الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول: تكلموا فيه لخوضه في طرف من الكلام واستخفافه بالإمام أحمد بن حنبل كما مر في ترجمة الخطيب، وأما الرواية فلم أر من غمزه فيها بل قال ابن حبان في (الثقات) :«كان ممن جمع وصنف ممن يحسن الفقه والحديث، أفسده قلة عقله» . (1)(2)
85- حماد بن سلمة بن دينار
. في (تاريخ بغداد)(13/390) عنه «أبو حنيفة هذا يستقبل السنة يردها برأيه» وفيه (13/406) من طريق فهد بن عوف «سمعت حماد بن سلمه يكني أبا حنيفة أبا جيفة» قال الأستاذ ص 91 «حماد بن سلمة ليس ممن يفرق بين من يأخذ بالسنة ومن يردها، وهو راوي تلك الطامات في الصفات منها رؤية الله في صورة شاب ومثله يجب أن يسكت عن الأئمة حتى يسكت الناس عن تخليطه، وقال ص 139 «يروي تلك الطامات المدونة في كتب (الموضوعات) وقد أدخل في كتبه ربيباه ما شاء من المخازي كما قال ابن الجوزي، وتحاماه البخاري ولم يذكر مسلم من أحاديثه إلا ما سلم من التخليط من رواياته قبل أن يختلط، وكان المسكين على براعته في العربية وصيته الطيب مبدأ أمره، ساءت سمعته وأصبح أداة صماء بأيدي الحشوية في أواخر عمره
…
»
أقول: الكلام في حماد يعود إلى أربعة أوجه:
الأول: أنه سيئ الحفظ يغلط. وهذا قد ذكره الأئمة، إلا أنهم خصوه بما يرويه عن غير ثابت وحميد واتفق أئمة عصرهم على أنه اثبت الناس في ثابت، وقال أحمد «أثبتهم في ثابت حماد بن سلمة» وقال أيضاً:«حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد وأصح حديثاً» .
وقال في موضع آخر: «هو أثبت الناس في حميد الطويل
…
» وقال ابن معين: «من خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول قول حماد» ، وقال أيضاً من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن
(1) حسين بن محمد بن أيوب الذارع. أنظر ترجمة عبد الله بن محمد العتكي.
(2)
حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي. مر في ترجمة أبيه.
سمع منه نسخاً فهو صحيح» يعني أن الخطأ كان يعرض له عندما يحول من أصوله إلى مصنفاته التي يجمع فيها من هنا وهنا، فأما النسخ فصحاح، وقال علي ابن المديني:«لم يكن في أصحاب ثابت اثبت من حماد بن سلمة، ثم بعده سليمان بن المغيرة، ثم بعده حماد بن زيد وهي صحاح» .
الوجه الثاني: أنه تغير باخرة. وهذا لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أرعبته شقاشق أستاذه ابن فورك المتجهم الذي حذا حذو ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات والطعن فيها، وإنما قال البيهقي:«هو أحد أئمة المسلمين إلا أنه لما كبر قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثاً أخرجها في الشواهد» .
أقول: أما التغير فلا مستند له ونصوص الأئمة تبين أن حماداً أثبت الناس في ثابت وحميد مطلقاً، وكأنه كان قد أتقن حفظ حديثهما، فأما حديثه عن غيرهما فلم يكن يحفظه، فكان يقع له فيه الخطأ إذا حدث من حفظه أو حين يحول إلى الأصناف التي جملها كما مر. ولم يتركه البخاري بل استشهد به في المواضع من (الصحيح) فأما عدم إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غير أهل لذلك، ولذلك نظائر، هذا سليمان بن المغيرة الذي تقدم أنه من أثبت الناس في ثابت وأنه أثبت فيه من حماد بن زيد وقد ثبته الأئمة جداً، قال أحمد:«ثبت ثبت» وقال ابن معين «ثقة ثقة» والثناء عليه كثير ولم يغمزه أحد، ومع ذلك ذكروا أن البخاري لم يحتج به ولم يخرج له إلا حديثاً واحداً مقرونا بغيره. وقد عتب ابن حبان على البخاري في شأن حماد بن سلمة وذكر أنه قد أخرج في غير الشواهد لمن هو دون حماد بكثير كأبي بكر بن عياش وفليح وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. واعتذر أبو الفضل بن طاهر عن ذلك بكلام شريف قال: «حماد بن سلمة إمام كبير مدحه الأئمة وأطنبوا، لما تكلم بعض منتحلي الصنعة (كما يأتي)
أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم. ومسلم اعتمد عليه لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا وساهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل على ثقته وأمانته» .
الوجه الثالث: زعم بعضهم انه كان له ربيب يدخل في كتبه وقيل ربيبان وصحف بعضهم «ربيب حماد» إلى «زيد بن حماد» راجع (لسان الميزان) ج 2 ص 506. ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي، وقال الذهبي في (الميزان) : «الدولابي حدثنا محمد بن شجاع ابن الثلجي حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث - يعني التي في الصفات - حتى خرج مرة إلى (عبادان) فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه من البحر فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه» قال الذهبي: «قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقد اتهم. نسأل الله السلامة» .
أقول: الدولابي حافظ حنفي له ترجمة في (لسان الميزان) ج 5 ص41 وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله إلا في قبوله لها من ابن الثلجي وروايتها عنه. كان ابن الثلجي من إتباع بشر المريسي جهمياً داعية عدواً للسنة وأهلها، قال مرة:«عند أحمد ابن حنبل كتب الزندقة، وأوصى أن لا يعطي من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه قال ابن عدي «كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك» وذكر ما رواه عن حبان بن هلال، وحبان ثقة، عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعا «إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها» وكذبه أيضاً الساجي والأزدي وموسى بن القاسم الأشيب. فأما ما نسب غليه من التوسع في الفقه
وإظهار التعبد فلا يدفع ما تقدم. وحكايته هذه يلوح عليها الكذب، إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدي ولد أبوه سنة 135 فمتى ترى ولد إبراهيم؟ ومولد ابن الثلجي كما ذكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من (التهذيب) شيء من رواية ابن المديني عن إبراهيم وهذا يشعر بأنه عاش بعد أبيه، وأبوه مات سنة 198 فإذا كان إبراهيم مات سنة 200 فمتى تراه ولد؟ وقد قال الخليلي:«مات وهو شاب لا يعرف له إلا أحاديث دون العشرة يروي عنه الهاشمي جعفر بن عبد الواحد أحاديث أنكروها على الهاشمي وهو من الضعفاء» وحماد بن سلمة توفي سنة 167.
ومقتضى ما تقدم أن يكون إبراهيم حينئذ إما صبياً صغيراً وإما لم يولد فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى «عبادان» وكيف عرف هذا الأمر العظيم ولم يعرفه أبوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه؟ وكلهم أبلغوا في الثناء على حماد كما يأتي، ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذكر ابن حبان له في (الثقات) لا يجدي لأنه لم يثبت عنه أحاديث كثيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟ ولا إلى أن يقال لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكى بل الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي؛ وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب مع أن عباداً متروك، وقال عبدان: لم يكذبه الناس وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر» فعلى هذا فعباد وهو المبتلى بابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي (الميزان) أحاديث من مناكيره.
الوجه الرابع: أن حماداً روى أحاديث سماها الكوثري: طامات، وأشار إلى أن أشدها حديث رؤية الله في صورة شاب.
والجواب: أن لهذا الحديث طرقاً معروفة في بعضها ما يشعر بأنها رؤيا منام، وفي بعضها ما يصرح بذلك، فإن كان كذلك اندفع الاستنكار رأساً، وإلا فلأهل العلم في تلك الأحاديث كلام معروف، وفي (اللآلئ المصنوعة) أن محقق الحنفية