الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقيقة والمجاز
(2)
كرر الكوثري وأعاد في الدال والمدلول، والحقيقة والمجاز، والحرف والصوت والمداد، وبهت بعض الأئمة كابن قدامة بما لا يصح أن يقوله عاقل، كل ذلك ليتحلل مما اشتهر عن أئمة السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ واليه يعود، وحاصل ما أبدأ وأعاد، أنه ليس لله تعالى كلام يتلى بيننا! وأن ما بين دفتي المصحف ليس كلام الله، فخالف النصوص، والاجماع، وسلف الأمة وأئمتها، فما أدري ما يقول في قوله تعالى "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ"(1) " وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (2) .
بل أدري أنه سيقول، بل قد قال فعلاً: حتى يسمع مدلول، أو دال كلام الله، لا أن يسمع كلام الله حقاً، وهذا هو تحريف كلام الله بعد سماعه وعقله تقليداً لمتفلسفة اليونان.
وإذ قيل له: هل نادى الله موسى وناجاه وقربه نجياً وهل سمع موسى كلام الله؟ فسيقول: بل قال: إنما سمع مدلول، أو دال كلام الله! وهكذا من أنواع هذه القرمطة التي تفسد العقول والفِطر، وتشكك في كتب الله وشرائعه.
ونسأله عما تقر به العقول وتعترف به الفِطَر، أن الكلام هو كلام من قاله ابتداءً وانشاءً وتاليفاً؛ فهذا القرآن الذي نسمعه من القارىء ونسمع صوته به: من الذي
(1) سورة التوبة: 6.
(2)
سورة البقرة: 75.
قاله ابتداء، ومن أول من قال:"الم""ألمص""ألمر"" كهيعص"" طسم"" ص ""ق""ن" أهو الله الذي تكلم بذلك أولَاً، ونزل به الروح الأمن جبريل على قلب النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم وقرأه النبي على أصحابه؟.
إن قلت: ذلك، فهذا هو المطلوب، القرآن كلام الله تكلم به أولًا وهو كلامه حقاً، وما نسمعه من القارىء هو كلام الله نسمعه من صوت القارىء، وليس هو كلام القارىء، فالكلام كلام الله حروفه ومعانيه، والصوت صوت القارىء رخيماً أو غليظاً، ففرق في الفطر السليمة بين الكلام المؤلف من كلمات وحروف، وبين الصوت الذي هواهتزاز الهو اء في الحنجرة، والفم، وطبقات الهو اء، وكل ذي فطرة سليمة يعلم أن:" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "(1) كلام الله، وصوت القارىء بها هو صوت القارىء، ومداد الكاتب لها مداده، وللكلام وجود في الأعيان، وفي الأذهان، وفي الكتابة.
فإن قلت: إن الذي نسمعه من القرّاء، ونكتبه في المصاحف، ليس كلام الله، فقل لي بربك: من أولَ من تكلم به، بكلماته، وحروفه، واعفنا بربك من دالٍّ ومدلول، وحكاية وعبارة، التي تؤول إلى أن القرآن بكلماته وحروفه ليس كلام الله، فتشبه فيلسوف قريش إذ يقول في القرآن:" إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ "(2) وقولهم " وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا "(3) .
وبعد: فإنا نؤمن أن القرآن كلام الله؛ ألفاظه، وحروفه، ومعانيه، ليس من تأليف مخلوق، لا جبريل، ولا محمد، ولا اللوح المحفوظ، ولا من نظم أي مخلوق - غير الله تعالى- قرأه القارىء فالكلام كلام الله والصوت صوت القارىء، أوكتبه الكاتب، فالكلام المكتوب كلام الله، والكتابة والمداد وحركة اليد فعل الكاتب، والورق صنع الوراقين. والحديث يقول:(إن الله ينادي بصوت- أي يوم القيامة- يسمعه من قَرُبَ كما يسمعه من بَعُدَ" (4) ونقول: إن الله كلم موسى وأسمعه كلام الله
(1) الفاتحة: 1.
(2)
سورة المدِّثِّر: 24.
(3)
صورة الفرقان: 5.
(4)
رواه البخاري تعليقاً وقواه ابن تيمية. وشرحه برصالة صغيرة مفيدة. وإنا لنجد من المخترعات الحديثة ما جعل كلام البشر يسمع في هذه الدنيا من بعد كما يسمع من قرب. والذين حكموا =