الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرش الرحمن
ثبت بالنصوص القرآنية القطعية التي لا مجال للتأويل ولا التضليل فيها، أن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه، قاهر فوق عباده، وأن عرش الرحمن أعظم مخلوقات الله، وقد أفرده الله بالذكر في آيات كثيرة، ووصفه بأوصاف دلت على أن له
وجوداً مستقلًا عن سائر الموجودات، وهذه شذرة مما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية، قال رضي الله عنه:
وأما العرش فالأخبار تدل على مباينته لغيره من المخلوقات وأنه ليس نسبته إلى بعضها كنسبة بعضها إلى بعض (1) قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ" وقال سبحانه وتعالى: "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" الآية.
فأخبر أن للعرش حملة، اليوم ويوم القيامة، وأن حملته ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للمؤمنين، ومعلوم أن قيام فلك من الأفلاك بقدرة الله تعالى كقيام سائر الأفلاك لا فرق في ذلك بين كرة وكرة، وإن قدر أن لبعضها ملائكة في نفس
الأمر تحملها فحكمه حكم نظيره قال تعالى: "وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ" الآية، فذكر هناك أن الملائكة تحف من حول العرش، وذكر في موضع آخر أن له حملة، وجمع في موضع ثالث بين حملته ومن حوله فقال: "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ
الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ" وأيضاً فقد أخبر أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ
(1) يريد بهذا أنه ليس هو الفلك التاسع الأطلسي كا يزعمه المنجمون القدماء وفلاسفة اليونان.
عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" وقد ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض" وفي رواية له "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شي" وفي رواية لغيره
صحيحه "كان الله ولم يكن شيء معه، وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء".
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وهذا التقدير بعد وجود العرش، وقبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو سبحانه وتعالى يتمدح بانه ذو العرش، كقوله سبحانه (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا" وقوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ. يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وقال تعالى:
"وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ" وقد قرىء المجيد بالرفع صفة لله وقرىء بالخفض صفة للعرش. وقال تعالى "قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ" فوصف العرش بأنه مجيد، وأنه عظيم، وقال تعالى:"فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" فوصفه بأنه كريم أيضاً وكذلك في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم -كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" فوصفه الحديث بانه عظيم وكريم أيضاً" اهـ.
فأين يذهب المعترض بهذه الآيات الكريمة والنصوص القطعية في إثبات العرش ووصفه، وهل من سبيل إلى إنكارها أو صرفها عن ظاهرها، وتاويل أعظم مخلوق وأكبر موجود بالعدم الصرف، وأي فرق بين وجود السموات والأرض والعرش والكرسي يا ترى وهل يعقل ما يقول من يعادي هذه النصوص، ويخرق الإجماع الذي