الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوسل إلى الله تعالى
بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى
والأمثلة الدالة على ذلك
تعريفه: هو أن تقدم بين يدي دعائك إلى ربك تعالى تمجيداً له وتعظيماً وحمداً وتقديساً في ذاته العلى. ثم تدعو بما بد لك
…
ليكون هذا الحمد والتمجيد والتعظيم والتقديس للرب تعالى وسيلة إليه سبحانه لأن يتقبل دعاءك ويجيبك إلى ما دعوت وتنال مطلوبك.
إن أعلى أنواع التوسل إلى الله تعالى وأقربها إجابة: التوسل إليه عز وجل بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. لأنه تمجيد وتقديس وثناء على الله تعالى وهو كما أثنى على نفسه والقرآن والسنة مكتظة صفحهما بالأمثلة على الحض على التوسلات إليه تعالى. ولأجل توضيح ذلك .. نضع صوراً عديدة من هذه الأمثلة
…
ولتكون أيضاً بمثابة الأدلة على صحة التوسل الذي ندعو إليه المسلمين دون سواه ونعتبره منهجاً صحيحاً ومسلكاً مثالياً للتوسل الشرعي أمر الله تعالى به ووضحه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
((الأمثلة الدالة على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاته
من القرآن الكريم))
إن الله تعالى دلنا دلالات واضحة وصريحة في كتابه العزيز على التوسل إليه والآيات في توضيح ذلك كثيرة
…
إنما نقتطف لك يا أخي المسلم بعضاً منها على سبيل المثال وهي في نفس الوقت دليل قاطع من كتابه تعالى على توضيح مراده من كيفية التوسل إليه سبحانه ليكون سبباً يحبه الله ويرضاه لاستجابة الدعاء.
الدليل الأول
قال الله تعالى:
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون
ما كانوا يعملون (180)
الأعراف 180
هذا أمر من الله تعالى لعباده يحضهم فيه على أن يدعوه تعالى بأسمائه الحسنى ليكون دعاؤهم إليه إلى الاستجابة أقرب. أما الذين يلحدون في أسمائه أي يشركون بها فذروهم إليه فهو سيعاقبهم على ما كانوا يشركون بأسمائه. وأصل الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف.
هذا ما يدعو الله عباده المؤمنين إليه من التوسل إليه بأسمائه الحسنى.
قال أبو يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. والدعاء المأذون فيه: المأمور به: ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماع الحسنى فادعوه بها) وقال رحمه الله: وكذا لا يصلي أحدٌ على أحدٍ إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وكره قوله بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك أو بحق البيت لأنه لا حق للخلق على الخالق تعالى وذكر العلائي في التنوير عن (التتار خانية) أن أبا حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وفي جميع متون الحنفية: إن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء والأولياء وبحق البيت الحرام مكروه كراهة تحريم وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد اهـ ملخصاً.
وهكذا فإن المنكر لذلك النقل جاهل بمذهب أبي حنيفة رحمه الله.
وقوله تعالى (وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) فيه تهديد ووعيد من الله تعالى، لمن ينحرفون عن دعاء الله بأسمائه الحسنى ويدعون غيره. ويأمر تعالى بمقاطعة الذين يلحدون بأسمائه عند التأكيد من عنادهم الباطل وعدم انقيادهم للحق فإن الله أعد لهم ما يستحقون من العذاب والنكال والعياذ بالله تعالى:
إن ما تقدم من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
…
) أمر منه سبحانه بأن نتوسل إليه بأسمائه الحسنى في جملة التوسلات المشروعة كما يكون دعاؤنا إليه أقرب للإجابة ولا شك في أن ما يصح في الأسماء يصح كذلك في الصفات لأن الأسماء مشتقة من الصفات غالباً
…
ولا يعقل أن تكون أسماء وصفات لغير ذلت. إذا .. فيكون المتكلم القائل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
…
) هو ذات الله تبارك وتعالى وتقدس.
وعلى هذا تكون هذه الآية من حيث الحض على التوسل بأسماء الله الحسنى شاملة أيضاً الحض على التوسل بالصفات العلى والذات العلية لأن هذا النوع من التوسل من أعلى أنواع التوسل المشروع وأقرب أسباب الإجابة لدعاء الداعي فجلت وعزت ذاته عن ذوات المخلوقين وتعالت أسماؤه وتنزهت عن أسماء المخلوقين وتقدست صفاته وتسامت عن صفات المخلوقين. (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
هذا الرب العظيم وهذا الإله المتعال هو الذي يدعو عباده إلى التوسل إليه وإلى التقرب إلى جنابه العزيز ويرشدنا في قرآنه الكريم إلى توسلات الأنبياء والرسل وكيف كانوا يتوسلون إليه لنتخذهم قدوتنا الصالحة وأسوتنا الحسنة وما هو جلت صفاته وتقدست أسماؤه يعطينا الأمثلة لتكون لنا حافزة على الاقتداء بأنبيائه ورسله والتأسي بهديهم. على هذا الصراط المستقيم.
الدليل الثاني
قال الله تعالى مخبراً عن عبده ونبيه ورسوله إبراهيم عليه الصلاة السلام كيف توسل إليه تعالى عندما أراد أن يتضرع إليه بالدعاء:
ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء * الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ويعقوب إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب *
…
سورة ((إبراهيم 38 - 41))
هذا نموذج من نماذج عدة من توسلات أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
أرأيت يا أخي كيف قدم بين يدي دعائه توسلاً إلى الله تعالى
…
بعلمه سبحانه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من مكنونات صدور خلقه ولا معلناتها أنه سبحانه وتعالى المحمود في ذاته وأفعاله وصفاته وأنه الوهاب لكل نعمة. ومن ذلك أنه تعالى أنعم على عبده ورسوله إبراهيم رغم كبر سنه وعقم زوجته أن وهبه إسماعيل وإسحاق وإنه لسميع الدعاء خلقه أينما كانوا وبأية لغة دعوا وبأي قصد أو حاجة على اختلافها فإنه يسمع جميع الأدعية ويجيب كلاً على سؤله - متى شاء -.
هكذا قدم إبراهيم بين يدي دعائه هذه التوسلات: بعلم الله، ووهبه، وحمده وسمعه هذه الصفات العلى التي جعلت عن صفات المخلوقين قدمها وسيلة ثم باشر بالدعاء لربه
…
(رب اجعلني وقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعائي ربنا اغفر لي ولوالدي (1) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب).
(1) قلت: كان هذا الدعاء قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله عز وجل.
فما دام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتوسل إلى الله تعالى بما علمه سبحانه أليس هذا حافزاً من الله تعالى إلى الاقتداء به؟ إذا فلنشعر ولنسارع بالاقتداء والتأسي لنحظى من الله بالإجابة المبتغاة من الدعاء.
الدليل الثالث
وإليك يا أخي مثلاً آخر من توسلات إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه عسى أن يكون لك دليلاً ونبراساً من الله بالإجابة تستضيء به.
قال أفرءيتم مما كنتم تعبدون * أنتم وءآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الأخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم *
الشعراء 75 - 85
وهذا يا أخي دليل من سورة الشعراء / 26 / فإن الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن عبده ورسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام كيف كان يجادل قومه المشركين ويدلهم على من تجب له العبادة وحده وهو الله تعالى لا شريك له ولا مثيل ولا ند.
وإن هذه الآلهة التي يعبدونها هم وآباؤهم الأقدمون من قبلهم ليست آلهة ولا تستحق شيئاً من العبادة. فما أحد يستحق أن يعبد إلا رب العالمين وحده لا شريك له. ثم شرع يصف لهم هذا الإله العظيم بصفات لا تشبه أي صفة من صفات
خلقه فقال: (الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني والذي يميتني ثم يحييني والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين).
إنه صلى الله عليه وسلم قد وصف لهم جانباً من صفات هذا الرب الجليل الذي خلق الخلق جميعاً والذي يهدي قلوب عباده إلى الحق وينعم عليهم. فما من نعمة في الأرض ولا في السماء إلا وهو مسديها إليهم. فهو الذي يطعم ويسقي وإذا مرض عبده فهو الذي يشفيه من مرضه ويعافيه، وهو الذي يميته ويحييه ويبعث من في القبور. وهو الذي - من حلمه وكرمه وعفوه - يجعل عباده طامعين في مغفرته وعفوه.
هذه الصفات الجليلة العلى هل يتصف بها آلهتهم، أم هي صماء بكماء لا تعي ولا تسمع ولا تبصر؟ إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام
…
هكذا كان لا يعرف قومه بصفات هذا الرب الجليل، ويلفت أنظارهم إلى أن الذين يعبدونهم من الأصنام والآلهة إنما هي عبادة باطلة إذ لا يستحق العبادة إلا الذي خلق وهدى وأطعم وسقى وأمرض وشفى وأمات وأحيا كل ذلك قاله إبراهيم بصيغة المتكلم ليثبت لقومه الكافرين بالله تعالى أنهم على ضلال وإنه على الهدى والحق ويدعوهم إلى هذا الهدى وإلى هذا الحق وإلى الإيمان بهذا الرب العظيم الجليل المتعال والاعتراف بهذه الصفات العلى والإيمان بها. وحرضهم على التوبة إليه تعالى مما فرط منهم. فقال:(والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). وكأنه يلفت أنظارهم إلى أن الله تعالى كما أنه يغفر له ويطمع بذلك يوم القيامة فكذلك إنهم إن آمنوا واتقوا فإن الله تعالى يغفر لهم ما قد سلف والإسلام يجب ما قبله.
إن هذه الصفات العلى لله تعالى التي وضحها إبراهيم في توسله بها جعلها
واسطة لقبول دعائه
…
فبعد أن قدم هذه التوسلات المشروعة شرع عليه الصلاة والسلام داعياً إلى الله تعالى: (رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين وأجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم).
أرأيت يا أخي المسلم كيف إن إبراهيم عليه السلام قدم بين يدي دعائه توسلاً إليه تعالى ليكون سبباً في الإجابة لأن يهبه الحكم وأن يجعله من الصالحين في الدنيا والآخرة وأن يجعل له ذكراً جميلاً يقتدى به إلى الخير فتحبه كل ملة وتتولاه وأن يجعله من الذين يرثون الفردوس ويستقرون في جنات النعيم بما أسلفوا في الحياة الدنيا من العمل الصالح لوجهه تعالى.
أرأيت يا أخي كيف يتوسل أبو الأنبياء إلى ربه
…
؟ من علمه ذلك؟ أشيء اخترعه من عند نفسه أم علمه إياه العليم الخبير؟ إنه والأنبياء والرسل عامة ما ينطقون عن الهوى بل الوحي يوحى إليهم من لدن عزيز حكيم. ولماذا أخبرنا الله بتوسلات إبراهيم عليه السلام
…
أليس إلا لنتبع ما فعل من حق وهدى وخير ولنقتفى أثره ونترسم خطاه
…
؟ أجل .. هو كذلك
…
فلنبدأ جميعاً بذلك طائعين لله فيما هدى ومتبعين أبا الأنبياء فيما اهتدى.
الدليل الرابع
قوله تعالى حاكياً عن قوم شعيب عليه السلام:
قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءآمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ أنجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين *
…
الأعراف 88 - 89
ضاق ذرعاً قوم شعيب بشعيب عليه الصلاة والسلام ويمن آمنوا معه مما يدعوهم من الإيمان بالله تعالى وتوحيده التوحيد الخالص فهذه دوه بالنفي من بلدهم
…
!! أو يعود في ملتهم .. ! وهذا شأن ((المستكبرين)) من كل قوم عندما تقوم عليهم الأدلة الدامغة والحجج البالغة من أنبيائهم أو مصلحيهم
…
لا يستطيعون أن يردوا الدليل بالدليل والحجة بالحجة
…
فيلجأون إلى الصنف والجور والتهديد بالقتل والنفي من الأرض
…
وما إلى ذلك من العناد والمكابرة بالباطل.
قال شعيب: كيف نعود في ملتكم بعد أن أنقذنا الله منها وذقنا حلاوة الإيمان ولذة اليقين وبرده؟ أنعود إلى دين نحن ندعوكم إلى هجره .. !؟ إذاً قد افترينا على الله كذباً أن أوحى إلينا بأن ندعوكم إلى عبادته، ولا يمكن
أن نعود فيها إلا إذا شاء ربنا.
علق شعيب عليه السلام عودته إلى ملتهم على مشيئة الله تعالى
…
وهذا تأدب بالغ من شعيب عليه الصلاة والسلام بأن رد المشيئة لله وجده مع علمه الأكيد بأن الله تعالى لن يشاء لهم العودة إلى الكفر بعد إذ هداهم إلى الإيمان وهو أعلم بما سيكون منهم بظهر الغيب.
لجأ شعيب عليه السلام إلى الله بأن رد المشيئة إليه وهو يعلم من يستحق الهداية فيهديه ومن يستحق الضلالة فيضله وسع سبحانه وتعالى كل شيء علماً فالمشيئة صفة له تعالى، والعلم صفة له تبارك وتقدس وقد توسل بهما إلى الله تعالى وتوكل على الله في تثبيته على الحق الذي بعثه به إلى قومه فبعد أن توسل بر المشيئة إليه وبعلمه الذي وسع كل شيء وبالتوكل عليه والتقرب بهذا التمجيد والتعظيم رفع الدعاء إليه تعالى:(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) أي لا يستطيع أحد أن يحول قلوبهم إلى الحق والإيمان والإسلام إلا هو تبارك وتعالى فإن قدر الله إيمانهم وعلم منهم ما سيختارون من الهدى
…
فهذا هو المطلوب. وإن كان يعلم منهم أنهم سيظلون في عنتهم وكبريائهم على الحق فدعا أن يحكم بينهم (ربنا افتح علينا بيننا وبين قومنا بالحق) أي افتح علينا بالنصر عليهم وانتقم لنا منهم وعاملهم بما يستحقون (وأنت خير الفاتحين)، أي وأنت خير من ينصر عباده المؤمنين، على من كفر بك واستكبر عن عبادتك.
وهكذا
…
فإنك ترى يا أخي المسلم كيف أن شعيباً عليه الصلاة والسلام لم يدع الله إلا بعد أن توسل إليه تعالى بصفاته العُلى وخمته بها كذلك بقوله: (وأنت خير الفاتحين) فاستجاب الله دعاء نبيه ورسوله شعيب عليه الصلاة والسلام بعد أن ظل قومه على ما هم عليه من الكفر
…
فأخبر سبحانه بقوله:
(وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون /90/فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين /90/.
فكان جزاؤهم جزاء وفاقاً فكما أنهم توعدوا شعيباً والذين آمنوا معه بالإجلاء عن بلدهم فإن الله تعالى أجلاهم جميعاً إلى حيث لا رجعة فاستأصلهم وأجلاهم إلى جهنم وبئس المصير.
ولا بد للقارئ المستنير إلا أن يخاطب نفسه ويسأل: ما الفائدة من ذكر هذه الأخبار بعد أن مضى عليها آلاف السنين؟ ولكنه سيجيب نفسه بنفسه: إن الله تعالى لا يذكر في قرآنه الكريم شيئاً عبثاً وحاشاه وسبحانه من ذلك إنما ذكر هذه القصة وما ألهم عبده ورسوله شعيباً من التوسل إليه بصفاته
…
حتى يعلم أمة محمد كيفية التقرب إليه عند الدعاء ليكون الدعاء مستجاباً
…
فقدم لهم هذه الصور من التوسلات بتمجيده، وتعظيمه بأسمائه وصفاته والثناء عليه - وهو كما أثنى على - - حتى يعلمنا ويحضنا على أتباع أنبيائه خير خلقه فيما يتوسلون إليه حتى نعمل مثلما عملوا لنحصل على النتيجة التي نبغيها من الدعاء. وهي الاستجابة والحصول على المطلوب.
فهل نحن إذا اتبعنا هذى الله وهدى أنبيائه خير
…
أم إذا اتبعنا خطوات الشيطان في الزيغ والضلال خير
…
؟!!
لا
…
بل سنتبع ما أمرنا الله به وما هدانا إليه (قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير (121)) البقرة.
الدليل الخامس
قوله تعالى:
واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنآ إليك قال عذابي أصيب به من أشأء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون *
…
الأعراف 155 - 156
ذهب موسى - بأمر ربه - مع سبعين رجلاً اختارهم من أخير قومه إلى ميقات كان وقته له ربه ليعتذروا إليه من عبادة بني إسرائيل العجل ويسألوه التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم فسار بهم إلى طور سيناء ولما وصلوا قالوا لموسى عليه الصلاة السلام: اطلب لنا نسمع كلام ربنا .. فقال: أفعل. فلما دنا من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى عليه الصلاة والسلام فدخل فيه وقال للقوم أدنو فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً.
فلما فرغ إليه أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) فماتوا جميعاً.
فقام موسى عليه الصلاة والسلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب ويقول: (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا).
فقوله: (بما فعل السفهاء منا) يعني به السفهاء الذين عبدوا العجل لأن
هؤلاء السبعين الذين رافقوه لم يعبدوا العجل ولكنهم لم ينهوا الذين عبدوه كما قال ابن عباس وغيره: إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل بينما الآية في سورة البقرة (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة (55)) والآية التي في سورة النساء (أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم (153)) تفيدان أن الصعق كان لقوهم: (أرنا الله جهرة) فأي السببين كان الصعق من أجله؟ الجواب: إنه وقع لكلا السببين لأنه لا أعظم من عقوبة الموت في الدنيا ثم بعثهم الله تعالى استجابة لدعاء موسى عليه الصلاة والسلام: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) وقال موسى عليه الصلاة والسلام: (إن هي إلا فتنتك) أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك.
فمن هاهنا موسى يتوسل إلى الله من أجل أن يتقبل الله دعاءه باحيائهم (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) وهذا تمجيد لله وتعظيم له بأنه وحده هو الذي يضل من يشاء إضلاله حسب ما يستحق وهو وحده يهدي من يشاء هدايته حسب ما يستحق ولا يظلم الله أحداً فالتوسل كان بمشيئته تعالى التي هي صفة من الصفات العلى التي يتصف بها الرب جل شأنه وإنها هي الغالبة فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن إن الحكم إلا له وإن الأمر إلا أمره له الخلق والأمر ثم توسل إليه باسمه الذي هو من الأسماء الحسنى فهو سبحانه الولي والنصير (الله ولي الذين آمنوا
…
) فقال: (أنت ولينا) ولا شك أن الله ولي الذين آمنوا ونصيرهم وناصرهم وما من ولي ولا نصير سواه.
أرأيت يا أخي المسلم كيف قدم موسى بين يدي دعائه توسلاً إلى الله بصفاته العلى وأسمائه الحسنى
…
؟ فبعد أن فرغ من توسله وقرب من الله بما قدم من توسلات مقبولة عنده شرع بالدعاء: (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين).
ولو تأملت يا أخي المسلم ووفقت قليلاً عند هذه الفاء: (فـ) لو ضح لك المعنى من القصد الذي كان يقصده أي بسبب ما قدمت لك يا رب من التوسلات إليك بصفتك العظيمة واسمك الجليل .. (فاغفرلنا
…
) مما أذنب القوم من عبادة
العجل ومن (أرنا الله جهرة) و (ارحمنا) لأن رحمتك وسعت كل شيء وأنها سبقت غضبك (وأنت خير الغافرين) أي أنت خير من غفر الذنب وعفا عن الخطيئة ومن ذا الذي يغفر لنا يارب
…
؟ ومن ذا الذي يرحمنا إن لم ترحمنا يارب
…
؟ لا إله غيرك ولا رب سواك.
ثم لم يكتف بذلك بل إنه لعلى علم بكرم الرب ورحمته ورأفته بعباده فاستزاد عليه الصلاة والسلام من الكريم فقال: (واكتب لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك
…
) أي تبنا وأنبنا وإليك ورجعنا عن ما سبق من الذنوب والخطايا .. (قال عذابي أصيب من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتي يؤمنون).
فيا أخي المسلم الكريم: أرأيت كيف توسل عبد الله ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام بالصفات والأسماء ممجداً ربه ومعظماً؟ ثم عقب ذلك بالتوبة إليه تعالى مما سبق من الذنب فما كان من الله تعالى إلا أن غمرهم بمغفرته ورحمته التي وسعت كل شيء وأحياهم بعد ما أماتهم بالصعق: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون).
هذا هو التوسل المؤدي لاستجابة الدعاء وأن موسى عليه الصلاة والسلام ليعلم قبله أنبياء ورسلاً أحباء على الله كرماء وذوي منزلة وجاء عظيم عنده فلم يتوسل بهم إليه تعالى ولا بأعمالهم ولا بجاههم .. لأنه يعلم: أن أعمالهم إنما هي لهم وليس له بأن يدل على الله بها وأنه ليعلم أن جاههم عليهم الصلاة والسلام عظيم ولا شك
…
ولكنه لم يتوسل به إلى الله تعالى
…
بل قدم تمجيداً لله وتعظيماً وتقديساً بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثم قدم إليه توبة من كل ذنب. فكان ذلك التوسل مقبولاً لدى الله تعالى وتقدس فاستجاب دعاءه وعفا ورحم وغفر وأحسن في الدنيا والآخرة وهو لذلك أهل لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وإن الله تعالى لم يذكر ذلك في محكم آياته إلا ليعلم هذه الأمة ما علم رسله وأنبياءه من التوسل الذي هو أعلى وأقرب التوسلات إليه وليحث المؤمنين جميعاً على
اتباع الأنبياء والمرسلين خير خلق الله وأكرمهم على الله فاتباعهم هو الحق والحق أحق أن يتبع وما بعد الحق إلا الضلال.
(ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذي آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها كافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين *)
الأنعام 88 - 90
أخي المسلم الكريم
لقد ذكرت لك - فيما سبق - أمثلة من القرآن الكريم عن التوسل إليه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبينت لك بالدليل القرآني كيف أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يقدمون إلى ربهم تعالى وتقدس من توسلات تكون سبباً لا ستجابة الدعاء ولم يذكرها الله سبحانه وتعالى في تعالى إلا ليعلم المؤمنين كيف يتوسلون إلى ربهم تبارك وتعالى وكل ما تقدم هو توضيح لقوله تعالى:
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وإن صفاته تعالى لها ولا شك حكم أسمائه تعالت أسماؤه وتقدست صفاته وإنك رأيت ما من دعاء إلا وقدم صاحبه بين يدي دعائه توسلاً إليه تعالى به.
وكل أملي بك يا أخي الحبيب في الله أن ترى الحق حقاً وتهرع إلى العمل به وتحب أهله وأن ترى الباطل باطلاً فتهجره ولا تلتفت إلى كثرة من يأخذون به (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ويكفي للدلالة على الباطل وأهله
…
أن الدليل الذي يستندون إليه
…
أقوال مجردة عن أدلة الكتاب والسنة بل تعارضها
…
؟!!!
(أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم)؟ (1).
(1) استشهادنا بالآية كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى
الأمثلة الدالة على التوسل
بالذات والأسماء والصفات من الأحاديث الصحيحة
أخي: كما أنني وضعت أما عينيك أمثلة قرآنية في الحض على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاته .. كذلك أضع أمام عينيك أمثلة من الأحاديث الصحيحة، التي تبثت
…
أن نبيك ورسولك محمداً صلى الله عليه وسلم أن نبيك ورسولك محمداً صلى الله عليه وسلم كان عندما يدعو ربه سبحانه إنما كان يقدم بين يدي دعائه توسلات إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وإنك لتعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم قدوتك الحسنة وأسوتك
…
والذي أمر الله أن تتأسى به وتسير على هديه:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً)
…
(21) الأحزاب
الدليل الأول
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال: ((لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم))] أخرجه أبو داود والترمذي.
الدليل الثاني
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه[أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي))] أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي.
وضعت يا أخي المسلم أمامك هذين الحديثين المتقدمين ليتضح لك منهما أن أسماء الله الحسنى هي أقرب التوسلات استجابة وأخصها بذلك اسم الله الأعظم.
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي دعا
…
إنه دعا باسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي.
فالحديث الأول: دعا الرجل قائلاً: [اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد]. فقد توسل هذا الرجل بأسماء الله الحسنى ووافق عليها الاسم الأعظم فكان سبباً في قبول الدعاء بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنعم بها وأكرم من شهادة.
وكذلك الحديث الثاني: فقد قال فيه الرجل: [اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان
بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم] وكل هذه الأسماء هي أسماء حسنى وقد جعل هذا الرجل دعاءه الذي مجد به رب السموات والأرض وسيلة إلى ربه تعالى حتى يتقبل دعاءه
…
لا سيما وأن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم شهد له أيضاً أنه توسل إلى الله وسأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب.
فمن البدهي أن يرغب كل مؤمن بالدعاء إلى ربه مقدماً بين يدي دعائة وسيلة يرضى الله عنها وإن كل داع إلى الله تعالى يود من صميمه استجابه دعائه وحصوله على مطلوبه من الدعاء فلكي يحصل على هذه الأمنية .. فعليه سلوك الطرق الشرعية المؤدية إلى بلوغ أمنيته الغالية وليس من طريق شرعي أدل على شرعيته من طريق يسلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختاره لنفسه ولأمته.
وهاهو يعلمنا أن نسلك هذا الطريق الذي هو أقرب الطرق إلى استجابة الدعاء فمن يسره الله تعالى إليه فيكون قد يسره الله لليسرى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى). الليل (10)