الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول
روى البيهقي وابن أبي شيبة: [الناس أصابهم قحط في خلافة عمر رضي الله عنه فجاء بلال بن الحرث رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره: أنهم سيسقون].
الكلام على هذا الحديث
من ناحية متنه
من أجل أن نفهم متن هذا الحديث يجب أن نتغلغل بين سطوره ونبحث بدقة وإيجابية عما حوى هذا الحديث من المعاني والمآلات ثم نزعها بميزان الشرع الذي لا يضل ولا يخل ثم نستطيع بعد ذلك
…
أن نعطي فكرة صحيحة عنه فإن وافق ميزان الشرع وكان سنده صحيحاً اعتمدنا ما فيه وإلا سنستغني عنه وإن الله تعالى لم يتعبدنا إلا بما وافق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الأساس نشرع في تنفيذ ما رسم الشارع الحكيم في التحقيق من الأخبار فمن أجل الوصول إلى ما ينبغي يجب أن نتحقق من الأمور التالية:
1 -
تعريف الاستسقاء وكيف كان يستسقي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 -
هل يجيز الشرع مخاطبة الأموات وسؤالهم قضاء حاجات الأحياء .. ؟
3 -
هل باستطاعة الميت أن يسمع الخطاب ويجيب الداعي بما يطلبه منه؟
4 -
هل المنامات من أصول الدين وتقوم بها حجة؟
5 -
هل الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أن يستسقي لأمته هو بلال بن الحرث رضي الله عنه .. ؟
6 -
إذا خالف الصحابي أمر الشريعة أفيتابع على مخالفته أم تتبع الشريعة .. ؟
7 -
إذا كان طالب الاستسقاء ليس بلال بن الحرث بل هو مجهول فما قيمة عمله شرعاً .. ؟
8 -
التأكد من ثبوت وقوع الحادثة من ناحية السند على الشكل المروي في المتن.
أجل لا نستطيع أن نحكم على متن هذا الحديث إلا بالإجابة على هذه الأسئلة فإذا تأكدنا من مطابقة ما جاء فيه على الأحكام الشريعة حكمنا بأن المتن لا يخالف الشريعة وأن عدم المخالفة لا يعني صحة الخبر بل يجب أن ينظر في سند الحديث فإن وجد سالماً من العلل التي تخل بصحته حكمنا على الحديث بأنه صحيح متناً وسنداً وإلا رددنا متناً وسنداً ولنشرع في ذلك مستعينين بالله وحده.
1 -
الاستسقاء: هو الطلب من رجل صالح حي أن يدعو الله تعالى بأن ينزل الغيث ويسقي به البلاد والعباد فيرجع الرجل الصالح يديه ويدعو الله تعالى والناس يؤمنون على دعائه أما استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته إذا أجدبت فإننا قد أشرنا غليه في البحث الذي شرحنا فيه التوسل المشروع بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن (1) وكذلك استسقاء أمته من بعده في زمن الصحابة (2) فليرجع إلى ذلك من يشاء لتعلقه بالبحث.
هذا هو معنى الاستسقاء وذلك صفة استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن هذا الحديث لا ينطبق على تعريف الاستسقاء
…
فلا هذا الرجل - وإن كان بدلالاً أو غيره - طلب من رجل حي إنما طلب ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وذلك في خلافة عمر - حسب ما جاء في الحديث - ولا أدري كيف يطلب ذلك ممن توفاه الله ثم هل هذا الذي طلب إليه أن يستسقي لأمته أجاب. وطلب ودعا الله الجواب: لا لم يكن ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ككل ميت قد انقطع عمله فلا يمكن لأن يدعو عملية الدعاء عمل والعمل قد انقطع
(1) راجع الصفحة 170 - 172.
(2)
راجع الصفحة 173 - 176.
بوفاته إذاً فإنه لم يدع أي أن عملية الاستسقاء لم تتم ولم تقع لأنه نقص منها العنصر الفعال في موضوع عملية الاستسقاء وهو الدعاء فإذا أحد طلب من أحد أن يدعو له والمطلوب منه الدعاء لم يدع لسبب ما فهل يمكن أن نقول: تمت عملية الدعاء؟
2 -
إن الشرع الإسلامي الكريم لا يجيز مخاطبة الأموات والسؤال منهم قضاء الحاجات كالدعاء وغيره لأنه انقطع عملهم بوفاتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. وكيف يسألون الأموات قضاء الحاجات والحي القيوم بديع السموات والأرض لا يسألونه؟ وهو حي باق لا يموت
…
؟
3 -
إن همزة الوصل بين السائل والمجيب هي حاسة السمع التي تصل بين سؤال السائل وإجابة المجيب فإذا سأل والمسؤول لم يسمع فكيف تتم الإجابة؟ وهكذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع سمعه بالوفاة
…
فالذي يناديه لا يسمع نداءه حتى يجيبه وذلك بدليل: (إنك لا تسمع الموتى) و (وما أنت بمسمع من في القبور).
4 -
أما المنامات فليست من أصول الدين حتى تقوم بها الحجة ولكن إذا رؤى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته الشريفة التي خلقه الله عليها فإن ذلك المنام حق لأن الشيطان لا يتمثل بصورته فإذا كان هذا الرجل هو بلال بن الحرث الصحابي فلا شك أنه يعرف صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رآه في المنام على صورته المعروفة فرؤيته حق وإذا قال له رسول الله في المنام ستسقون فإنهم سيسقون فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في اليقظة والمنام فيما وافق الشرع الذي بلغه وقد يقول له: ستسقون دون أن يستسقى به أي يطلب منه السقيا أو بالاستسقاء به - على جواز وقوعه - فإنهم سيسقون ويكن قوله هذا بشارة بالسقيا وستقع حتماً