الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ بِالْمُسْتَقِلِّ.
(وَمَا فِي مَعْنَاهُ) كَالرَّهْطِ، وَالْقَوْمِ (إلَى الثَّلَاثَةِ، وَالْمُفْرَدِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْجَمْعِ أَيْ الْمُفْرَدُ الْحَقِيقِيُّ.
(كَالرَّجُلِ) ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجَمْعِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ (نَحْوُ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ إلَى الْوَاحِدِ) أَيْ يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْمُفْرَدِ إلَى الْوَاحِدِ.
(وَالطَّائِفَةُ كَالْمُفْرَدِ) بِهَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] .
(وَمِنْهَا) أَيْ أَيْ
مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ
إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لَيْسَ هُوَ الْمَاهِيَّةَ فِي الْجَمْعِ، وَلَا بَعْضَ الْأَفْرَادِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ الْكُلُّ) اعْلَمْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إمَّا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَوْ الذِّهْنِيِّ، وَإِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَإِمَّا لِتَعْرِيفِ الطَّبِيعَةِ لَكِنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ ثُمَّ تَعْرِيفُ الطَّبِيعَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي
ــ
[التلويح]
مَا تَقَرَّرَ، وَحِينَئِذٍ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي جَمْعِ الْأَفْرَادِ، وَمَجَازٌ فِي الْبَعْضِ، وَكَوْنُ الثَّلَاثَةِ أَقَلَّ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بَلْ الْوَاحِدُ مَجَازًا كَمَا سَبَقَ وَأَيْضًا النِّزَاعُ فِي الْجَمْعِ الْغَيْرِ الْعَامِّ إذْ الْعَامُّ مُسْتَغْرِقٌ لِلْجَمِيعِ لَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ فَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْرِيعِ أَصْلًا. الثَّانِي: إنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْمُفْرَدِ فِي مِثْلِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ لَا عُمُومَ فَلَا تَخْصِيصَ. الثَّالِثُ: إنَّ مَنْ قَالَ لَقِيت كُلَّ رَجُلٍ فِي الْبَلَدِ وَأَكَلْت كُلَّ رُمَّانَةٍ فِي الْبُسْتَانِ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت وَاحِدًا عُدَّ لَاغِيًا عُرْفًا، وَعَقْلًا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ نَفْسَ الصِّيغَةِ لِلْجَمْعِ، وَالْعُمُومُ عَارِضٌ بِاللَّامِ، وَالتَّخْصِيصُ إنَّمَا يَرْفَعُ الْعُمُومَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مَدْلُولُ الصِّيغَةِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ حَمْلُ اللَّازِمِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيَكُونُ الِاسْمُ لِلْجِنْسِ، وَنَفْيُهُ يَكُونُ نَفْيًا لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً، وَهُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ لُغَةً.
(قَوْلُهُ، وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ بِالْمُسْتَقِلِّ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمُسْتَقِلٍّ فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ قَصْرَ الْعَامِّ عَلَى الْبَعْضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ إلَى الْوَاحِدِ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا نَحْوُ أَكْرِمْ الرِّجَالَ إلَّا الْجُهَّالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَالِمُ إلَّا وَاحِدًا.
(قَوْلُهُ، وَالطَّائِفَةُ كَالْمُفْرَدِ) يَعْنِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلْوَاحِدَةِ فَمَا فَوْقَهُ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الشَّيْءِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، وَقُبِلَ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ انْضَمَّتْ إلَيْهِ عَلَامَةُ الْجَمَاعَةِ أَعْنِي التَّاءَ فَرُوعِيَ الْمَعْنَيَانِ، وَفِي الْكَشَّافِ: الطَّائِفَةُ الْفِرْقَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَلْقَةً، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ صِفَةٌ غَالِبَةٌ كَأَنَّهَا الْجَمَاعَةُ الْحَافَّةُ حَوْلَ الشَّيْءِ فَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْجَمْعِ كَالرَّهْطِ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ فَيُصْبِحُ تَخْصِيصُهَا إلَى الْوَاحِدِ
[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ]
(قَوْلُهُ، وَمِنْهَا الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ) اُسْتُدِلَّ عَلَى عُمُومِهِ بِالْمَعْقُولِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالِاسْتِعْمَالِ، وَتَقْرِيرُ الْأَخِيرِينَ ظَاهِرٌ
يَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ دَالٌّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِدُونِ اللَّامِ فَحَمْلُ اللَّامِ عَلَى الْفَائِدَةِ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَعْرِيفِ الطَّبِيعَةِ، وَالْفَائِدَةِ الْجَدِيدَةِ أَمَّا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ أَوْ اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ، وَتَعْرِيفُ الْعَهْدِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ بَعْضَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ خَارِجًا أَوْ ذِهْنًا فَحَمْلُ اللَّامِ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ، وَالْكُلَّ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَفِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى، بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ وُضِعَ لِأَفْرَادِ الْمَاهِيَّةِ لَا لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لِكُلٍّ يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَهْدٌ فَقَوْلُهُ، وَلَا بَعْضَ
ــ
[التلويح]
وَتَقْرِيرُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ قَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ مِثْلُ الرَّجُلِ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ يَكُونُ حِصَّةً مُعَيَّنَةً مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ مِثْلُ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ الرَّجُلُ كَذَا، وَقَدْ يَكُونُ حِصَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا لَكِنْ بِاعْتِبَارِ عَهْدِيَّتِهَا فِي الزَّمَنِ مِثْلُ أَدْخُلُ السُّوقَ، وَقَدْ يَكُونُ جَمِيعُ أَفْرَادِهَا مِثْلَ {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] ، وَاللَّامُ بِالْإِجْمَاعِ لِلتَّعْرِيفِ، وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ، وَالتَّعْيِينُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْإِشَارَةُ إمَّا إلَى حِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَإِمَّا إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُفْتَقَرُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَاهِيَّةِ، وَالطَّبِيعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يُفْتَقَرُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تُوجَدَ فِيهِ قَرِينَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَمَا فِي أَدْخُلُ السُّوقَ، وَهُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ أَوَّلًا، وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقُ احْتِرَازًا عَنْ تَرْجِيحِ بَعْضِ الْمُتَسَاوِيَاتِ فَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ، وَالِاسْتِغْرَاقُ مِنْ فُرُوعِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ اللَّامَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ، وَالْحَقِيقَةِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنَّ الْقَوْمَ أَخَذُوا بِالْحَاصِلِ، وَجَعَلُوهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ تَوْضِيحًا، وَتَسْهِيلًا إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَنَقُولُ الْأَصْلُ أَيْ الرَّاجِحُ هُوَ الْعَهْدُ الْخَارِجِيُّ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّعْيِينِ، وَكَمَالُ التَّمْيِيزُ ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ جِدًّا، وَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ فَالِاسْتِغْرَاقُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ خُصُوصًا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ الْجَمْعِيَّةَ قَرِينَةُ الْقَصْدِ إلَى الْأَفْرَادِ دُونَ نَفْسِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ هَذَا مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَهْدَ الذِّهْنِيَّ مُقَدَّمًا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ وَهَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ أَعَمُّ فَائِدَةً، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الشَّرْعِ، وَأَحْوَطَ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ أَعْنِي الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ، وَالتَّحْرِيمَ، وَالْكَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ أَحْوَطَ فِي الْإِبَاحَةِ، وَمَنْقُوضًا بِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ فَرْدٌ بِدُونِ الْمَاهِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً زَائِدَةً عَلَى
الْأَفْرَادِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ إشَارَةٌ.
(إلَى هَذَا فَتَعَيَّنَ الِاسْتِغْرَاقُ، وَلِتَمَسُّكِهِمْ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) لَمَّا، وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخِلَافَةِ، وَقَالَ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ تَمَسَّكَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ.
(وَلِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا الْجَمْعُ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ (مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ، وَتَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدَةِ، وَيُرَادُ الْوَاحِدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ، وَلِلْفُقَرَاءِ نُصِّفَ
ــ
[التلويح]
مَا يُفِيدُهُ الِاسْمُ بِدُونِ اللَّامِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَمَنْقُوضٌ بِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَإِنَّ عَدَمَ الْفَائِدَةِ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّ دَلَالَةَ النَّكِرَةِ عَلَى حِصَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَعْهُودَ الذِّهْنِيَّ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ فَإِنْ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَهْدِيَّةُ فِي الذِّهْنِ فَيَتَمَيَّزُ عَنْ النَّكِرَةِ قُلْنَا، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ حُضُورُهَا فِي الذِّهْنِ، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهَا لِيَتَمَيَّزَ عَنْ اسْمِ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ مِثْلُ رَجَعَ رَجْعِيٌّ، وَرَجَعَ الرَّجْعِيُّ، وَبِالْجُمْلَةِ تَوَقَّفَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ عَلَى قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ، وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا حَيْثُ مَثَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِنَحْوِ أَكَلْت الْخُبْزَ، وَشَرِبْت الْمَاءَ إذْ لَا نَعْنِي بِالْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ إلَّا مِثْلَ ذَلِكَ مِمَّا تَدُلُّ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ لِلْفَرْدِ دُونَ نَفْسِ الْحَقِيقَةِ، وَلِلْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ، وَلِلْمُبْهَمِ دُونَ الْمُعَيَّنِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا مَعْنَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ الْمُقَدَّمِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَمَا اسْمُ تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْأَفْرَادِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ.
(قَوْلُهُ: وَلِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ) فَإِنْ قِيلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا اسْمَ عَدَدٍ مِثْلُ عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا وَاحِدًا، وَاسْمَ عَلَمٍ مِثْلُ كَسَوْت زَيْدًا إلَّا رَأْسَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلُ صُمْت هَذَا الشَّهْرَ إلَّا يَوْمَ كَذَا، وَأَكْرَمْت هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ إلَّا زَيْدًا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ دَلِيلَ الْعُمُومِ أُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ صِيغَةَ عُمُومٍ بِاعْتِبَارِهَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهُوَ جَمْعٌ مُضَافٌ إلَى الْمَعْرِفَةِ أَيْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ، وَأَعْضَاءِ زَيْدٍ، وَأَيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَآحَادِ هَذَا الْجَمْعِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ دَلِيلُ الْعُمُومِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ يَجِبُ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمُسْتَثْنَى، وَغَيْرَهُ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ لِيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِهِ، وَمَنْعِهِ عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا شَامِلًا لِلْمُسْتَثْنَى شُمُولَ الْعَشَرَةِ لِلْوَاحِدِ، وَزَيْدٍ لِلرَّأْسِ، وَالشَّهْرِ لِلْيَوْمِ، وَالْجَمَاعَةِ الَّتِي فِيهِمْ زَيْدٌ لِزَيْدٍ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِغْرَاقِهِ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْتَثْنَى، وَغَيْرَهُ فَيَصِحُّ إخْرَاجُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِثْنَاءُ
بَيْنَهُ، وَبَيْنَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ.
(وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ، وَلَيْسَ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ) ، وَإِنَّمَا قَالَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْمَنْعِ، وَتَزَوُّجُ جَمِيعِ نِسَاءِ الدُّنْيَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَمَنْعُهُ يَكُونُ لَغْوًا، وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] لَا يُمْكِنُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى جَمِيعِ فُقَرَاءِ الدُّنْيَا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِغْرَاقُ مُرَادًا فَيَكُونُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ مَجَازًا فَتَكُونُ الْآيَةُ لِبَيَانِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ.
(فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْجِنْسِ لَبَطَلَ اللَّامُ أَصْلًا) أَيْ إذَا كَانَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بَاقٍ فِي الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ تَضَمُّنًا فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرْفُ اللَّامِ مَعْمُولٌ
ــ
[التلويح]
مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لَا مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُقَالُ فَالْمُسْتَثْنَى فِي مِثْلِ جَاءَنِي الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا لَيْسَ مِنْ الْأَفْرَادِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ جُمُوعٌ لَا آحَادٌ لِأَنَّا نَقُولُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ الْغَيْرِ الْمَحْصُورِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْآحَادِ دُونَ الْجَمْعِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَالِاسْتِعْمَالِ أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ أَفْرَادُ مَدْلُولِ أَصْلِ اللَّفْظِ، وَهُوَ هَاهُنَا الرَّجُلُ.
(قَوْلُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا) الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مِثْلِ فُلَانٍ يَرْكَبُ الْخَيْلَ، وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ الْبِيضَ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى عَهْدٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ، أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ حَتَّى إنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ غَيْرُ آدَمَ عليه السلام كَانَتْ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ، وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيَعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعُمُومَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ قَطُّ، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَالْيَمِينُ يَنْعَقِدُ لِأَنَّ تَزَوُّجَ جَمِيعِ النِّسَاءِ مُتَصَوَّرٌ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ ثُمَّ هَذَا الْجِنْسُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ يُخَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا إذَا حَلَفَ يَرْكَبُ الْخَيْلَ يَحْصُلُ الْبِرُّ بِرُكُوبِ وَاحِدٍ، وَيَعُمُّ فِي النَّفْيِ مِثْلُ لَا تَحِلُّ لَك النِّسَاءُ أَيْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ جِنْسَ الصَّدَقَةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ لَا يُقَالُ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ، وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ بِالْآحَادِ لَا ثُبُوتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ، وَهُوَ جَوَازُ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ) ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ عَلَى حَالِهَا يَبْطُلُ اللَّامُ بِالْكُلِّيَّةِ فَحَمْلُهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ، وَإِبْطَالِ الْجَمْعِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي بَابِ مُوجِبِ الْأَمْرِ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ لِأَنَّا إذَا أَبْقَيْنَاهُ جَمْعًا لَغَا حَرْفَ الْعَهْدِ أَصْلًا إلَى آخِرِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ أَنَّ مَا قَالُوا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ مَجَازًا مُقَيَّدٌ بِصُوَرٍ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي
ــ
[التلويح]
هَذَا الْجَمْعُ لِلْجِنْسِ حَرْفُ اللَّامِ مَعْمُولٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَيْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْأَجْنَاسِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ تَضَمُّنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ لَا تُمْنَعُ شَرِكَةُ الْكَثِيرِ فِيهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْكَثْرَةَ جُزْءُ مَفْهُومِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ رحمه الله أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ فَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَهُوَ التَّكَثُّرُ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ بَطَلَ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ صَحَّ الْحَمْلُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ عَهْدِيَّتِهِ، وَحُضُورِهِ فِي الذِّهْنِ فَيَكُونُ اللَّامُ مَعْمُولًا، وَالْجَمْعِيَّةُ بَاقِيَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُقَالُ الْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَعْهُودٌ لِأَنَّا نَقُولُ تَقْدِيرُ عَدَمِ الْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عُلِمَ مَدْلُولُهُ جَازَ تَعْرِيفُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ فَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَالصَّحِيحُ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْجَمْعِ مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ التَّمَسُّكُ بِوُقُوعِهِ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] ، وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَعْنَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ) عِبَارَتُهُ أَنَّ مِثْلَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ لَا أَشْتَرِي الثِّيَابَ يَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ لِأَنَّ هَذَا جَمْعٌ صَارَ مَجَازًا عَنْ اسْمِ الْجِنْسِ لِأَنَّا إذَا أَبْقَيْنَاهُ جَمْعًا لَغَا حَرْفُ الْعَهْدِ أَصْلًا، وَإِذَا جَعَلْنَاهُ جِنْسًا بَقِيَ حَرْفُ اللَّامِ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَبَقِيَ مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْجِنْسُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ) لَا شَكَّ أَنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْجِنْسِ مُجَاوِزٌ وَعَلَى الْعَهْدِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةً، وَلَا مَسَاغَ لِلْخُلْفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَا شَيْءَ فِيهَا لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الْأُسْبُوعِ، وَالسَّنَةِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَهْدُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] إنَّهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ دُونَ الْجِنْسِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ، وَهُوَ سَلْبُ الْعُمُومِ أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ، وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ فَيَكُونُ سَلْبًا جُزْئِيًّا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَبْصَارِ لِيَكُونَ عُمُومُ السَّلْبِ أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَكُونُ سَلْبًا كُلِّيًّا لَا يُقَالُ كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ فِي الْإِثْبَاتِ
قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] فَإِنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا إنَّهُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ لَا لِعُمُومِ السَّلْبِ فَجَعَلُوا اللَّامَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسَ.
(وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِغَيْرِ اللَّامِ نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ عَامٌّ أَيْضًا لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ عَامٌّ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، وَالنَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا إلَّا عَلَى غَيْرِهِ) .
(وَمِنْهَا الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَعْهُودِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 2 - 3]
ــ
[التلويح]
لِإِيجَابِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ كَذَلِكَ هُوَ فِي النَّفْيِ لِسَلْبِ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 31]{فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6] لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تَعُمُّ الْأَحْوَالَ، وَالْأَوْقَاتَ، وَبِأَنَّ الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهَا.
(قَوْلُهُ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} [الحجر: 42] فَإِنْ قِيلَ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فَإِثْبَاتُ الْعُمُومِ بِهَا دَوْرٌ قُلْنَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِالْعُمُومِ بِوُقُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ) لَا شَكَّ فِي عُمُومِهِ بِمَعْنَى انْتِظَامِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعُمُومِ بِوَصْفِ الِاسْتِغْرَاقِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجُمُوعِ كَرَجُلٍ فِي الْوِجْدَانِ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ جَمْعٍ كَمَا يَصِحُّ إطْلَاقُ رَجُلٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَكُونُ عَامًّا لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ لِلْبَعْضِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى مَا دُونَ الْكُلِّ إجْمَالًا لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ فِي مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ بِالْعُمُومِ، وَالشُّمُولِ أَنْسَبُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ فَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ فَكَانَ أَوْلَى وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بَلْ صِفَةٌ، وَلَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً لَوَجَبَ نَصْبُهُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ عَدَمِهِ لِتَلْزَمَ الْبَعْضِيَّةُ بَلْ هُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَالْبَعْضِ، وَعَنْ الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ أَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إيهَامٌ كَمَا فِي رَجُلٍ لَا إجْمَالَ إذْ يُعْرَفُ أَنَّ مَعْنَاهُ جَمْعٌ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَعْيِينَ عَدَدِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ مَرْتَبَةٍ وَضْعًا عَلَى حِدَةٍ لِيَكُونَ مُشْتَرَكًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَفْهُومِ الْأَعَمِّ الصَّادِقِ عَلَى كُلِّ