ

[التلويح]

مَعْنَى لِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ قُلْنَا كَمَا أَنَّ الْمُنْقَضِيَ يُجْعَلُ كَائِنًا تَقْدِيرًا فَكَذَلِكَ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْكَوْنِ، وَأَيْضًا يُجْعَلُ الِاقْتِرَانُ بِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِمَنْزِلَةِ الِاقْتِرَانِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَوْمًا جُمْلَةُ الْإِمْسَاكَاتِ فِي الْيَوْمِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَالْمُقْتَرِنُ بِجُزْءٍ مِنْهُ مُقْتَرِنٌ بِالْكُلِّ حُكْمًا، وَأَيْضًا لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيُجْعَلُ اقْتِرَانُ الْأَكْثَرِ بِالنِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ اقْتِرَانِ الْكُلِّ بِهَا فَإِنْ قِيلَ: الْبَعْضُ الْأَوَّلُ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ النِّيَّةُ، وَبَعْدَ الْفَسَادِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا قُلْنَا لَا بَلْ تَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِصُلُوحِهَا لِلصَّوْمِ، فَإِنْ صَادَفَتْ نِيَّةً فِي الْأَكْثَرِ صَارَتْ صَوْمًا، وَإِلَّا فَسَدَتْ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الِاقْتِرَانُ بِالْبَعْضِ كَافِيًا لَصَحَّ الصَّوْمُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ قُلْنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ مِنْ وَجْهٍ لِيَكُونَ الِاقْتِرَانُ فِي حُكْمِ الِاقْتِرَانِ بِالْكُلِّ.

(قَوْلُهُ وَالطَّاعَةُ قَاصِرَةٌ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) لِقِلَّةِ مُخَالَفَةِ الْهَوَى بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِيَادِ الْأَكْلِ فِيهِ فَتَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَابْتِدَاءُ كَمَالِ الطَّاعَةِ مِنْ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى.

(قَوْلُهُ وَفِي التَّأْخِيرِ أَيْضًا ضَرُورَةٌ) فَإِنْ قِيلَ ضَرُورَةُ التَّقْدِيمِ عَامَّةٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، وَضَرُورَةُ التَّأْخِيرِ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَعْضِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ دُونَ الْقَلِيلِ النَّادِرِ قُلْنَا: إنَّمَا سَوَّيْنَا فِي أَصْلِ الْحَاجَةِ لَا فِي قَدْرِهَا، وَالْخَاصُّ فِي مَوَاضِعِهِ كَالْعَامِّ فِي مَوَاضِعِهِ، وَضَرُورَةُ التَّأْخِيرِ لَيْسَتْ مِنْ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بَلْ هِيَ كَثِيرَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَرُورَةِ التَّقْدِيمِ، فَإِنْ قِيلَ ضَرُورَةُ التَّأْخِيرِ لَا تَخْتَصُّ بِمَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا أَنَّ فِيمَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ يُتْرَكُ الْكُلُّ إلَى خَلْفٍ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَفِيمَا بَعْدَهُ يَفُوتُ الْأَصْلُ، وَالْخَلْفُ جَمِيعًا فَيَفُوتُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ بِمُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ، وَاعْلَمْ

ص: 406

التَّقْدِيمِ ضَرُورَةٌ، فَإِنَّ مُحَافَظَةَ وَقْتِ الصُّبْحِ مُتَعَذِّرَةٌ جِدًّا فَالتَّقْدِيمُ الَّذِي لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ الْمُنَافِي كَالِاتِّصَالِ قُلْنَا: وَفِي التَّأْخِيرِ أَيْضًا ضَرُورَةٌ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الْفَرْضِ حَرَامٌ، وَنِيَّةُ النَّفْلِ لَغْوٌ عِنْدَكُمْ فَيَثْبُتُ الضَّرُورَةُ، وَأَيْضًا الضَّرُورَةُ لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ يَوْمِ الشَّكِّ أَيْضًا إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا دَرَكَ لَهُ أَصْلًا وَاجِبَةٌ حَتَّى أَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ النُّقْصَانِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَضَاءِ بِدُونِهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا كَفَّارَةَ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ الْمَنْوِيِّ نَهَارًا أَوَّلُهُمَا قَوْلُهُ لَمَا صَحَّ بِالنِّيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي إلَخْ، وَالدَّلِيلُ الثَّانِي يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّوْمَ الْمَنْوِيَّ نَهَارًا إنَّمَا يَصِحُّ ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّيَانَةَ وَاجِبَةٌ فَعَلَى هَذَا الدَّلِيلِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا أَفْسَدَهُ.

(وَمِنْ حُكْمِهِ) أَيْ مِنْ حُكْمِ هَذَا الْقِسْمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لِلْمُؤَدَّى.

(أَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِكُلِّ الْيَوْمِ فَلَا يُقَدَّرُ النَّفَلُ بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ النَّهَارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله، فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ صَوْمُهُ مِنْ زَمَانِ النِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ.

(وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ صَوْمِ رَمَضَانَ.

(الْمَنْذُورُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَنِيَّةِ النَّفْلِ لَكِنْ إنْ صَامَ عَنْ، وَاجِبٍ آخَرَ يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ مُؤَثِّرٌ

ــ

[التلويح]

أَنَّ الْمُرَادَ بِنِصْفِ النَّهَارِ هَاهُنَا هُوَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ النَّهَارِ الصَّوْمِيِّ أَعْنِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الزَّوَالُ فَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ بِاعْتِبَارِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى قُبَيْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِأَكْثَرِ النَّهَارِ الصَّوْمِيِّ.

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ بِشَرْطِ الْإِمْسَاكِ وَالْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَيَنَالُ ثَوَابَ صَوْمِ الْجَمِيعِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) يَعْنِي لَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا فَهَذَا الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَقْتَ مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِذَلِكَ الصَّوْمِ حَتَّى يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ لَكِنْ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ وَقْتِ الْمَنْذُورِ إنَّمَا حَصَلَ بِتَعْيِينٍ مِنْ النَّاذِرِ لَا بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا هُوَ حَقُّ النَّاذِرِ كَالنَّفْلِ حَتَّى يَنْصَرِفَ إلَى مَا تَعَيَّنَ لَهُ الْوَقْتُ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا هُوَ حَقُّ الشَّارِعِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْآخَرُ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَنْذُورِ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَيَّدُوا، النَّذْرَ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ بِأَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَجَعَلُوا حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا لِلصَّوْمِ افْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ

ص: 407