المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْوَسَائِلِ كَالْأَثْمَانِ فَإِنْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ يَكُونُ بَيْعًا - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: الْوَسَائِلِ كَالْأَثْمَانِ فَإِنْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ يَكُونُ بَيْعًا

الْوَسَائِلِ كَالْأَثْمَانِ فَإِنْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ يَكُونُ بَيْعًا وَفِي بِعْت كُرًّا بِالْعَبْدِ يَكُونُ سَلَمًا فَتُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَلَا يَجْرِي الِاسْتِبْدَالُ فِي الْكُرِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي يَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي (وَفِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَا) أَيْ إنْ قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا أَنْ آذَنَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بَلْ إنَّ أَذِنَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَ ثُمَّ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ قَالُوا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَالْإِذْنُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخُرُوجِ فَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْغَايَةِ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ ظَاهِرَةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إلَى أَنْ

ــ

[التلويح]

اُسْتُعِيرَتْ بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَتَأَوَّلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِثْلُ الْفَاءِ وَثُمَّ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ مُسْتَعَارَةً لِمَا يُفِيدُ مُطْلَقَ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ أَنْسَبُ بِالْغَايَةِ، وَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ الْأَخْذُ بِالْمَجَازِ الْأَنْسَبِ أَنْسَبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لِمَعْنَى الْفَاءِ أَعْنِي التَّعْقِيبَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ أَنْسَبُ بِعَيْنِ هَذَا الدَّلِيلِ إذْ الْغَايَةُ لَا تَتَرَاخَى عَنْ الْمُغَيَّا

[حُرُوفُ الْجَرِّ]

(قَوْلُهُ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ) ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَإِيصَالُهُ بِهِ مِثْلُ مَرَرْت بِزَيْدٍ إذْ أَلْصَقْت مُرُورَك بِمَكَانٍ يُلَابِسُهُ زَيْدٌ، وَلِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ مِثْلُ بِالْقَلَمِ كَتَبْت، وَبِتَوْفِيقِ اللَّهِ حَجَجْت، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْإِلْصَاقِ بِمَعْنَى أَنَّك أَلْصَقْت الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ فَلِكَوْنِهَا لِلِاسْتِعَانَةِ تَدْخُلُ عَلَى الْوَسَائِلِ إذْ بِهَا يُسْتَعَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَالْأَثْمَانِ فِي الْبُيُوعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَمْلُوكِ، وَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِالذَّاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ التَّوَسُّلِ بِهَا إلَى الْمَقَاصِدِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ، وَفَرَّعَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دُخُولَهَا فِي الْأَثْمَانِ عَلَى كَوْنِهَا لِلْإِلْصَاقِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْإِلْصَاقِ هُوَ الْمُلْصَقُ، وَالْمُلْصَقُ بِهِ تَبَعٌ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فَتَدْخُلُ الْبَاءُ عَلَى الْأَثْمَانِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ فَلَوْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا، وَالْكُرُّ ثَمَنًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَلَوْ قَالَ بِعْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ يَكُونُ سَلَمًا، وَيَكُونُ الْعَبْدُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْكُرُّ مُسَلَّمًا فِيهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّأْجِيلُ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَجْزِي الِاسْتِبْدَالُ فِي الْكُرِّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْكُرِّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاسْتِبْدَالِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَثْمَانِ.

(قَوْلُهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي) مَعْنَاهُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرُ لَهُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ مُنَاسِبٌ لَهُ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجْ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضٌ بَقِيَ مَا عَدَاهُ

ص: 217

آذَنَ فَيَكُونُ الْخُرُوجُ مَمْنُوعًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْإِذْنِ وَقَدْ وُجِدَ مَرَّةً فَارْتَفَعَ الْمَنْعُ. أَقُولُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ قَدْ يَقَعُ حِينًا لِسَعَةِ الْكَلَامِ تَقُولُ آتِيك خُفُوقَ النَّجْمِ أَيْ وَقْتَ خُفُوقِ النَّجْمِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ لَا تَخْرُجْ وَقْتًا إلَّا وَقْتَ إذْنِي فَيَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَحْنَثُ إنْ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى بِلَا إذْنٍ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ (وَقَالُوا إنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ نَحْوُ مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَحَلِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ نَحْوَ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] لَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْمَحَلِّ تَقْدِيرُهُ أَلْصِقُوهَا بِرُءُوسِكُمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ فِي وُصُولِ أَثَرِهِ إلَيْهِ وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْآلَةِ بَلْ يَكْفِي مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ فِي مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ لِأَنَّ الْحَائِطَ اسْمُ الْمَجْمُوعِ وَقَدْ وَقَعَ مَقْصُودًا فَيُرَادُ كُلُّهُ بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِذَا دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي الْمَحَلِّ وَهِيَ حَرْفٌ مَخْصُوصٌ بِالْآلَةِ فَقَدْ شَبَّهَ

ــ

[التلويح]

عَلَى حُكْمِ النَّفْيِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ لَا آكُلُ أَكْلًا لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا مِنْ قَبِيلِ لَا أَكَلُ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِيَّةُ تَخْصِيصِهِ أَلَا يُرَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا آتِيك إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا آتِيك إلَّا رَاكِبًا يُفِيدُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا آتِيك بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَنَاوَلُ الْمَصْدَرَ لُغَةً، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي.

(قَوْلُهُ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ ظَاهِرَةٌ) لِأَنَّ الْغَايَةَ قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا، وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ، وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ لِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ.

(قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ) ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِذْنِ لِكُلِّ خُرُوجٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ إلَّا بِأَنْ آذَنَ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ إلَّا بِإِذْنِي، وَحَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ إنْ وَأَنْ شَائِعٌ كَثِيرٌ، وَعِنْدَ تَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ يَبْقَى هَذَا الْوَجْهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ، وَأَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ قَوْلَنَا الْآخَرَ وَجَاءَ بِإِذْنِي كَلَامٌ مُسْتَقِيمٌ بِخِلَافِ قَوْلِنَا إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مُخْتَلٌّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْتِعْمَالٌ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْإِذْنِ لِكُلِّ دُخُولٍ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] .

(قَوْلُهُ وَقَالُوا إنْ دَخَلَتْ فِي آلَةِ الْمَسْحِ) الْمَسْحُ هُوَ اللَّمْسُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَالْيَدُ آلَةٌ وَالْمَمْسُوحُ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْآلَةِ قَدْرُ

ص: 218

الْمَحَلَّ بِالْآلَةِ فَلَا يُرَادُ كُلُّهُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَإِنْ دَخَلَ الْبَاءُ فِي الْمَحَلِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] لِأَنَّ الْمَسْحَ خَلَفٌ عَنْ الْغَسْلِ وَالِاسْتِيعَابُ ثَابِتٌ فِيهِ فَكَذَا فِي خَلَفِهِ أَوْ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ يُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ

(عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَيُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَعْلُوهُ وَيَرْكَبُهُ مَعْنًى وَيُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ نَحْوُ {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَهِيَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ بِمَعْنَى الْبَاءِ إجْمَاعًا مَجَازًا لِأَنَّ اللُّزُومَ يُنَاسِبُ الْإِلْصَاقَ) هَذَا بَيَانُ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمَجَازُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ الشَّرْطُ لَا يُمْكِنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْخَطَرَ وَالشَّرْطَ حَتَّى لَا تَصِيرَ قِمَارًا فَإِذَا قَالَ بِعْت مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَلْفٍ فَمَعْنَاهُ بِأَلْفٍ (وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لِلشَّرْطِ عَمَلًا بِأَصْلِهِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

ــ

[التلويح]

مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ فَإِذَا دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي الْمَحَلِّ صَارَ شَبِيهًا بِالْآلَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ إلْصَاقُ الْفِعْلِ وَإِثْبَاتُ وَصْفِ الْإِلْصَاقِ فِي الْفِعْلِ فَيَصِيرُ الْفِعْلُ مَقْصُودًا لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْإِلْصَاقِ، وَالْمَحَلُّ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ أَعْنِي إلْصَاقَ الْفِعْلِ بِالرَّأْسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِبَعْضِ الرَّأْسِ فَيَكُونُ التَّبْعِيضُ مُسْتَفَادًا مِنْ هَذَا إلَّا مِنْ الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ عَلَى مَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِهَذَا قَالَ جَارُ اللَّهِ إنَّ الْمَعْنَى أَلْصِقُوا الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلِاسْتِيعَابِ وَغَيْرِهِ، وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّبْعِيضُ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَلَا إجْمَالَ فِي الْآيَةِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِ غَسْلِ الْوَجْهِ مَعَ عَدَمِ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ اتِّفَاقًا بَلْ الْمُرَادُ بَعْضٌ مُقَدَّرٌ فَصَارَ مُجْمَلًا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ عليه السلام بِمِقْدَارِ النَّاصِيَةِ، وَهُوَ الرُّبْعُ، وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ عَدَمَ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِمَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ غَسْلِ الْوَجْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى فَوَاتِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ وَاجِبٌ فَصَارَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ، وَأَمَّا وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ فَقَدْ ثَبَتَ بِالنِّسْبَةِ الْمَشْهُورَةِ «يَكْفِيكَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ» ، وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَفِيهِ الِاسْتِيعَابُ إلَّا أَنَّهُ نِصْفٌ بِتَرْكِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ تَخْفِيفًا

(قَوْلُهُ وَيُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ) يَعْنِي قَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى فِي مَعْنًى يُفْهَمُ مِنْهُ كَوْنُ مَا بَعْدَهَا شَرْطًا لِمَا قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] أَيْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِشْرَاكِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا صِلَةٌ لِلْمُبَايَعَةِ يُقَالُ بَايَعْنَاهُ عَلَى كَذَا، وَكَوْنُهَا لِلشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لِلْإِلْزَامِ، وَالْجَزَاءُ لَازِمٌ لِلشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَالِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ

ص: 219

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلِمَةُ عَلَى فِي الطَّلَاقِ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ (فَفِي طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) لَا يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ عِنْدَهُ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ (وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا) أَيْ ثُلُثُ الْأَلْفِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَكُونُ الْأَلْفُ عِوَضًا لَا شَرْطًا وَأَجْزَاءُ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ

(وَأَمَّا مِنْ فَقَدْ مَرَّ مَسَائِلُهَا) أَيْ فِي فَصْلِ الْعَامِّ فِي قَوْلِهِ مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي

(إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَصَدْرُ الْكَلَامِ إنْ احْتَمَلَهُ فَظَاهِرٌ) أَيْ إنْ احْتَمَلَ الِانْتِهَاءَ إلَى الْغَايَةِ (وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَذَاكَ نَحْوُ بِعْت إلَى شَهْرٍ يَتَأَجَّلُ الثَّمَنُ) لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِهَاءَ إلَى الْغَايَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ إلَى شَهْرٍ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْت وَأَجَّلْت الثَّمَنَ إلَى شَهْرٍ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (يُحْمَلُ عَلَى تَأْخِيرِ صَدْرِ الْكَلَامِ إنْ احْتَمَلَهُ)

ــ

[التلويح]

قَبْلَ كَلَامِ الزَّوْجِ، وَكَلِمَةُ عَلَى تَحْتَمِلُ مَعْنَى الْبَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَعِنْدَهُ لِلشَّرْطِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ فَلَوْ قَالَتْ لِلزَّوْجِ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ، وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الشَّرْطِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِوَضِ مَعَ الْمُعَوَّضِ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ ذَاكَ، وَيَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ وَالشَّرْطِ بِطَرِيقِ الْمُعَاقَبَةِ ضَرُورَةٌ تُوقِفُ الْمَشْرُوطَ عَلَى الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَلَوْ انْقَسَمَ أَجْزَاءُ الشَّرْطِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ لَزِمَ تَقَدُّمُ جُزْءٍ مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَاقَبَةُ، وَأَمَّا إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُعَاوَضَةِ، وَالْمُقَابَلَةِ فَيَثْبُتُ التَّوْزِيعُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَضَرَّتِي عَلَى الْأَلْفِ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا يَجِبُ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهَا لِلْمُقَابَلَةِ بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْحَالِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ كَانَ الْبَدَلُ كُلُّهُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ إنْ طَلَّقْتَنَا فَلَكَ الْأَلْفُ فَلَا فَائِدَةَ لَهَا فِي طَلَاقِ الضَّرَّةِ بَعْدَ طَلَاقِهَا حَتَّى يَجْعَلَ الْأَلْفَ جَزَاءً لِطَلَاقِهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ فَائِدَتَهَا فِي الشَّرْطِيَّةِ أَكْثَرُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهَا بِبَعْضِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ

(قَوْلُهُ، وَأَمَّا مِنْ فَقَدْ) تَكُونُ لِلتَّبْيِينِ أَوْ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ، وَالْبَوَاقِيَ رَاجِعَةٌ إلَيْهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا لِلتَّبْعِيضِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِإِطْبَاقِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَايَةِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَإِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ هُوَ الْمَسَافَةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إذْ الْغَايَةُ هِيَ النِّهَايَةُ، وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ

(قَوْلُهُ بِعْت إلَى شَهْرٍ) أَيْ مُؤَجِّلًا الثَّمَنَ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ.

(قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ) إنْ نَوَى

ص: 220

أَيْ التَّأْخِيرُ (نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ وَلَا يَنْوِي التَّأْخِيرَ وَالتَّنْجِيزُ يَقَعُ عِنْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ فِي الْحَالِ) فَيَبْطُلُ قَوْلُهُ إلَى شَهْرٍ (ثُمَّ الْغَايَةُ إنْ كَانَتْ غَايَةً قَبْلَ تَكَلُّمِهِ نَحْوَ بِعْت هَذَا الْبُسْتَانَ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى ذَاكَ وَأَكَلْت السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا لَا تَدْخُلُ تَحْت الْمُغَيَّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَايَةً قَبْلَ تَكَلُّمِهِ (فَصَدْرُ الْكَلَامِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا فَهِيَ لِمَدِّ الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ نَحْوَ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَإِنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَا يَتَنَاوَلُ الْغَايَةَ وَهِيَ اللَّيْلُ فَتَكُونُ الْآيَةُ حِينَئِذٍ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَقَوْلُهُ فَكَذَلِكَ جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ تَحْتَ الْمُغَيَّا (وَإِنْ تَنَاوَلَهَا) أَيْ تَنَاوَلَ صَدْرُ الْكَلَامِ الْغَايَةَ نَحْوَ الْيَدِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمِرْفَقَ (فَذِكْرُهَا لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا) أَيْ ذِكْرُ الْغَايَةِ يَكُونُ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءِ الْغَايَةِ (نَحْوُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَتَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا وَلِلنَّحْوِيِّينَ فِي إلَى أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الدُّخُولُ إلَّا مَجَازًا) أَيْ دُخُولُ حُكْمِ الْغَايَةِ تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا إلَّا مَجَازًا (وَعَكْسُهُ) أَيْ الْمَذْهَبُ الثَّانِي هُوَ أَنْ لَا تَدْخُلَ الْغَايَةُ تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا إلَّا مَجَازًا كَالْمَرَافِقِ فَدُخُولُهَا تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ

ــ

[التلويح]

التَّنْجِيزَ أَوْ التَّأْخِيرَ وَالتَّأْجِيلَ فَذَاكَ، وَإِلَّا يَقَعْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ صَرْفًا لِلْأَجَلِ إلَّا الْإِيقَاعَ احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وَالتَّوْقِيتَ صِفَةٌ لِمَوْجُودٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُجُودِ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَلْغُو الْوَصْفُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُهُ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْغَايَةُ) اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ إلَى هَلْ يَدْخُلُ فِيمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْحُكْمُ أَمْ لَا وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا انْتِهَاءَ الْغَايَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الدَّلِيلِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ إلَى لِلنِّهَايَةِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ عَلَى أَوَّلِ الْحَدِّ وَأَنْ يَتَوَغَّلَ فِي الْمَكَانِ لَكِنْ تَمْتَنِعُ الْمُجَاوَزَةُ لِأَنَّ النِّهَايَةَ غَايَةٌ، وَمَا كَانَ بَعْدَهُ شَيْءٌ آخَرُ لَمْ يُسَمَّ غَايَةً، وَفَصَّلَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْغَايَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ غَايَةً فِي الْوَاقِعِ أَوْ بِمُجَرَّدِ التَّكَلُّمِ وَدُخُولِ إلَى عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَايَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ فَهِيَ لَا تَدْخُلُ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهَا الصَّدْرُ كَالسَّمَكَةِ لِلرَّأْسِ أَوْ لَا كَالْبُسْتَانِ لِلْحَائِطِ، وَهَذَا مَا قَالُوا إنَّ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا أَيْ مَوْجُودَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ فِي الْوُجُودِ إلَى الْمُغَيَّا لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَتْبِعَهَا الْمُغَيَّا لَكِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا إذَا تَنَاوَلَهَا الصَّدْرُ تَدْخُلُ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا أَوْ لَا فَفِي مَسْأَلَةِ السَّمَكَةِ يَتَنَاوَلُ الْأَكْلُ الرَّأْسَ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَايَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ فَإِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ أَوْ لَا فَإِنْ تَنَاوَلَهَا تَنَاوُلَ الْيَدِ لِلْمِرْفَقِ دَخَلَتْ لِأَنَّ ذِكْرَهَا لَيْسَ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ مُمْتَدٌّ بَلْ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا فَتَبْقَى هِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ حُكْمِ الصَّدْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا كَالصِّيَامِ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّ ذِكْرَهَا لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَيَمْتَدُّ الْحُكْمُ إلَيْهِ، وَيَنْتَهِي بِالْوُصُولِ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ

ص: 221

عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ (وَالِاشْتِرَاكُ) أَيْ الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ هُوَ الِاشْتِرَاكُ أَيْ دُخُولُ الْغَايَةِ تَحْتَ الْمُغَيَّا فِي إلَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الدُّخُولِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ (وَالدُّخُولُ إنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا وَعَدَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ (وَمَا ذَكَرْنَا فِي اللَّيْلِ) وَهُوَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمَّا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا (وَالْمَرَافِقِ) وَهُوَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمَّا تَنَاوَلَ الْغَايَةَ دَخَلَ تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا (يُنَاسِبُ هَذَا الرَّابِعَ) أَيْ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ فِي الْمَذْهَبِ الرَّابِعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّ قَوْلَ النَّحْوِيِّينَ إنَّ الْغَايَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُغَيَّا مَعْنَاهُ أَنَّ لَفْظَ الْمُغَيَّا إنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْغَايَةِ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ الرَّابِعَ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ عَمَلٌ بِنَتِيجَةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ تَعَارُضَ الْأَوَّلَيْنِ أَوْجَبَ الشَّكَّ وَكَذَا الِاشْتِرَاكُ أَوْجَبَ الشَّكَّ فَإِنْ كَانَ صَدْرُ الْكَلَامِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْغَايَةَ لَا يَثْبُتُ دُخُولُهَا تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا بِالشَّكِّ وَإِنْ تَنَاوَلَهَا لَا يَثْبُتُ خُرُوجُهَا بِالشَّكِّ (وَبَعْضُ الشَّارِحِينَ قَالُوا هِيَ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَهُ) أَيْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الَّذِينَ شَرَحُوا كَلَامَ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ

ــ

[التلويح]

الْوِصَالُ لِوُجُوبِ الِانْقِطَاعِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ الصِّيَامَ إنْ كَانَ عَامًّا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِرَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ أَيْ بِحُرْمَةِ الْوِصَالِ فِي رَمَضَانَ وَجَوَازِهِ فِي غَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا جَوَابُهُ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ الَّتِي مُبْتَدَؤُهَا قَوْلُهُ فَصَدْرُ الْكَلَامِ، وَخَبَرُهَا الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ الَّتِي شَرْطُهَا قَوْلُهُ، إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، وَجَزَاؤُهَا قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ أَيْ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي عَدَمِ الدُّخُولِ، وَقَوْلُهُ فَهِيَ لِمَدِّ الْحُكْمِ اعْتِرَاضٌ لَا جَزَاءٌ لِيَكُونَ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ جَزَاءَ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إثْبَاتُ أَنَّ الْغَايَةَ دَاخِلَةٌ أَوْ غَيْرُ دَاخِلَةٍ لَا إثْبَاتُ أَنَّهَا لِمَدِّ الْحُكْمِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَزَاءُ قَوْلِهِ وَإِنْ تَنَاوَلَ هُوَ قَوْلُهُ فَدَخَلَ تَحْتَ الْمُغَيَّا لَا قَوْلُهُ فَذَكَرَهَا لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا بَلْ هُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ فَافْهَمْ وَاعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ.

(قَوْلُهُ وَلِلنَّحْوِيِّينَ) دَلِيلٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ نَقَلَ الْمَذَاهِبَ الضَّعِيفَةَ، وَتَرَكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، وَلِهَذَا تَدْخُلُ فِي مِثْلِ قَرَأْت الْكِتَابَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَرَأْتُهُ إلَى بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْغَايَةَ مِنْ جِنْسِ الْمُغَيَّا الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَقَطْ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ فَكَيْفَ يُعَارَضُ الْقَوْمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْكَثِيرُ مِنْ النُّحَاةِ الثَّالِثُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَلْزَمُ فِي مَسْأَلَةِ السَّمَكَةِ دُخُولُ الرَّأْسِ فِي الْأَكْلِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الرَّابِعِ وَمُخْتَارِ الْقَوْمِ لِأَنَّ الصَّدْرَ يَتَنَاوَلُهُ، وَقَدْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ.

(قَوْلُهُ هِيَ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ)

ص: 222

رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَيَّنُوا بِهَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ إلَى لِلْغَايَةِ وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا مُطْلَقًا لَكِنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَيْسَتْ الْغَسْلَ بَلْ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِسْقَاطِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ الْغَسْلِ ضَرُورَةً وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَدَ لَمَّا كَانَتْ اسْمًا لِلْمَجْمُوعِ لَا تَكُونُ الْغَايَةُ غَايَةً لِغَسْلِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ غَسْلَ الْمَجْمُوعِ إلَى الْمَرَافِقِ مُحَالٌ فَقَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] يُفْهَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْبَعْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي سَقَطَ غَسْلُهُ هُوَ الْبَعْضُ الَّذِي يَلِي الْإِبِطَ فَقَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] غَايَةٌ لِسُقُوطِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ السُّقُوطِ (فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ لِمَا فَوْقَهُ وَالْكُلُّ بِدُونِ الْجُزْءِ مُحَالٌ (لَا الْآخِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) فَيَجِبُ تِسْعَةٌ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَتَجِبُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِعَشَرَةِ

ــ

[التلويح]

لَمَّا كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وُجُوبَ غَسْلِ الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ مَعَ وُقُوعِهَا بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ إلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] أَيْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَبَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ إلَّا عَلَى الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ فَجُعِلَ دَاخِلًا فِي الْوُجُوبِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ أَوْ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ لِتَشَابُكِ عَظْمَاتِ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ أَوْ لِأَنَّهُ صَارَ مُجْمَلًا «وَقَدْ أَدَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ عَلَى مَرَافِقِهِ» فَصَارَ بَيَانًا لَهُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ، وَذَكَرُوا لِهَذَا الْكَلَامِ تَفْسِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْغَايَةِ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ إلَى الْإِبِطِ وَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا لَا لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ الِامْتِدَادَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ اغْسِلُوا وَغَايَةً لَهُ لَكِنْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ مَا وَرَاءَ الْمَرَافِقِ عَنْ حُكْمِ الْغَسْلِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ، وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُسْقِطِينَ إلَى الْمَرَافِقِ فَيَخْرُجُ عَنْ الْإِسْقَاطِ فَيَبْقَى دَاخِلًا تَحْتَ الْغَسْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ، وَلِلْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ هَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قُرِنَ بِالْكَلَامِ غَايَةٌ أَوْ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ لَا يُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالْقَيْدِ عَنْ الْإِطْلَاقِ بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَالْفِعْلُ مَعَ الْغَايَةِ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِلْإِيجَابِ إلَيْهَا لَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِنَصَّيْنِ، وَالنَّصُّ مَعَ الْغَايَةِ نَصٌّ وَاحِدٌ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ) بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ وَدَلَالَةِ الْحَالِ لَا بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ وُجُودِ الْكُلِّ بِدُونِ الْجُزْءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ مَغْلَطَةٌ مِنْ بَابِ اشْتِبَاهِ الْمَعْرُوضِ بِالْعَارِضِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ عَدَدٍ لَكِنْ إذَا رُتِّبَتْ مَعْدُودَاتُ عَشَرَةٍ مَثَلًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ مِنْهَا جُزْءٌ مِمَّا فَوْقَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُ، وَمِمَّا فَوْقَهُ فَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاشِرِ لَا يَكُونُ إلَّا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، وَهَكَذَا حَتَّى التَّاسِعِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ

ص: 223

أَجْزَاءٍ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَتَجِبُ ثَمَانِيَةٌ (وَتَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي الْخِيَارِ عِنْدَهُ) أَيْ إذَا بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍّ يَدْخُلُ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ أَيْ يَكُونُ الْخِيَارُ ثَابِتًا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَهُ فَقَوْلُهُ إلَى الْغَدِ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهُ (وَكَذَا فِي الْأَجَلِ وَالْيَمِينِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَرَافِقِ) أَمَّا الْأَجَلُ فَنَحْوُ بِعْت إلَى رَمَضَانَ أَيْ لَا أَطْلُبُ الثَّمَنَ إلَى رَمَضَانَ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَنَحْوُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إلَى رَمَضَانَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَطْلُبُ الثَّمَنَ وَلَا أُكَلِّمُ يَتَنَاوَلُ الْعُمْرَ

ــ

[التلويح]

عَشَرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِمَّا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ أَوْ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ تَدْخُلُ الْعِشْرُونَ فِي ثَلَاثِينَ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ التِّسْعَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّلَاثِينَ لَا يُقَالُ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي فَوْقَهُ كَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا وَثُبُوتَ الْكُلِّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْجُزْءِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ كَانَ اللَّازِمُ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ بِمَنْزِلَةِ لَهُ عَلَيَّ اثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ إلَى عَشَرَةٍ حَتَّى إذَا ضَمَّ إلَيْهِ عَشَرَةً لَزِمَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآحَادُ الَّتِي بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَاشِرِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَا بَيْنَ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ فَيُتَأَمَّلُ، وَلَا بِنَاءَ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْعَاشِرِ، وَفِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَغَيْرُهُمَا، وَالثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ ضَرُورَةً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لِلثَّانِيَةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْأُولَى فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَيَلْغُو الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْوَاحِدَةِ ذِكْرٌ، وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِلَفْظٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ التَّضَايُفَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ وَصْفَيْ الْأَوَّلِيَّةِ وَالثَّانَوِيَّةِ لَا بَيْنَ ذَاتَيْهِمَا فَإِيقَاعُ مَا هُوَ ثَانٍ لَا يُوجِبُ إيقَاعُ مَا هُوَ الْأَوَّلُ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْمَعْرُوضَيْنِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إنَّ كَوْنَ الْأَبِ فِي الدَّارِ يُوجِبُ كَوْنَ الِابْنِ فِيهَا ضَرُورَةً أَيْ الْأَبُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الِابْنِ، وَلَا يَدْخُلُ الْآخِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّ مُطْلَقَ الدِّرْهَمِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَاشِرَ فَذَكَرَ الْغَايَةَ لِمَدِّ حُكْمِ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ الْأَوَّلُ، وَالْعَاشِرُ لِأَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ غَيْرُ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَاشِرِ إلَّا بِوُجُودِ تِسْعَةٍ قَبْلَهُ، وَلَا وُجُودَ لِلْأَوَّلِ إلَّا بِوُجُودِ الثَّانِي بَعْدَهُ فَلَا تَكُونَانِ غَايَتَيْنِ مَا لَمْ تَكُونَا ثَابِتَيْنِ، وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ رحمه الله يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ الْغَايَتَيْنِ عَمَلًا بِمُوجَبِ اللُّغَةِ، وَقَدْ حَاجَّهُ الْأَصْمَعِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَا قَوْلُك فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيَكُونُ ابْنَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ فَتَحَيَّرَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَرَافِقِ)

ص: 224

فَقَوْلُهُ إلَى رَمَضَانَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهُ

(فِي لِلظَّرْفِ وَالْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ إثْبَاتِهِ وَإِضْمَارِهِ نَحْوُ صُمْت هَذِهِ السَّنَةَ يَقْتَضِي الْكُلَّ بِخِلَافِ صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَلِهَذَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا يَقَعُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِيَكُونَ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَفِي الْغَدِ إنْ نَوَى آخِرَ النَّهَارِ يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي دُخُولِك الدَّارَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَدْ تُسْتَعَارُ لِلْمُقَارَنَةِ إنْ لَمْ تَصْلُحْ ظَرْفًا نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ فَتَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ

ــ

[التلويح]

مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِيَارَ وَعَدَمَ طَلَبِ الثَّمَنِ وَعَدَمَ التَّكَلُّمِ يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى التَّأْبِيدِ فَذِكْرُ الْغَايَةِ يَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ لَا لِمَدِّ الْحُكْمِ فَيَدْخُلُ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ، وَرَمَضَانُ فِي الْأَجَلِ، وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْخُلُ عَمَلًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي كَلِمَةِ إلَى، وَقَدْ سَبَقَ فِي نَحْوِ بِعْت إلَى شَهْرٍ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَجَّلْتُ الثَّمَنَ إلَى شَهْرٍ، وَعَدَلَ عَنْهُ هَاهُنَا إلَى لَا أَطْلُبُ الثَّمَنَ لِيَكُونَ نَفْيًا فَيَتَحَقَّقَ التَّنَاوُلُ إذْ رُبَّمَا يُنَازَعُ فِي كَوْنِ التَّأْجِيلِ مُؤَبَّدًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّرْفِيهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِمَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي الْآجَالِ، وَفِي الْأَيْمَانِ جَمْعُ أَجَلٍ وَيَمِينٍ وَالصَّوَابُ وَفِي الْآجَالِ فِي الْأَيْمَانِ إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي رِوَايَةِ آجَالِ الْبُيُوعِ وَالدُّيُونِ بَلْ الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْأَجَلِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ فِي آجَالِ الْيَمِينِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَفِي الْآجَالِ وَالْإِجَارَاتِ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ التَّأْيِيدُ، وَفِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكٌّ، وَكَذَا فِي أَجَلِ الْيَمِينِ لَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْكَلَامِ فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكًّا

(قَوْلُهُ فِي لِلظَّرْفِ) بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمَجْرُورُ عَلَى مَا قَبْلَهَا اشْتِمَالًا مَكَانِيًّا أَوْ زَمَانِيًّا تَحْقِيقًا مِثْلُ الْمَاءُ فِي الْكُوزِ وَزَيْدٌ فِي الْبَلَدِ وَمِثْلُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالصَّلَاةُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ تَشْبِيهًا زَيْدٌ فِي نِعْمَةٍ، وَالدَّارُ فِي يَدِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ صُمْت هَذِهِ السَّنَةَ) يَقْتَضِي الْكُلَّ لِأَنَّ الظَّرْفَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ بِهِ حَيْثُ انْتَصَبَ بِالْفِعْلِ فَيَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ كَالْمَفْعُولِ بِهِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْفِعْلِ بِمَجْمُوعِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ بِخِلَافِ صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ ثُمَّ يُفْطِرَ لِأَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ فَلَوْ نَوَى فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا آخِرَ النَّهَارِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لَكِنْ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِهِ مَعَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَيُخَالِفُ هَذَا مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك رَمَضَانَ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَهُمَا سَوَاءٌ، وَكَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي رَمَضَانَ أَوْ الْغَدِ كُلِّهِ.

(قَوْلُهُ تَطْلُقْ) حَالًا لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلطَّلَاقِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَقَعَ فِي مَكَان دُونَ مَكَان، وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّخْصِيصِ لَمْ يَصْلُحْ لَأَنْ

ص: 225

بِأَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَيَقَعُ فِي عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ) اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ مُتَعَارَفٌ لَا التَّعْلِيقَ بِالْعِلْمِ فَلَا يُقَالُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ عَلِمَ اللَّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقَةٌ بِبَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمَّا عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُمْتَنِعَاتِ فَقَوْلُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يُرَادُ بِهِ التَّعْلِيقُ فَالْمُرَادُ أَنَّ هَذَا ثَابِتٌ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ

(أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ

ــ

[التلويح]

يُجْعَلَ شَرْطًا فَيَكُونُ تَعْلِيقًا إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَوْ اسْتِعْمَالِ الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ فَيَكُونَ تَعْلِيقًا بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَيْ وَقْتَ دُخُولِهَا عَلَى وَضْعِ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ شَائِعٌ أَوْ عَلَى اسْتِعَارَةِ فِي لِلْمُقَارَنَةِ لِمَا بَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ مِنْ الْمُقَارَنَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ضَرُورَةَ أَنَّ مُقَارَنَةَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فَيَلْزَمُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِوُجُوبِ الدُّخُولِ لِيَتَقَارَنَا، قِيلَ وَفِي قَوْلِهِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَرْطًا مَحْضًا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ بَلْ يَقَعُ مَعَهُ، وَيَظْهَرُ الْأَثَرُ فِيمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا لَوْ قَالَ مَعَ نِكَاحِك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك.

(قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهَا عِنْدَ الِاسْتِعَارَةِ لِلْمُقَارَنَةِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ الْمَجْرُورُ بِهَا مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهِ صَارَ مُعَلَّقًا كَالْمَشِيئَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ دُونَ الْبَعْضِ فَيَكُونُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعْلِيقًا بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا فَلَا كَالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعْلِيقًا إذْ لَا يَصِحُّ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ عَلِمَ اللَّهُ بَلْ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْلُومِ اللَّهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْعِلْمِ بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ الْقُدْرَةُ أَيْضًا شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ أُجِيبَ بِأَنَّهَا بِمَعْنَى تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرَ مِنْ قَبِيلِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ مِثْلَ قَوْلِك عِنْدَ اسْتِعْظَامِ الْأَمْرِ شَاهِدْ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَثَرَ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ بِخِلَافِ الْقُدْرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَرْجِيحَ لِحَذْفِ الْمُضَافِ عَلَى كَوْنِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَلَوْ سَلِمَ فَقَوْلُنَا هُوَ مِنْ آثَارِ الْقُدْرَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا هُوَ فِي الْمَقْدُورَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّقْيِيدِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْلِيقًا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ إبْطَالُ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِعْدَامٍ لِحُكْمِهِ إذْ لَا طَرِيقَ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَرُوِيَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى تَقْدِيرِ التَّعْلِيقِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ

ص: 226

فَيَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ)

(وَقَبْلُ لِلتَّقْدِيمِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةٌ لِلطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْآخَرِ (وَثِنْتَانِ لَوْ قَالَ قَبْلَهَا) أَيْ تَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا وَاقِعٌ فِي الْحَالِ وَاَلَّذِي وُصِفَ

ــ

[التلويح]

الْإِعْدَامِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّعْلِيقِ لِعَدَمِ حَرْفِ الْجَزَاءِ، وَلَا يَقَعُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْإِبْطَالِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ أَيْضًا مُبْطِلٌ لِلْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تَظْهَرُ مَشِيئَتُهُ مِثْلُ إنْ شَاءَ الْجِنُّ، وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ، وَهِيَ أَنَّ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ إمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ فَلِوُجُوبِ وُقُوعِ مُرَادِ اللَّهِ، وَإِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ فَلِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لِلتَّعْلِيقِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ مُحَالٌ فَالتَّعْلِيقُ مِمَّا يَسْتَحِيلُ مَعَهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لَغْوٌ، وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فَثِنْتَيْنِ فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَمْ يَقَعْ إلَّا تِلْكَ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّ وُقُوعَ الثِّنْتَيْنِ مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ الْيَوْمَ، وَقَدْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ مَشِيئَةِ اللَّهِ الْوَاحِدَةَ إذْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ لَطَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ، وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَوْمِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ كَلَامٌ بَاطِلٌ إذْ لَوْ صَحَّ لَبَطَلِ مِنْ حَيْثُ صَحَّ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ثَبَتَ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ وُجُودَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فِي الْيَوْمِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَوْمِ فِي الْيَمِينَيْنِ فَهُوَ إلَى الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ بِلَا فَصْلٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي النَّوَازِلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُنْتَقَى أَيْضًا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ طَلَاقَك لَا تُطْلَقُ بِهَذِهِ الْيَمِينِ أَبَدًا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي النَّوَازِلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ وَضْعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَفِي مَسْأَلَةِ الْمُنْتَقَى عُلِّقَتْ الثَّلَاثُ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ إذْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ التَّطْلِيقَتَيْنِ لَأَوْقَعَهُمَا الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ عُلِّقَتْ التَّطْلِيقَتَانِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا فَلَا

ص: 227