الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره وكيع وإن كانت الحكاية منقطعة؟
إذا تدبرت هذا علمت أنه لا يستقيم ما استدل به الخطيب إلا حيث يكون الجرح مبيناً مفسراً مثبتا مشروحاً بحيث لا يظهر دفعه إلا بنسبة الجارح إلى تعمد الكذب، ويظهر أن المعدل لو وقف عليه لما عدل، فما كان هكذا فلا ريب أن العمل فيه على الجرح وإن كثر المعدلون وأما ما دون ذلك فعلى ما تقدم في القضية الأولى.
8- قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا
…
قال البخاري في (جزء القراءة) : «والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يبين.. ولو صح.. فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ولا يتهمه في الأمور كلها، وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في «الموطأ» وهما مما يحتج بحديثهما، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم وتأويل بعضهم في العرض والنفس، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم يسقط عدالتهم إلا ببرهان وحجة
…
وقال بعض أهل المدينة إن الذي يذكر عن هشام بن عروة قال كيف يدخل ابن إسحاق على امرأتي؟ لو صح عن هشام جائز أن تكتب إليه
…
وجائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب وهشام لم يشهد» .
وفي (فتح المغيث) للسخاوي ص 130 عن محمد بن نصر المروزي: «كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحة» .
وفي ترجمة عكرمة من (مقدمة فتح الباري) عن ابن جرير:
«من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه: لا تكذب عليَّ، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة» . وقال ابن عبد البر:
«الصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته بينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة» . قال السخاوي في (فتح المغيث) :.. ليس المراد إقامة بينة على جرحه بل المعنى أنه يستند في جرحه إلى ما يستند إليه الشاهد في شهادته وهو المشاهدة ونحوها» .
قد يقال: إن كان المراد بثبوت العدالة أن يتقدم التعديل والحكم به والعمل بحسبه على الجرح، فهذا إنما يكثر في الشهود، وإن كان المراد بثبوتها حصول تعديل على أي حال كان، فهذا لا وجه له، فقد تقدم في القاعدة السادسة ما يعلم منه أن التعديل يتفاوت، ويحتمل كثير منه الخلل كما يحتمله الجرح الذي لم يشرح كل الشرح، أو أشد، ومن تتبع صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيراً ما يقدمون الجرح الذي لم يشرح كل الشرح على التوثيق، كما في حال إبراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما، وكثيراً ما يقع للبخاري وغيره القدح فيمن لم يدركوه وقد سبق أن عدله معدل أو أكثر، ولم يسبق أن جرحه أحد.
فأقول: الذي يتحرر أن للعدالة جهتين:
الأولى استقامة السيرة، وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته ويعدل تعديلاً معتمداً وتمضي مدة ثم يجرح. فأما ما عدا فالمدار على الترجيح وقد مر في القاعدة السابقة.
الجهة الثانية: استقامة الرواية وهذا يثبت عند المحدث بتتبعه أحاديث الراوي واعتبارها وتبين أنها كلها تدل على أن الراوي كان من أهل الصدق والأمانة، وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروا من حديثه بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدفع التهمة عن الراوي فقد ثبتت استقامة روايته. وقد حاولت العمل بهذا في بعض الآتين في قسم التراجم كالحارث بن عمير والهيثم بن جميل. فأما ما عدا هذا فإننا نحتاج إلى الترجيح، فقد يترجح عندنا استقامة رواية الرجل باحتجاج البخاري به في صحيحه لظهور أن البخاري إنما احتج به أن تتبع أحاديثه وسبرها وتبين له استقامتها، وقد علمنا مكانة البخاري وسعة إطلاعه ونفوذ نظره وشدة احتياطه في (صححه) ، وقس على ذلك وراجع ما تقدم في القواعد السابقة. والله الموفق.
هذا وقد تعرض ابن السبكي في ترجمة أحمد بن صالح من (طبقات الشافعية) لهذه القاعدة وزاد فيها فقال:
«فنقول مثلاً لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائماً على كذبه
…
ومعنا أصلان نستصحبهما إلى أن نتيقن خلافهما أصل عدالة الإمام المجروح
…
وأصل عدالة الجارح
…
فلا نلتف إلى جرحه ولا نجرحه بجرحه، فاحفظ هذا المكان فهو من المهمات
…
فنحن نقبل قول ابن معين
…
ولا نقبل قوله في الشافعي ولو فسر وأتى بألف إيضاح لقيام القاطع على أنه غير محق بالنسبة إليه» .
أقول هو ّل على عادته، والإنصاف أن الشافعي لم يكن معصوماً، ولم يقم القاطع اليقيني على أنه لم يقع منه ما إذا وقع من الرجل صح أن يجرح به ولم يكن الشافعي طول عمره في جميع أحواله لا يزال بحضرته جم غفير تقضي العادة حتماً بأنه لو وقع