الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ
عَقْلًا أَوْ حِسًّا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا وَهِيَ إمَّا خَارِجَةٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ كَدَلَالَةِ الْحَالِ نَحْوَ يَمِينِ الْفَوْرِ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: 64] فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْصِيَةِ، أَوْ لَفْظٍ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: 29] يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَنَحْوَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا
ــ
[التلويح]
الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ، وَكَلِمَةُ عَلَيَّ نَذْرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَلَبَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي مَعْنَى النَّذْرِ عَادَةً فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَإِذَا نَوَاهُمَا فَقَدْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي كَلِمَتَيْنِ
[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ]
(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ) مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ سَوَاءٌ جُعِلَتْ دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ كَمَا هُوَ رَأْيُ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ أَوْ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ أَوْ عَادَةً) يَشْمَلُ الْعُرْفَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا بِاسْتِعْمَالِ الْعَادَةِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعُرْفِ فِي الْأَقْوَالِ.
(قَوْلُهُ نَحْوُ يَمِينِ الْفَوْرِ) هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ فَارَتْ الْقِدْرُ إذَا غَلَتْ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا وَلَا لُبْثَ فَقِيلَ رَجَعَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْكُنَ.
(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: 64] أَيْ اسْتَنْزِلْ أَوْ حَرِّكْ مَنْ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِوَسْوَسَتِك وَدُعَائِك إلَى الشَّرِّ فَهَاهُنَا قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ عَقْلًا، وَهِيَ كَوْنُ الْآمِرِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ حَكِيمًا لَا يَأْمُرُ إبْلِيسَ بِإِغْوَاءِ عِبَادِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِقْدَارِهِ عَلَيْهِ لِعَلَاقَةِ أَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْمَأْمُورِ مِنْ الْفِعْلِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ لِسَلَامَةِ الْآلَاتِ وَالْأَسْبَابِ.
(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ} [الكهف: 29] مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ حَقِيقَةٌ فِي التَّخْيِيرِ وَالْإِذْنِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ شَاءَ لَكِنَّ قَوْلَهُ " إنَّا أَعْتَدْنَا " قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ عَقْلًا إذْ لَا عَذَابَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا خُيِّرَ فِيهِ وَأُذِنَ، وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الْمَوْضُوعِ لِلتَّخْيِيرِ، وَكَذَا كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَجَازٌ لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ لَا حَقِيقَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِقَرِينَةِ مَنْ شَاءَ إذْ لَا يَخْتَصُّ الْإِيمَانُ شَرْعًا بِمَنْ شَاءَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِدَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَقَوْلُهُ {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: 29] الْآيَةَ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ الْقَرِينَةِ الَّتِي هِيَ لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ قَسِيمًا لِلْقَرِينَةِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ؟ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَفْظٌ فَتَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ فَلَا تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْكَلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَرِينَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ تَكُونَ لَفْظًا أَوْ لَا، وَاللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ الْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْمَجَازُ أَوْ لَا، وَغَيْرُ الْخَارِجِ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِ
أَوْ غَيْرُ خَارِجٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّخْصِيصِ أَوْ لَمْ يَكُنْ نَحْوَ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «وَرُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لِأَنَّ عَيْنَ فِعْلِ الْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَعَيْنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ الْمُرَادُ الْحُكْمُ، وَهُوَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الثَّوَابُ وَالْإِثْمُ وَالثَّانِي الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ وَنَحْوُهُمَا وَالْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ عَزِيمَتِهِ وَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ فَإِنَّ مَنْ
ــ
[التلويح]
أَفْرَادِ مَفْهُومِهِ بِالْإِرَادَةِ مِنْ اللَّفْظِ لِاخْتِصَاصِ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِنُقْصَانٍ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَمْلُوكِ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَالْعِنَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْفَاكِهَةِ فَيَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ اخْتِصَاصِهِ بِالْبَعْضِ الْأَوْلَى، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَقِيقَةً قَاصِرَةً، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا سَبَقَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مَجَازٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَاهُنَا أَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عَقْلًا أَوْ حِسًّا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَانِعٌ عَادَةً، وَقَدْ جَعَلَهُ فِيمَا سَبَقَ قَسِيمًا لِدَلَالَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَادَةِ ثَمَّةَ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، وَالثَّانِي مَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَذَكَرَ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَمْثِلَةٍ تَمْنَعُ الْقَرِينَةَ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ عَقْلًا، وَفِي الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ، وَالْخَامِسِ حِسًّا مَعَ الْعُرْفِ فِي الْخَامِسِ، وَفِي السَّادِسِ عُرْفًا وَفِي الثَّامِنِ شَرْعًا فَلِذَا أَعَادَ لَفْظَ نَحْوَ، وَفِي السَّابِعِ إمَّا عُرْفًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا أَوْ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلِذَا خَالَفَ بِهِ غَيْرَهُ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْكَافِ.
(قَوْلُهُ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) رُوِيَ مُصَدَّرًا بِإِنَّمَا، وَمُجَرَّدًا عَنْهَا، وَكِلَاهُمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ فَلَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ لِلتَّبَرُّدِ لَمْ يَكُنْ نَاوِيًا، وَنَفْسُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ إذْ قَدْ يَحْصُلُ الْعَمَلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ حُكْمُهَا بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ الشَّيْءِ عَلَى أَثَرِهِ وَمُوجَبِهِ، وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ فِي الْأَعْمَالِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى النِّيَّةِ، وَالْإِثْمُ فِي الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَهُوَ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِسَاءَةُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالنَّوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَبْنَى الْأَوَّلِ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَخُلُوصِ النِّيَّةِ فَإِنْ وُجِدَ وُجِدَ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَبْنَى الثَّانِي عَلَى وُجُودِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ أَوْ لَا إذَا صَارَ اللَّفْظُ مَجَازًا عَنْ النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ إرَادَتُهُمَا جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ مِنْ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ صِحَّةَ الْأَعْمَالِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ
تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ جَاهِلًا وَصَلَّى لَمْ يَجُزْ فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ لِصِدْقِ عَزِيمَتِهِ، وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمَانِ صَارَ الِاسْمُ بَعْدَ كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا فَلَا يَعُمُّ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ (فَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ
ــ
[التلويح]
فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَيْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الثَّوَابَ ثَابِتٌ اتِّفَاقًا إذْ لَا ثَوَابَ بِدُونِ النِّيَّةِ فَلَوْ أُرِيدَ الصِّحَّةُ أَيْضًا يَلْزَمُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْمَجَازِ، الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الثَّوَابِ لَكَانَ بَاقِيًا عَلَى عُمُومِهِ إذْ لَا ثَوَابَ بِدُونِ النِّيَّةِ أَصْلًا بِخِلَافِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى الثَّوَابِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ بِدُونِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّوَابُ فَعِنْدَ تَخَلُّفِ الثَّوَابِ لَا تَبْقَى الصِّحَّةُ فَالْوُضُوءُ فِي كَوْنِهِ عِبَادَةً يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَفِي كَوْنِهِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لَا يَفْتَقِرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله، وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الثَّوَابَ مُرَادٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَدَمُ الثَّوَابِ بِدُونِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحُكْمِ لِلدَّلِيلِ لَا تَقْتَضِي إرَادَتَهُ مِنْهُ وَثُبُوتَهُ بِهِ لِيَلْزَمَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ بِمَعْنَى إرَادَةِ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا قَوْلُنَا الْعَيْنُ جِسْمٌ لَيْسَ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِالْجِسْمِيَّةِ ثَابِتًا لِمَعَانِيهِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا سَبَقَ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا الْمَجَازِ أَيْ حُكْمِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْأَعْمَالِ عَلَى الْعُمُومِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لَا بُدَّ عِنْدَكُمْ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِالْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الثَّوَابِ فَيُخَصُّ عِنْدَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إلَى النِّيَّةِ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ انْتِفَاءَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الصِّحَّةِ لَوْ كَانَتْ الصِّحَّةُ عِبَارَةً عَنْ تَرَتُّبِ الْغَرَضِ، وَالْغَرَضُ هُوَ الثَّوَابُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الصِّحَّةُ عِبَارَةً عَنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ دَفْعِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَوْ كَانَ الْغَرَضُ هُوَ الِامْتِثَالُ مُوَافَقَةً لِلشَّرْعِ فَلَا، وَأَمَّا خَامِسًا فَلِوُرُودِ الْإِشْكَالِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا بِأَنْ يُوضَعَ بِإِزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَضْعًا عَلَى حِدَةٍ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِأَثَرِ الشَّيْءِ وَلَازِمِهِ فَيَعُمُّ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ وَالثَّوَابَ وَالْإِثْمَ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا يَعُمُّ الْحَيَوَانُ الْإِنْسَانَ، وَالْفَرَسَ، وَغَيْرَهُمَا، وَاللَّوْنُ السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ وَنَحْوَهُمَا، فَإِرَادَةُ النَّوْعَيْنِ لَا تَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فِي شَيْءٍ، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا الْأَعْمَالُ مَجَازٌ عَنْ الْحُكْمِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِنَا حُكْمُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْأَثَرِ الثَّابِتِ بِالشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَوْضَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَاصْطِلَاحَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَمَلَ
الْحُكْمِ (وَهُوَ الثَّوَابُ اتِّفَاقًا لَمْ يَثْبُتْ الْآخَرُ) أَيْ النَّوْعُ الْآخَرُ وَهُوَ الْجَوَازُ (وَنَحْوُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ حَتَّى إذَا اسْتَفَّ أَوْ كَرَعَ لَا يَحْنَثُ وَنَحْوُ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ وَكَالْأَسْمَاءِ الْمَنْقُولَةِ وَنَحْوُ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْجَوَابِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ مَهْجُورٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَيَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَرِينَةَ إمَّا خَارِجَةٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ أَيْ لَا تَكُونُ مَعْنًى فِي الْمُتَكَلِّمِ أَيْ صِفَةً لَهُ وَلَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ أَوْ تَكُونُ مَعْنًى فِي الْمُتَكَلِّمِ أَوْ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ ثُمَّ هَذِهِ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ إمَّا لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي يَكُونُ الْمَجَازُ فِيهِ بَلْ يَكُونُ فِي كَلَامٍ آخَرَ أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْخَارِجُ دَالًّا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ أَوْ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ عَيْنُ هَذَا الْكَلَامِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ يَكُونُ دَالًّا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ هَذَا الْقِسْمُ عَلَى نَوْعَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّ الْمُخَصِّصَ قَدْ يَكُونُ كَوْنَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا فَيَكُونُ اللَّفْظُ أَوْلَى بِالْبَعْضِ الْآخَرِ فَإِذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ
ــ
[التلويح]
مَجَازٌ عَمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَثَرُ الْعَمَلِ وَلَازِمُهُ، وَذَلِكَ مَعَانٍ مُتَبَايِنَةٌ هِيَ الثَّوَابُ وَالْمَأْثَمُ وَالْجَوَازُ وَالْفَسَادُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً لِكُلٍّ مِنْهَا وَضْعًا نَوْعِيًّا عَلَى حِدَةٍ فَلَا يُرَادُ الْجَمِيعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ تَعَدُّدِ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ كَاللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَبَبِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَمُسَبَّبِهِ وَمَحَلِّهِ وَحَالِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُلَابِسَ بِحَقِيقَةِ الْعَمَلِ لَيْسَ هُوَ الثَّوَابُ أَوْ الصِّحَّةُ مَثَلًا بِخُصُوصِهِ بَلْ أَثَرُهُ وَلَازِمُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا يَشْمَلُ الصِّحَّةَ وَالثَّوَابَ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَجَازًا عَنْ الْحُكْمِ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ الْحُكْمُ بِإِزَائِهِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ هَذَا الْوَضْعُ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ لَمْ يُوضَعْ قَطُّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْحُكْمِ مُتَحَقِّقًا فَإِنَّ اللَّفْظَ مَجَازٌ عَنْ الْمَعْنَى لَا عَنْ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ لَا يَأْكُلُ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ فَعَلَى مَا نَوَى، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يَأْكُلُ كَالرِّيبَاسِ فَعَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ مُثْمِرَةً كَالنَّخْلَةِ فَعَلَى ثَمَرَتِهَا، وَإِلَّا فَعَلَى ثَمَنِهَا كَشَجَرَةِ الْخِلَافِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَتْ مَلْأَى فَعَلَى الِاغْتِرَافِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى الْكَرْعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاغْتِرَافِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالْكَرْعِ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَاءَ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ أَكَارِعَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ لِيَشْرَبَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَشْرَبُ الْمَاءَ إلَّا بِإِدْخَالِ أَكَارِعِهَا فِيهِ ثُمَّ قِيلَ لِلْإِنْسَانِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا شَرِبَ
لَا يَقَعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَعَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى فَانْحَصَرَتْ الْقَرِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَعَلَ فِي فَصْلِ التَّخْصِيصِ كَوْنَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَوْلَى مِنْ قِسْمِ الْمُخَصِّصِ غَيْرِ الْكَلَامِيِّ وَهُنَا جُعِلَ مِنْ قِسْمِ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمُخَصِّصِ الْكَلَامِيِّ أَنَّ الْكَلَامَ بِصَرِيحِهِ يُوجِبُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ حُكْمًا مُنَاقِضًا لِحُكْمٍ يُوجِبُهُ الْعَامُّ وَكُلُّ مُخَصِّصٍ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ كَلَامِيًّا فَيَكُونُ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُخَصَّصًا غَيْرَ كَلَامِيٍّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَهَاهُنَا نَعْنِي بِالْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ اللَّفْظِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَفِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ عَدَمُ تَنَاوُلِهِ الْمُكَاتَبَ فَتَكُونُ الْقَرِينَةُ لَفْظِيَّةً، جِئْنَا إلَى الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ فَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ فَنَظِيرُهُ مَذْكُورٌ عَقِيبَ ذَلِكَ الْقِسْمِ لَكِنْ لَمْ نَذْكُرْهُ فِي كُلِّ مِثَالٍ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مَانِعَةٌ عَقْلًا أَوْ حِسًّا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا فَنُبَيِّنُ هُنَا هَذَا الْمَعْنَى فَفِي يَمِينِ الْفَوْرِ كَمَا إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْفَوْرِ فَالْقَرِينَةُ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عُرْفًا وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْخُرُوجُ مُطْلَقًا وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: 64] الْقَرِينَةُ تَمْنَعُ الْحَقِيقَةَ عَقْلًا وَكَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] لِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ مَعَ
ــ
[التلويح]
الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ لَمْ يَخُصَّ (قَوْلُهُ وَكَالْأَسْمَاءِ الْمَنْقُولَةِ) فَإِنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ عُرْفًا عَامًّا كَالدَّابَّةِ أَوْ خَاصًّا كَالْفَاعِلِ أَوْ شَرْعًا كَالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) فَإِنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ شَرْعًا عَنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الْخُصُومَةِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ مَجَازٌ عَنْ مُطْلَقِ الْجَوَابِ إقْرَارًا كَانَ أَوْ إنْكَارًا بِطَرِيقِ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ أَوْ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ بَعْضُ الْجَوَابِ حَتَّى يَصِحَّ قَرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ شَرْعًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْإِنْكَارَ عِنْدَمَا يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مُحِقًّا فَيَكُونُ مَهْجُورًا شَرْعًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَسَائِلِ أَكْلِ النَّخْلَةِ وَالدَّقِيقِ وَالشُّرْبِ مِنْ الْبِئْرِ لَا يُقَالُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْإِقْرَارُ وَلَا يَصِحُّ الْإِنْكَارُ أَصْلًا، لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا صَحَّ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ، وَإِنَّمَا الْمَهْجُورُ، هُوَ الْإِنْكَارُ بِالتَّعْيِينِ مُحِقًّا كَانَ الْمُدَّعِي أَوْ غَيْرَ مُحِقٍّ لَا يُقَالُ الْوَاجِبُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ الْعُدُولُ إلَى أَقْرَبِ الْمَجَازَاتِ كَالْبَحْثِ وَالْمُدَافَعَةِ لَا إلَى أَبْعَدِهَا كَالْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُدَافَعَةُ هِيَ عَيْنُ الْخُصُومَةِ، وَكَذَا الْبَحْثُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُجَادَلَةُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّفَحُّصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ ثُمَّ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا