الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الجنة، فلا يكون شيء ألذ ولا أجمل من سماع كلام الله من الله، وليحرم الجهمية والجعدية، والمريسية، أنفسهم من الايمان بسماع كلام الله تعالى، وران على قلوبهم ما اخترعته لهم الفلسفة من دال ومدلول وعبارة وحكاية ومحال، حتى حرمتهم لذة كلام الله تعالى، والإيمان به عند تلاوته، وأسقطت حرمته من قلوبهم.
اللهم ايماناً كإيمان العجائز، ونحمدك على العافية من فلسفة الرازي والآمدي، والتفتازاني، ونفي الجعد، والجهم، والمريسي وأذنابهم إلى عصر الكوثري، ولك الحمد والمنة على ما هديتنا ووفقتنا من الايمان بكتابك الكريم، وسنة نبيك الهادي إلى صراطك المستقيم، واتباع سلف الأمة وأئمتها، واقتفاء خُطاهم، وسلوك سبيلهم، ومجانبة طرق الغواية والضلال والغضب من أمثال جعد وجهم وَبِشْر ومن ينصرهم، ويغضب لهم، ويحمى حمية الجاهلية للرد عليهم وبيان زيغهم وزيفيم وممن يحذر من شرورهم، وينصح للمسلمين وأئمتهم وعامتهم، ولكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويحتمل الأذى في بيانها وتعليمها ونشرها والصبر عليها، والدعوة عليها وإن كرهها الكارهون، وغضب لتبيانها ونشرها، وطبع الكتب الهادمة لضلال جعد وجهم وبشر وأمثالهم (1) ، ومن غص بنصوص القرآن والسنة وطريق سلف الأمة وأئمتها، ونسأله تعالى بحقه وكرمه ولطفه كما هدانا لهذا أن يديمه علينا إلى الممات، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
الإيمان قول وعمل
(3)
يرمي الكوثري خيار الأمة الذين قالوا: إن الإيمان، قول، وعمل، واعتقاد؛ ويزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي قالوا ذلك اتباعاً للنصوص الصريحة المستفيضة من القرآن والسنة: بانهم- في سبيل الانحياز الى المعتزلة أو الخوارج متهماً لهم أنهم-
= عقولهم القاهرة في صفات الله جل وعلا فجعلوا هذا الحديث مما يُستَعْبِد عقلًا أخزاهم الله، فإنهم أجهل البشر، وتعالى الله عن كل تشبيه وتمثيل وله المثل الأعلى.
(1)
وقد يسر الله طبع الكثيرمن هذه الكتب على نفقة بعض المحسنين الذين غايتهم وجه الله. كما يقوم أعداء السنة بطبع الكثير من كتبهم وستكون عليهم حسرات في الدنيا والآخرة.
يقولون: إن من أخل بشيء من العمل يكون أخل بالإيمان، (1) فبئس ما افتراه عليهمْ، كبرت كلمة تخرج من فيك يا كوثري، أن يكون خيار الأمة وأكابر الأئمة، مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي ومن قبلهم من التابعين، والصحابة، ومن بعدهم ممن هو على آثارهم، منحازين إلى المعتزلة والخوارج، شاعرين بزعمك- أو غير شاعرين- وهم أعرف الناس بشرور المعتزلة والخوارج وضلالهم، وأنصح الأمة للأمة، بالبعد عن الانحراف عن طريق أهل السنة والجماعة، تشهد بذلك أقولهم وآثارهم وتعاليمهم، وكتبهم ومجالسهم وتلاميذهم، في كل بلد وفي كل عصر ومصر إلى يوم القيامة.
لقد قالوا: يتفاوت الايمان من أدنى درجاته في آخر من يخرج من النار، إلى أعلى درجاته في أعلى عِلِّيين من أهل الغرف الذين يتراءون كالكوكب الدري الغابر في الأفق. ولم يقولوا: إن إيمان السكير العربيد الذي لا يدري عن نفسه- لسكره وعربدته- كايمان جبريل، وميكائيل، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصديق الأمة أبي بكر، وفاروقها عمر وغيرهم.
لم يقولوا بهذه المخزيات، وإنما قالوا بما قال الله ورسوله: من تفاوت أهل الايمان في الإيمان والأعمال، وتدرجهم ممن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من الإيمان، إلى سكان الفردوس أعلى الجنة وصاحب الدرجة الرفيعة والوسيلة والمقام المحمود، ولا يقولون: إن من أخل بشيء من الأعمال يكون قد أخل بالإيمان، كما بَهَتَهُمْ به هذا البهات، وافتراه عليهم، فأقوالهم وكتبهم وتعاليمهم ومتواتر مذاهبهم: أن المؤمن يكون فيه خير وشرة وله حسنات وسيئات ولا يخلو من الخير إلا الشيطان الرجيم، ولا يسلم من الشر إلا الملائكة والنبيون صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا هو السبب في تصريحهم بالاستثناء في الايمان، فيقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء تعالى اعترافاً بالخطأ
(1) أنظر كلام الكوثري والرد عليه في "التنكيل "(2/363- 378) وقد طبعه رجل العلم والفضل في بلاد الحجاز الشيخ محمد نصيف عليه رحمة الله. وقد حققه المحدث الشيخ ناصر الدين الالباني وكان هذا مما أثار حفيظة أهل التخريف على الشيخ نصيف والمحدث الألباني ولهما الأجر إن شاء الله.
والنقص وتقريراً للتقصير والتواني؛ وإيماناً منهم بأن هذا الدين لن يشاده أحد إلا غلبه، فيسددون ويقاربون، ويستغفرون الله لتقصيرهم وعدم اللحاق بأول القافلة، فيستثنون في الايمان. لهذه المقاصد الصحيحة لا شكاً في دينهم كما تجناه عليهم هذا المتجني وأضرابه، الذين قالوا؛ سؤال: هل يجوز التزوج بالشافعية التي تقول: أنا مؤمنة إن شاء الله، فتشك في دينها؟ والجواب: يجوز قياساً على الذمية اليهودية والنصرانية (1) ، يا للعجب العجاب وضياع العقل والصواب! مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر تعترف أن الايمان يزيد وينقص، بنص القرآن والحديث ولا تعرف كم عندها من درجات الإيمان، وكم حصلت من شعبه وأغصانه، أو بتعبير حسابي عصري كم النسبة المئوية أو الألفية عندها من الإيمان، فتكل الأمر إلى علام الغيوب وتقول: أنا مؤمنة إن شاء الله تعالى، فيأتي قوم يقولون: إن إيمان السكير العربيد كإيمان جبريل، وميكائيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، يقولون بكفرها، ويشككون في جواز نكاحها، ثم يستحي منهم من بقي للحياء فيه بقية، فيقيسها على اليهودية والنصرانية! مسلمة تقاس في جواز نكاحها بجواز نكاح اليهودية والنصرانية!؟
وأنا بدوري على قلة عنايتي بأصولهم، أتعجب من هذا القياس الذي تأباه أصولهم وأوضاعهم، فهذه المسلمة التقية التي استثنت في إيمانها خوفاً من الله تعالى أن تتإلى عليه بشيء لا تحيط بمداه وجوانبه، تحكم عليها قواعدهم أنها شاكة، فهي بزعمهم مرتدة، فكيف جاز قياسها على اليهودية والنصرانية في حل النكاح؟ فالقياس المتجه شكلاً على أصولهم، الباطل موضوعاً بنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الشَّاكَّة المرتدة تقتل بعد أن تستتاب؛ لا أن يحل زواجها قياساً على اليهودية والنصرانية- بزعمهم- التي لا تقتل ولا تستتاب، والقوم أهل القياس، فكيف غاب عنهم الفرق بين المرتدة والذمية؟
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بُشر بقصر في الجنة، رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى
(1) أنظر النص المثبت في مقدمة "شرح العقيدة الطحاوية"(ص- 59) الطبعة الثامنة- المكتب الاسلامي.