المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام على سند هذا الحديث - التوصل إلى حقيقة التوسل

[محمد نسيب الرفاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌كلمة فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري

- ‌كلمة إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

- ‌كلمة الدكتور إبراهيم جعفر سقا

- ‌مقدمة

- ‌معنى‌‌ التوسل لغةوشرعاً

- ‌ التوسل لغة

- ‌التوسل شرعاً:

- ‌أقسام التوسل

- ‌ التوسل المشروع

- ‌1 - التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى

- ‌((الأمثلة الدالة على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاتهمن القرآن الكريم))

- ‌الدليل الثالثدعاء استفتاح رسول الله صلاته من الليل

- ‌2 - توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة

- ‌الدليل الأولالفاتحة

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبأعماله الصالحةوأدلته من السنة الصحيحة

- ‌الدليل السادسحديث الغار

- ‌3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبدعاء أخيه المؤمن لهوأدلته من القرآن الكريم

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته السنية

- ‌الدليل الرابعحديث توسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌الدليل السادسحديث الاستسقاء بدعاء العباس

- ‌التوسل الممنوع:

- ‌تعريف التوسل الممنوع

- ‌حكم التوسل الممنوع

- ‌أوجه التوسل الممنوع

- ‌قول ابن تيمية: رحمه الله

- ‌قول أبي حنيفة رحمه الله:

- ‌قال شارح العقيدة الطحاوية: رحمه الله

- ‌الوجه الثالث - الإقسام على الله جل وعلا بالمتوسل به

- ‌قال شارح العقيدة الطحاوية:

- ‌التوسل الممنوعأدلة أنصاره وحججهم

- ‌ثم قالوا:

- ‌أدلتهم القرآنية

- ‌استشهادهم في الآيات كان في غير محله

- ‌أدلتهم الحديثية

- ‌الحديث الأولاللهم بحق السائلين عليك

- ‌الحديث الثانيتوسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌الكلام على هذا الحديث

- ‌انفراد الحاكم بالتصحيح لا عبرة له

- ‌فائدة

- ‌ قصة مالك مع أبي جعفر المنصور

- ‌الكلام على متن هذه القصة

- ‌ حديث فاطمة بنت أسد

- ‌الكلام على متن هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌ حديث الأعمى

- ‌ حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان

- ‌((الكلام على متن هذا الحديث))

- ‌الكلام على هذا الحديثمن ناحية سنده

- ‌ خبر إذا أعيتكم الأمور

- ‌ حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول

- ‌ أما ما يتعلق بسند الحديث

- ‌ حديث الاستسقاء بالعباس رضي الله عنه

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌ حديث الأعرابي

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على متن هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌ الرد على الشبهة الأخيرة

- ‌فتوى رسميةمن مفتي الديار المصرية

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الكلام على سند هذا الحديث

3 -

ما دام رسول الله لا يسمع ولا يتكلم ولا يجيب فكيف يجيب الأعرابي من القبر والقبر والبرزخ من عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به دون أن نراه فإن سمع منه صوت أو كلام أو بشارة صار عالم شهادة وهذا لن يكون وسيظل من عالم الغي إلى يوم القيامة فإذا انتفى هذا انتفت بالشارة بالمغفرة فلو كان في المنام لكان فيه نظر فكيف باليقظة؟!!

فإنه من أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم[من كذب علي يلج النار] ولكن أين الخوف من الله تعالى حتى لا يكذب عليه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم نعوذ بك من الخذلان وسوء المنقلب.

وهكذا

فقد اتضح لك يا أخي المسلم ما في متن هذا الحديث من الطامات والأباطيل والترهات الكذب والافتراء مما يدلك دلالة واضحة على أن هذا الحديث موضوع ومكذوب ومصنوع هذا من جهة المتن!!! فكيف هذا الحديث موضوع ومكذوب ومصنوع هذا من جهة المتن فكيف إذا أثبت لك أيضاً أن سنده موضوع فلا شك أنك ستزداد يقيناً بعدم صلاحه للاحتجاج به وهذا ما سأحاول إثباته لك وإليك البيان:

‌الكلام على سند هذا الحديث

1 -

قال في الصارم المنكي: إن هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض.

2 -

الهيثم: جد أحمد بن محمد الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإن يكنه فهو متروك كذاب وإلا فهو مجهول وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ثم انتقل إلى بغداد فسكنها.

قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة كان يكذب وقال العجلي وأبو داود: كذاب وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولاب والأزدي: متروك الحديث وقال السعدي: ساقط

ص: 279

قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه أي تركوه. وقال ابن عدي: ما أقل ماله من السند وإنما هو صاحب أخبار وأسماء ونسب وأشعار قال ابن حبان: كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها وقال أبو عبد الله الحاكم: الهيثم بن عدي الطائي حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة وقال العباس بن محمد: سمعت بعض أصحابنا يقول: قال: جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب .. ! اهـ.

3 -

أحمد بن محمد بن الهيثم عن أبيه - لا ذكر لهما في ((التقريب)) ولا ((التهذيب)) ولا ((اللسان)) فمن أحتج بهما - أي بأحمد وأبيه محمد - فعليه توثيقهما عن إمام من أئمة التوثيق.

4 -

وقال محمد رشيد رضا: أبو صادق، لم يسمع من على رضي الله عنه أرأيت يا أخي القارئ المسلم الكريم، سند هذا الحديث

.. ؟ وكيف تحفه الظلمات والجهالات

والكذب والانقطاع، وما شابه!؟.

إن حديثاً له هذا المتن

.. وذاك السند البالي المهلهل

.. لا تقوم به حجة أو دليل على صحة المدعى

. وإنك لترى يا أخي، أن الأحاديث التى أوردها

.. إما أنها مستشهد بها في غير ما مناسبة

.!! أو أنها معلومة بعلل شتى

. أقوى ما فيها

.. الشديد الضعف! ناهيك عن المكذوب والموضوع والمدلس والمنقطع، وما لا أصل له. فيا سبحان الله

!!! ما بال القوم .. يتمسكون بكل ذي علة من الأحاديث والآثار والأخبار

.. ؟ ألا يعلمون أن ما يقدمونه من أدلة وبراهين على زعمهم

.. لا يصح أن يقال أنها كذلك

.. مادامت - كما رأيت يا أخي - من الضعف والهلهلة

.. والعلة الكاسحة ما يوجب أن يخجل منها مقدمها، ولا يسمح لنفسه أن يرددها على شفتيه

خشية أن تنبئ عن جهله

. أو عن سوء نيته أو عن كليهما معاً

.. !! وعلى كل حال .. فإن الاحتجاج بهذا الحديث ساقط

.. لما يحوى من العلل

.

ص: 280

وبقيت دعواهم دعوى مجردة

. وكلما أتوا بما بقربها على زعمهم

. زادوها علة وسقوطاً.

وهكذا .. فإن بتكرار انهزامهم الذريع أمام حجج الحق، يزداد هذا الحق قوة وغلبة عليهم

فإنهم إلى الآن لم يستطيعوا أن يقفوا على أرجلهم

. حق ولو على أرجل مرتجفة متخاذلة

بل ما يزالون قاعدين!!! بل مقعدين لا حول لهم ولا قوة على النهوض. وهذا هو حال من يتقوى بالباطل، فلا يزيده إلا ضعفاً وتخاذلاً وانهزاماً. اللهم زدنا بك قوة وثبتنا على صراطك المستقيم. وتعدد روايات هذا الحديث:

لقد ورد (حديث توسل الأعرابي هذا

) في روايات عدة: بعضها بلا إسناد والبعض الآخر بأسانيد مظلمة!!! كما أن ألفاظها، جاءت مختلفة ومضطربة

مع زيادة ونقصان في جميع ألفاظ متون، وفي جميع رواياته وأسانيده. مما يدل دلالة واضحة صريحة، على أن هذا الحديث في جميع رواياته مختلق موضوع، وخبر مكذوب مصنوع. وأن صنعه الكذب والوضع ظاهرة عليه وإنها بينة جلية واضحة فيه، وضوح الشمس.

وها إنك يا أخي القارئ، اطلعت على الحديث في روايته الأولى لفظاً وسنداً وتعليقاً وتحقيقاً. ولا أخالك إلا مقتنعاً بالنتائج التى تترتب علي وضع مثل هذا الحديث

ولعلك تتوق إلى تفصيل الروايات الأخرى التى ورد فيها

على نحو ما تم تفصيله في الرواية الأولى

.. فأهلا بك يا أخي على صعيد التحقيق والتدقيق

.. ثم بعد ذلك، نترك لك الحكم على هذه الروايات المتعددة

فيما إذا كانت تصلح للاحتجاج بها، في خلافنا القائم مع (القوم

) هدانا الله وإياهم سواء السبيل.

الرواية الأولى:

وهي الرواية الأولى المتقدمة عن أبى الحسن الكرخي بسنده إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاشاه من نسبه هذه الرواية إليه بعد أن تأكدت يا أخي من كذب نسبتها إليه رضي الله عنه وأرضاه.

ص: 281

الرواية الثانية:

أما الرواية الثانية في المشهورة (بحديث العتبي) ويحسن بي يا أخي أن أثبت لك نص هذه الرواية كما وردت في كتاب (الشامل) لأبي منصور الصباغ بلا إسناد

.!!.

نص رواية حديث العتبي

[كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)

وقد جئتك مستغفراً لذنبي، مستشفعاً إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت في القاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم]

الكلام على متن هذه الرواية

إن في متن هذه الرواية (حديث العتبي) عللا مشتركة مع الرواية الأولى - رواية أبي الحسن الكرخي، وعللا أخرى مختلفة عنها

فما توافق منها أحلناك يا أخي على إجابتنا على مثلها فيما سبق من تحقيق الرواية الأولى فأرجع إليها إن أعوزك ذلك. وأما ما أختلف عنها وأضطرب، عالجناه وناقشناه على ضوء الشريعة المطهرة.

1 -

تقول الرواية الأولى: [قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام، فرمى نفسه فوق القبر وحثا على رأسه من ترابه].

بينما تقول (رواية العتبي): [كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله

.]

فالعتبي هذا. قال عنه المؤرخون أنه توفى سنة / 228 / هجرية فهل يمكن أن يحضر حادثة وقعت بعدما دفن الرسول بثلاثة أيام

.. ؟!! فهب أنه عاش مائة سنة، فيبقى بينه وبين الحادثة انقطاع مائة وعشرين سنة فهل يمكن أن يحضر

ص: 282

واقعة حدثت قبل أن يخلقه الله بمائة وعشر سنين

؟!!.

وهل تصح روايته الواقعة عنه

وعلى كل سوف تأتى عند البحث في سند هذا الحديث، على تفصيل تام لترجمة العتبي.

2 -

إن الرواية الأولى ورواية العتبي تتفقان في إيراد لفظ تلاوة الأعرابي للآية الكريمة: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله تواباً رحيماً).

ولقد أجبنا على استدلالهم بهذه الآية الكريمة على جواز التوسل بذوات المخلوقين من أنه في غير محله، وأنه لا قياس بين حياة الرسول وموته، فما يمكن أيفعله في حياته، قد أنقطع بسبب وفاته. فأرجع يا أخي إلى معالجة ذلك فيما ذكرناه وعالجناه في الرواية الأولى، مع العلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في بعض المنافقين، لا من أجل التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم.

3 -

أن رواية العتبي ليس فيها أن الأعرابي رمي نفسه فوق القبر، وحثا على رأسه من ترابه كما في الرواية الأولى. فهذا اختلاف في اللفظ واضطراب في وصف الحادثة، فلو كان العتبي حاضراً فيها لوصفها كما وصفت في الرواية الأولى فوقوع هذا الاختلاف، والاضطراب بين الروايتين علة طاعنة ومانعة من صحة الحديث والاحتجاج به.

4 -

قول الأعرابي في الرواية الأولى: [وقد ظلمت نفسي وجئتك مستغفراً] وقول العتبي أن الأعرابي قال: [وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي] ولم يقل: [وقد ظلمت نفسي].

وفي الرواية الأولى يقول الأعرابي] وجئتك مستغفراً] وفي رواية العتبي [وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي]. إنهما قد ترافقا تقريباً بين العبارتين المتعلقتين بالمجئ من أجل الاستغفار. وجاءت زيادة في رواية العتبي [مستشفعاً بك إلى ربي].

وهنا يجب الوقوف عند قول الروايتين: [وجئتك مستغفراً] وفي الرواية

ص: 283

الأولى [وجئتك مستغفراً لذنبي] في رواية العتبي النظر عن الاختلاف والاضطراب في لفظ الروايتين .. إن خطر كبيراً يهون بجانبه خطر التوسل بذوات المخلوقين، قد ذر قرنه من قوله [وجئتك مستغفراً] أو [قد جئتك مستغفراً لذنبي] أن هذا الكلام الوارد في كلا الروايتين يوهم - إن لم نقل يؤكد - أن الأعرابي إنما جاء القبر ليستغفر الرسول من ذنبه

! بينما الآية التى يستشهدون بها تقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله) لا فاستغفروك!!! لأن استغفار الله عبادة له تعالى، فلا يجوز استغفار أحد من المخلوقين

حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفار رسول الله عبادة له والعبادة لا تليق إلا لله تعالى وحده لا شريك له ، إذا فاستغفار الرسول شرك بالله تعالى.

أما مراد الآية: فهو المجيء إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، واشهاده على استغفارهم الله من الذنب، ثم الطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله لهم، وليس فيها قطعاً ذكر المجيء إليه صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستغفروه هو من الذنب.

5 -

إن الزيادة الواردة في قول العتبي [مستشفعاً بك إلى ربك]، هذا طلب لا يجوز توجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. إذ كيف يشفع وهو منقطع العمل بسبب وفاته

؟ ثم كيف يشفع ولم يصدر الإذن بالشفاعة من الله تعالى ولن يصدر الإذن إلا يوم القيامة لمن يشاء الله ويرضى .. وهذه ولا شك عقائد ومعلومات بدهية لا يعذر المسلم في الجهل بها

فضلاً عن وقوع ذلك في زمن الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس وخاصة أمام علم شامخ من أعلامهم وهو على ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

6 -

قول الرواية الأولى: [فنودى من القبر ((انه قد غفر لك))] بينما يقول العتيبي في الرواية الثانية: [ثم أنصرف الأعرابي فغلبتنى عيني

فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: ((يا عتيبى إلحق بالأعرابي فبشره أن الله قد غفر له))].

لا شك يا أخي أنك قد أدركت الفارق بين اللفظين رواية تقول: أن الرسول قد ناداه من القبر ((انه قد غفر لك)) ورواية تقول: أن الرسول أتى العتيبي في

ص: 284

المنام وأهره أن يلحق بالأعرابي ويبشره بان الله قد غفر له.

فإذا كان الرسول قد بلغه شفهياً بأن الله قد غفر له فما حاجته بتكليف العتبي أن يبشره بأنه قد غفر له

.؟ فإما أن يكون الأعرابي سمع قول الرسول وبشارته مباشرة منه صلى الله عليه وسلم وأما أن يبلغها من العتبي، أما من الطرفين فيكون من التكرار الذي لا طائل تحته.

وإذا كان من الممكن نداء الرسول للأعرابي وتبليغه مباشرة فلماذا يستعين بالعتبي ويأتيه بالمنام ويستلحقه بالأعرابي ليبشره

؟!

أرأيت يا أخي هذا الاضطراب العظيم بين الروايتين مما يؤكد ولا شك أن الروايتين غير صحيحتين بالنسبة لعلل كل منهما.

على أن واضع الحديث في الرواية الأولى يريد أن يوهم المسلمين إمكانية اتصال النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بأحد من أمته، بينما هذا مستحيل وقوعه ولو أمكن لكان من الأحرى والأجدى أن يتصل بأمته صلى الله عليه وسلم في حوادث هامة .. لم يعرف فيها الحق أين هو .. ومع من هو

؟ وكم كانت تلك الوقائع المؤلمة سبباً لقتل آلاف من الصحابة.

فيا سبحان الله يكلم رسول الله بعد وفاته الأعرابي .. ولا يكلم المسلمين فيما شجر بينهم من المشاكل

؟!!! إن مثل هذه العلل في متن الروايتين كافية للحكم على هذا الحديث بالوضع والسقوط.

الكلام على سند الحديث

ليس لرواية / حديث العتبي / أى سند يستأنس به للحكم بصحة الرواية أو اعتلالها .. ولكن رأينا بصيصاً من الضوء على ذلك، وهو:

إنه وإن كان العقد منفرطاً إلى العتبي .. وغير معروف من رواه عنه، إنما نكتفي بالاستدلال على كذب الحديث .. أو على الأقل على علة الانقطاع فيه أن العتبي الذي يروى هذه الرواية عن الأعرابي كشاهد عيان!!! أن بينه وبين الأعرابي انقطاعاً يربو على مائتي سنة تقريباً وإليك البيان:

ص: 285

1 -

قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر أبى الفخر المراغي المتوفي سنة / 816 / هجرية: تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة ص 111 / في / ترجمة العتبي / قال: (أسمه محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة أبن أبي سفيان صخر بن حرب توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين).

2 -

وقال ابن الأثير في كتابه: اللباب في تهذيب الأنساب / ج 1 ص 119: (((والعتبي وهي أيضاً نسبة إلى عتبة بن أبى سفيان صخر ابن أمية بن عبد شمس أخي معاوية بن أبي سفيان. وينسب إليه جماعة، منهم محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عتبة بن أبي سفيان العتبي البصري يكنى أبا عبد الرحمن صاحب أخبار وآداب، حدث عن أبيه وابن عيينة وروى عنه أبو حاتم السجستانى).

3 -

وقال أبن خلكان في / وفيات الأعيان / ج 1 ص 522 - 523 (أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس القريشى الأموي المعروف بالعتبي للشاعر البصروى المشهور كان أديباً فاضلاً، وشاعراً مجيداً وكان يروى الأخبار وأيام العرب

. إلى أن قال: روى عن أبيه وعن سفيان بن عيينة، ولوط بن مخنف وروى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشى وإسحاق بن محمد النعنعي وغيرهم وقدم بغداد وحدث بها وأخذ عنه أهلها

. إلى أن قال: وتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين رحمة الله تعالى.

4 -

ولعل أحداً من (القوم

) يقول: وما يدريك أن هذا هو العتبي، المعنى بالرواية عن الأعرابي فأقول:

وإنني أؤكد أنه هو نفسه الذي تزعمون أنه رأى الأعرابي صاحب القصة ودليلنا على ذلك ما حكى عنه المؤرخون وخاصة اعتراف رجل منكم ممن يجوزون التوسل بذوات المخلوقين وهو: الشيخ السبكي مؤلف كتاب / شفاء السقام / (الذي رد عليه ابن عبد الهادي في / كتابه الصارم المنكي في الرد على السبكي / قال في الصفحة / 236 / منه:

ص: 286

(قال السبكي في كتابه / شفاء السقام في زيارة خير الأنام / العتبي، وأسمه محمد ابن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب كان من افصح الناس رواية للأداب وحدث عن أبيه، وسفيان بن عيينة توفى سنة ثمان وعشرين ومائتين يكنى أبا عبد الرحمن) أهـ. كلام السبكي). وذلك طبعاً يعد أن ذكر حكاية العتبي وروايته عن الأعرابي مستدلاً بها في كتابه على جواز التوسل بذوات المخلوقين.

إذا

فالعتبي الذي تزعمون أنه صاحب الرواية عن الأعرابي .. هو نفسه المترجم في الكتب المذكورة بشهادة شيخكم السبكي في كتابه: / شفاء السقام في زيارة خير الأنام /، (وشهد شاهد من أهلها) بينما في الحقيقة أن العتبي هذا

تأخر عن العتبي الذي يريدون إقحامه في الرواية عن الأعرابي .. بما يردي على المائتي سنة تقريباً

فتأمل.

قال ابن عبد الهادي في كتابه: / الصارم المنكي في الرد على السبكي.

(وأما حكاية العتبي التى أشار إليها - أى السبكي - حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين، وليست بصحيحه ولا ثابتة إلى العتبي

.!!

وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم

وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي، ولا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق) أهـ.

الرواية الثالثة:

وقد رويت هذه القصة

. لا عن العتبي

إنما رويت أيضاً عن محمد بن حرب الهلالي عن الأعرابي وتارة عن محمد بن حرب الهلالي عن أبي محمد الحسن الزعفراني عن الأعرابي.

والزعفراني هذا من أجلة أصحاب الشافعي وأعيانهم توفي سنة / 249 / رحمه الله فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي تقدمه كل هذا الزمن

!!؟

وإنك يا أخي لترى هذا الاضطراب البالغ فتارة يروون هذه القصة عن على

. وتارة عن العتبي الذي كلفه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن يلحق بالأعرابي ويبشره

ص: 287

بالمغفرة وتارة أخرى يقولون أن محمد بن حرب الهلالي هو الذي رأى الأعرابي وهو الذي رأى الرسول في المنام وكلفه أن يبشر الأعرابي بالمغفرة. وطوراً يقولون بل الحسن الزعفراني هو الذي رأى الأعرابي ورأى المنام

ثم اضطراب في اسم محمد بن حرب الهلالي فتارة يقولون هو محمد بن حرب الهلالي وتارة يذكره الزبيدى في كتابه شرح أحياء علوم الدين انه محمد بن كعب الهلالي.

ثم إن الهلالي تأخر والله أعلم في الوفاة عن شيخه الزعفراني الذي توفى سنة 249 فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي يعزون زمن قصته إلى ثلاثة أيام خلت بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم

!!!؟؟.

قال ابن عبد الهادي رحمه الله:

(هذه الحكاية التى ذكرها السبكي، بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد!!! وبعضهم يرويها عن محمد حرب الهلالي عن الأعرابي، ،بعضهم يرويها عن محمد ابن حرب عن الحسن الزعفراني عن الأعرابي. وقد ذكرها البيهقي في كتاب / شعب الإيمان / بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي - ويرويها بنحو ما تقدم

. - وقد وضع لها بعض الذابين إسناداً إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه

وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي

مما تقوم به حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق) أهـ.

قلت: ولا ندرى من هو هذا الأعرابي الذي أقاموا الدنيا وأقعدوها بقصته إنهم لا يسمونه ولا في رواية من جميع رواياتهم فيمون الأعرابي أخيراً مجهولاً غير معروف.

وعلى فرض صحة الروايات

وأنها قصة واقعة فأي احتجاج ينهض من عمل هذا الأعرابي المجهول؟ ومتى كان الأعرابي يؤخذ عنهم العلم؟ اللهم إلا إذ كان الأعرابي صحابياً، فعلى الرأس فالأعرابي الصحابي نأخذ عنه ولو كان مجهول الاسم فهذا لا يضر الصحابي في شئ

وأروني صحابياً واحداً ثبت أنه فعل

ص: 288

فعل ذلك الأعرابي المزعوم ثم وعلى فرض أن الحادثة واقعية

أى حجة (للقوم

) على جواز ما يزعمون من التوسل بذوات المخلوقين

إن عمل الأعرابي من أوله إلى آخره صحيحاً كان أو موضوعاً ليس فيه أى دليل على جواز التوسل بالمخلوقين وإن عمله لم يكن قط توسلاً بالرسول صلى الله عليه وسلم. وكل ما في الآمر أنه أتى تأولا للآية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك

) ظاناً أنه يمكن أن يستغفر له الرسول بعد وفاته

وأن يشفع له

في الوقت الذي لما يحن بعد زمن الشفاعة، وما وقتها وزمنها إلا بعد يوم القيامة وبعد الإذن منه تعالى لمن يشاء ويرضى. وحق أن في بعض الروايات عن الأعرابي زيادة بيت على البيتين اللذين أنشدهما أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي هذه الرواية ينشد الأعرابي ثلاثة أبيات:

يا خير من دفنت في القاع أعظمه

نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه

أنت النبي الذي ترجي شفاعته

*

فطاب من طيبهن القاع والأكم

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

عند الصراط إذا ما زلت القدم

*

*

وهكذا ترى يا أخي أن الأعرابي هذا يروون عنه أنه أنشد الأبيات الثلاثة وفي آخرها كما ترى:

أنت النبي الذي ترجي شفاعته عند الصراط إذا ما زلت القدم

فإن الأعرابي يقر بان الشفاعة لا ترجي من الرسول إلا عند الصراط وذلك يوم القيامة فكيف يطلبها في الدنيا

.؟ هذا تناقض واضح، واضطراب في الروايات بالغ، يدل كما قلنا على عدم صحة الرواية عن الأعرابي.

والحقيقة

إنه ليس هناك أعرابي ولا غيره ولا وقعت تلك الحادثة أصلاً إنما حي موجودة في مخيلات من اخترعوها ووضعوها وكذبوا بها على الله وعلى رسوله وعلى الناس أجمعين، فإن كانوا قد تابوا إلى الله مما فعلوا .. وإلا فندعوا الله تعالى أن يعاملهم بما يستحقون من عدله جزاء ما أقترفوا من الآثام فضلوا وأضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 289

13 -

خبر العتق

روى في الدر المنظم أن أعرابيا

وقف على القبر الشريف وقال: اللهم إن هذا حبيبك، وأنا عبدك، والشيطان عدوك فإن غفرت لي

سر حبيبك، وفاز عبدك، وغضب عدوك. وإن لم تغفر لي

غضب حبيبك، ورضي عدوك، وهلك عبدك. وأنت يا رب

أكرم من أن تغضب حبيبك وترضي عدوك، وتهلك عبدك.

اللهم: إن العرب إذا مات فيهم سيد اعتقوا على قبره، وإن هذا سيد العالمين فاعتقني على قبره، يا أرحم الراحمين.

فقال بعض الحاضرين: يا أخا العرب، إن الله قد غفر لك، بحسن هذا السؤال.

لعلك يا أخي

لا تحتاج إلى كبير عناء

. لاكتشاف ما أنطوى عليه هذا الخبر من الدس اللئيم، والمكر الخبيث، الكامن في متن هذه لرواية الموضوعة المصنوعة

إنما مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى ما خفى بين طياتها من الدس والمكر والخبث واللؤم. فتتعرى مكشوفة الأستار

ويتضح لكل ذي عينين ما كان كامناً خلف تلك السجف المهتزئة

.! التى كان يظن أصحابها أنها الحجب المتينة التى لم تنم ولا تشف.

هذا الخبر

تكاد كل جملة فيه

تصرخ أنه مكذوب موضوع. برغم ما حرص واضعوه على تغطية بعبارات مننقة، ومذوقة مصنعة، بزخرف القول

لإخراجه بأثواب ظنوا أنها كاسية صفيقة

تخفى ما تحتها من الطامات والبلاوى .. فإذا لم تظهر ما وراءها من النفوس الحاقدة على الإسلام وأهله. ويرمون من وراء صنعه الكلام وزخرفته الكتابية

إدخال هذه الطامات والأباطيل، إلى القلوب الغافلة .. فتعالج فتحها بأناة وصبر، ورويداً رويداً حتى يجدوا فيها منفذاً ينفثون فيه سمومهم من العقائد والزندقة الخبيثة الماكرة.

ص: 290

ولكن خاب فالهم، وأرتد كيدهم إلى نحورهم، وإن الله تعالى الذي تولى حفظ دينه سينصر كلمته، ويجعلها هي العليا .. ويجعل كلمة الذين كفروا السفلى.

وإننا نرجو من إخواننا الذين أغتروا بها وتخدروا ردحها من الزمن بسمومها

أن يصحوا الآن على ترياق الحق، ويعلموا أن ما كان يؤثر عليهم

إنما هو كيد عدو ماكر كافر، ودس ذنديق خبيث فاجر. فيعودوا - إن شاء الله - إلى الصف المحمدي إخوة أحباء، وأشقاء كرماء، ويتأكدون أن ما كان فيهم هو من أثر كيد كائد حانق حاقد.

ولنبدأ بكشف الأقنعة عن هذا الخبر

. ليتضح لك يا أخي

أنه لا يصلح حجة، ولا دليلاً على صحة (دعوى القوم

) وإليك البيان:

1 -

هذا الخبر في أى زمن كان

؟ وهذا الأعرابي من هو

؟ أصحابي أم تابعي أم من هو، وما هي هويته

.. ؟ وهؤلاء الذين استحسن أحدهم سؤال الأعرابي

من هم ومن هذا الذي أستحسن وبشر الأعرابي بمغفرة ذنبه وتالى على الله واكتشف الغيوب

؟

2 -

هل في كلام الأعرابي

أو كلام من أستحسن كلامه، وبشره بالمغفرة ما يؤيده الكتاب والسنة

حتى تقوم الحجة ويستقيم الدليل

؟ هذان سؤالان

يردان على الخاطر قبل الشروع بمناقشة أجزاء هذا الخبر

.ولعلهما يكونان المفتاح الذي نفتح له باب الأجوبة عن كل سؤال يرد أثناء النقاش حتى تنتهك الأسترة ستراً ستراً، ويظهر من ورائها الوضاعون والكذابون.

إن هذا الخبر

والقصة الواردة فيه وأشخاصها: العرابي ومن كان معه بما فيهم ذلك الذي بشره بالمغفرة

!!؟ مجموعة مجاهيل، وليس لهم وجود إلا في أدمغة من أخترعوا هذا الخبر ولفقوه وصنعوه.

لا يهمنا معرفة أشخاص القصة، بقدر ما يهمنا ما نسجوا فيها من أفكار وما ضمنوها من العقائد الفاسدة والزندقات الماكرة، والعقائد الكافرة بكلمات منمقة وعبارات مزخرفة باسم محبة الرسول

والتوسل بذاته، وإيهام العامة

ص: 291

أن تلك الكلمات المنقمة المؤلف منها دعاء الأعرابي

كانت سبباً في المغفرة له

!!!؟

ويحسن بنا أن ندرس ما أصطنع الكذابون على لسان الأعرابي

من الداعئ ولنوضح ما جاء به ونكشف الأقنعة عنه ليظهر على حقيقته عارياً من كل حجاب ويتأكد الجميع ما حواه من العقائد الزائغة الكافرة.

1 -

جاء في دعاء الأعرابي المصطنع: [وإن لم تغفر لي غضب حبيبك.] أى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم!!! ولكن ممن يغضب

.؟ أليس ممن لم يغفر للأعرابي

؟ ومن هو الذي لم يغفر للأعرابي

؟ أليس هو الله

؟ نعوذ بالله من الكفر

وهل يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم ربه

.؟ وما حكم الغضب من الله وعدم الرضى بما حكم وقدر

؟ أليس كفرا

فكيف ينسب يا ناس هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم

!!!؟ نعوذ بالله تعالى من الخذلان وسوء الخاتمة.

أرأيتم كيف يريد واضعو هذا الخبر أن يصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

؟ وهل هذا من صفاته وأخلاقه مع ربه الذي وصفه في القرآن الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم)؟ أرأيتم يا مسلمون كيف يريد هؤلاء أن يكذبوا ما جاء في القرآن من وصف الرسول الأعظم

؟ هذا تكذيب لله وطعن في رسوله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله تعالى.

2 -

إذا كان الله مقدراً عدم المغفرة للأعرابي

فهل إذا قال الأعرابي: [وإذا لم تغفر لي غضب حبيبك] يتفادى الله غضب حبيبه

فيتحول فوراً من عدم المغفرة، إلى المغفرة

!!!؟؟ تجنباً لغضب حبيبه

!!؟ وهل يؤثر على الله أحد (والله غالب على أمره)(وهو يجير ولا يجار عليه).

3 -

علم رسول الله من ربه أن أبويه في النار لأنهما ماتا مشركين، فهل غضب من حكم ربه تعالى على أبويه

أم تبرأ منهما كما تبرأ إبراهيم من أبيه

؟ أجل تبرا منهما ورضي بحكم الله فيهما

لأن الله تعالى هو الحكم العدل الذي لا يجوز. فيا سبحان الله! يرضى رسول الله بحكم الله في أبويه

ويغضب من ربه

ص: 292

من أجل الأعرابي إذا لم يغفر الله له

!!!؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

4 -

ثم يقول الأعرابي في دعائه: [وأنت يا رب أكرم من أن تغضب حبيبك] فجعله محابياً

!! لأن عدم المغفرة لا يكون إلا بسبب

وذلك لفعل فعله الأعرابي وذنب قد أرتكبه

فكان عدم المغفرة جزاء وفاقاً

فإن تحول الله سبحانه من عدم المغفرة

إلى المغفرة صار محاباة لرسوله يتقى بها غضبه

وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ألا إن المحاباة خلق ذميم

وأن أى إنسان إذا قلت له: يا محابي

غضب منك ولو كان يعلم من نفسه فعلاً أنه محاب، لأن صفة المحاباة صفة ذم

فكيف ينسبونها لرب العالمين ويصفونه بها

سبحان الله الملك القدوس له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولا يفاضل بين أحد من عباده إلا بالتقوى

لا من أجل نبي ولا ملك ولا أحد من خلقه.

5 -

يقول الأعرابي: [إن العرب إذا مات فيهم سيد، أعتقوا على قبره. وإن هذا سيد العالمين، فأعتقني على قبره يا أرحم الراحمين] يريد واضعو هذا الخبر

أن يدسوا على المسلمين هذا الدعاء .. فيدعوا به أملاً منهم أن يسقطوهم في هوة سحيقة من عدم معرفة حق الله عليهم وإليك البيان:

إذا قال أحد الناس لشخص آخر: اقتد بفلان

فمعنى ذلك أن فلاناً في مكانة محترمة ويكلفه أن يقتدى بأعماله التي سودته، وجعلته في تلك المكانة

فمعنى ذلك أن المكلف بالاقتداء به دون مكانة وإلا لما حرضه على الاقتداء به

إذن فهم أن المقتدى به أعظم وأفضل من المقتدى. وهذا مسلم به ولا شك.

فتعال يا أخي

ولنمعن في قول الأعرابي

نر أنه يطلب من الله أن يفعل ما يفعله العرب. إذا مات فيهم سيدهم من العتق على قبره بمعنى أن يقتدى بفعل العرب ويعتق الأعرابي على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتعال يا أخي وأنظر

من هو المقتدى

ومن المقتدى به في هذا الدعاء

؟ أليس المقتدى هو الله

والمقتدى بهم هم العرب

؟

لا أستطيع أن أزيد على هذا البيان ولا كلمة واحدة إلا أن أقول: نعوذ

ص: 293

باله من الكفر وسوء الخاتمة، ونعوذ به تعالى من الزندقة المبرقعة في أثواب التقى الكاذب الخداع.

6 -

كما إن العرب يعتقون العبيد على قبر سيدهم تقرباً إلى الله

فكذلك يطلب الأعرابي من ربه أن يعتقه على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن تقرباً لمن

؟ ألا إن شاء الله أعظم من أن يتقرب إلى أحد وهو الغني عن العالمين.

7 -

إن المعروف من قواعد التأدب مع العظماء إذا كنت في حضرتهم لا يجوز أن تذكر أحداً بسيادة أو تعظيم من عبيدهم دونهم

ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيدنا

ولكن لا ينبغي عندما نناجي السيد الأعظم وهو الله تعالى أن نذكر أحداً بسيادة أثناء دعائه

ولذلك جاءت الصلوات الإبراهيمية خلوة من التسييد لأنها دعاء لله تعالى في الصلاة على عبده ورسوله محمد. فالسيادة في موقف الدعاء

كلها لله تعالى فهو السيد الأعظم تبارك وتعالى وتقدس. وليس من التأدب مع الله دعائه أن نذكر عبده محمداً بأنه سيد العالمين وإن كان هو كذلك.

8 -

الأعرابي كما تبين تكلم بكلمات طامات وأباطيل وتشكيكات ظهرت لك يا أخي بينة واضحة، وهو كما علمت مجهول الهوية بل هو شخصية موهومة أخترعها واضعوا هذا الخبر .. فلو فرضنا أن ليس في أقوال شئ يؤاخذ به عليه، وأنه معروف الهوية مثلاً

فليس هو حجة حتى تتبع أقواله

وليس في أقواله آية حجة على المطلوب فكيف إذا كانت أقواله من الكفر والزندقة على شئ عظيم .. ؟

9 -

لقد أثبتنا أن أقوال الأعرابي على جانب عظيم من الانحراف عن أساس ما جاء به القرآن الكريم، فلو عرضناهم بنداً بنداً وجملة جملة، وكلمة كلمة

على القرآن والسنة

لوجدنا فيها تجافياً كبيراً عما جاء فيهما من الحق. فإذا كان الأمر كذلك .. فأى حجة في هذا الخبر على المطلوب من أنه يجوز التوسل بذوات المخلوقين

وهل من دليل أقوى إثباتاً وحجة على بطلان (دعوى القوم

) من هذا الخبر

وأى حجة قامت به على صحة دعواهم

. اللهم

ص: 294

إلا ما أنفضح من طوايا واضعية وما أنكشف من مخبآت زندقاتهم الفاجرة الكافرة.

10 -

إن واضعي هذا الخبر الباطل

لم يكتفوا بما دسوا فيه من بلايا على لسان الأعرابي المزعوم

بل اخترعوا له شواهد زور!!؟ يشهد لدعائه بان دعاء حسن .. وكان سبباً في مغفرة الله للأعرابي! وشهود وزر آخرين

أقروا بسكوتهم شهادة الذي تألى على الله وقال: [يا أخا العرب

إن الله قد غفر لك بحسن هذا السؤال

.!].

وإننا نناقش شهادة شاهد الزور في مسألتين:

الأولى: من أين علم أن الله قد غفر للأعرابي

؟!! أَأُوحي إليه!!؟ أم أنه يتألى على الله؟ إن مغفرة الله لعبده من أمور الغيب ولا يمكن القطع بها لأحد قط إنما ترجى له من الله رجاءً ودعاء فالقطع والجزم بها على الشكل الوارد في الخبر إنما هو كذب وجرأة على الله أو ادعاء منه بأنه يعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول الله

)

الثانية: أي حسن في سؤال الأعرابي ودعائه من أوله إلى آخره

؟ وإنه لمليء بالكفر والزندقة كما ثبت ذلك آنفاً؟ ثم إن سكوت الحاضرين على شهادة شاهد الزور إقرار لشهادته الكاذبة الكافرة إذا كان هناك واقع لكل ما ذكر أما الحقيقة فليس هناك أعرابي ولا دعاء ولا سؤال ولا حاضرون ولا غائبون إنما هو خبر ملفق من أساسه موضوع مكذوب مصنوع مختلق وضعه الزنادقة الكفرة الفجرة وتلقفه (القوم

) دونما تمحيص أو تدقيق

وذلك على عادتهم في كل ما أوردوه إلى الآن من أحاديث وآثار وأخبار بلا روية ولا فهم هدانا الله وإياهم.

11 -

وعلى فرض أن الخبر واقع فليس فيه حجة على دعوى القوم ولا علاقة ولا ذكر ولا بيان لجواز صحة التوسل بذوات المخلوقين وليس له أي ذكر أو مناسبة وكل ما يدل على الخبر أن الأعرابي طلب المغفرة من الله ..

ص: 295