الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا هَذَا عَيْبٌ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ، وَكَأَدَاءِ الزُّيُوفِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ بَطَلَ حَقُّهُ أَصْلًا؛ لِمَا مَرَّ) .
(وَ
الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ
كَمَا إذَا أَمْهَرَ أَبَاهَا فَاسْتَحَقَّ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ أَبُ الْمَرْأَةِ عَبْدَ الرَّجُلِ فَتَزَوَّجَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَبُوهَا فَاسْتُحِقَّ (حَتَّى وَجَبَتْ قِيمَتُهُ) لِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ (وَلَمْ يَقْضِ بِهَا الْقَاضِي حَتَّى مَلَكَهُ ثَانِيًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَيْنُ حَقِّهَا أَدَاءٌ) أَيْ تَسْلِيمُ الزَّوْجِ إلَيْهَا أَدَاءٌ (فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ) أَيْ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يُسَلِّمَ أَبَاهَا إلَيْهَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا (وَمِنْ
ــ
[التلويح]
أَدَاءٌ لِوُرُودِهِ عَلَى عَيْنِ مَا غَصَبَ أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ لِكَوْنِهِ لَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى قُصُورِ الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ فَقُتِلَ لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ اُنْتُقِضَ الْقَبْضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقْبِضْهُ فَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ يَدَيْ الْمُشْتَرِي زَالَتْ عَنْ الْمَبِيعِ بِسَبَبٍ كَانَتْ إزَالَتُهَا بِهِ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُرْتَهِنٌ أَوْ صَاحِبُ دَيْنٍ، وَهَذَا اسْتِحْقَاقٌ فَوْقَ الْعَيْبِ.
وَعِنْدَهُمَا الشَّغْلُ بِالْجِنَايَةِ عَيْبٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ بَلْ أَشَدُّ، وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ بَلْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ حَلَالَ الدَّمِ، وَحَرَامَ الدَّمِ فَيَرْجِعُ بِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ فَفِي لَفْظِ هَلَكَ، وَلَفْظِ التَّسْلِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُشْتَغِلِ بِالْجِنَايَةِ دُونَ الدَّيْنِ، وَفِي الْمَبِيعِ دُونَ الْمَغْصُوبِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا رَدَّ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ حَامِلًا.
(قَوْلُهُ وَكَأَدَاءِ الزُّيُوفِ) جَمْعُ زَيْفٍ، وَهُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَيُرَوَّجُ فِيمَا بَيْنَ التِّجَارَةِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْمَدْيُونِ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَأَدَّى زُيُوفًا فَهُوَ مِنْ حَيْثُ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ أَدَاءٌ، وَمِنْ حَيْثُ فَوَاتُ وَصْفِ الْجَوْدَةِ قَاصِرٌ فَرَبُّ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْقَبْضِ كَوْنَ الْمَقْبُوضِ زُيُوفًا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْأَدَاءَ، وَيُطَالِبَ الْمَدْيُونَ بِالْجِيَادِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ فِي الْوَصْفِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ رَبِّ الدَّيْنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْجَوْدَةِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِشَيْءٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْأَصْلِ بِالْوَصْفِ، وَهَذَا أَدَاءٌ بِأَصْلِهِ إذْ لَا مِثْلَ لِلْوَصْفِ مُنْفَرِدَ الِامْتِنَاعِ قِيَامُهُ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ، وَيُطَالِبَ الْمَدْيُونَ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ دُونَ حَقِّهِ وَصْفًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ دُونَ حَقِّهِ قَدْرًا، وَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ لِتَأَدِّيهِ إلَى الرِّبَا فَيَرُدُّ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ كَمَا يَرُدُّ عَيْنَهُ إذَا كَانَ قَائِمًا فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَيْدًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْمَقْبُوضِ لَا لِكَوْنِ الْأَدَاءِ قَاصِرًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ
[الْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ]
(قَوْلُهُ: وَالْأَدَاءُ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ) كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ لَهُ هُوَ أَبُو الْمَرْأَةِ فَعَتَقَ الْأَبُ لِتَمَلُّكِ الْمَهْرِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنْ
حَيْثُ إنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ قَضَاءٌ) رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَتَتْ بَرِيرَةُ بِتَمْرٍ، وَالْقِدْرُ كَانَ يَغْلِي بِاللَّحْمِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أَلَا تَجْعَلِينَ لَنَا مِنْ اللَّحْمِ نَصِيبًا فَقَالَتْ هُوَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ عَلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: هِيَ لَكِ صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» فَقَدْ جَعَلَ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ مُوجِبًا لِتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ عَلَى الشَّيْءِ بِالْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ، وَغَيْرِهِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ حُكْمُ الشَّرْعِ يَتَعَلَّقُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ لَا يَتَغَيَّرُ أَصْلًا كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَنَجِسٌ لِعَيْنِهِ أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِهَذَا الذَّاتِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارِ فَإِذَا تَبَدَّلَ الِاعْتِبَارُ تَبَدَّلَ هَذَا الْمَجْمُوعُ، وَقَدْ أَرَادَ بِالْعَيْنِ هَذَا الْمَجْمُوعَ أَيْ الذَّاتَ مَعَ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ
ــ
[التلويح]
اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَطَلَ مِلْكُهَا، وَعِتْقُهُ، وَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَالًا، وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ إلَى أَنْ مَلَكَ الزَّوْجُ ذَلِكَ الْعَبْدَ ثَانِيًا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَزِمَ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إلَى الْمَرْأَةِ فَهَذَا التَّسْلِيمُ أَدَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ عَيْنُ حَقِّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَحَقَّتْهُ بِالتَّسْمِيَةِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْقَضَاءَ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ السُّنَّةِ، وَالْمَعْقُولِ، فَالْعَبْدُ الْمُتَمَلَّكُ ثَانِيًا كَأَنَّهُ مِثْلُ مَا اسْتَحَقَّتْهُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا عَيْنُهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ أَدَاءً أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذَا طَلَبَتْهُ الْمَرْأَةُ لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهَا مَعَ قِيَامِ مُوجِبِ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ النِّكَاحُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ مَلَكَهُ الْبَائِعُ ثَانِيًا لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَهُ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَوَقُّفُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ فَحِينَ لَمْ يَجُزْ بَطَلَ، وَانْفَسَخَ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ شِبْهَ الْقَضَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعْتَقُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ صَادَفَتْ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مِثْلَ الْمُسَمَّى لَا عَيْنَهُ حُكْمًا أَنَّهُ لَوْ قَضَى فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِلزَّوْجَةِ ثُمَّ مَلَكَ الزَّوْجُ الْعَبْدَ ثَانِيًا لَا يَعُودُ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا الزَّوْجَةُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا قَدْ انْتَقَلَ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ الْحُكْمُ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ لَعَادَ حَقُّهَا فِيهِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ بِقَوْلِ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ مِنْ إبَاقِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَعُودُ حَقُّهُ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ.
(قَوْلُهُ: دَخَلَ عَلَى بَرِيرَةَ) هِيَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وَعَائِشَةُ مِنْ بَنِي تَيْمٍ، وَلَا تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَوَالِيهَا بَلْ عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَهِيَ لَا تَحْرُمُ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ)
الْعَيْنَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الشَّرْعِ هُوَ هَذَا الْمَجْمُوعُ (فَلَا يُعْتَقُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهَا، وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ إعْتَاقَهُ، وَبَيْعَهُ، وَقَبْلَهُ) أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهَا (وَإِنْ كَانَ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ لَا يَعُودُ حَقُّهَا فِيهِ، وَمِنْ الْأَدَاءِ الْقَاصِرِ مَا إذَا أَطْعَمَ الْمَغْصُوبُ الْمَالِكَ جَاهِلًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ لَا بِالتَّغْرِيرِ، وَرُبَّمَا يَأْكُلُ الْإِنْسَانُ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ فَوْقَ مَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُصُورٌ فَتَمَّ بِالْإِتْلَافِ، وَبِالْجَهْلِ لَا يُعْذَرُ، وَالْعَادَةُ الْمُخَالِفَةُ لِلدِّيَانَةِ لَغْوٌ) ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ فَوْقَ مَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ.
(، وَالْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ إمَّا كَامِلٌ كَالْمِثْلِ صُورَةً، وَمَعْنًى
ــ
[التلويح]
دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّيْءِ، وَمِنْ وَصْفِ مَمْلُوكِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِحُرْمَةِ التَّصْرِيفِ فِيهِ عَلَى بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ، وَبِحِلِّهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْءُ مَعَ وَصْفِ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَالْكُلُّ يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ، وَعَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مُنَاقَشَةٌ لَا تَخْفَى، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُتَّصِفَةُ بِالْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِقَيْدِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَتَبَدُّلُ الْأَوْصَافِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ الذَّاتِ، وَقَدْ عَرَفْت الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَالْمُقَيَّدِ فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَدَاءِ الْقَاصِرِ) فَصَلَ هَذَا الْمِثَالَ عَنْ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ ذِكْرِ الْأَدَاءِ الَّذِي يُشْبِهُ الْقَضَاءَ اقْتِدَاءً بِفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ يَعْنِي: لَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إلَى مَالِكِهِ، وَأَبَاحَهُ أَكْلَهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الطَّعَامُ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ فَهُوَ أَدَاءٌ قَاصِرٌ يَبْرَأُ بِهِ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أُطْعِمَ الْمَغْصُوبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ مَا هُوَ مُتَّخَذٌ مِنْ الْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ لَحْمًا فَطَبَخَهُ لَا يَبْرَأُ، وَقُيِّدَ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْمَالِكِ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ أَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْعِمَهُ الْغَاصِبُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْغَاصِبَ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْهُ تَغْرِيرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ أَدَاءً مَأْمُورًا بِهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ تَغْرِيرٌ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْكُلُ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ فَوْقَ مَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ أَوْ الشَّرْعِ، وَحَاصِلُ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ صُورَةُ الْأَدَاءِ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ حَقِّهِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ مَعْنَى الْأَدَاءِ، وَهُوَ إيصَالُ حَقِّ الْمَالِكِ إلَيْهِ نَفْيًا لِلْغُرُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ أَدَاءً حَقِيقَةً، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ نُكْتَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ تَغْرِيرٌ، وَالتَّغْرِيرُ لَا يَكُونُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْأَدَاءُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي
وَإِمَّا قَاصِرٌ كَالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ أَوْ لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الصُّورَةِ قَدْ فَاتَ لِلْعَجْزِ فَبَقِيَ الْمَعْنَى فَلَا يَجِبُ الْقَاصِرُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَامِلِ فَفِي قَطْعِ الْيَدِ، ثُمَّ الْقَتْلِ خُيِّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْقَطْعِ، ثُمَّ الْقَتْلِ، وَهُوَ مِثْلٌ كَامِلٌ، وَبَيْنَ الْقَتْلِ فَقَطْ، وَهُوَ قَاصِرٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَصُّ بِالْقَطْعِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِ فَإِذَا أَفْضَى إلَيْهِ يَدْخُلُ مُوجِبُهُ فِي مُوجِبِ الْقَتْلِ) الْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ هُنَا مَا يَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ (إذْ الْقَتْلُ أَتَمَّ مُوجَبَ الْقَطْعِ) الْمُرَادُ
ــ
[التلويح]
الْمَلْزُومَاتِ، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْأَدَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَاصِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ.
(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْمَغْصُوبَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ أَصْلًا، وَوَضْعًا بِحَيْثُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ أَزَالَ يَدًا مُطْلَقَةً بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَمَا أَعَادَ إلَّا يَدَ الْإِبَاحَةِ، وَالْقَاصِرُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْكَامِلِ، قُلْنَا عَنْ تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْقُصُورِ فِيهِ فَقَدْ تَمَّ بِالْإِتْلَافِ كَمَا فِي أَدَاءِ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ فَإِنْ قِيلَ: جَهْلُ الْمِلْكِ بِهِ يُبْطِلُ الْأَدَاءَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ قُلْنَا: الْجَهْلُ عَارٌ، وَنَقِيصَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ الْمَالِكُ فِي إبْطَالِ مَا وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْمَالِكِ: أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ فَأَعْتَقَهُ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ عَادَةً مُخَالَفَةً لِلدِّيَانَةِ الْكَامِلَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَغْوًا لَا يُبْطِلُ الْأَدَاءَ
(قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ) قِيلَ: يَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا كَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ كَامِلٌ، وَبِالِانْفِرَادِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ لَا وَصْفُ الْجَمَاعَةِ فَالْقَضَاءُ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا إتْيَانٌ بِالْمِثْلِ الْكَامِلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ.
(قَوْلُهُ فَفِي قَطْعِ الْيَدِ ثُمَّ الْقَتْلِ) إمَّا أَنْ يَصْدُرَ عَنْ شَخْصٍ أَوْ شَخْصَيْنِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَا خَطَأَيْنِ أَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَفَاصِيلُ الْأَحْكَامِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ، وَالْقَاتِلُ شَخْصًا وَاحِدًا مُتَعَمِّدًا، وَيَكُونُ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا) لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَصُّ بِالْقَطْعِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِ إلَى الْقَتْلِ بِحُكْمِ النَّصِّ فَإِذَا أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ بِأَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا سَقَطَ حُكْمُ الْقَطْعِ فِي نَفْسِهِ وَصَارَ قَتْلًا، وَدَخَلَ مُوجِبُهُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي مُوجِبِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ أَتَمَّ الْأَثَرَ الثَّابِتَ بِالْقَطْعِ حِسًّا، وَحَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ السِّرَايَةِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ، ثُمَّ الْقَتْلُ جِنَايَةً وَاحِدَةً بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَتَلَهُ ضَرَبَاتٍ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ إلَّا الْقَتْلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِفْضَاءَ إلَى الْقَتْلِ بِمَنْزِلَةِ السِّرَايَةِ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجِبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ شَرْعًا، وَالثَّانِي حِسًّا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَعْيِينٌ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمُوجِبُ فِي
بِالْمُوجَبِ هُنَا الْأَثَرُ الْحَاصِلُ بِالْقَطْعِ فِي مَحَلِّهِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِضَرِبَاتٍ، قُلْنَا هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ أَنَّ الْقَتْلَ أَتَمَّ أَثَرَ الْقَطْعِ فَاتَّحَدَ الْجِنَايَةُ فَيَتَّحِدُ مُوجَبُهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ فِي جَزَاءِ الْفِعْلِ فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْقَتْلُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ مَا هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ (وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي جَزَاءِ الْمَحَلِّ) أَيْ إنَّمَا يَدْخُلُ ضَمَانُ الْجُزْءِ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ (كَمَا يَدْخُلُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ الشَّعْرِ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ (وَالْقَتْلُ قَدْ يَمْحُو أَثَرَ الْقَطْعِ كَمَا يُتِمُّ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] جَعَلَ الْقَتْلَ مَاحِيًا
ــ
[التلويح]
الْمَوْضِعَيْنِ لَا بَيَانُ اخْتِلَافِهِمَا بِالْمَفْهُومِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ قَدْ يَمْحُو أَثَرَ الْقَطْعِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَحَلَّ يَفُوتُ بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْمَامُ، وَالسِّرَايَةُ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْمِثْلُ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَالْخَلْفُ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْغَصْبُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ آخِرَ يَوْمٍ كَانَ مَوْجُودًا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَالْقَطْعُ
(قَوْلُهُ: فَلَا تُضْمَنُ الْمَنَافِعُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ) قَيَّدَ بِالْمُتَقَوِّمِ تَنْصِيصًا عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَهُوَ أَنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُضْمَنُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ، وَتَوْطِئَةً لِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَلَى سَلْبِ التَّقَوُّمِ عَنْ الْمَنَافِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَالًا أَوْ لَمْ تَكُنْ اقْتِصَارًا عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمُمَاثَلَةِ بِانْتِفَاءِ التَّقَوُّمِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدَّخَرَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَسْتَلْزِمُ الْمَالِيَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْمِلْكِيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعِنْدَهُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ بِأَنْ يَمْسِكَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مُدَّةً وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا، وَبِالْإِتْلَافِ بِأَنْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ، وَيَرْكَبَ الدَّابَّةَ، وَيَسْكُنَ الدَّارَ مَثَلًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ غَيْرُ بَاقٍ، وَغَيْرُ الْبَاقِي غَيْرُ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ هُوَ الصِّيَانَةُ، وَالِادِّخَارُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَقَاءِ لَا مَحَالَةَ.
وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ كَالصَّيْدِ، وَالْحَشِيشِ فَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تَكُونُ مِثْلًا لِلْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَا يَقْضِي إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ، وَعَلَى عَدَمِ بَقَاءِ الْإِعْرَاضِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْعِدَامَ الْأَلْوَانِ فِي كُلِّ آنٍ، وَتَجَدُّدُ أَمْثَالِهَا بِمَنْزِلَةِ انْعِدَامِ الْأَعْيَانِ، وَحُدُوثِ أَمْثَالِهَا فِي كُلِّ آنٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ سَفْسَطَةٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْحُكْمَ بِالْأَعْرَاضِ الْمُتَصَرِّمَةِ مِثْلَ الْمَنَافِعِ مَثَلًا، وَأَيْضًا لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: بَلْ التَّقَوُّمُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِيَّةِ، وَإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنَافِعِ إذْ بِهَا إقَامَةُ الْمَصَالِحِ، وَتَقْضِيَةُ الْحَوَائِجِ
أَثَرَ الْجُرْحِ فَهَذَا مَنْعٌ لِقَوْلِهِ إنَّ الْقَتْلَ أَتَمَّ أَثَرَ الْقَطْعِ (وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ) أَيْ الْقِصَاصُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِضَرَبَاتٍ (بِتِلْكَ الضَّرَبَاتِ إذْ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَإِذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ يَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الْكَامِلِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ.
(وَالْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالنَّفْسِ تُضْمَنُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَا يَجِبُ عِنْدَ احْتِمَالِ الْمِثَالِ الْمَعْقُولِ صُورَةً، وَمَعْنًى، وَهُوَ الْقِصَاصُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله) فَإِنَّ عِنْدَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَأَخْذِ الدِّيَةِ (وَإِنَّمَا شُرِعَ) أَيْ الْمَالُ (عِنْدَ عَدَمِ احْتِمَالِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (مِنْهُ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ، وَعَلَى الْقَتِيلِ بِأَنْ لَمْ يُهْدَرْ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَا لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ لَا يُقْضَى إلَّا بِنَصٍّ) قَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْآنَ نَذْكُرُهَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لِنُفَرِّعَ عَلَيْهَا فُرُوعَهَا.
(فَلَا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ إذْ لَا تُقَوَّمُ بِلَا إحْرَازٍ، وَلَا إحْرَازَ بِلَا بَقَاءٍ، وَلَا بَقَاءَ لِلْأَعْرَاضِ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُرَدُّ الْعَقْدُ
ــ
[التلويح]
لَا بِنَفْسِ الْأَمْوَالِ.
(قَوْلُهُ تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ ثَبَتَ بِالرِّضَى) مَنْعٌ لِقَوْلِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ مُتَقَوِّمًا فَإِنْ قُلْت فِيهِ تَسْلِيمٌ لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بِالْعَقْدِ بَلْ بِالرِّضَى قُلْت لَمَّا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى الرِّضَى كَانَ التَّقَوُّمُ بِالرِّضَى تَقَوُّمًا بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِ أَجْزَائِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ بِتَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي الْغَصْبِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقَوُّمِهَا فِي الْعَقْدِ، وَلَا إثْبَاتُ أَصْلِ الْمُدَّعَى، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْغَصْبِ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مُقَابَلَتِهَا بِهِ فِي الْعَقْدِ، أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِانْتِفَاءِ الْإِحْرَازِ فَلَا يَصِحُّ مَقِيسًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَهُوَ الرِّضَى فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي إيجَابِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يُقَالُ: كُلٌّ مِنْ الْمَانِعَيْنِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِبْطَالِ الثَّانِي بِوُجُودِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ هُوَ تَقَوُّمُ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لَا مُقَابَلَةُ غَيْرِ الْمَالِ بِالْمَالِ لِتَحَقُّقِ الِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ، وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالرِّضَى إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ اسْتِبْدَالِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ لَا فِي جَعْلِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ مُتَقَوِّمًا فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ بِمَانِعٍ.
(قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعْنًى لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ، وَالْمَالُ لَيْسَ مِثْلًا لَهُ صُورَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ، وَدَفْعِ هَلَاكِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى يَدِهِ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الْعَدَاوَةِ، وَفِي حَيَاةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، وَأَبْنَائِهِ حَيَاةٌ لِلْمَقْتُولِ، وَبَقَاءٌ لِذِكْرِهِ