المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تخصيص الشيء بالوصف يدل على نفي الحكم عما عداه - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح - جـ ١

[السعد التفتازاني - المحبوبي صدر الشريعة الأصغر]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[التَّعْرِيفُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا اسْمِيٌّ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ]

- ‌[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]

- ‌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إفَادَتِهِ الْمَعْنَى]

- ‌[قُسِّمَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى أَرْبَعُ تَقْسِيمَاتٍ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى]

- ‌(فَصْلٌ: الْخَاصُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَاصٌّ)

- ‌(فَصْلٌ: حُكْمُ الْعَامِّ

- ‌(فَصْلٌ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظِ الْعَامِّ]

- ‌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ (الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ نَكِرَةٌ تَعُمُّ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَا فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ]

- ‌[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ كُلُّ وَجَمِيعُ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: حِكَايَةُ الْفِعْلِ) لَا تَعُمُّ

- ‌(مَسْأَلَةُ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ)

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُطْلَقِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌مَسْأَلَةٌ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ)

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ]

- ‌[حُرُوف الْمَعَانِي]

- ‌[حُرُوفُ الْجَرِّ]

- ‌(كَلِمَاتُ الشَّرْطِ)

- ‌[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ فِي ظُهُورِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

- ‌التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى

- ‌[فَصْلٌ مَفْهُوم الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ]

- ‌[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

- ‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

- ‌[التَّعْلِيق بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إفَادَةِ اللَّفْظِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ]

- ‌[الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ لِلْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ

- ‌[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]

- ‌الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ

- ‌[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

- ‌[الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

- ‌(فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ)

- ‌[أَقْسَامُ الْمَأْمُور بِهِ الْمُؤَقَّت]

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل الْوَقْت الضَّيِّق وَالْفَاضِل عَنْ الواجب]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي كون الْوَقْت مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَوْن الْوَقْت مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]

الفصل: ‌ تخصيص الشيء بالوصف يدل على نفي الحكم عما عداه

وَنَحْوِهِمَا) أَيْ إنْ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَا يَلْزَمُ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ مُحَمَّدٍ رَسُولَ اللَّهِ، وَهُوَ كُفْرٌ، وَيَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي: زَيْدٌ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ زَيْدٍ مَوْجُودًا (وَلِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ) فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ وَالْقِيَاسِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ إثْبَاتُ حُكْمٍ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ فِيمَا عَدَاهُ (، وَإِنَّمَا فَهِمُوا ذَلِكَ) أَيْ عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِكْسَالِ (مِنْ اللَّازِمِ، وَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ غَيْرَ أَنَّ الْمَاءَ يَثْبُتُ مَرَّةً عِيَانًا، وَمَرَّةً دَلَالَةً) جَوَابٌ عَنْ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا قُلْتُمْ إنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْغُسْلِ فِي صُورَةِ وُجُودِ الْمَنِيِّ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِلَا مَاءٍ فَأَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ بِدُونِ الْمَاءِ إلَّا أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ دَلِيلُ الْإِنْزَالِ، وَالْإِنْزَالُ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَيَدُورُ الْحُكْمُ مَعَ دَلِيلِ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ كَمَا تَدُورُ الرُّخْصَةُ مَعَ دَلِيلِ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ السَّفَرُ

(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَهِيَ (أَنَّ‌

‌ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ

عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَوْ نَقُولُ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ مُبْتَدَأٌ، وَمِنْهُ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ يَدُلُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ، وَهُوَ الرَّاجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ، وَقَوْلُهُ

ــ

[التلويح]

الْحُكْمِ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلنَّفْيِ أَوْلَى.

، وَبِأَنَّ مَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي إثْبَاتِ ضِدِّهِ، وَرُدَّ كِلَاهُمَا بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ النَّصُّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ بِالْمَنْطُوقِ، وَنَفْيَهُ عَنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِالْمَفْهُومِ، وَيَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ فِي مَحَلٍّ، وَإِثْبَاتِ ضِدِّهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَعَدَمِ تَنَاوُلَ النَّصِّ لِغَيْرِ الْمَنْطُوقِ عَيْنَ النِّزَاعِ بَلْ يَتَنَاوَلُهُ نَفْيًا لَا إثْبَاتًا (قَوْلُهُ، وَهُوَ) أَيْ اللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ أَفْرَادِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ نَاشِئَةٌ مِنْ وُجُودِ الْمَنِيِّ بِقَرِينَةِ وُرُودِ الْحَدِيثِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ

[تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ]

(قَوْلُهُ وَمِنْهُ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالصِّفَةِ) أَيْ نَقْضُ شُيُوعِهِ، وَتَقْلِيلُ اشْتِرَاكِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَهُ تِلْكَ الصِّفَةُ، وَعَلَى غَيْرِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْوَصْفِ لِيَقْتَصِرَ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى مَا لَهُ تِلْكَ الصِّفَةُ دُونَ الْقِسْمِ الْآخَرِ، وَلِهَذَا قَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِإِحْدَى صِفَتَيْ الذَّاتِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا لَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا، وَلِهَذَا يُسْتَقْبَحُ مِثْلُ: الْإِنْسَانُ الطَّوِيلُ لَا يَطِيرُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِقْبَاحَ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّخْصِيصِ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَالْمِثَالُ الْجُزْئِيُّ لَا يُصَحِّحُ الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَهِمُوا ذَلِكَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِي صُوَرٍ جُزْئِيَّةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْمِثَالِ التَّنْبِيهُ

ص: 274

عَمَّا عَدَاهُ أَيْ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] خَصَّ الْحِلَّ بِالْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَيَلْزَمُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ حِلِّ نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ، أَيْ الْإِمَاءِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَاتِ (لِلْعُرْفِ فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: الْإِنْسَانُ الطَّوِيلُ لَا يَطِيرُ يَتَبَادَرُ الْفَهْمُ مِنْهُ إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلِهَذَا يَسْتَقْبِحُهُ الْعُقَلَاءُ) ، وَالِاسْتِقْبَاحُ لَيْسَ لِأَجْلِ نِسْبَةِ عَدَمِ الطَّيَرَانِ إلَى الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: الْإِنْسَانُ الطَّوِيلُ، وَغَيْرُ الطَّوِيلِ لَا يَطِيرُ لَا يَسْتَقْبِحُهُ الْعُقَلَاءُ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِقْبَاحَ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّوِيلِ يَطِيرُ (وَلِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تِلْكَ الْفَائِدَةُ لَكَانَ ذِكْرُهُ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَكَانَ الْحُكْمُ فِيمَا عَدَا الْمَوْصُوفِ ثَابِتًا فَتَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِالْمَوْصُوفِ يَكُونُ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ تَقْدِيرُ عَدَمِ الْمُرَجِّحَاتِ الْأُخَرِ كَالْخُرُوجِ مَخْرَجَ

ــ

[التلويح]

عَلَى أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ تَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ أُخْرَى يَفْهَمُ مِنْهُ أَهْلُ اللِّسَانِ هَذَا الْمَعْنَى فَلَوْلَا أَنَّهُمْ عَارِفُونَ أَنَّهُ لُغَةٌ لَمَا فَهِمُوهُ، الثَّانِي أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيِ غَيْرِهِ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ، وَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ مِمَّا يُرَجَّحُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا لِغَرَضِ الْعُقَلَاءِ فَإِنْ قِيلَ: فَحِينَئِذٍ تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ إذْ بِهِ تَثْبُتُ وَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِدَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ، وَذَلِكَ دَوْرٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ هُوَ تَكَثُّرُ الْفَائِدَةِ عَقْلًا، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ دَلَّ كَثُرَتْ الْفَائِدَةُ، وَلَا تَكْثُرُ الْفَائِدَةُ عَيْنًا، وَهُوَ حُصُولُهَا فِي الْوَاقِعِ، وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى الدَّلَالَةِ هُوَ تَكَثُّرُ الْفَائِدَةِ عَيْنًا لَا عَقْلًا، أَيْ حُصُولُهَا فِي الْوَاقِعِ لَا تَعَقُّلُ حُصُولِهَا عِنْدَ الدَّلَالَةِ، وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْوَضْعَ لَا يَثْبُتُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ بَلْ بِالنَّقْلِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ لِظُهُورِهِ، الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ الدَّلَالَةُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْغَيْرِ لَكَانَ ذِكْرُ الْوَصْفِ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ عَدَمُ الْفَوَائِدِ الْأُخَرِ، وَاللَّازِمُ ظَنٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ تَخْصِيصُ كَلَامِ آحَادِ الْبُلَغَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ مُرَجِّحَةٍ فَكَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَجْدَرُ، وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتًا لِلْوَضْعِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ بَلْ بِالِاسْتِقْرَاءِ عَنْهُمْ أَنَّ كُلَّ مَا ظُنَّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي اللَّفْظِ سِوَاهُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَانْدَرَجَ فِي الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الِاسْتِقْرَائِيَّة، وَلَا يَجْرِي هَذَا فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَ هُنَاكَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَبَّرْ عَنْهُ بِالِاسْمِ لَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ لَا يُقَالُ الْمُرَجِّحُ هُوَ نَيْلُ ثَوَابِ الِاجْتِهَادِ بِأَنْ يُقَاسَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ عَلَى الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ الْقِيَاسِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا مَرَّ، الرَّابِعُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ الْمَذْكُورِ صِفَتُهُ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْلُولِ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا لَا يَدُلُّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ

ص: 275

الْعَادَةِ إلَخْ.

(وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ هَذَا الْوَصْفِ نَحْوُ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَيَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَعِنْدَنَا لَا يَدُلُّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ذَكَرُوا فِي شَرَائِطِهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِسُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ أَوْ عِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ السَّامِعَ يَجْهَلُ هَذَا الْحُكْمَ الْمَخْصُوصَ فَجَعَلُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْحَصِرَةً فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ عُلِمَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَأَقُولُ: إنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ (نَحْوُ: الْجِسْمُ الطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيقُ مُتَحَيِّزٌ) فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُوجَدُ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ يَلْزَمُ أَنَّ الْجِسْمَ الَّذِي لَا يُوجَدُ

ــ

[التلويح]

عَلَى إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ بِإِبْطَالِ أَدِلَّةِ الْخَصْمِ بَلْ بَعْضِهَا فَلَا يَكُونُ مُوَجَّهًا قُلْت إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ دَعْوَى ثُبُوتِ الشَّيْءِ، وَالْمَطْلُوبُ مَنْعُ ذَلِكَ وَنَفْيُهُ، كَفَى فِي الْمَطْلُوبِ رَدُّ مَا ذَكَرَهُ الْحَصْمُ مِنْ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُنْتَفٍ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ رَدِّ الْبَعْضِ لِظُهُورِهِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى مَذْهَبِهِ لِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْت أَوَّلُ شَرَائِطِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةً وَلَا مُسَاوَاةً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَيْضًا فَكَيْفَ ادَّعَى أَنَّهُمْ حَصَرُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ؟ قُلْت؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ الْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُهُ فِي الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلتَّخْصِيصِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ نَحْوُ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّ مَعْنَى زِيَادَةِ " فِي الْأَرْضِ " وَ " يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ " هُوَ زِيَادَةُ التَّعْمِيمِ وَالْإِحَاطَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ قَطُّ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ، وَمَا مِنْ طَائِرٍ قَطُّ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَحْفُوظَةٌ أَحْوَالُهَا غَيْرُ مُهْمَلٍ أَمْرُهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ ذَكَرَ فِي الْأَرْضِ مَعَ دَابَّةٍ، وَيَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ مَعَ طَائِرٍ لِبَيَانِ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ لَفْظِ دَابَّةٍ وَلَفْظِ طَائِرٍ إنَّمَا هُوَ إلَى الْجِنْسَيْنِ، وَإِلَى تَقْرِيرِهِمَا يَعْنِي أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَامِلٌ لِمَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ، وَالْوَحْدَةِ فَإِذَا شُفِعَ بِمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجِنْسِ دُونَ الْفَرْدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْجِنْسِ لَا لِفَرْدٍ، وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامَ الْمِفْتَاحِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا ذُكِرَ الْوَصْفُ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ دَابَّةً مَخْصُوصَةً بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِدُونِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ لَا سِيَّمَا مَعَ مِنْ الِاسْتِقْرَائِيَّة قَطْعِيَّةٌ فِي الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ لَا تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَصْلًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَزْمُ) تَقْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّ دَلَالَةَ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ

ص: 276

فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لَا يَكُونُ مُتَحَيِّزًا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ تَعْرِيفًا لِلْجِسْمِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ عِلَّةَ التَّحَيُّزِ هَذَا الْوَصْفُ.

(وَكَالْمَدْحِ، أَوْ الذَّمِّ) فَإِنَّهُ قَدْ يُوصَفُ الشَّيْءُ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ، وَلَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ مَعَ أَنَّ الْأُمُورَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَقَوْلُهُ كَالْمَدْحِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نَحْوِ الْجِسْمِ أَيْ مُوجِبَاتُ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَ نَحْوُ: الْجِسْمُ إلَخْ، وَنَحْوُ: الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَإِنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَشْيَاءُ أُخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرُوا (أَوْ التَّأْكِيدُ نَحْوُ: أَمْسُ الدَّابِرُ لَا يَعُودُ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ التَّأْكِيدَ (نَحْوُ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} [الأنعام: 38] فَلَمْ يُوجَدْ الْجَزْمُ بِأَنَّ كُلَّ الْمُوجِبَاتِ مَنْفِيَّةٌ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ) فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} [الأنعام: 38] ، وَصَفَ الدَّابَّةَ بِكَوْنِهَا فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُرَادُ نَفْيُ الْحُكْمِ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَرْضِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا فِي الْأَرْضِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ دَابَّةً مَخْصُوصَةً بَلْ كُلُّ مَا يَدِبُّ فِي الْأَرْضِ فَعُلِمَ أَنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ، وَفَوَائِدَهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِأَنَّ كُلَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ مُنْتَفِيَةٌ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ اسْتِقْبَاحِ الْعُقَلَاءِ فَلِأَنَّهُمْ

ــ

[التلويح]

عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ مَشْرُوطَةٌ بِالْجَزْمِ بِأَنْ لَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى ذَلِكَ، وَالشَّرْطُ مُنْتَفٍ دَائِمًا فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ دَائِمًا أَمَّا الِاشْتِرَاطُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الشَّرْطِ دَائِمًا فَلِأَنَّ فَوَائِدَ الْوَصْفِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَلَا مَضْبُوطَةٍ خُصُوصًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إدْرَاكِهَا فَهْمُ الْعُقَلَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً مَعْلُومَةً لَمْ يَحْصُلْ الْجَزْمُ بِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ سِوَى الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهَاهُنَا نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ مَا نَقَلَهُ مِنْ أَنَّهُمْ حَصَرُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةً وَلَا مُسَاوَاةً، وَلَا يَخْرُجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ، وَلَا لِسُؤَالٍ، وَلَا لِحَادِثَةٍ، وَلَا تَقْرِيرِ جَهَالَةٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ، وَلَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَصْفِ فَائِدَةٌ أُخْرَى أَصْلًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْوَصْفَ لِلْكَشْفِ أَوْ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ التَّأْكِيدِ لَيْسَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ فِي شَيْءٍ؛ لِمَا عَرَفْت فَكَأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ ذِكْرُ الْوَصْفِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَكُونُ لِلتَّخْصِيصِ، أَيْ نَقْصُ الشُّيُوعِ، وَتَقْلِيلُ الِاشْتِرَاكِ، وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ لَهُمْ فِي أَنَّ الْمَفْهُومَ ظَنِّيٌّ يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الْمُوجِبَاتِ الْأُخَرِ بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ

ص: 277

لَمْ يَجِدُوا فِي مِثْلِ هَذَا الْمِثَالِ لِوَصْفِ الْإِنْسَانِ بِالطُّولِ فَائِدَةً أَصْلًا لَكِنَّ الْمِثَالَ الْوَاحِدَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَكَلَامِ الرَّسُولِ لِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ أَلْفُ فَائِدَةٍ تَعْجِزُ عَنْ دَرْكِهَا أَفْهَامُ الْعُقَلَاءِ وَقَوْلُهُ لَكَانَ ذِكْرُهُ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ (وَلِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ.

(وَنَحْنُ نَقُولُ أَيْضًا بِعَدَمِ الْحُكْمِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ (لَكِنْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ) فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ عَدَمًا أَصْلِيًّا لَا حُكْمًا شَرْعِيًّا (لَا أَنَّهُ عِلَّةٌ لِعَدَمِهِ) أَيْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْوَصْفِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدِ عَدَمِ الْوَصْفِ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ حُكْمًا عَدَمِيًّا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الثُّبُوتِيُّ فِيمَا عَدَا الْوَصْفَ عِنْدَنَا كَقَوْلِهِ: عليه السلام «لَيْسَ فِي الْعَلُوفَةِ زَكَاةٌ» فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِبِلَ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلُوفَةً كَانَ فِيهَا زَكَاةٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثُّبُوتِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ فِيمَا عَدَا الْوَصْفَ الْحُكْمُ الثُّبُوتِيُّ، وَأَيْضًا مِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ صِحَّةُ التَّعْدِيَةِ، وَعَدَمُهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] هَلْ تَصِحُّ تَعْدِيَةُ عَدَمِ جَوَازِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَقَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى

ــ

[التلويح]

بِذَلِكَ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِعَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ الْمُوجِبَاتِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَالتَّفَحُّصِ. قَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ لَكَانَ ذِكْرُهُ تَرْجِيحًا) يَعْنِي بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ يُظْهِرُ الْجَوَابَ عَنْ دَلِيلِهِمْ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْفَوَائِدِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمُرَجِّحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحٌ آخَرُ غَيْرُهَا.

(قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِهِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ إنَّمَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْحُكْمِ عِلَّةٌ أُخْرَى بَعْدَ التَّفَحُّصِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الظَّنُّ، وَهُوَ كَافٍ إذْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ قَطْعِيٌّ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْوَصْفُ لَثَبَتَ إمَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا أَوْ بِالْآحَادِ، وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْأُصُولِ.

(قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ لَا يَنْكِحَ الْمُؤْمِنُ إلَّا الْمُؤْمِنَةَ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْخُرُوجِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْوَصْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِاتِّصَافِ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، وَأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الِاتِّصَافُ كَكَوْنِ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَتَيَاتُ، أَيْ الْإِمَاءُ مُؤْمِنَاتٍ فِي الْغَالِبِ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ لَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ.

(قَوْلُهُ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا (قَوْلُهُ أَمَّا هَاهُنَا فَلَا) يَعْنِي أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُ الْوَلَدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَيَكُونَانِ وَلَدَيْ الْأَمَةِ (قَوْلُهُ فِي أَرْضِ كَذَا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً وَارِثًا، وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِلَا نَعْلَمُ فَيَكُونُ مُنَاسِبًا لِلتَّخْصِيصِ بِالصِّفَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَهَذَا كَمَا أَوْرَدُوا فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ

ص: 278