الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَجَازِيًّا لِأَنَّ الْفَاعِلَ عِنْدَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ قَالَ الدَّهْرِيُّ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ فَقَدْ أَسْنَدَ الْفِعْلَ إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ عِنْدَهُ فَالْإِسْنَادُ حَقِيقِيٌّ مَعَ أَنَّ الرَّبِيعَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ فِي الْعَقْلِ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ كَمَا إذَا قَالَ رَجُلٌ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ مُرِيدًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ فَكَلَامُهُ حَقِيقِيَّةٌ مَعَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَالْمُرَادُ مِنْ الْفَاعِلِ عِنْدَهُ مَا يُرِيدُ إفْهَامَ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ فَاعِلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْمَلَ الْخَبَرَ الصَّادِقَ، وَالْكَاذِبَ.
(فَصْلٌ)
هَذَا الْفَصْلُ فِي أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكُتُبِ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ لَكِنِّي
ــ
[التلويح]
الضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَى الْفَاعِلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَازِ مِثْلُ أُفْعِمَ السَّيْلُ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ الْوَادِي لَا السَّيْلُ، وَمِثْلُ هُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ لِأَنَّ الْفَاعِلَ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُ الْعِيشَةِ، وَيَخْرُجُ مِثْلُ قَوْلِ الدَّهْرِيِّ، وَالْأَقْوَالُ الْكَاذِبَةُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى نَفْسِ الْفَاعِلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فِي الظَّاهِرِ لَا إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَيْدِ التَّأْوِيلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمُلَابَسَةُ احْتِرَازًا عَنْ مِثْلِ أَنْبَتَ الْخَرِيفُ الْبَقْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا مَجَازٍ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُلَابَسَاتِ الْفِعْلِ
[فَصْلٌ أَنْوَاعِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ الْعَلَاقَةِ، وَهُوَ اتِّصَالُ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْعُمْدَةُ فِيهَا الِاسْتِقْرَاءُ، وَيَرْتَقِي مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَضَبَطَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي خَمْسَةٍ الشَّكْلُ، وَالْوَصْفُ، وَالْكَوْنُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ إلَيْهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ، وَأَرَادَ بِالْمُجَاوَرَةِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ الْحُلُولِ، وَكَوْنِهِمَا فِي مَحَلٍّ، وَكَوْنِهِمَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي الْوُجُودِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْخَيَالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُصَنِّفُ فِي تِسْعَةٍ الْكَوْنُ، وَالْأَوَّلُ، وَالِاسْتِعْدَادُ، وَالْمُقَابَلَةُ، وَالْجُزْئِيَّةُ، وَالْحُلُولُ، وَالسَّبَبِيَّةُ، وَالشَّرْطِيَّةُ، وَالْوَصْفِيَّةُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ خَاصَّةً أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ الزَّمَانُ عَلَى زَمَانِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَهُوَ لِلْكَوْنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهُوَ الْأَوَّلُ إلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ حَاصِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً، وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ حَاصِلًا لَهُ بِالْقُوَّةِ فَهُوَ الِاسْتِعْدَادُ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ، وَاتِّصَالٌ فِي الْعَقْلِ بِوَجْهٍ مَا فَلَا عَلَاقَةَ، وَإِنْ كَانَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لُزُومًا فِي مُجَرَّدِ الذِّهْنِ، وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ أَوْ مُنْضَمًّا إلَى الْخَارِجِ، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ فَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ، وَالْكُلِّيَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ اللَّازِمُ صِفَةً لِلْمَلْزُومِ فَهُوَ الْوَصْفِيَّةُ أَعْنِي الْمُشَابَهَةَ، وَإِلَّا فَاللُّزُومُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَاصِلًا فِي الْآخَرِ، وَهُوَ الْحَالِيَّةُ، وَالْمَحَلِّيَّةُ أَوْ سَبَبًا لَهُ، وَهُوَ السَّبَبِيَّةُ، والمسببية أَوْ شَرْطًا لَهُ، وَهُوَ الشَّرْطِيَّةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا ضَبْطٌ، وَتَقْسِيمٌ عُرْفِيٌّ لَا حَصْرٌ، وَتَقْسِيمٌ عَقْلِيٌّ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ دَائِرًا بَيْنَ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّازِمُ صِفَةً لِلْمَلْزُومِ فَإِنْ
أَوْرَدْتهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، وَالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ.
(إذَا أُطْلِقَتْ لَفْظًا عَلَى مُسَمًّى) هَذَا يَشْمَلُ إطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى حَقِيقِيًّا أَوْ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، وَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى أَفْرَادِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْمَعْنَى، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَإِنْ أَرَدْت عَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَحَقِيقَةٌ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقِسْمَ، وَذَكَرَ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَهُوَ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ فَقَالَ (وَأَرَدْت غَيْرَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ إنْ حَصَلَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمُسَمَّى (بِالْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَمَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ) الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْأَزْمَانِ الزَّمَانُ الْمُغَايِرُ لِلزَّمَانِ الَّذِي وُضِعَ اللَّفْظُ لِلْحُصُولِ
ــ
[التلويح]
كَانَ أَحَدُهُمَا حَاصِلًا فِي الْآخَرِ فَهُوَ الْحُلُولُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَهُ فَهُوَ السَّبَبِيَّةُ، وَإِلَّا فَهُوَ الشَّرْطِيَّةُ، وَرُدَّ الْمَنْعُ عَلَى الْأَخِيرِ، وَسَتَسْمَعُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مَا عَلَى التَّقْسِيمِ مِنْ الْأَبْحَاثِ.
(قَوْلُهُ: إذَا أَطْلَقْت لَفْظًا عَلَى الْمُسَمَّى) مَدْلُولُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ يُسَمَّى مَعْنًى، وَمِنْ حَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ مَفْهُومًا، وَمِنْ حَيْثُ وُضِعَ لَهُ اسْمٌ مُسَمًّى إلَّا أَنَّ الْمَعْنَى قَدْ يُخَصُّ بِنَفْسِ الْمَفْهُومِ دُونَ الْأَفْرَادِ، وَالْمُسَمَّى يَعُمُّهُمَا فَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ زَيْدٍ، وَعَمْرٍو، وَبَكْرٍ مُسَمَّى الرَّجُلِ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَعْنَاهُ فَلِذَا قَالَ عَلَى مُسَمًّى، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى مَعْنًى، وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ مَعَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالنَّظَرِ.
(قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ حُصُولُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى الْمَجَازِيِّ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ عَلَى حَالِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ أَيْ زَمَانِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ، وَفِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حُصُولُهُ لَهُ فِي الزَّمَانِ اللَّاحِقِ، وَيُمْنَعُ فِيهِمَا حُصُولُهُ لَهُ فِي زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُسَمَّى مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَالتَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا امْتِنَاعُ حُصُولِهِ لَهُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ حُصُولُهُ لَهُ فِي حَالِ الْحُكْمِ أَيْ زَمَانِ إيقَاعِ النِّسْبَةِ، وَالتَّكَلُّمِ بِالْجُمْلَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الِاسْمَ فِي مِثْلِ قَتَلْت قَتِيلًا، وَعَصَرْت خَمْرًا مَجَازًا، وَإِنْ صَارَ الْمُسَمَّى فِي زَمَانِ الْأَخْبَارِ قَتِيلًا، وَخَمْرًا حَقِيقَةً، وَكَذَا فِي مِثْلِ {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] ، وَقْتَ الْبُلُوغِ هُوَ مَجَازٌ، وَإِنْ كَانُوا يَتَامَى حَقِيقَةً حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْأَمْرِ بِخِلَافِ قَوْلِنَا لَا تَشْرَبْ الْعَصِيرَ إذَا صَارَ خَمْرًا، وَأَكْرِمْ الرَّجُلَ الَّذِي خَلْفَهُ أَبُوهُ يَتِيمًا فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ لِكَوْنِهِ خَمْرًا عِنْدَ الْمَصِيرِ، وَيَتِيمًا عِنْدَ التَّخْلِيفِ فَلِذَا قُيِّدَ حُصُولُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى بِبَعْضِ الْأَزْمَانِ يَعْنِي الْبَعْضَ خَاصَّةً ثُمَّ قُيِّدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي الشَّرْحِ بِكَوْنِهِ مُغَايِرًا لِلزَّمَانِ الَّذِي وُضِعَ اللَّفْظُ لِلْحُصُولِ فِيهِ أَيْ كَانَ بِنَاءُ الْكَلَامِ وَوَضْعُهُ عَلَى حُصُولِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَشَرْحُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَجَازَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي الِاسْمِ فَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ نَفْسُ الْجُمْلَةِ، وَبِالزَّمَانِ زَمَانُ وُقُوعِ النِّسْبَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ وَضْعَ الْجُمْلَةِ
فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمَتْنِ بَعْضَ الْأَزْمَانِ بِهَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ تَقْدِيرُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ حَاصِلٌ لِذَلِكَ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْحُصُولِ عَيْنَ زَمَانٍ وُضِعَ اللَّفْظُ لِلْحُصُولِ فِيهِ كَانَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمُقَدَّرُ خِلَافُهُ فَهَذَا الْقَيْدُ مَفْرُوغٌ عَنْهُ (أَوْ بِالْقُوَّةِ فَمَجَازٌ بِالْقُوَّةِ كَالْمُسْكِرِ لِخَمْرٍ أُرِيقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ أَصْلًا) أَيْ لَا بِالْفِعْلِ، وَلَا بِالْقُوَّةِ.
(فَلَا بُدَّ وَأَنْ تُرِيدَ مَعْنًى لَازِمًا لِمَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ذِهْنًا) أَيْ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْوَضْعِيِّ، وَالْمُرَادُ الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَصَوُّرِهِ تَصَوُّرُهُ كَالْبَصِيرِ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَعْمَى، وَكَالْغَائِطِ إذَا أُطْلِقَ
ــ
[التلويح]
وَدَلَالَتَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ حَاصِلًا لِلْمُسَمَّى فِي حَالَةِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ فَفِي مِثْلِ {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] وَ {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وُضِعَ الْكَلَامُ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الْيَتِيمِ خَالِصَةً لَهُمْ، وَقْتَ إيتَاءِ الْأَمْوَالِ إيَّاهُمْ، وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ حَاصِلَةٌ لَهُ حَالَ الْعَصْرِ فَلَوْ حَصَلَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى وَضْعِ الْكَلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُصُولُ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ لِيَكُونَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ لَاحِقٌ لِيَكُونَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفِعْلِ فَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ نَفْسُ الْفِعْلِ، وَبِالزَّمَانِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ بِهَيْئَتِهِ فَإِذَا قُلْنَا يَكْتُبُ زَيْدٌ مَجَازًا عَنْ كَتَبَ زَيْدٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَمَعْنَى حُصُولِ مَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى أَنَّ مَعْنَى جَوْهَرِ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الْحَدَثُ حَاصِلٌ لِلْمُسَمَّى فِي زَمَانٍ سَابِقٍ عَلَى الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْفِعْلِ أَعْنِي الْحَالَ أَوْ الِاسْتِقْبَالَ إذْ لَوْ كَانَ حَاصِلًا لَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَكَانَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَإِذَا قُلْنَا كَتَبَ زَيْدٌ مَجَازًا عَنْ يَكْتُبُ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ فَمَعْنَى حُصُولِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى أَنَّ الْحَدَثَ حَاصِلٌ لَهُ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ بِهَيْئَتِهِ إذْ لَوْ كَانَ حَاصِلًا لَهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لَكَانَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا فَالزَّمَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَلِلْمُسَمَّى فِي الصُّورَتَيْنِ مُغَايِرٌ لِلزَّمَانِ الَّذِي وُضِعَ لَفْظُ الْفِعْلِ لِحُصُولِ الْحَدَثِ فِيهِ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِي الِاسْمِ نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَفِي الْفِعْلِ جَزَّأَهُ أَعْنِي الْحَدَثَ، وَبِالْمُسَمَّى الِاسْمُ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ الْمَدْلُولِ الْمَجَازِيِّ، وَفِي الْفِعْلِ الْفَاعِلُ إذْ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الْحَدَثُ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ أَوْ لَاحِقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُسَمَّى الَّذِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْمَجَازُ الَّذِي هُوَ لَفْظُ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا الْمَدْلُولُ الْمَجَازِيُّ هُوَ الْحَدَثُ الْمُقَارَنُ بِزَمَانٍ سَابِقٍ أَوْ لَاحِقٍ، وَلَا مَعْنَى لِحُصُولِ الْحَدَثِ لَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ التَّعْبِيرُ عَلَى الْمَاضِي بِالْمُضَارِعِ، وَعَكْسِهِ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ عَلَى تَشْبِيهِ غَيْرِ الْحَاصِلِ فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، وَتَشْبِيهِ الْمَاضِي
عَلَى الْحَدَثِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّازِمُ الذِّهْنِيُّ (إمَّا ذِهْنِيٌّ مَحْضٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ فِي الْخَارِجِ (كَتَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مُقَابِلِهِ) كَمَا يُطْلَقُ الْبَصِيرُ عَنْ الْأَعْمَى (أَوْ مُنْضَمٌّ إلَى الْعُرْفِيِّ) إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ فِي الْخَارِجِ أَيْضًا لَكِنْ بِحَسَبِ عَادَاتِ النَّاسِ كَالْغَائِطِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْعُرْفِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ حَصَلَ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْعُرْفِ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْمَحَلِّ إلَى الْحَالِ فَيَكُونُ ذِهْنِيًّا مُنْضَمًّا إلَى الْعُرْفِيِّ (أَوْ الْخَارِجِيِّ) أَيْ يَكُونُ الذِّهْنِيُّ مُنْضَمًّا إلَى الْخَارِجِيِّ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا لُزُومٌ فِي الْخَارِجِ لَا بِحَسَبِ عَادَاتِ النَّاسِ بَلْ بِحَسَبِ الْخِلْقَةِ فَصَارَ اللُّزُومُ الْخَارِجِيُّ قِسْمَيْنِ عُرْفِيًّا، وَخُلُقِيًّا فَسَمَّى الْأَوَّلَ عُرْفِيًّا، وَالثَّانِيَ خَارِجِيًّا.
(وَحِينَئِذٍ) أَيْ إذَا كَانَ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ مُنْضَمًّا إلَى الْعُرْفِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ.
(أَمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَبِالْعَكْسِ كَالْجَمْعِ لِلْوَاحِدِ) ، وَهُوَ نَظِيرُ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ.
(وَالرَّقَبَةُ لِلْعَبْدِ) ، وَهُوَ نَظِيرُ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (أَوْ خَارِجًا عَنْهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ جُزْءًا لِلْآخَرِ.
(وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ اللَّازِمُ صِفَةً لِلْمَلْزُومِ وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ (إمَّا بِحُصُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَإِمَّا بِالسَّبَبِيَّةِ
ــ
[التلويح]
بِالْحَاضِرِ فِي كَوْنِهِ نُصْبَ الْعَيْنِ، وَاجِبَ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ اسْتِعَارَةُ لَفْظِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ثُمَّ فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ حُصُولَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى فِي زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ بَلْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَهُ كَمَا فِي إطْلَاقِ الدَّابَّةِ عَلَى الْفَرَسِ مَجَازًا مَعَ دَوَامِ كَوْنِهِ مِمَّا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ الثَّانِي أَنَّ الْحُصُولَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ بَلْ يَكْفِي تَوَهُّمُ الْحُصُولِ كَمَا فِي عَصَرْت خَمْرًا فَأُرِيقَتْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ مَعَ عَدَمِ حُصُولِ حَقِيقَةِ الْخَمْرِ لِلْمُسَمَّى بِالْفِعْلِ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ، وَأَنْ تُرِيدَ مَعْنًى لَازِمًا) لِأَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْهُ الذِّهْنُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللُّزُومُ بِمَعْنَى امْتِنَاعِ الِانْفِكَاكِ فِي التَّصَوُّرِ كَالْبَصِيرِ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْمَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْبَصِيرِ تَصَوُّرُ الْأَعْمَى بَلْ بِالْعَكْسِ لَكِنْ قَدْ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى الْأَعْمَى بِاعْتِبَارِ الْمُقَابَلَةِ، وَكَذَا عَنْ الْغَائِطِ إلَى الْفَضَلَاتِ بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ فَفِي الْأَوَّلِ لُزُومٌ ذِهْنِيٌّ مَحْضٌ، وَفِي الثَّانِي مَعَ الْخَارِجِيِّ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لَيْسَ هُوَ اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى امْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَنْزِيلِ التَّقَابُلِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ بِوَاسِطَةِ تَلْمِيحٍ أَوْ تَهَكُّمٍ كَمَا فِي إطْلَاقِ الشُّجَاعِ عَلَى الْجَبَانِ أَوْ تَفَاؤُلٍ كَمَا فِي إطْلَاقِ الْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى أَوْ مُشَاكَلَةٍ كَمَا فِي إطْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى جَزَاءِ السَّيِّئَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ:
كَإِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ نَحْوُ عَيْنَا الْغَيْثِ) أَيْ النَّبْتِ (أَوْ بِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر: 13] ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْعَكْسَ أَيْضًا) أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر: 13] يَحْتَمِلُ إطْلَاقَ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ (لِأَنَّ الرِّزْقَ سَبَبٌ غَائِيٌّ لِلْمَطَرِ وَإِمَّا بِالشَّرْطِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ) هَذَا نَظِيرُ إطْلَاقِ اسْمِ الشُّرُوطِ عَلَى الْمُشْرَطِ.
(وَكَالْعِلْمِ عَلَى الْمَعْلُومِ) هَذَا نَظِيرُ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَيَكُونُ صِفَتَهُ، وَهُوَ الِاسْتِعَارَةُ، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ بَيِّنًا كَالْأَسَدِ يُرَادُ بِهِ لَازِمُهُ، وَهُوَ الشُّجَاعُ فَيُطْلَقُ عَلَى زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شُجَاعٌ، وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى إطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ، وَالْمَلْزُومُ أَصْلٌ، وَاللَّازِمُ فَرْعٌ فَإِذَا كَانَتْ الْأَصْلِيَّةُ، وَالْفَرْعِيَّةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَجْرِي الْمَجَازُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لَهَا، (وَكَالْجُزْءِ مَعَ الْكُلِّ فَإِنَّ الْجُزْءَ تَبَعُ لِلْكُلِّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْكُلِّ فَإِنَّ الْجُزْءَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ بِتَبَعِيَّةِ الْكُلِّ فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظُ، وَيُرَادُ بِهِ جُزْءُ الْمَوْضُوعِ لَهُ.
(وَالْكُلُّ مُحْتَاجٌ إلَى الْجُزْءِ) فَيَكُونُ الْجُزْءُ أَصْلًا فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْكُلُّ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْجُزْءِ فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مُطَّرِدٌ وَعَكْسُهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بَلْ يَجُوزُ فِي صُورَةٍ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءُ الْكُلَّ كَالرَّقَبَةِ، وَالرَّأْسِ مَثَلًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ، وَالرَّقَبَةِ، وَأَمَّا إطْلَاقُ الْيَدِ، وَإِرَادَةُ الْإِنْسَانِ فَلَا يَجُوزُ.
(وَكَالْمَحَلِّ فَإِنَّهُ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَالِّ) لِاحْتِيَاجِ الْحَالِّ إلَى الْمَحَلِّ.
(وَأَيْضًا عَلَى الْعَكْسِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحَالَّ)
ــ
[التلويح]
أَوْ خَارِجًا عَنْهُ) مَعْنَاهُ أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَارِجًا عَنْ الْآخَرِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا خَارِجًا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يُنَافِ كَوْنَ أَحَدِهِمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ، وَلَمْ يُقَابِلْهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ كَانَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْكُلُّ خَارِجًا عَنْ الْآخَرِ، وَهُوَ الْجُزْءُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ صِفَتَهُ) أَيْ اللَّازِمِ صِفَةَ الْمَلْزُومِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ اللَّازِمُ صِفَةً لِلْمَلْزُومِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَجَازِ يُسَمَّى اسْتِعَارَةً فَإِنْ قُلْت قَدْ جَعَلَ أَنْوَاعَ الْعَلَاقَاتِ مُتَقَابِلَةً مُتَبَايِنَةً حَتَّى اشْتَرَطَ فِي الِاسْتِعَارَةِ مَثَلًا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءًا لِلْآخَرِ، وَفِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِيَّةِ، وَنَحْوِهَا أَنْ لَا يَكُونَ وَصْفًا لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْعِرُ بِهِ التَّقْسِيمُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي اجْتِمَاعِ الْعَلَاقَاتِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ مَثَلًا إطْلَاقُ الْمُشَفَّرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً عَلَى قَصْدِ التَّشْبِيهِ فِي الْغِلَظِ، وَأَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَعْنِي الْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى قُلْت كَأَنَّهُ قَصَدَ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ، وَأَرَادَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ أَوْ وَصْفًا لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت فَالِاسْتِعَارَةُ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ جَامِعٍ دَاخِلٍ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ شَكْلٍ لَهُمَا فَكَيْفَ حُصِرَ الْجَامِعُ فِي الْوَصْفِيَّةِ قُلْت أَرَادَ أَنَّ اللَّازِمَ، وَهُوَ مَا حَصَلَ لَهُ الْجَامِعُ
كَالْمَاءِ، وَالْكُوزِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُوزِ الْمَاءُ، وَالْمُرَادَ بِالْحُلُولِ الْحُصُولُ فِيهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ
ــ
[التلويح]
وَصْفٌ لِلْمَلْزُومِ أَعْنِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَامِعِ جُزْءًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ شَكْلًا لَهُمَا فَإِنْ قِيلَ فَاللَّازِمُ أَعْنِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مِثْلِ رَأَيْت فِي الْحَمَّامِ أَسَدًا هُوَ زَيْدٌ الشُّجَاعُ مَثَلًا، وَهُوَ لَيْسَ بِوَصْفِ الْمَلْزُومِ أَعْنِي الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَدِ لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ الشُّجَاعُ، وَهُوَ وَصْفٌ لَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ عَلَى زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الشُّجَاعِ كَمَا إذَا قُلْت رَأَيْت شُجَاعًا، وَهَاهُنَا بُحِثَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّازِمَ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْأَسَدِ مَجَازًا إنْ كَانَ هُوَ الْإِنْسَانَ الشُّجَاعَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِلْمَلْزُومِ أَعْنِي الْأَسَدَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الشُّجَاعَ مُطْلَقًا أَعَمَّ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَالْأَسَدِ، وَغَيْرِهِمَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشَبَّهٍ بِالْأَسَدِ، وَإِنَّمَا الْمُشَبَّهُ هُوَ الْإِنْسَانُ الشُّجَاعُ خَاصَّةً فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمَجَازُ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَا يَحْصُلُ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَصْلًا ضَرُورَةَ أَنَّ مَعْنَى الْأَسَدِ حَاصِلٌ لِذَاتٍ لَهَا الشَّجَاعَةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ يُطْلَبُ مِنْ شَرْحِنَا لِلتَّلْخِيصِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَرَفْت) يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِمَّا يُصَحِّحُ الْمَجَازَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبَعْضَهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَعْنَى اللُّزُومِ هَاهُنَا الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ لَا امْتِنَاعُ الِانْفِكَاكِ فَالْمَلْزُومُ أَصْلٌ، وَمَتْبُوعٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مِنْهُ الِانْتِقَالَ، وَاللَّازِمُ فَرْعٌ، وَتَابِعٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إلَيْهِ الِانْتِقَالَ فَإِنْ كَانَ اتِّصَالُ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ فَرْعًا مِنْ وَجْهٍ جَازَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ مَجَازًا وَإِلَّا جَازَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ دُونَ الْعَكْسِ فَالْعِلَّةُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِ الْمَعْلُولِ إلَيْهِ، وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْلُولُ الْمَقْصُودُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ. وَالْغَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُولَةً لِلْفَاعِلِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا فِي الذِّهْنِ عِلَّةٌ لِفَاعِلِيَّتِهِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا قَالُوا الْأَحْكَامُ عِلَلٌ مَآلِيَّةٌ، وَالْأَسْبَابُ عِلَلٌ آلِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْأَحْكَامِ دُونَ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ دُونَ السَّبَبِ مَعَ الْمُسَبِّبِ كَمَا فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ لِأَنَّ مِنْ السَّبَبِ مَا هُوَ سَبَبٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالْمُسَبِّبُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا كَمَا سَيَجِيءُ، وَالْكُلُّ أَصْلٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْجُزْءُ فِي الْحُصُولِ مِنْ اللَّفْظِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ الْكُلِّ بِوَاسِطَةِ أَنَّ فَهْمَ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّضَمُّنُ تَابِعٌ لِلْمُطَابَقَةِ، وَالتَّبَعِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تُنَافِي كَوْنَ فَهْمِ الْجُزْءِ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْكُلِّ، وَالْجُزْءُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ احْتِيَاجِ الْكُلِّ إلَيْهِ فِي الْوُجُودِ، وَالتَّعَقُّلِ، وَفِي هَذَا تَسْلِيمُ مَا مَنَعَهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مِنْ اطِّرَادِ تَعْرِيفِ الْأَصْلِ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت لَمَّا كَانَ فَهْمُ
حُلُولِ الْعَرْضِ فِي الْجَوْهَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّصَالَاتِ الْمَذْكُورَةَ إذَا وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ تَصْلُحُ عَلَاقَةً لِلْمَجَازِ أَيْضًا (كَالِاتِّصَالِ فِي الْمَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شُرِعَ يَصْلُحُ عَلَاقَةً لِلِاسْتِعَارَةِ)
ــ
[التلويح]
الْجُزْءِ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْكُلِّ لَمْ يَكُنْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ بَلْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَكُونُ الْكُلُّ مَلْزُومًا، وَالْجُزْءُ لَازِمًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْسِيرِ قُلْت لَيْسَ مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ اللَّازِمِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فِي الْوُجُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِي الذِّهْنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُزْءِ مُتَحَقِّقٌ بِصِفَةِ الدَّوَامِ، وَالْوُجُوبِ فَإِنْ قِيلَ احْتِيَاجُ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ ضَرُورِيٌّ مُطَّرِدٌ، وَالْمَجْمُوعُ الَّذِي يَكُونُ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ جُزْءًا مِنْهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِمَا ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ جَوَازِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ بِأَنْ يَسْتَلْزِمَ الْجُزْءَ لِلْكُلِّ كَالرَّقَبَةِ، وَالرَّأْسِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا بِخِلَافِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ قُلْنَا هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ حَيْثُ يُقَالُ لِلشَّخْصِ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرُهُ فَاعْتُبِرَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَوْجُودًا بِدُونِهِ.
وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّقِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ رَقِيبًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ كَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ عَلَى التُّرْجُمَانِ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى اسْتِلْزَامِ الْجُزْءِ الْكُلَّ يَقْتَضِي كَوْنَ الْجُزْءِ مَلْزُومًا، وَالْكُلِّ لَازِمًا، وَعَدَمُ وُجْدَانِ الْإِنْسَانِ بِدُونِ الرَّأْسِ أَوْ الرَّقَبَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُزْءَ لَازِمٌ، وَالْكُلَّ مَلْزُومٌ إذْ الْمُلْزَمُ هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِدُونِ اللَّازِمِ قُلْنَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّا لَا نُرِيدُ بِالْمُسْتَلْزِمِ، وَاللَّازِمِ مُصْطَلَحَ أَهْلِ الْجَدَلِ بَلْ مُصْطَلَحُ أَهْلِ الْحِكْمَةِ، وَالْبَيَانِ، وَهُمْ يَعْنُونَ بِالْمُسْتَلْزِمِ الْمُسْتَتْبَعِ، وَاللَّازِمُ مَا يَتْبَعُهُ فَالْحُكَمَاءُ يَجْعَلُونَ خَوَاصَّ الْمَاهِيَّةِ لَوَازِمَهَا لَا مَلْزُومَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِ الْمَاهِيَّةِ، وَالْمَاهِيَّةُ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِهَا، وَعُلَمَاءُ الْبَيَانِ يَجْعَلُونَ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَمَبْنَى الْكِنَايَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ اللَّازِمِ إلَى الْمَلْزُومِ، وَيَعْنُونَ بِاللَّازِمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ، وَالرَّدِيفِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَالرَّأْسِ مَلْزُومٌ، وَأَصْلٌ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَيَتْبَعُهُ فِي الْوُجُودِ. وَفِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ مُصْطَلَحَ أَهْلِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ يَقْسِمُونَ الْخَاصَّةَ إلَى لَازِمَةٍ، وَغَيْرِ لَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُونَ اللَّوَازِمَ عَلَى مَا يَكُونُ مُقْتَضَى الْمَاهِيَّةِ، وَيَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنْهَا لَا يُقَالُ كُلُّ مَلْزُومٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى لَازِمِهِ فَيَكُونُ اللَّازِمُ أَصْلًا لَهُ، وَمَلْزُومًا بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَرَيَانُ الْأَصَالَةِ، وَالتَّبَعِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِ الْمَجَازِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ أُرِيدَ بِاللَّازِمِ مَا يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنْ الشَّيْءِ حَتَّى يَحْتَاجَ الشَّيْءُ إلَيْهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْحُلُولِ) الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فِي حُلُولِ
أَيْ يَنْظُرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ شُرِعَتْ فَالْبَيْعُ عَقْدٌ شُرِعَ لِتَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْإِجَارَةُ شُرِعَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَالِ فَإِذَا حَصَلَ اشْتِرَاكُ التَّصَرُّفَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَصِحُّ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ.
(كَالْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِخْلَافٌ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا حَصَلَ الْفَرَاغُ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ كَالتَّجْهِيزِ، وَالدَّيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا يُشْتَرَطُ لِلِاسْتِعَارَةِ فِي غَيْرِ الشَّرْعِيَّاتِ اللَّازِمُ الْبَيِّنُ فَكَذَلِكَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، وَاللَّازِمُ الْبَيِّنُ لِلتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْمَعْنَى الْخَارِجُ عَنْ مَفْهُومِهَا الصَّادِقِ عَلَيْهَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهَا تَصَوُّرُهُ.
(وَكَالسَّبَبِيَّةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالِاتِّصَالِ فِي الْمَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَنِكَاحِهِ عليه السلام انْعَقَدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْهِبَةَ وُضِعَتْ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالنِّكَاحُ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَذَلِكَ أَيْ مِلْكُ الرَّقَبَةِ (سَبَبٌ لِهَذَا) أَيْ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَأُطْلِقَ اللَّفْظُ الَّذِي وُضِعَ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَأُرِيدَ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ (وَكَذَا نِكَاحُ غَيْرِهِ عِنْدَنَا) أَيْ نِكَاحُ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ حُرَّةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً تَثْبُتُ الْهِبَةُ عِنْدَنَا.
(وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
ــ
[التلويح]
الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ اخْتِصَاصُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْأَوَّلُ نَاعِتًا، وَالثَّانِي مَنْعُوتًا كَحُلُولِ الْعَرَضِ فِي الْجَوْهَرِ، وَالصُّورَةِ فِي الْمَادَّةِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّا لَا نَعْنِي بِالْحَالِّ، وَالْمَحَلِّ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ مَعْنَى الْحُلُولِ حُصُولُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ الْعَرَضِ فِي الْجَوْهَرِ أَوْ الصُّورَةِ فِي الْمَادَّةِ أَوْ الْجِسْمِ فِي الْمَكَانِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَحُصُولِ الرَّحْمَةِ فِي الْجَنَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّصَالَاتِ) يَعْنِي كَمَا يَجُوزُ الْمَجَازُ فِي الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ مَعَانِيهَا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا وُجِدَ بَيْنَ مَعَانِيهَا نَوْعٌ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ بِأَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَانِ شَرْعِيَّانِ يَشْتَرِكَانِ فِي وَصْفٍ لَازِمٍ بَيِّنٍ أَوْ يَكُونَ مَعْنَى أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِمَعْنَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِي أَفْرَادِ الْمَجَازَاتِ فَيَجُوزُ الْمَجَازُ سَوَاءٌ كَانَ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ خَبَرًا أَوْ إنْشَاءً فِي التَّمْثِيلِ بِالِاتِّصَالِ فِي الْمَعْنَى الْمَشْرُوعِ، وَبِالسَّبَبِيَّةِ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَغَيْرُهُ مِنْ ضَبْطِ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ بِأَنَّهَا اتِّصَالٌ صُورَةً كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْمَطَرِ أَوْ مَعْنًى كَمَا بَيْنَ الْأَسَدِ، وَالرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَّصِلَانِ مِنْ جِهَةِ الذَّاتِ، وَالصُّورَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعْنَى الشَّجَاعَةِ، وَعَبَّرَ عَنْ عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ بِالِاتِّصَالِ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شَرَعَ لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ اتِّفَاقٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَالصِّفَةِ.
1 -
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْهِبَةَ وُضِعَتْ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ) يَعْنِي أَنَّهَا عَقْدٌ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ لِأَجْلِ حُصُولِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً تَثْبُتُ الْهِبَةُ) فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْهِبَةِ لَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ، وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ مِنْهَا الْهِبَةَ إذْ لَوْ طَلَبَ مِنْهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك، وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا.
وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُتَعَيِّنٌ لِهَذَا الْمَجَازِ لِنُبُوِّهِ عَنْ قَبُولِ الْحَقِيقَةِ
- رحمه الله لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ شُرِعَ لِمَصَالِحَ لَا تُحْصَى) كَالنَّسَبِ، وَعَدَمِ انْقِطَاعِ النَّسْلِ، وَالِاجْتِنَابِ عَنْ السِّفَاحِ، وَتَحْصِيلِ الْإِحْصَانِ، وَالِائْتِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَاسْتِمْدَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْمَعِيشَةِ بِالْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ، وَغَيْرُ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَيْ غَيْرُ لَفْظِ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ قَاصِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَذْكُورَةِ قُلْنَا الْخُلُوصُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمَهْرِ أَيْ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ مَخْصُوصَةً لَك أَمَّا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ عليه السلام فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ، وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّا حَلَّلْنَا لَك أَزْوَاجَك حَالَ كَوْنهَا خَالِصَةً لَك أَيْ لَا تَحِلُّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ عليه السلام لِأَحَدٍ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] (لَا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَجَازَ لَا يَخْتَصُّ بِحَضْرَةِ الرِّسَالَةِ، وَأَيْضًا تِلْكَ الْأُمُورُ) أَيْ الْمَصَالِحُ الْمَذْكُورَةُ (ثَمَرَاتٌ، وَفُرُوعٌ، وَمَبْنَى النِّكَاحِ لِلْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهَا) أَيْ لِلزَّوْجِ عَنْ الزَّوْجَةِ (حَتَّى لَزِمَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ بِيَدِهِ إذْ هُوَ الْمَالِكُ) أَيْ لَوْ كَانَ وَضْعُهُ لِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا لَمَّا كَانَ الْمَهْرُ وَاجِبًا لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ مَا كَانَ الطَّلَاقُ بِيَدِ الزَّوْجِ خَاصَّةً فَإِذَا
ــ
[التلويح]
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ بِأَلْفَاظِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِصَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ لِلْوَصْفِ بِالْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مُنْضَمًّا إلَى مَصَالِحَ أُخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِثْلُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَالْمَهْرِ، وَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ، وَتَحْصِينِ الدَّيْنِ، وَلَفْظُ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ وَافٍ بِالدَّلَالَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَصَالِحِ لِكَوْنِهِ مُنْبِئًا عَنْ الضَّمِّ، وَالِاتِّحَادِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، وَعَنْ الِازْدِوَاجِ، وَالتَّلْفِيقِ عَلَى وَجْهِ الِاتِّحَادِ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ، وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ) أَيْ لَا يَجِبُ فِي الْأَعْلَامِ رِعَايَةُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَلْزَمَ فِي لَفْظِ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ رِعَايَةُ الْخُلُوِّ عَنْ مَعْنَى الْمِلْكِ فَيَمْتَنِعُ جَعْلُهُمَا عَلَمَيْنِ لِلْعَقْدِ الْمَوْضُوعِ فِي الشَّرْعِ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ خُلُوُّ مَعْنَاهُمَا عَنْ مَعْنَى الْمِلْكِ هُوَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِمَا عَلَى الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ فَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِازْدِوَاجِ، وَالتَّلْفِيقِ مُعْتَبَرًا فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اعْتِبَارَ الْمَعْنَى فِي الْوَضْعِ الثَّانِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا التَّلْفِيقُ، وَالِازْدِوَاجُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْمِلْكِ أَوْ بِدُونِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَمْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَقْدِ الْمَخْصُوصِ بَلْ اُعْتُبِرَ الْمِلْكُ قَطْعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْأَعْلَامِ رِعَايَةُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِحَيْثُ يَكُونُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَعْنَى الْعِلْمِيُّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ زِيَادَةُ خُصُوصٍ لَا تُوجَدُ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) لِأَنَّهُ مِثْلُ الْهِبَةِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِلُزُومِ الْعِوَضِ فَيَكُونُ أَنْسَبَ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ، وَكَذَا الْإِبَاحَةُ، وَالْإِحْلَالُ، وَالتَّمَتُّعُ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ حَتَّى
كَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ، وَالطَّلَاقُ بِيَدِهِ عُلِمَ أَنَّ وَضْعَ النِّكَاحِ لِلْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهَا.
(وَإِذَا صَحَّ بِلَفْظَيْنِ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْمِلْكِ لُغَةً فَأَوْلَى) أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهِمَا أَيْ بِلَفْظِ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ (لِأَنَّهُمَا صَارَا عِلْمَيْنِ لِهَذَا الْعَقْدِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا قُلْت إنَّ النِّكَاحَ، وَالتَّزْوِيجَ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْمِلْكِ لُغَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ بِهِمَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا صَارَا عَلَمَيْنِ لِهَذَا الْعَقْدِ أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ فِي كَوْنِهِمَا لَفْظَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ لِهَذَا الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ فِي الْإِعْلَامِ رِعَايَةُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(وَكَذَا يَنْعَقِدُ) أَيْ النِّكَاحُ (بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمَّا قُلْنَا) مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ فَإِنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَيُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، (وَكَذَا نِكَاحُ غَيْرِهِ عِنْدَنَا) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعَكْسُ أَيْضًا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إطْلَاقُ اسْمِ النِّكَاحِ إرَادَةُ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ بِطَرِيقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَإِنَّ النِّكَاحَ وُضِعَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَيُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ.
(قُلْنَا إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ إنَّمَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ (إذَا كَانَ) أَيْ السَّبَبُ (عِلَّةً شُرِعَتْ لِلْحُكْمِ) أَيْ لِذَلِكَ الْمُسَبِّبِ أَيْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ السَّبَبِ ذَلِكَ الْمُسَبِّبَ.
(كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ مَثَلًا فَإِنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ كَالْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ فَإِنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فَشَرَاهُ مُتَفَرِّقًا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي لَا فِي الْأَوَّلِ) رَجُلٌ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ لَا يُعْتَقُ هَذَا النِّصْفُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مِلْكُ
ــ
[التلويح]
أَنَّ مَنْ أَبَاحَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ إنَّمَا يَبْتَلِعُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهَا بَلْ تُوجِبُ الْخِلَافَةَ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْهِبَةُ تُوجِبُ إضَافَةَ الْمِلْكِ لَكِنْ لِضَعْفِ السَّبَبِ بِاعْتِبَارِ تَعَرِّيهِ عَنْ الْعِوَضِ يَتَأَخَّرُ الْمِلْكُ إلَى أَنْ يَتَقَوَّى بِالْقَبْضِ، وَلَا يَبْقَى ذَلِكَ الضَّعْفُ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَجِبُ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ عَيْنٌ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَتُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَ حُكْمَيْ الْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ كَافٍ فِي الْمَجَازِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا اعْتَبَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ أَيْضًا أَعْنِي أَلْفَاظَ التَّمْلِيكِ، وَأَلْفَاظَ النِّكَاحِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِوَاسِطَةٍ، وَالْآخَرَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ) تَفْرِيعٌ وَتَمْثِيلٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ السَّبَبُ عِلَّةً مَشْرُوعَةً لِلْحُكْمِ، وَالْمُسَبِّبُ حُكْمًا مَقْصُودًا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِيَّةِ، وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي عَبْدٍ مُنْكَرٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ أَوْ اشْتَرَيْته يُعْتَقُ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي فَصْلِ الْمِلْكِ أَيْضًا لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَيَلْغُو فِي الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا بِنَاءٌ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ مَلَكْت أَوْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فِي مَعْنَى أَنْ
الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بَعْدَ اشْتِرَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ لَا يُوصَفُ بِمِلْكِ الْعَبْدِ، وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَشَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ يُعْتَقُ هَذَا النِّصْفُ لِأَنَّهُ بَعْدَ اشْتِرَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ يُوصَفُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ، وَيُقَالُ عُرْفًا إنَّهُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الصِّفَاتِ الْمُشْتَقَّةِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ، وَاسْمِ الْمَفْعُولِ، وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ فِي حَالِ قِيَامِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمَوْصُوفِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ صَارَ هَذَا الْمَجَازُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَلَفْظُ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الشِّرَاءِ يُسَمَّى مُشْتَرِيًا عُرْفًا فَصَارَ مَنْقُولًا عُرْفِيًّا أَمَّا لَفْظُ الْمَالِكِ فَلَا يُطْلَقُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عُرْفًا فَفِي قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت يُرَادُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَفِي قَوْلِهِ: إنْ اشْتَرَيْت يُرَادُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ، وَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ الْمَقْصُودُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَأْتِي، وَهُوَ قَوْلُهُ.
(فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِأَحَدِهِمَا الْآخَرَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ) يَعْنِي فِي صُورَةِ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ إنْ قَالَ عَنَيْت بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَقَضَاءً لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعْتَقُ فِي قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت، وَيُعْتَقُ فِي قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ عَنَى مَا هُوَ أَغْلَظُ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ اشْتَرَيْت إنْ قَالَ عَنَيْت بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ أَرَادَ تَخْفِيفًا.
(أَمَّا إذَا كَانَ سَبَبًا مَحْضًا) هَذَا الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ عِلَّةً (فَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ (عَلَى مَا قُلْنَا) ، وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْأَصْلِيَّةُ، وَالْفَرْعِيَّةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَجْرِي الْمَجَازُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ قَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَصْلِيَّةُ، وَالْفَرْعِيَّةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا يَجْرِي الْمَجَازُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ
ــ
[التلويح]
اتَّصَفَ بَكَوْنِي مَالِكًا أَوْ مُشْتَرِيًا لِمَجْمُوعِ عَبْدٍ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ، وَنَحْوُهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُشْتَقَّةِ حَقِيقَةً حَالَ قِيَامِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ بِالْمَوْصُوفِ كَالضَّارِبِ لِمَنْ هُوَ فِي صَدَدِ الضَّرْبِ مَجَازٌ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَزَوَالِهِ عَنْ الْمَوْصُوفِ كَالضَّارِبِ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ الضَّرْبُ، وَانْقَضَى، وَقِيلَ بَلْ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ كَالْمُتَحَرِّكِ، وَالْمُتَكَلِّمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَحَقِيقَةٌ، وَإِلَّا فَمَجَازٌ.
وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الْمَعْنَى بِهِ كَالضَّارِبِ لِمَنْ لَمْ يَضْرِبْ، وَلَا يَضْرِبُ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ سَيَضْرِبُ فَمُجَاوِزٌ اتِّفَاقًا فَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ لِلنِّصْفِ الْأَوَّلِ عِنْدَ قِيَامِ مِلْكِ النِّصْفِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَبْدِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِيًا لُغَةً عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا أَنَّهُ غَلَبَ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَعْنِي مَنْ قَامَ بِهِ الشِّرَاءُ حَالًا أَوْ مَاضِيًا فَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.
(قَوْلُهُ: صُدِّقَ دِيَانَةً) أَيْ لَوْ اسْتَفْتَى الْمُفْتِي يُجِيبُهُ عَلَى وَفْقِ مَا نَوَى لَا قَضَاءً أَيْ لَوْ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ كَلَامِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا نَوَى لِمَكَانِ التُّهْمَةِ لَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ) ، وَهُوَ
وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ الْمَحْضِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ لِأَجْلِهِ كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذْ لَيْسَ شَرْعِيَّتُهُ لِأَجْلِ حُصُولِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مَشْرُوعٌ مَعَ امْتِنَاعِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَنَحْوِهِمَا (فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ.
(فَإِنَّ الْعِتْقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالطَّلَاقِ، لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَتِلْكَ الْإِزَالَةُ سَبَبٌ لِهَذِهِ) أَيْ إزَالَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ إذْ هِيَ تُفْضِي إلَيْهَا، (وَلَيْسَتْ هَذِهِ) أَيْ إزَالَةُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ.
(مَقْصُودَةً مِنْهَا) أَيْ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) لِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَبِّبُ مَقْصُودًا مِنْ السَّبَبِ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ.
(وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِعَارَةِ مِنْ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا إسْقَاطٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَاللُّزُومِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ إمَّا إثْبَاتَاتٌ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَنَحْوِهَا وَإِمَّا إسْقَاطَاتٌ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَنَحْوِهَا فَإِنَّ فِيهَا إسْقَاطَ الْحَقِّ، وَالْمُرَادُ بِالسِّرَايَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْكُلِّ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ فِي الْبَعْضِ، وَبِاللُّزُومِ عَدَمُ قَبُولِ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا.
(لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِكُلِّ، وَصْفٍ بَلْ بِمَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شَرَعَ، وَلَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا فِيهِ) أَيْ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ، وَالطَّلَاقِ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شُرِعَ (لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَالْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) فَإِنَّ فِي الْمَنْقُولَاتِ اُعْتُبِرَتْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ، وَمَعْنَى الْعِتْقِ لُغَةً الْقُوَّةُ يُقَالُ عَتَقَ الطَّائِرُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ، وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ، وَقَوِيَتْ فَنَقَلَهُ الشَّرْعُ إلَى الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ.
(فَإِنْ
ــ
[التلويح]
أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ سَبَبًا مَحْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمُسَبِّبِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِتْقَ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفُ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ لِغَرَضِ إزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُنَافِيًا لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ لَا إزَالَةُ الْمِلْكِ فَإِنْ قِيلَ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَجَازِ هُوَ السَّبَبِيَّةُ، والمسببية بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ لِيَكُونَ إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ مَثَلًا، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْنَا قَدْ يُقَامُ الْغَرَضُ مِنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَقَامَهُ، وَيَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ فِي مُسَبِّبِهِ مَجَازًا كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ الْمَوْضُوعِينَ لِغَرَضِ إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَصِحُّ بِكُلِّ وَصْفٍ لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ اسْتِعَارَةِ السَّمَاءِ لِلْأَرْضِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَالْحُدُوثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفٍ مَشْهُورٍ لَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِالْمُسْتَعَارِ
قِيلَ الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةٍ تَجْزِي الْإِعْتَاقَ.
(وَالطَّلَاقُ إثْبَاتُ الْقَيْدِ فَوُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ) الْمُجَوِّزَةُ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا.
(قُلْنَا نَعَمْ) يَعْنِي أَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةٍ تَجْزِي الْإِعْتَاقَ (لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّ التَّصَرُّفَ الصَّادِرَ مِنْ الْمَالِكِ هِيَ أَيْ إزَالَةُ الْمِلْكِ) لَا بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَالْمُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ يُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ، وَضَعَهُ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الشَّرْعِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْنَدَ إلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ مَا أَثْبَتَ قُوَّةً فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (فَيُسْنَدُ إلَى الْمَالِكِ مَجَازًا لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ سَبَبُهُ، وَهُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ) فَيَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْإِسْنَادِ كَمَا فِي أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ (أَوْ يُطْلَقُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (عَلَيْهَا) أَيْ إزَالَةِ الْمِلْكِ (مَجَازًا) بِقَوْلِهِ أَعْتَقَ فُلَانٌ عَبْدَهُ مَعْنَاهُ أَزَالَ مِلْكَهُ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ فَقَوْلُهُ أَوْ يُطْلَقُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُسْنَدُ.
(فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مَجَازًا) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَجَازًا أَيْ لَيْسَ إطْلَاقُ الْإِعْتَاقِ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ
ــ
[التلويح]
مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْوَاجِبِ رِعَايَتُهُ عِنْدَ اسْتِعَارَةِ الْأَلْفَاظِ الْمَنْقُولَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلطَّلَاقِ مُنْبِئٌ عَنْ إزَالَةِ الْحَبْسِ، وَرَفْعِ الْقَيْدِ يُقَالُ أَطْلَقْت الْمَسْجُونَ خَلَّيْتُهُ، وَأَطْلَقْت الْبَعِيرَ عَنْ عِقَالِهِ، وَالْأَسِيرَ عَنْ إسَارِهِ فَنُقِلَ إلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بِهِ قَدْ صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مُقَيَّدَةً شَرْعًا لَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ، وَالْبُرُوزُ بِلَا إذْنِهِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلْعَتَاقِ مُنْبِئٌ عَنْ الْقُوَّةِ، وَالْغَلَبَةِ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ، وَكْرِهِ، وَعَتَاقُ الطَّيْرِ كَوَاسِبُهَا جَمْعُ عَتِيقٍ لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ فِيهَا فَنُقِلَ فِي الشَّرْعِ إلَى إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا تَشَابُهَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي شُرِعَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مَعْنَى الْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا صَحَّ إسْنَادُهُ إلَى الْمَالِكِ فِي مِثْلِ أَعْتَقَ فُلَانٌ عَبْدَهُ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إثْبَاتُ تِلْكَ الْقُوَّةِ بَلْ مُجَرَّدُ إزَالَةِ الْمِلْكِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ حَيْثُ أُسْنِدَ الْفِعْلُ إلَى السَّبَبِ الْبَعِيدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف: 27] فَإِنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ فَاعِلِيٌّ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، وَهِيَ سَبَبٌ لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ لَا يُقَالُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ فِي الشَّرْعِ لِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ الشَّرْعِيَّةَ غَيْرُ مَعْزُولَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْمَعَانِي الْإِخْبَارِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الِاقْتِضَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُسْنَدِ حَيْثُ أُطْلِقَ الْإِعْتَاقُ الْمَوْضُوعُ لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ عَلَى سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِعْتَاقِ لُغَةً، وَعُرْفًا، وَشَرْعًا إلَّا إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَالتَّخْلِيصُ
الْمَجَازِ (بَلْ هُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ) أَيْ مَنْقُولٌ شَرْعِيٌّ، وَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ.
(قُلْنَا مَنْقُولٌ فِي إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ) لَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ (ثُمَّ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ، يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَالْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
(أَنَّا نَسْتَعِيرُ الطَّلَاقَ، وَهُوَ إزَالَةُ الْقَيْدِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا لِلَفْظِ الْإِعْتَاقِ حَتَّى يَقُولُوا الْإِعْتَاقُ مَا هُوَ فَالِاتِّصَالُ الْمُجَوِّزُ لِلِاسْتِعَارَةِ مَوْجُودٌ بَيْنَ إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَإِزَالَةِ الْقَيْدِ) .
وَلَا يَتَعَلَّقُ بِبَحْثِنَا أَنَّ (الْإِعْتَاقَ مَا هُوَ بِالْجَوَابِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِإِبْطَالِ هَذَا الْإِيرَادِ فَإِنَّ هَذَا الْإِيرَادَ حَقٌّ بَلْ يُبْطِلُ الِاسْتِعَارَةَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ (أَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى
ــ
[التلويح]
عَنْ الرِّقِّ، وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ حَقِيقَةً إلَّا إلَى الْمَالِكِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعْنَى إثْبَاتِ الْقُوَّةِ إنَّمَا يَعْرِفُهُ الْأَفْرَادُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَوْنُ اللَّفْظِ مَنْقُولًا إلَيْهِ لَا إلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ مَمْنُوعٌ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِنَقْلٍ أَوْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ الْعُمْدَةُ فِي إثْبَاتِ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ، وَكَوْنُ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ أَنْسَبَ بِمَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْجَوَازِ أَنْ يُنْقَلَ اللَّفْظُ إلَى مَعْنَى غَيْرِهِ أَنْسَبَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مِنْهُ عَلَى أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ مَنْقُولٌ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِمَا نَقْلٌ شَرْعِيٌّ.
(قَوْلُهُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ) قَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْعِتْقَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ شَرْعًا، وَاسْتِعَارَةُ الطَّلَاقِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَيْسَتْ اسْتِعَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا يُوجِبُ ثُبُوتَهُ شَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَزَلْت عَنْك الْمِلْكَ أَوْ رَفَعْت عَنْك قَيْدَ الرِّقِّ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ كَمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي مِثْلِ أَعْتَقَ فُلَانٌ عَبْدَهُ مَجَازًا عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَلَا مَسَاغَ لِذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الطَّلَاقَ مُسْتَعَارًا لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَلَيْسَ هُنَاكَ لَفْظٌ يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ إثْبَاتِ الْعِتْقِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ.
(قَوْلُهُ: لَا لِلَفْظِ الْإِعْتَاقِ) عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لَا لِمَفْهُومِ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ إزَالَةِ الْقَيْدِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الِاسْتِعَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ مِنْهُ أَقْوَى فِي وَجْهِ الشَّبَهِ كَالْأَسَدِ فِي الشَّجَاعَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ لَهُ لَازِمًا لَهُ كَالشُّجَاعِ لِلْأَسَدِ، وَكِلَا الشَّرْطَيْنِ مُنْتَفٍ هَاهُنَا، وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ يَبْقَى نَوْعُ تَعَلُّقٍ هُوَ حَقُّ الْوَلَاءِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ هَاهُنَا الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ لَا امْتِنَاعُ الِانْفِكَاكِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ سَلَّمَ الِامْتِنَاعُ إطْلَاقَ الطَّلَاقِ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ إزَالَةُ قَيْدٍ مَخْصُوصٍ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَهُوَ إزَالَةُ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، وَالْمِلْكِ كَإِطْلَاقِ الْمِشْفَرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ، وَالذَّوْقِ عَلَى
مِنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَلَيْسَتْ) أَيْ إزَالَةُ الْمِلْكِ (لَازِمَةً لَهَا) أَيْ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ.
(فَلَا تَصِحُّ اسْتِعَارَةُ هَذِهِ) أَيْ إزَالَةِ الْقَيْدِ (لِتِلْكَ) أَيْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ.
(بَلْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَجْرِي إلَّا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ) كَالْأَسَدِ الشُّجَاعِ.
(وَكَذَا إجَارَةُ الْحُرِّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ.
وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْحُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا يَثْبُتُ الْبَيْعُ (تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ) ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ سَبَبًا مَحْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ دُونَ الْعَكْسِ.
(وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا أَضَافَهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا
ــ
[التلويح]
الْإِدْرَاكِ بِاللَّمْسِ، وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَجْرِي إلَّا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ) لِامْتِنَاعِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ، وَفَوَاتِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ عِنْدَ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ تَكُونُ الِاسْتِعَارَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى التَّشَابُهِ كَاسْتِعَارَةِ الصُّبْحِ بِغُرَّةِ الْفَرَسِ، وَبِالْعَكْسِ، وَتَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ أَحَدِ الْمُتَشَابِهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَجَعْلُهُ هُوَ هُوَ، وَكَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَقْوَى فِي وَجْهِ الشَّبَهِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ أَقْسَامِ التَّشْبِيهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إجَارَةُ الْحُرِّ) يَعْنِي لَوْ قَالَ بِعْت نَفْسِي مِنْك شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لِعَمَلِ كَذَا يَنْعَقِدُ إجَارَةً، وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدًا مِنْ الْقُيُودِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَلَوْ قَالَ بِعْت عَبْدِي أَوْ دَارِي مِنْك بِكَذَا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّةَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ مَعَ تَعَذُّرِ شَرْطِ الْمَجَازِ، وَهُوَ بَيَانُ الْمُدَّةِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَ الْعَمَلِ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَإِنْ سَمَّاهُ مِثْلُ بِعْت عَبْدِي مِنْك شَهْرًا بِعَشْرَةٍ لِعَمَلِ كَذَا انْعَقَدَ إجَارَةً لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ عَلَى الْإِجَارَةِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ إذَا اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا بِحَمْلِ الْمُدَّةِ عَلَى تَأْجِيلِ الثَّمَنِ أَوْ بَيْعًا فَاسِدًا عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ الْقَاصِرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ لَا يُرَدُّ عَلَيْنَا عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى الْمَنْفَعَةِ مِثْلُ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ هَذَا الْعَبْدِ شَهْرًا بِكَذَا لِعَمَلِ كَذَا، وَلَا يَلْزَمُنَا هَذَا إشْكَالًا، (وَإِلَّا فَعَدَمُ الصِّحَّةِ لَازِمٌ قَطْعًا) .
قَوْلُهُ (ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ) يُرِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ، وَالْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ ثَابِتٌ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ سَبَبَيْنِ لِمَلْكِ الْمُتْعَةِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ لِاخْتِصَاصِهِ بِثُبُوتِ مِلْكِ الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ لَا الْإِعْتَاقِ سَبَبًا لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالطَّلَاقِ لِاخْتِصَاصِهَا بِقَبُولِ الرَّجْعَةِ أَوْ بِبَيْنُونَةٍ لَا تَحْمِلُ الْمِلْكَ بِالنِّكَاحِ إلَّا بَعْدَ التَّحْلِيلِ، وَلَا الْبَيْعِ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ الثَّابِتِ بِالْإِجَارَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْخُلُودِ عَنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَاسْمُ السَّبَبِ إنَّمَا يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ
صَحَّ اسْتِعَارَةُ الْبَيْعِ لِلْإِجَارَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ بِعْت مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ فِي هَذَا الشَّهْرِ بِكَذَا لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ.
فَقَوْلُهُ (لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِفَسَادِ الْمَجَازِ) دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (بَلْ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْدُومَةَ لَا تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ حَتَّى لَوْ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَيْهَا لَا تَصِحُّ فَكَذَا الْمَجَازُ عَنْهَا) فَالْإِجَارَةُ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَقُومُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْبَيْعُ، وَالطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ، وَالْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ الْحَقُّ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ لَا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الَّذِي ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ بَلْ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى مُبَايِنِ مَعْنَاهُ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا فِي اللَّازِمِ، وَهُوَ
ــ
[التلويح]
وَهِيَ إطْلَاقُ اسْمِ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَازِمٍ مَشْهُورٍ هُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَقْوَى، وَأَعْرَفُ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَهَاهُنَا مَعْنَى النِّكَاحِ مُبَايِنٌ لِمَعْنَى الْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ أَقْوَى، وَكَذَا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ أَمْرَانِ مُتَبَايِنَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَهِيَ فِي الْعِتْقِ أَقْوَى، وَكَذَا الْإِجَارَةُ، وَالْبَيْعُ عَقْدَانِ مَخْصُوصَانِ مُتَبَايِنَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِبَاحَتِهَا، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ أَقْوَى فَاسْتُعِيرَ اسْمُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَلَمْ يَجُزْ الْعَكْسُ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ إنَّمَا تَجْرِي مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُبَالَغَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ هِيَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَلْزُومِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُبَايِنًا قُلْنَا لَيْسَ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَى اللَّازِمِ بَلْ عَلَى الْمُبَايِنِ لِإِرَادَةِ اللَّازِمِ كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِكَوْنِهِ شُجَاعًا، وَإِطْلَاقِ الْهِبَةِ عَلَى النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْمِلْكِ، وَالْمُثْبِتُ لِلْمِلْكِ لَازِمٌ خَارِجِيٌّ صِفَةً لِلْهِبَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ اعْتِرَاضٍ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ سَبَبًا لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِعَيْنِهِ بَلْ بِجِنْسِهِ حَتَّى يُرَادَ بِالْغَيْثِ جِنْسُ النَّبَاتِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِالْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ، وَأَرَادَ الْمِلْكَ فَمَلَكَهُ هِبَةً أَوْ إرْثًا يُعْتَقُ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُعْتَقُ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مِمَّا أَوْرَدَ صَاحِبُ الْكَشْفِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ، وَالْوَطْءِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالْيَمِينِ لَكِنَّ تَغَايُرَ الْأَحْكَامِ لِتَغَايُرِهِمَا صِفَةً لَا ذَاتًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَقْصُودًا وَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ تَبَعًا، وَنَحْنُ إنَّمَا اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَحَلُّ فَإِذَا جَعَلْنَا لَفْظَ الْهِبَةِ مَجَازًا أَثْبَتْنَا بِهِ مِلْكَ الْمُتْعَةِ قَصْدًا لَا تَبَعًا فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ لَا أَحْكَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ نَوْعَانِ مِنْ الْعَلَاقَةِ فَلَكَ أَنْ تَعْتَبِرَ أَيَّهُمَا شِئْت