الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في الكشف عن مذهب المعتزلة وبيان حقيقته
كانت المعتزلة تقول: إن الله منَزَّه عن الأعراض والأبعاض والحوادث والحدود، ومقصودهم نفيُ الصفات ونفيُ الأفعال، ونفي مباينته للخلق وعلوه على العرش، وكانوا يعبِّرون عن مذاهب أهل الإثبات أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب، فإنهم إذا قالوا: إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر هذه العبارة ما ينكر، لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد، كالأعراض التى تعرض لبني آدم من الأمراض والأسقام، ولا ريب أن الله منزَّه عن ذلك، ولكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به، ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها هم أعراضاً. وكذلك إذا قالوا: إن الله منزَّه عن الحدود والأحياز والجهات، أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ومقصودهم أنه ليس مبايناً للخلق ولا منفصلاً عنه، وأنه ليس فوق السماوات رب ولا على العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إليه، ولم ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه شيء، ولا يتقرب إلى شيء، ولا ترفع إليه الأيدي في الدعاء ولا غيره، ونحو ذلك من معاني الجهمية. وإذا قالوا: إنه ليس بجسم أوهموا أنه ليس من جنس المخلوقات، ولا مثل أبدان الخلق، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يرى ولا يتكلم بنفسه، ولا تقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق وأمثال ذلك. وإذا قالوا: لا
(*) إن هذا الفصل كتبه أستاذنا البيطار في كتابه القيم "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" نقلناه هنا لارتباطه بالموضوع.
تحله الحوادث أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلاً للتغيرات والاستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم، وهذا معنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه، ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان، أو مجيء وأن المخلوقات التي خلقها لم يكن منه عند خلقها فعل أصلاً، بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول، وخلق ومخلوق، بل المخلوق عين الخلق، والمفعول عين الفعل ونحو ذلك، وابن كُلَاّب ومن اتبعه وافقوهم على هذا، وخالفوهم في إثبات الصفات.
الإمام الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى وكذلك الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، ولهذا يثبت العلوّ ونحوه مما تنفيه المعتزلة، ويثبت الاستواء على العرش، ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش- أي هو تعالى مستول على كل شيء من مخلوقاته لا على العرش وحده، وهو العالي على كل شيء، المحيط بكل شيء في جميع أحواله من نزوله وارتفاعه، لا يحيط به شيء، ولا يحتوي عليه شيء. وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون: أنهم يحتجون بالعقل لما عرف ثبوته بالسمع، فالشرع هو الذي يعتمد عليه في أصول الدين، والعقل عاضد له معاون، لكن المعتزلة القائلين بأن دلالة السمع موقوفة على صحته صرحوا بأنه لا يستدل بأقوال الرسول على ما يجب ويمتنع من الصفات بل ولا الأفعال، وصرحوا بأنه لا يجوز الاحتجاج على ذلك بالكتاب والسنة وإن وافق العقل، فكيف إذا خالفه.
وهذه الطريقة هي التي سلكها من وافق المعتزلة في ذلك.
وأما الأشعري وأئمة أصحابه فإخهم مثبتون لها (أي الصفات الخبَرية) يردون على من ينفيها، أو يقف فيها فضلاً عمن يتأولها.
وأمَّا مسألة قيام الأفعال الاختيارية به، فإنَّ ابن كُلَاّب والأشعري وغيرهما ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسالة القرآن، وبسبب ذلك وغيره تكلم الناس فيهم في هذا الباب بما هو معروف في كتب أهل العلم ونسبوهم إلى البدعة، والصواب أن الله