الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النَّفقات
تجب على الرجل نفقة امرأته ما لا غنى لها عنه، وكسوتها بالمعروف، ومسكنها بما يصلح لمثلها، وليس ذلك مقدراً لكنه معتبر بحال الزوجين، فإِذا تنازعا فيها رجع الأمر إِلى الحاكم، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه الذي جرت عادة أمثالهما بأكله، وما تحتاج إِليه من الدهن، وما يكتسي مثلُها من جيد الكتان والقطن والخز والأبريسم، وأقله قميص وسراويل. ووقاية ومقنعة ومداس وجبة في الشتاء، وللنوم الفراش واللحاف والمخدة، والزلي (1) للجلوس ورفيع الحصر.
وللفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه ودهنه، وما تحتاج إِليه من الكسوة مما يلبسه أمثالهما وينامون فيه ويجلسون عليه.
وللمتوسطة تحت المتوسط، أو إِذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً ما بين ذلك كل على حسب عادته.
وعليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر وثمن الماء. ولا تجب الأدوية وأجرة الطَّبيب، فأما الطيب والحناء والخضاب ونحوه فلا يلزمه إِلا أن يريد منها التزين به.
وإِن احتاجت إِلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدِمُ نَفْسَها أو لمَرَضِها
(1) كذا في جميع الأصول وجاء في "تحرير التنبيه" و"المصباح المنير": الزِّلية وجمعها الزلالي وهي تعني نوعاً من البسط.
لزمه ذلك، فإِن كان لها وإِلا أقام لها خادماً: إِما بشراء، أو كراءٍ، أو عارية، ويلزمه نفقته بقدر نفقة الفقيرين إِلا في النظافة. ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد، فإِن قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك. وإِن قال أنا أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك؟ على وجهين.
فصل
وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء. وأما البائن بفسخ أو طلاق: فإِن كانت حاملًا فلها النفقة والسكنى وإِلا فلا شيء لها، وعنه لها السكنى. فإِن لم ينفق عليها بظنها حائلًا ثم تبين أنها حامل (1) فعليه نفقة ما مضى. وإِن أنفق عليها بظنها حاملًا فبانت حائلًا (2) فهل يرجع عليها بالنفقة؟ على روايتين. وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله؟ على روايتين:
إِحداهما أنها لها: فتجب لها حينئذ (3) إِذا كان أحد الزوجين رقيقاً، ولا تجب للناشز ولا للحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد.
والثانية أنها للحمل: فتجب لهؤلاء الثلاث، ولا تجب لها إِذا كان أحدهما رقيقاً، وأما المُتَوَفّى عنها فإِن كانت حائلًا فلا نفقة لها ولا سكنى، وإِن كانت حاملًا فهل لها ذلك؟ على روايتين.
فصل
وعليه دفع النفقة إِليها في صدر نهار كل يوم، إِلا أن يتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة فيجوز. وإِن طلب أحدهما دفع القيمة لم
(1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": فبانت حاملًا.
(2)
كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ثم بانت حائلاً.
(3)
حينئذ: سقطت من "م" و"ط" وهي مستدركة على الهامش في "ش".
يلزم الآخر ذلك، وعليه كسوتها في كل عام، فإِذا قبضتها فسُرقت أو تَلِفَتْ لم يلزمه عوضُها، وإِن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى، ويحتمل أن لا يلزمه، وإِن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة؟ على وجهين.
وإِذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها، وإِن غاب عنها مدة ولم ينفق عليها فعليه نفقة ما مضى، وعنه لا نفقة لها إِلا أن يكون الحاكم قد فرضها لها.
فصل
وإِذا بذلت المرأة تسليم نفسها إِليه وهي ممن يوطأ مثلها، أو يتعذر وطؤها لمَرَض أو حيض أو رتقٍ ونحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، يمكنه الوطء أو لا يمكنه، كالعنين والمجبوب والمريض، وإِن كانت صغيرةً لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إِليه (1) إِذا طلبها، فإِن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله، وإِن منعت تسليم نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها إِلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحالَّ فلها ذلك وتجب نفقتها، وإِن كان بعد الدخول فعلى وجهين بخلاف الأجل.
وإِن سلمت الأمة نفسها ليلاً ونهاراً فهي كالحرة، وإِن كانت تأوي إِليه ليلاً وعند سيدها (2) نهاراً فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عندَهُ.
(1) ولا تسليمها إِليه: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": ولا تسلمها ولا تسليمها إِليه.
(2)
سيدها: كذا في "ش" وفي "م" و"ط": السيد.
وإِذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إِذنه، أو تطوعت بصوم أو حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها، وإِن بعثها في حاجة أو أحرمت بحجة الإِسلام فلها النفقة، وإِن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين. وإِن سافرت لحاجتها بإِذنه فلا نفقة لها، ذكره الخرقي، ويحتمل أن لها النفقة. وإِن اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة إِليها فالقول قولها مع يمينها، وإِن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه.
فصل
وإِن أعسر الزوج بنفقتها أو ببعضها أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح والمقام، وتكون النفقة ديناً في ذمته، فإِن اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك، وعنه ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإِعسار والمذهب الأول، وإِن أعسر بالنفقة الماضية، أو نفقة الموسر، أو المتوسط، أو الأدم، أو نفقة الخادم فلا فسخ لها، وتكون النفقة ديناً في ذمته، وقال القاضي يسقط، وإِن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ؟ على وجهين. وإِن أعسر زوج الأمة فرضيت، أو زوج الصغيرة والمجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ويحتمل أن له ذلك.
فصل
وإِن منع النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف بغير إِذنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت له: إِن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، قال:"خُذي مَا يَكفيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ"(1). وإِن لم تقدر
(1) رواه البخاري رقم (5364) في النفقات: باب إِذا لم ينفق الرجل، فللمرأة أن =