الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأى أن امتناع العالم في ذاك العصر من إطلاق الكفر عليهم يكون ذريعة لانتشار تلك البدعة التي جَدَّ أهلها والدولة معهم في نشرها وحمل الناس عليها، ولعل الحلواني لم ينتبه لهذا، وعارض ذلك عنده ما يراه مفسدة أعظم. فأما قول أحمد:«لا أعرفه بطلب الحديث ولا رأيته يطلبه» فحق وصدق، أحمد في بلد والحلواني في بلد آخر، وقد قال يحيى القطان في عبد الواحد بن زياد:«ما رأيته طلب حديثاً قط» ولم يعدوا هذا تضعيفاً، والحلواني قال فيه يعقوب بن شيبة:«كان ثقة ثبتاً» وقال النسائي: «ثقة» وقال الترمذي: «كان حافظاً) . وروى عنه البخاري ومسلم في (صحيحهما) وأبو داود مع أنه لا يروي إلا عن ثقة ومع شدة متابعة لأحمد (1) .
78- الحسن بن علي بن محمد أبو علي المذهب التميمي
. له ذكر في ترجمة الخطيب وتكلم فيه الأستاذ في موضع آخر، وحاصل الكلام أن الخطيب قال في (التاريخ) ج 7 ص390: «كان يروي عن ابن مالك القطيعي (مسند أحمد بن حنبل) بأسره، وكان سماعه صحيحاً إلا لأجزاء منه فانه ألحق اسمه فيها وكذلك فعل في أجزاء من (فوائد ابن مالك) . وكان يروي عن ابن مالك أيضاً كتاب (الزاهد) لأحمد بن حنبل ولم يكن له به أصل عتيق وإنما كانت النسخة بخطه كتبها باخرة. وليس بمحل للحجة. حدثنا ابن المذهب
…
ثنا ابن مالك وأبو سعيد الحرقي قالا ثنا أبو شعيب الحراني ثنا البابلتي
…
وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس هذا الحديث فيه. حدثني ابن المذهب حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق وعلي بن عمر والحافظ وأبو عمر بن مهدي قالوا حدثنا الحسين بن إسماعيل
…
فأنكرته عليه وأعلمته أن هذا الحديث لم يكن عند أبي عمر بن
(1)
…
قلت: وأورده الذهبي في (تذكرة الحفاظ) 2 / 94 ووصفه ب «الإمام محدث مكة.. ورحل إلى عبد الرزاق فأكثر وصنف وتعب في هذا العلم، قال إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدنيا ثلاثة: الدهلي بخراسان، وابن الفرات بأصبهان، والحلواني بمكة» . ن
مهدي فأخذ القلم وضرب على اسم ابن مهدي؛ وكان كثيراً يعرض عليّ أحاديث في أسانيدها أسماء قوم غير منسوبين ويسألني عنهم فاذكر له أنسابهم، فليحقها في تلك الأحاديث ويزيدها في أصوله موصولة بالأسماء، وكنت أنكر عليه هذا الفعل فلا يثني عنه» .
أقول: أما الأمر الأول، وهو إلحاق السماع فأجاب ابن الجوزي في (المنتظم) ج 8 ص 155 بقوله «هذا لا يوجب القدح لأنه إذا تبين سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه؛ والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل أخبرني فلان ويمنعون أن يكتب سماعه بخط نفسه أو إلحاق سماعه بما يتقنه» .
أقول: جرت عادتهم بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس فمن لم يسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا أدعى بعد ذلك سمعه أنه ارتابوا فيه لأنه خلاف الظاهر فإذا زاد فألحق اسمه أو تسمعيه بخط كاتب التسميع الأول قالوا: زوَّر. والظاهر أن هذا لم يقع من ابن المذهب، ولو كان وقع لبالغ الخطيب في التشنيع، وإنما ألحق ما ألحق بخطه الواضح، ولا ريب أن من استيقن أنه سمع جاز له أن يخبر أو يكتب أنه سمع، وأن من تثبيت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعاً ولا معارض له، أو يعارضه ما مر ولكن له عذر قريب كأن يقول فاتني أولاً ذلك المجلس وكان الشيخ يعتني بي فأعاده لي وحدي ولم يحضر كاتب التسميع، فإنه يقبل منه، ولعل هذا هو الواقع، فقد دل اعتماد الخطيب عليه في كتاب (الزهد) كما يأتي واقتصاره في الحكم على قوله «ليس بمحل للحجة» أنه كان عنده صدوقاً، وذكر ابن نقطة كما في (الميزان) أن مسندي فضالة ابن عبيد وعوف بن مالك وأحاديث من مسند جابر لم تكن في كتاب ابن المذهب وهي ثابتة في رواية غيره عن شيخه قال:«ولو كان يلحق اسمه كما زعم الخطيب لألحق ما ذكرناه» يعني لو كان يلحق اسمه فيما لم يسمع، والخطيب لم يقل ذلك، وإنما أطلق أنه الحق اسمه لأن ثبوت السماع بمجرد الدعوى مع الصدق ليس في درجة ثبوته بالبينة، وقد قال الخطيب في (الكفاية) ص 109 «ومذاهب النقاد
للرجال غامضة دقيقة وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره
…
رجاء إن كان الراوي حيا أن يحمله ذلك على التحفظ
…
وإن كان ميتاً أن ينزله من ينقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز
…
» وقال شجاع الذهلي: «كان شيخاً عسراً في الرواية وسمع الكثير ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية كأنه خلط في شيء من سماعه» وقال السلفي: «كان مع عسره متكلماً فيه
…
» والعسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد وهذه الصفة تنافي التزيّد ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماع ما لم يسمع من شهو ة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك، فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد فأي داع له إلى التزيّد؟
وأما الأمر الثاني وهو قضية كتاب (الزهد) فقد قال السلفي عقب ما مر عنه «حدث بكتاب الزهد بعد ما عدم أصله من غير أصله» فدل هذا على أنه كان لابن المذهب أصل بكتاب (الزهد) ولكن عدمه وبقيت عنده نسخة بخطه فلعله كان قد عارضها بأصله أو أصل آخر علم مطابقته لأصله. ويقوي ذلك أن الخطيب نفسه سمع منه كتاب (الزهد) وروى منه أشياء.
وأما الأمر الثالث وهو قول الخطيب «وليس بمحل للحجة» فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به، وهذا لا يدفع أن يعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف:(المسند) و (الزهد) وسيأتي في ترجمة عبد العزيز بن الحارث طعنهم فيه وتشنيعهم عليه وتشهيرهم به بسبب حديثين نسبهما إلى (المسند) وهم يرون أنهما ليسا منه، ولم يغمزوا ابن المذهب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما (المسند) و (الزهد) لسائر النسخ الصحيحة فالكلام فيه وفي شيخه لا يقتضي أدنى خدش في صحة (المسند) و (الزهد) ، فليخسأ أعداء السنة.