الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها ولا ينسوا أن حجتهم سقطت لما تبين حال هذا الحديث وما فيه من طامات وعقائد فاسدة دسها بعض الذين لا يخافون الله حتى يصدوا الناس عن الصراط المستقيم.
3 -
قصة مالك مع أبي جعفر المنصور
وينسب إلى مالك بن أنس رضي الله عنه مع أبي جعفر المنصور العباسي قصة لتأييد الحديث السابق وللاحتجاج بها على جواز التوسل بذوات المخلوقين. وفيها: [أنه - أي أبو جعفر - سأل مالكاً فقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو
…
أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به].
الكلام على متن هذه القصة
إن من يتأمل متن هذه القصة يحكم عليها بالوضع والكذب على الإمام مالك ابن أنس رضي الله وعلى أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي وذلك لما يلي:
1 -
قول أبي جعفر المنصور: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو
…
أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال يحتمل أسباباً ثلاثة:
أ - إما أن يكون المنصور جاهلاً فيستفسر.
ب- أو فاحصاً لمالك بن أنس ليسبر غور علمه.
ج- أو عالماً به فلا حاجة له بالسؤال.
أما أن يكون أبو جعفر المنصور جاهلاً فسأل
…
فهذا مردود قطعاً لأن أبا جعفر المنصور كان من أعلم علماء عصره يدلنا على ذلك ما يروي الثقات عن أبي جعفر المنصور أنه كان من أملأ أوعية العلم
…
فهما ورواية ودراية حتى إنهن لما حج واجتمع بمالك رضي الله عنه قال له - بمعنى -:
لعلي وإياك أعلم رجال العصر وإنني قد شغلتني سياسة الناس فوطئ
للناس موطئاً تجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر).
ولذا سمي كتاب مالك في الحديث (الموطأ) فأبو جعفر المنصور الذي كان على الشواهق من قمم العلم لا يمكن أن يسأل مالكاً عن سؤال هو إياه على مستوى واحد من العلم به إلا إذا كان يريد أن يسبر غور علم مالك!!!؟ وهذا أيضاً مردود لأن علم مالك معروف عند أبي جعفر المنصور وهو الذي قال له: (لعلني وإياك أعلم رجال العصر
…
) فكيف يسأله مختبراً علمه وهو على كل وقوف تام منه
…
لا سيما في هذه المسألة التي يعرفها الصبيان فضلاً عن العلماء فثبت لدينا أن المنصور ما كان جاهلاً
…
ولا فاحصاً لعلم مالك
…
بل ثبت أنه عالم ومن كان عالماً فلا حاجة له بالسؤال.
2 -
إن الثابت من مذهب مالك الذي رواه عنه الثقات من أصحابه في أفضل كتبهم أن الذي يدعو الله في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر فهذه قصة مخالفة لمذهب مالك فكيف يجيب مالك جواباً لأبي جعفر بخلاف ما هو مشهور من مذهبه
…
!!؟
3 -
أما قول مالك رحمه الله: (ولم تصرف وجهك عنه وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به).
أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوسيلة بوم القيامة أي هو الشفيع يؤمنذ فهذا لا خلاف فيه أنه شفيع للخلائق ولكن الخلاف القائم بيننا ليس على الشفاعة يوم القيامة بل على جواز التوسل إلى الله بذوات المخلوقين في الدنيا
…
فأين الارتباط بين الموضوعين
…
؟
وأما الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فمعلوم أنه لا يصح لأن الشفاعة لا تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من وجوه.
أ - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمح بعد وفاته من يطلب منه الشفاعة.
ب- ولو سمعها لا يستطيع أن يشفع الآن لأن الله يقول: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وإذنه لا يصدر الكلام إلا يوم القيامة فيحد له حداً ويقول له اشفع بهؤلاء كما في حديث الشفاعة ولكن المشروع أن يقول المؤمن: اللهم شفع بي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يجعله في جملة الحد الذي يحده لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع بهم.
ج- هذا معلوم عند مالك رضي الله عنه فلا يعقل أن يقول لأبي جعفر المنصور: (بل استقبله واستشفع به).
الكلام على سند القصة
إن في سند هذه القصة ((محمد بن حميد)) وهو كثير المناكير ولم يسمع من مالك شيئاً بل روايته عنه منقطعة ومحمد بن حميد الرازي هذا
…
تكلم فيه غير واحد من الأئمة ونسبه بعضهم إلى الكذب فقال يعقوب بن شيبة السدوسي محمد بن حميد الرازي كثير المناكير وقال البخاري: حديثه فيه نظر. وقال النسائي ليس بثقة. وقال الجوزجاني: رديء المذهب عير ثقة وقال فضلك الرازي: عندي عنه خمسون ألف حديث لا أحدث عنه بحرف وقال أبو العباس أحمد بن محمد الأزهري: سمعت إسحاق بن منصور يقول: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله إنهما كذابان وتكلم فيه غير هؤلاء من الحفاظ وقال صالح بن محمد الحافظ: كل شيء كان يحدثنا به ابن حميد نتهمه فيه.
وإن ما روي عن مالك رحمه الله ينافي قوله هذا المتقدم - أي في القصة - فقد قال رحمه الله في المبسوط: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إليه أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له ولأبي بكر وعمر فقيل له: فإن أناساً من أهل المدينة
…
لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا .. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
وأما من جهة الانقطاع فيقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: قلت:
وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة 158 وتوفي
مالك سنة 179 وتوفي محمد ين حميد الرازي سنة 248 ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه وهو مع ذلك ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعة وابن وارة. وقال صالح بن محمد الأسدي. ما رأيت أحداً أجرأ على الله منه وأحذق بالكذب منه وآخر من روى الموطأ عن مالك هو أبو صعب وتوفي سنة 242 وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي توفي سنة 259.
وفي الإسناد من لا تعرف حاله لا سيما وأن مذهب مالك يناقض هذه الحكاية فالمعروف من مذهب مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف: أن الداعي إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبر ودعا له أما إذا دعا لنفسه فيستقبل القبلة ويدعو. اهـ.
وهكذا فإنه يستفاد من البحث المتقدم أن الوسيلة التي علمها الله لآدم هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهي: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وكل ما سوى ذلك فموضوع ومكذوب.