الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ترى بعض ذلك في (الطليعة) ص80 ولو كان إنما بليته الغفلة وكانت طرأت عليه بعد أن سمع أبو حنيفة أو غيره لما طعنوا فيه بل كانوا يعدونه في جملة المختلطين الذين يوثقهم أهل العلم ويحتجون بما سمع منهم قبل الاختلاط. فأما قوله «ذكره أحمد بالغفلة فقط» فأحمد إمام ورع إذا كفاه غيره الكلام في رجل ورأى الناس قد تركوا حديثه لم يستحسن أن يشيع الكلام فيه، ومع ذلك فلم يشر أحمد إلى أن الغفلة طرأت كما زعم الأستاذ بل قضية كلامه أن الرجل لم يزل كذلك. وأما قول ابن معين «ليس بشيء» فلا ريب أنه يقولها في الراوي بمعنى قلة ما رواه جداً، يعني أنه لم يسند من الحديث ما يشتغل به كما مرت الإشارة إليه في ترجمة ثعلبة، فأما أنه كثيراً ما يقول هذا فيمن قل حديثه» فهذه مبالغة الأستاذ! وعلى ذلك فقد مضى تحقيق ذلك في ترجمة ثعلبة من (الطليعة) . وحاصله أن الظاهر المتبادر من هذه الكلمة الجرح فلا يعدل عنه إلا بحجة فلما كان ابن معين قد وثق ثعلبة ولم يقدح فيه غيره وثعلبة قليل الحديث جداً تبين أن مراد ابن معين بتلك الكلمة لو ثبتت قلة الحديث، وأبو العطوف لم يوثقه ابن معين ولا غيره بل أو سعوه جرحاً وحديثه غير قليل فقد ذكر له الأستاذ خمسة، وفي (لسان الميزان) ثلاثة أخرى لو لم يكن له غيرها لما كانت من القلة بحيث يصح أن يقال: إنها ليست بشيء ولولا أنهم تركوه ولم يكتبوا حديثه لوجدنا له غير ما ذكر، ولعله لولا أن جامعي المسانيد السبعة عشر علموا أن أبا العطوف تالف لوجدنا له في تلك المسانيد عشرات الأحاديث، فمن الواضح أن قول ابن معين في أبي العطوف «ليس بشيء» إنما محملها الجرح الشديد، فمحاولة الأستاذ أن يعكس القضية قلب للحقائق.
63- جرير بن عبد الحميد
. راجع (الطليعة) ص 43 - 46 وص 83، واقتصر الأستاذ في (الترحيب) ص 40 على أنه ليس فيما ذكرته ما يجدر التحدث عنه، كذا قال!
وقال في (التأنيب) ص110 «مضطرب الحديث
…
وكان سيئ الحفظ انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع، والكلام فيه طويل الذيل وليس هو ممن يساق خبره في صدد سرد المحفوظ عند النقلة إلا في مذهب الخطيب» .
أقول: أما قوله «مضطرب الحديث» فكلمه لم يقلها أحد قبل الأستاذ، وليس هو ممن يقبل منه مثل هذا غاية الأمر أن تعد دعوى، فما البينة؟ ليس بيده إلا قصة طلاق الأخرس وعليه في ذلك أمران:
الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني وليس بثقة، قال البخاري:«فيه نظر» وهذه من أشد كلمات الجرح في اصطلاح البخاري كما مر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحنيني، وقال أبو حاتم «متروك الحديث» وقال النسائي «ليس بثقة» وقال صالح بن محمد الحافظ «كان يكذب في الحديث» والكلام فيه كثير، وفي القصة ما ينكر. فإن الشاذكوني قال «قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لي مكرماً فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا ثَمَّ، فرأوا موضعي منه، فقال بعضهم: إن هذا بعثه ابن القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك
…
» وابن القطان وعبد الرحمن هما إماما مصرهما يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن الممتنع أن يكذب يحيي بن معين ورفقته عليهما هذا الكذب الفاحش.
الأمر الثاني: أن القصة لا تفيد اضطراباً وإنما تفيد تدليساً، زعم الشاذكوني أن جريراً ذكر أولاً عن مغيرة عن أيراهم في طلاق الخرس، ثم ذكره ثانياً عن سفيان عن مغيرة، ثم ثالثاً عن ابن المبارك عن سفيان، ثم قال «حدثنيه رجل خرساني عن ابن المبارك» فلو صحت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط ثلاثة، ثم بإسقاط اثنين، ثم بإسقاط واحد، ثم ذكره على وجهه، ولهذا قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) :«إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس» ولم يذكره في طبقات المدلسين لأن القصة لم تصح ذكر وقد ذكر أبو خيثمة جريراً فقال: «لم يكن يدلس» .
وقول الأستاذ: «كان سيئ الحفظ لم يقلها أحد قبله أيضاً، وإنما المعروف أن جريراً كان لا يحدث من حفظه إلا نادراً، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئاً حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة، فأما ما حكاه العقيلي عن أحمد أنه قال «لم يكن بالذكي اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرفه» فقد ذكر هذا لابن معين فقال: «ألا تراه قد بينها» يعني أن جريراً بين لمن بروي عنه أن حديث أشعث وعاصم اختلط عليه حتى ميز له بهز ذلك، وعلى هذا فلم يحدث عنهما حتى ميز له بهز فكان يحدث عنهما ويبين الحال، وهذا هو محض الصدق والنصيحة والضبط والإتقان، فإنه لا يطلب من المحدث أن لا يشك في شيء وإنما المطلوب منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه فإن حدث بما لا يتقنه بين الحال، فإذا فعل ذلك فقد أمنا من غلطة وحصل بذلك المقصود من الضبط.
فإن قيل فإنه يؤخذ من كلامهم أنه لم يكن يحفظ وإنما اعتماده على كتبه.
قلت: هذا لا يعطي ما زعمه الأستاذ «أنه كان سيئ الحفظ» فان هذه الكلمة إنما تطلق في صدد القدح فيمن لا يكون جيد الحفظ ومع ذلك يحدث من حفظة فيخطئ، فأما من لا يحدث من حفظه إلا بما أجاد حفظه كجرير فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ.
وأما قول الأستاذ: «انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع» فهذا تقليد من الأستاذ للشاذ كوني فانه هو الذي حكم على ذلك الخبر بأنه موضوع، والشاذ كوني قد عرفت حاله، فأما الخبر فإنما حدث به جرير عن مغيرة قوله كما في (الميزان) عن عثمان ابن أبي شيبة، وليس بموضوع ولا ضعيف، سواء أتوبع عليه جرير أم لم يتابع، فإنه لا ينكر لمثل جرير أن يتفرد بحديث مرفوع، فضلاً عن شيء من قول مغيرة بن مقسم.
وأما قول الأستاذ «والكلام فيه طويل الذيل» . فلم يبق إلا كلام الموثقين! قال الإمام أحمد «جرير أقل سقطاً من شريك، وشريك كان يخطئ» وقال ابن معين