الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْآيَةِ لَا يَتِمُّ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ، وَمَا ذَكَرَ أَنَّ الِانْقِيَادَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا سِيَّمَا الْمُتَكَبِّرِينَ مِنْهُمْ لَا يَمَسُّهُمْ الِانْقِيَادُ أَصْلًا، وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ، وَضْعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْجَمَادَاتِ إلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَةِ التَّسْبِيحِ مِنْ الْجَمَادَاتِ، وَالشَّهَادَةِ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالْأَعْضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَنَّ مُحْكَمَ الْكِتَابِ نَاطِقٌ بِهَذَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَا وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] يُحَقِّقُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى، وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَفْقَهُونَ} [الإسراء: 44] لَا يَلِيقُ بِهَذَا فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ وَضْعَ الرَّأْسِ خُضُوعًا لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْجَمَادَاتِ بَلْ هُوَ كَائِنٌ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُنْكِرٌ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ.
(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى
فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) يَشْمَلُ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ، وَالشَّرْعِيَّ، وَالْعُرْفِيَّ، وَالِاصْطِلَاحِيَّ.
(فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ) أَيْ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْوَضْعُ بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ فَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ، وَفِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِنَّمَا قَالَ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يُطْلِقُونَ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ عَلَى الْمَعْنَى إمَّا مَجَازًا، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامّ.
(وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَمَجَازٌ) أَيْ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِحَيْثِيَّةٍ مَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَوْ نَحْوُهَا فَمَجَازٌ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ فَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ، وَفِي الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لَكِنْ مِنْ جِهَتَيْنِ.
(أَوَّلًا الْعَلَاقَةُ فَمُرْتَجَلٌ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا لِلْوَضْعِ الْجَدِيدِ) فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا لِعَلَاقَةٍ يَكُونُ، وَضْعًا جَدِيدًا فَالْمُرْتَجَلُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي بِسَبَبِ
ــ
[التلويح]
بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ، وَالِاسْتِدْلَالِ الصَّادِقِ بَلْ الْأَنْسَبُ لِحَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ لَا تَسْمَعُونَ
[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى]
(قَوْلُهُ: التَّقْسِيمُ الثَّانِي) مِنْ التَّقْسِيمَاتِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ تَقْسِيمُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى فَاللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا جَارِيًا عَلَى الْقَانُونِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَمُرْتَجَلٌ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِسْمِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ فِي الْغَيْرِ بِلَا عَلَاقَةٍ وَضْعٌ جَدِيدٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ نَظَرًا إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ قِيلَ فَالْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَجَازِ، وَالْمُرْتَجَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْقُولًا قُلْنَا نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً مِنْ جِهَةٍ مَجَازًا مِنْ جِهَةٍ لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى زِيَادَةِ تَفْصِيلِ وَبَيَانِ آخِرِ حُكْمِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِعْمَالُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
لَا لِعِلَاقَةٍ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْعَلَاقَةِ فَالْمُرْتَجَلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ قُلْنَا لَمَّا تَعَسَّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَنَّ النَّاقِلَ هَلْ اعْتَبَرَ الْعَلَاقَةَ أَمْ لَا اعْتَبَرُوا الْأَمْرَ الظَّاهِرَ، وَهُوَ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ، وَعَدَمُهَا فَجَعَلُوا الْأَوَّلَ مَنْقُولًا، وَالثَّانِيَ مُرْتَجَلًا فَلَزِمَ فِي الْمُرْتَجَلِ عَدَمُ الْعَلَاقَةِ، وَفِي الْمَنْقُولِ وُجُودَهَا لَكِنْ لَا لِصِحَّةِ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِأَوْلَوِيَّةِ هَذَا الِاسْمِ بِالتَّعْيِينِ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَيْدُ الِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذْ لَا يَتَّصِفُ اللَّفْظُ بِهِمَا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمُرْتَجَلِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ النَّقْلِ، وَالتَّعْيِينِ، وَقَيَّدْنَا الِاسْتِعْمَالَ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَلَى الْغَلَطِ مِثْلُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ اللَّفْظِ تَعْيِينُهُ لِلْمَعْنَى بِحَيْثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ أَيْ يَكُونُ الْعِلْمُ بِالتَّعْيِينِ كَافِيًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ مِنْ جِهَةِ وَاضِعِ اللُّغَةِ فَوَضْعٌ لُغَوِيٌّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّارِعِ فَوَضْعٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ مَخْصُوصٍ كَأَهْلِ الصِّنَاعَاتِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَغَيْرِهِمْ فَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ خَاصٌّ، وَيُسَمَّى اصْطِلَاحِيًّا، وَإِلَّا فَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ عَامٌّ وَقَدْ غَلَبَ الْعُرْفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَضْعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوْضَاعِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي الْمَجَازِ عَدَمُ الْوَضْعِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَقِيقَةِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ الْأَوْضَاعِ وَلَا فِي الْمَجَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنَاهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْضَاعِ فَإِنْ اتَّفَقَ فِي الْحَقِيقَةِ لَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لِلْمَعْنَى بِجَمِيعِ الْأَوْضَاعِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِلَّا فَهِيَ حَقِيقَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالْجِهَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا الْوَضْعُ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا بِجِهَةٍ أُخْرَى كَالصَّلَاةِ فِي الدُّعَاءِ حَقِيقَةٌ لُغَةً مَجَازٌ شَرْعًا، وَكَذَا الْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِجَمِيعِ الْأَوْضَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالْجِهَةِ الَّتِي بِهَا كَانَ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لَهُ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ مَجَازٌ لُغَةً حَقِيقَةٌ شَرْعًا فَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً، وَمَجَازًا لَكِنْ مِنْ جِهَتَيْنِ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بَلْ وَمِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ ثُمَّ إطْلَاقُ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ عَلَى نَفْسِ الْمَعْنَى أَوْ عَلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى، وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ شَائِعٌ فِي عِبَارَةِ الْعُلَمَاءِ مَعَ مَا بَيْنَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى مِنْ الْمُلَابَسَةِ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونُ مَجَازًا لَا خَطَأً، وَحَمْلُهُ عَلَى خَطَأِ الْعَوَامّ مِنْ خَطَأِ الْخَوَاصِّ فَإِنْ قِيلَ لَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفَيْنِ مِنْ تَقْيِيدِ الْوَضْعِ بِاصْطِلَاحٍ بِهِ التَّخَاطُبُ احْتِرَازًا عَنْ انْتِقَاضِهِمَا جَمْعًا وَمَنْعًا فَإِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ فِي الشَّرْعِ مَجَازٌ فِي الدُّعَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَحَقِيقَةٌ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ لَفْظُ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مَجَازٌ لُغَةً مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ حَقِيقَةٌ لُغَةً مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَعْنِي الْعُرْفَ الْعَامَّ قُلْنَا قَيْدُ
الْوَضْعِ الثَّانِي.
(وَأَمَّا الْمَنْقُولُ فَمِنْهُ مَا غُلِّبَ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِلْمَوْضُوعِ الْأَوَّلِ حَتَّى هُجِرَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي حَيْثُ اللُّغَةُ، وَبِالْعَكْسِ) أَيْ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي مَجَازٌ فِي الْأَوَّلِ.
(مِنْ حَيْثُ النَّاقِلُ، وَهُوَ إمَّا الشَّرْعُ أَوْ الْعُرْفُ أَوْ الِاصْطِلَاحِ وَمِنْهُ مَا غُلِّبَ فِي بَعْضِ
ــ
[التلويح]
الْحَيْثِيَّةِ مَأْخُوذٌ فِي تَعْرِيفِ الْأُمُورِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُحْذَفُ مِنْ اللَّفْظِ لِوُضُوحِهِ خُصُوصًا عِنْدَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُشْعِرِ بِالْحَيْثِيَّةِ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْمَوْضُوعُ لَهُ، وَالْمَجَازُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا انْتِقَاضَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الدُّعَاءِ شَرْعًا لَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَلَا فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَكَذَا اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ فِي اللُّغَةِ لَا يَكُونُ مَجَازًا إلَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ خَاصَّةً، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ فِي اللُّغَةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ بِخُصُوصِهَا، وَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لُغَةً فَإِنْ قِيلَ تَعْرِيفُ الْمَجَازِ شَامِلٌ لِلْكِنَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ احْتِرَازًا عَنْهَا قُلْنَا سَيَجِيءُ أَنَّ الْكِنَايَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى مَلْزُومِهِ، وَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ يُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ.
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِلَّا فَمَجَازٌ فَلَا إشْكَالَ فَإِنْ قِيلَ الْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ خَارِجٌ عَنْ الْحَدِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] قُلْنَا لَفْظُ الْمُجَازَفَةِ يُقَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ التَّشَابُهِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمِفْتَاحِ، وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَجَازِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى لَا لِلْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ لَا يُقَالُ اللَّفْظُ الزَّائِدُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِمَعْنًى فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنًى لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِمَعْنًى بَلْ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِمَعْنًى، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا لِمَعْنًى لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِعْمَالَ فِي مَعْنًى غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بَلْ يُنَافِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعْنَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ فِي غَيْرِ طَلَبِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِرَادَتِهِ مِنْهُ فَمُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَصِحُّ هَاهُنَا لِاشْتِرَاطِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا فِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِاعْتِبَارِهِ إرَادَةَ مَعْنًى غَيْرِ الْمَوْضُوعِ فَكَيْفَ فِي عِبَارَةِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَنْقُولُ) لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ
أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَهُ حَتَّى هُجِرَ الْبَاقِي كَالدَّابَّةِ مَثَلًا فَمِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ إطْلَاقُهَا عَلَى الْفَرَسِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَكِنْ إذَا خُصَّتْ بِهِ) أَيْ إذَا خُصَّتْ الدَّابَّةُ بِالْفَرَسِ.
(مَعَ رِعَايَةِ الْمَعْنَى) أَيْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ.
(صَارَتْ مَجَازًا إذْ أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَهُوَ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْفَرَسِ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ صَارَتْ كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهَا لَمَّا خُصَّتْ بِهِ) فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَصَارَتْ اسْمًا لَهُ (فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِيهِ) ، وَهُوَ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ (لَيْسَ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ) أَيْ الْمَنْقُولِ (عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَيُرَادُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الْأَفْرَادُ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ (كَمَا فِي الْحَقِيقَةِ) فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ) أَيْ الْمَنْقُولِ (عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي) ، وَهُوَ مَا يَدِبُّ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْفَرَسِ (كَمَا فِي الْمَجَازِ) فَإِنَّ فِي الْمَجَازِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ لَازِمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَاللَّازِمُ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي (بَلْ لِتَرْجِيحِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي الِاسْمِ الْمَنْقُولِ إنَّمَا
ــ
[التلويح]
أَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَعَدَّدَ مَفْهُومُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا نَقْلٌ فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْلُ لِمُنَاسَبَةٍ فَمُرْتَجَلٌ، وَإِنْ كَانَ فَإِنْ هُجِرَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَمَنْقُولٌ، وَإِلَّا فَفِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ، وَفِي الثَّانِي مَجَازٌ مُوهِمًا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنْقُولِ، وَالْمُرْتَجَلِ قِسْمٌ مُقَابِلٌ لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازُ دَفْعُ ذَلِكَ بِبَيَانِ أَنَّ الْمُرْتَجَلَ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي حَقِيقَةٌ، وَالْمَنْقُولَ فِيهِ حَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةٍ مَجَازٌ مِنْ جِهَةٍ، وَالتَّقْسِيمُ الْمَشْهُورُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَمَايُزِ الْأَقْسَامِ بِالْحَيْثِيَّةِ، وَالِاعْتِبَارِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَالذَّاتِ فَالْمَنْقُولُ مَا غَلَبَ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِحَيْثُ يُفْهَمُ بِلَا قَرِينَةٍ مَعَ وُجُودِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَيُنْسَبُ إلَى النَّاقِلِ لِأَنَّ وَصْفَ الْمَنْقُولِيَّةِ إنَّمَا حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَيُقَالُ مَنْقُولٌ شَرْعِيٌّ، وَعُرْفِيٌّ، وَاصْطِلَاحِيٌّ فَالْمَعْنَى الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَمَجَازٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي كَالصَّلَاةِ حَقِيقَةٌ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ لُغَةً، وَبِالْعَكْسِ شَرْعًا، وَيُنْسَبُ حَقِيقَتُهُ، وَمَجَازُهُ إلَى مَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَوْضُوعًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ، وَبِاعْتِبَارِ انْقِسَامِ كُلٍّ مِنْ وَضْعَيْهِ إلَى لُغَوِيٍّ، وَشَرْعِيٍّ، وَعُرْفِيٍّ، وَاصْطِلَاحِيٍّ يَنْقَسِمُ سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْأَقْسَامِ مِمَّا لَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي الْوُجُودِ كَالْمَنْقُولِ اللُّغَوِيِّ
هُوَ لِتَرْجِيحِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ (فِي تَخْصِيصِهِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي) أَيْ تَخْصِيصِ هَذَا الِاسْمِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَالْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ الْأَوْلَوِيَّةُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاضِعَ قَدْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ كَالْجِدَارِ، وَالْحَجَرِ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ فِيهِ كَالْقَارُورَةِ، وَالْخَمْرِ (وَاعْتِبَارُ) الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي الْوَضْعِ الثَّانِي لِبَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ، وَالْأَوْلَوِيَّةِ لَا لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يُسَمَّى الدَّنُّ قَارُورَةً فَلِهَذَا السِّرِّ لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ سَائِرَ الْأَشْرِبَةِ خَمْرٌ لِمَعْنَى مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّ مَعْنَى الْمُخَامَرَةِ لَيْسَ مُرَاعًى فِي الْخَمْرِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْخَمْرِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ الْمُخَامَرَةُ بَلْ لِأَجْلِ الْمُنَاسَبَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِيَضَعَ الْوَاضِعُ لِهَذَا الْمَعْنَى لَفْظًا مُنَاسِبًا لَهُ فَاحْفَظْ هَذَا الْبَحْثَ فَإِنَّهُ بَحْثٌ شَرِيفٌ بَدِيعٌ لَمْ تَزُلْ أَقْدَامُ مَنْ سَوَّغَ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ إلَّا لِغَفْلَةٍ عَنْهُ (فَيُطْلَقُ الْأَسَدُ عَلَى كُلِّ مَنْ يُوجَدُ فِيهِ الشُّجَاعَةُ مَجَازًا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَالصَّلَاةِ) أَيْ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي الْمُجَازِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ لَازِمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي الْمَنْقُولِ لَيْسَ لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَسَدِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ الشُّجَاعَةُ
ــ
[التلويح]
مِنْ مَعْنًى عُرْفِيٍّ أَوْ اصْطِلَاحِيٍّ مَثَلًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ بَلْ اللُّغَةُ أَصْلٌ، وَالنَّقْلُ طَارِئٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقَالَ مَنْقُولٌ لُغَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَالدَّابَّةِ لِذِي الْأَرْبَعِ خَاصَّةً، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ لِمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الثَّانِي أَعْنِي الْمُقَيَّدَ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعْنِي الْمُطْلَقَ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الثَّانِي فَحَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَفْظُ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ فَحَقِيقَةٌ لُغَةً مَجَازٌ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَمَجَازٌ لُغَةً حَقِيقَةٌ عُرْفًا لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ فِي اللُّغَةِ لِلْمُقَيَّدِ بِخُصُوصِهِ، وَلَا فِي الْعُرْفِ لِلْمُطْلَقِ بِإِطْلَاقِهِ فَلَفْظُ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارٍ، وَكَذَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ، وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَظِنَّةُ سُؤَالٍ، وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَمُلَاحَظَتَهُ فِي نَقْلِ اللَّفْظِ إلَى الْمَعْنَى الثَّانِي إنْ كَانَ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمَنْقُولِ عَلَى أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعْنِي الْمَنْقُولَ عَنْهُ كَالْحَقِيقَةِ يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهَا لِيَصِحَّ إطْلَاقُهَا عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ لَزِمَ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْمَنْقُولِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ، وَإِنْ كَانَ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى أَفْرَادِ الْمَعْنَى الثَّانِي أَعْنِي الْمَنْقُولَ إلَيْهِ كَالْمَجَازِ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ الْأَوَّلُ أَعْنِي الْحَقِيقِيَّ لِتَعَرُّفِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَعْنَى الثَّانِي أَعْنِي الْمَجَازِيَّ فَيَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى أَفْرَادِ الْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ لَازِمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ مُلَابِسٌ لَهُ بِنَوْعِ عَلَاقَةٍ لِأَنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى إنَّمَا يَكُونُ لِوَضْعِهِ لَهُ
وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ الدَّبِيبُ، وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الصَّلَاةِ شَرْعًا عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ دُعَاءٌ (وَيَثْبُتُ أَيْضًا أَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا قَلَّ اسْتِعْمَالُهَا صَارَتْ مَجَازًا، وَالْمَجَازُ إذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ صَارَ حَقِيقَةً ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ، وَاَلَّتِي هُجِرَتْ، وَغُلِّبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ، وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ صَرِيحٌ، وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّرِيحَ، وَالْكِنَايَةَ اللَّذَيْنِ هُمَا قِسْمَا الْحَقِيقَةِ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَاَللَّذَيْنِ هُمَا قِسْمَا الْمَجَازِ
ــ
[التلويح]
أَوْ لِمَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ بِنَوْعِ عَلَاقَةٍ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ الْوَضْعِ، وَالتَّعْيِينُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي كَافٍ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا يَلْزَمُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْمَنْقُولِ عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ كَمَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمَجَازِ عَلَى كُلِّ مَا تُوجَدُ فِيهِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَنْقُولَ قَدْ هُجِرَ مَعْنَاهُ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَى أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْمَوْضُوعَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا اعْتِبَارُ مَعْنًى سَابِقٍ. إنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِيهِ لَيْسَ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَلَا لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى أَفْرَادِ الْمَعْنَى الثَّانِي لِيَلْزَمَ مَا ذَكَرْتُمْ بَلْ لِأَوْلَوِيَّةِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ بِالتَّعْيِينِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّ وَضْعَ لَفْظِ الدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْلَى، وَأَنْسَبُ مِنْ وَضْعِ الْجِدَارِ لَهَا لِوُجُودِ مَعْنَى الدَّبِيبِ فِيهَا فَالتَّنَاسُبُ مَرْعِيٌّ فِي وَضْعِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَلَا يَلْزَمُ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ حَقِيقَةً عَلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ التَّنَاسُبُ، وَهَذَا مَعْنَى عَدَمِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ، وَهَذَا الْبَحْثُ مِمَّا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّرِيحَ، وَالْكِنَايَةَ أَيْضًا مِنْ أَقْسَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَيْسَتْ الْأَرْبَعَةُ أَقْسَامًا مُتَبَايِنَةً أَمَّا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ فَلِأَنَّ الصَّرِيحَ مَا انْكَشَفَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ لَفْظًا مُسْتَعْمَلًا، وَالْكِنَايَةُ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ فِيهِمَا مَعْنًى حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى مَجَازِيًّا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ عَنْ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ فِي الصَّرِيحِ بِوَاسِطَةِ غَرَابَةِ اللَّفْظِ أَوْ ذُهُولِ السَّامِعِ عَنْ الْوَضْعِ أَوْ عَنْ الْقَرِينَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَعَنْ انْكِشَافِ الْمُرَادِ فِي الْكِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالْبَيَانِ فَمِثْلُ الْمُفَسَّرِ، وَالْمُحْكَمِ دَاخِلٌ فِي الصَّرِيحِ، وَمِثْلُ الْمُشْكِلِ، وَالْمُجْمَلِ فِي الْكِنَايَةِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ هَذِهِ أَقْسَامٌ مُتَمَايِزَةٌ بِالْحَيْثِيَّاتِ، وَالِاعْتِبَارَاتِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَالذَّاتِ، وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِتَارُ، وَالِانْكِشَافُ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ قَاصِدِينَ الِاسْتِتَارَ، وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فِي اللُّغَةِ. وَالِانْكِشَافُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا فِي اللُّغَةِ احْتِرَازًا عَنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَأَمَّا عِنْدَ
صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ.
(وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعُ لَهُ (مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٍ لَهُ، وَهِيَ لَا تُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَإِنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ لَكِنْ قُصِدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ كَمَا فِي طَوِيلِ النِّجَادِ) فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ، وَالْغَرَضَ مِنْ طَوِيلِ النِّجَادِ طَوِيلُ الْقَامَةِ فَطُولُ الْقَامَةِ مَلْزُومٌ لِطُولِ النِّجَادِ.
(بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ أَمَّا فِي الْمُفْرَدِ، وَقَدْ مَرَّ
ــ
[التلويح]
عُلَمَاءِ الْبَيَانِ فَلِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَفْظٌ قُصِدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ أَيْ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لَكِنْ لَا لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْإِثْبَاتُ، وَالنَّفْيُ، وَيَرْجِعَ إلَيْهِ الصِّدْقُ، وَالْكَذِبُ بَلْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى مَلْزُومِهِ فَيَكُونَ هُوَ مَنَاطَ الْإِثْبَاتِ، وَالنَّفْيِ، وَمَرْجِعَ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ قَصْدًا بِطُولِ النِّجَادِ إلَى طُولِ الْقَامَةِ فَيَصِحُّ الْكَلَامُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِجَادٌ قَطُّ بَلْ، وَإِنْ اسْتَحَالَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا كِنَايَاتٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ كَذِبٍ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَطَلَبِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِقَصْدِ الِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى مَلْزُومِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ: إنَّ الْكِنَايَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي لَكِنْ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَبِاسْتِعْمَالٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجَازٌ مَشْرُوطٌ بِقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَمَيْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْكِنَايَةِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 77] أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْإِهَانَةِ، وَالسَّخَطِ وَإِنَّ النَّظَرَ إلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى الِاعْتِدَاءِ بِهِ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ كِنَايَةٌ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ، وَمَجَازٌ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ، وَبِالْجُمْلَةِ كَوْنُ الْكِنَايَةِ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ صَرِيحٌ فِي الْمِفْتَاحِ، وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إمَّا أَنْ يُرَادَ مَعْنَاهَا وَحْدَهُ أَوْ غَيْرَ مَعْنَاهَا وَحْدَهُ أَوْ مَعْنَاهَا، وَغَيْرَ مَعْنَاهَا وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمُفْرَدِ، وَالثَّانِي الْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ، وَالثَّالِثُ الْكِنَايَةُ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِ الْكِنَايَةِ قَسِيمًا لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ مُبَايِنًا لَهُمَا قُلْنَا أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا الصَّرِيحَ مِنْهَا بِقَرِينَةٍ جَعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْكِنَايَةِ، وَتَصْرِيحُهُ عَقِيبَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ، وَالْكِنَايَةَ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا حَقِيقَتَيْنِ، وَيَفْتَرِقَانِ بِالتَّصْرِيحِ وَعَدَمِهِ لَا يُقَالُ فَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلِمَةِ مَعْنَاهَا وَغَيْرُ مَعْنَاهَا مَعًا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ لَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مَعًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ إرَادَتُهُمَا بِالذَّاتِ، وَفِي الْكِنَايَةِ إنَّمَا أُرِيدَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ قَصْدًا وَبِالذَّاتِ إذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى مَعْنَاهُ
تَعْرِيفُهُمَا، وَأَمَّا فِي الْجُمْلَةِ فَإِنْ نَسَبَ الْمُتَكَلِّمُ الْفِعْلَ إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ عِنْدَهُ فَالنِّسْبَةُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَإِنْ نَسَبَ إلَى غَيْرِهِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَ الْفِعْلِ، وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ فَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ نَحْوُ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ) فَقَوْلُهُ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي الْعَقْلِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمِفْتَاحِ قَالَ إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُوَحِّدُ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ يَكُونُ الْإِسْنَادُ
ــ
[التلويح]
فَيُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِأَنَّ إرَادَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ لِلِانْتِقَالِ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْإِرَادَةِ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّةٍ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ فَيَلْزَمُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مَعًا بِالذَّاتِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ مُنَافِيًا لِإِرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ لَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَيْضًا مُنَافِيًا لِإِرَادَةِ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ) يُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ مُقَوَّلٌ عَلَى النَّوْعَيْنِ بِالِاشْتِرَاكِ، وَرُبَّمَا يُقَيَّدَانِ فِي الْمُفْرَدِ بِاللُّغَوِيِّينَ وَفِي الْجُمْلَةِ بِالْعَقْلِيِّينَ أَوْ الْحُكْمِيِّينَ، وَمَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى أَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأَكْثَرِينَ دُونَ الْإِسْنَادِ، وَلِذَا وَصَفَ النِّسْبَةَ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِيَّةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إلَّا أَنَّ اتِّصَافَ الْكَلَامِ بِهِمَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي التَّقْسِيمِ النِّسْبَةُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعَقْلِيَّةَ جُمْلَةٌ أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلٍ لِمُؤْمِنٍ أَنْبَتَ اللَّهُ الْبَقْلَ، وَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ جُمْلَةٌ أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ فَاعِلٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ الْغَيْرِ نَحْوُ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ لِمَا بَيْنَ الْإِنْبَاتِ، وَالرَّبِيعِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ لِكَوْنِهِ زَمَانًا لَهُ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ الْمُصْطَلَحَ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَصَادِرِ، وَالصِّفَاتِ، وَبِالْفَاعِلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مَا يُرِيدُ إفْهَامَ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ فَاعِلٌ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ حَاصِلٌ لَهُ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ سَوَاءٌ قَامَ بِهِ فِي الْخَارِجِ كَضَرْبٍ أَوْ لَاكِمَاتٍ، وَسَوَاءٌ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا سَوَاءٌ كَانَ فَاعِلًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ مَا يُطَابِقُ الْوَاقِعَ، وَالِاعْتِقَادَ جَمِيعًا أَوْ لَا يُطَابِقُ شَيْئًا مِنْهُمَا أَوْ يُطَابِقُ أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَلَوْ قَالَ الْفَاعِلُ عِنْدَ الْعَقْلِ لَخَرَجَ مَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ فَقَطْ مِثْلُ قَوْلِ الدَّهْرِيِّ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ عَقْلُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ السَّامِعِ، وَقَدْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْفَاعِلِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ أَيْضًا فَاعِلٌ فِي اللَّفْظِ، وَلَوْ أَرَادَ بِالْفَاعِلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مَا يَكُونُ الْفِعْلُ حَاصِلًا لَهُ فِي اعْتِقَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ لِخُرُوجِ الْأَقْوَالِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي لَا تُطَابِقُ الْوَاقِعَ، وَلَا الِاعْتِقَادَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَ زَيْدٌ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصَفْ بِالْمَجِيءِ لَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ لَكِنْ بِحَسَبِ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْفَاعِلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ الْفِعْلُ حَاصِلًا لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فِي الظَّاهِرِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ ضُرِبَ عَمْرٌو عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّ الْمَضْرُوبِيَّةَ صِفَةُ عَمْرٍو فَهُوَ فَاعِلٌ ثُمَّ