الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وفيه روايتان:
إِحداهما: أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها، أو سقاية ويشرعها لهم.
والأخرى لا يصح إِلا بالقول، وصريحه: وقفت، وحبَّست، وسبَّلت، وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فلا يصح الوقف بالكناية إِلا أن ينويه أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية، أو حكم الوقف فيقول: تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو لا تباع ولا توهب ولا تورث، ولا يصح إِلا بشروط أربعة:
أحدها: أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائماً مع بقاء عينها: كالعقار، والحيوان، والأثاث، والسلاح. ويصح وقف المشاع، ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية، وعنه لا يصح. ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار، ولا غير معين كأحد هذين، ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب، ولا ما لا ينتفع به مع بقائه دائماً كالأثمار (1) والمطعوم والرياحين.
الثاني: أن يكون على بر كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة، ولا يصح على الكنائس وبيوت النار
(1) في الأصول كلها: الأثمان ولا يناسب السياق والصواب ما أثبتناه.
وكتابة التوراة والإِنجيل، ولا على حربي ولا مرتد، ولا يصح على نفسه في إِحدى الروايتين.
وإِن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح (1).
الثالث: أن يقف على معين يملك، ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد، ولا على حيوان لا يملك كالعبد والحَمْل والملك والبهيمة.
الرابع: أن يقف ناجزاً فإِن علقه على شرط لم يصح إِلا أن يقول: هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي، وقال أبو الخطاب لا يصح.
فصل
ولا يشترط القبول إِلا أن يكون على آدمي ومعين ففيه وجهان:
أحدهما: يشترط ذلك فإِن لم يقبله أورده بطل في حقه دون من بعده وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إِلى من بعده.
وفيه وجه آخر أنه إِن كان من لا يجوز يعرف انقراضه كرجل معين صرف إِلى مصرف الوقف المنقطع إِلى أن ينقرض ثم يصرف إِلى من بعده، وإِن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مالاً، أو على من يجوز، ثم على من لا يجوز أو قال: وقفت وسكت، انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إِلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إِحدى الروايتين، والأخرى إِلى أقرب عصبته، وهل يختص به فقراؤهم؟ على وجهين. وقال القاضي في موضع يكون وقفاً على المساكين، وإِن قال وقفته سنة لم يصح،
(1) بعد (صَحَّ) في "م" سها الناسخ فأعاد من أول كتاب الوقف إِلى قول المصنف.
ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع. ولا يشترط إِخراج الوقف عن يده في إِحدى الروايتين.
فصل
ويملك الموقوف عليه الوقف. وعنه لا يملكه ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه. وليس له وطء الجارية فإِن فعل فلا حد عليه ولا مهر، وإِن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه وتصير أم ولده تعتق بموته وتجب قيمتها في تركته ويشتري بها مثلها تكون وقفاً.
وإِن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد (1) حر وعليه المهر لأهل الوقف وقيمة الولد، وإِن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلهما، ويحتمل أن يملك قيمة الولد ههنا ولا يلزمه قيمته إِن أولدها.
وله تزويج الجارية وأخذ مهرها، وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه.
وإِن جنى الوقف خطأ فالأرْش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه. وإِذا وقف على ثلاثة، ثم على المساكين، فمن مات منهم رجع نصيبه إِلى الآخرين.
فصل
ويرجع إِلى شرط الواقف في قَسْمِهِ على الموقوف عليه، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية والتفضيل، وإِخراج من شاء بصفة وإِدخاله بصفة، وفي الناظر فيه، والإِنفاق عليه، وسائر أحواله، فإِن لم يشترط ناظراً فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم، وينفق عليه من
(1) كلمة: فالولد سقطت من "م".
غلته وإِن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإِناث بالسَّوِيَّةِ ولا يدخل فيه ولد البنات. وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين. وإِن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته دخل فيه ولد البنين، ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات، ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه، وذهب إِليه بعض أصحابنا وهذا مثله. وقال أبو بكر وابن حامد رحمهما الله تعالى: يدخلون في الوقف إِلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون، وإِن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة إِلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم.
وإِن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُجاوز بسهم ذوي القربى بني هاشم (1). وعنه إِن كان يصل قرابته من قِبَل أمهُ في حياته صُرف إِليهم وإِلا فلا، وأهل بيته بمنزلة قرابته، وقال الخرقي: يعطى من قبل أبيه وأمه، وقومه ونسباؤه كقرابته.
والعترة هم العشيرة.
وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات.
والأيامى والعُزَّاب من لا زوج له من الرجال والنساء، ويحتمل أن يختص الأيامى بالنساء والعُزَّاب بالرجال.
فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن، وقيل هو للرجال والنساء.
وإِن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه، وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل وإِن كان الواقف كافراً.
(1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى. ولا خلل في المعنى.
وإِن وقف على مواليه وله موالٍ من فوق ومن أسفلَ تناول جميعهم، وقال ابن حامد: يختص الموالي من فوق، وإِذا وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم وَإلَاّ جَازَ تفضيل بعضهم على بعض والاقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة، [فإِن كانوا من أهل الزكاة (1)] لم يدفع إِلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إِليه من الزكاة [إِذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة (2)] والوصية كالوقف في هذا الفصل.
فصل
والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإِقالة ولا غيرها، ولا يجوز بيعه إِلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله. وكذلك الفرس الحبيس إِذا لم يصلح للغزو بيع واشتُرِيَ بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إِذا لم ينتفع به في موضعه، وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إِلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارتها، وما فضل من حصره وزيته جاز صرفه إِلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين.
ولا يجوز غرس شجرة في المسجد، فإِن كانت مغروسة فيه جاز الأكل منها، قال أبو الخطاب رحمه الله إِذا لم يكن بالمسجد حاجة إِلى ثمنها، فإِن احتاج صرف ذلك في عمارته.
(1) ما بين الرقمين سقط من "ش" و"م" زيد من "ط".
(2)
ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" بخط مغاير وفي آخره صح.