الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس
حديث الغار
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
[((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. فقال رجل منهم:
((اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران كنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأي بي طلب شجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناماً فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر - زاد بعض الرواة - ((والصبية يتضاغون عند قدمي)) فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة.
فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها)) قال النبي صلى الله عليه وسلم ((قال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي .. فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني وأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تجلي بيني وبين نفسها
…
ففعلت. حتى إذا قدرت عليها
…
قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها
…
فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب
…
فثمرت أجره
…
حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين
…
فقال لي: يا عبد الله أد لي أجري. فقلت: كل
ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق!!! فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي؟!! فقلت إني لا أستهزئ بك. فأخذه كله
…
فساقه فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة
…
فخرجوا يمشون))]. رواه البخاري ومسلم والنسائي.
هذا حديث نبوي شريف متفق على صحته يرويه صلى الله عليه وسلم عن الأمم المؤمنة السابقة وإنك لتعلم يا أخي القارئ المسلم أن من البدهي أن الإنسان لا يتكلم بكلام
…
إلا ويكون له مناسبة وإن هذه المناسبة غالباً ما تلجئ المتكلم إلى إيراد شاهد يؤيد ما ذهب من رأي
…
أو يورد الشاهد أولاً
…
ثم يقارن به واقعاً في مجتمعه يود معالجته فيكون إيراد الشاهد عوناً له على إدخال ما يبغيه من مفاهيم في أفكار الناس حتى يؤيدوه ويتبعوا ما جاءهم به من نصح.
إذاً
…
فإن إيراد الشاهد إنما هو وسيلة إيضاحية يؤيد به المتكلم فكرته التي يدعو الناس إليها
…
وإن إيراد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث يمكننا أن نستنتج منه أحد الغرضين الآنفي الذكر
…
أي إما أنه كان يبحث مع صحابته قضية التوسل أو سألوه عنها أو أنه رغب أن يعالج هذه القضية أي قضية التوسل
…
ليسلك بالمؤمنين المسلمين السبيل الصحيح طالماً أن للمسلمين قرب عهد بالشرك فقد يكونون لقرب عهدهم هذا
…
ما زلوا يتوسلون توسلاً جاهلياً غير مشروع فيخطئون من حيث لا يريدون
…
كالحلف باللات مثلاً فقد كان المسلمون الحديثو عهد بشرك
…
كانوا يحلفون بالات - سبق لسان - دونما أي تقصد ويعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم
…
فكان يقول: [من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله] أي من حلف باللات ناسياً غير متقصد فكفارة ذلك أن يعقبها حالاً بقوله: لا إله إلا الله لأن الحلف عبادة فمن حلف بالله فقد عبد الله تعالى ومن حلف بغيره فقد عبد هذا الذي حلف به
…
فلزم أن يفرد الله بالعبادة وحده فيقول: لا إله إلا الله. أي لا معبود إلا الله بمعنى أنني وجهت بقولي: (واللات) عبادة لغير الله فلا يكفر ذلك
…
إلا أن أتبرأ من جديد من عبادة غير
الله أي قولي: (واللات) وأجدد إيماني بأنني لا أعبد إلا الله وحده لا شريك له فأقول: لا إله إلا الله أي لا معبود لي بحق في السماء والأرض إلا الله تعالى.
فهمنا مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أورد هذا الحديث إلا لموجب اقتضى إيراده لأنه صلى الله عليه وسلم حريص على أمته أن تسلك الطريق المستقيمة إلى العمل الصحيح وكل تخبط في الطريق مانع من الوصول إلى الغاية المتوخاة من العمل ولا شك في أن الأمم المؤمنة السابقة هم أسوة لنا في العمل المستقيم وليس أدل على استقامة عملهم من موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بل وإيراده حجة له في معالجة ما يريد أن يعالجه وليكون أيضاً وسيلة إيضاح يستعين بها على إفهامهم مراده من الشاهد الذي يورده.
هناك قاعدة شرعية تقول: (شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه شرعنا) فالتوسل إلى الله تعالى بالوسائل الشرعية هو
…
من لدن آدم أول الأنبياء إلى محمد خاتمهم صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم تسليماً لم يتبدل ولم يتغير لصلته الوثيقة بالتوحيد كذلك هو لم يتبدل ولم يتغير إذ من غير المعقول أن يكون مطلوب الله التوحيد من أمم
…
ثم يكون مطلوبه من أمم أخرى الشرك!!! فهذا مما لن يكون أبداً (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (52) الأنبياء
وعلى هذا الأساس الركين فإن التوسل بالعمل الصالح الذي يستشهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية الأمم السابقة المؤمنة
…
إنما كان شرعياً من قبل الله لكافة الأمم ولم ينسخه شيء
…
لا سيما وإن شرعنا - القرآن والسنة - يؤكد من جديد على تحديد التوسل المشروع بأقسامه وأنواعه الثلاثة الآنفة الذكر في الأبحاث الماضية ويحث عليه المؤمنين ويجعله سبباً شرعياً لا ستجابة الدعاء.
تعمدت يا أخي القارئ المسلم الكريم أن أمهد لك في بحثي المتقدم
…
. تمهيداً مسهباً ولو بعض الشيء
…
كيما أتعاون وإياك على فهم مراد الله ورسوله
…
هذا من جهة
…
ومن جهة أخرى أن أسد المنافذ على بعض الذين يودون أن يعرقلوا مسيرة الحق
…
ويغطوا نوره للحؤول دون تسربه إلى القلوب
والأفئدة
…
لعلهم يرجعون إلى الحق ويحاربون معنا عدونا إبليس لعنه الله هذا العدو الذي جاهر بعدائه بني آدم وأخذ بذلك عهداً على نفسه أمام ساعة لعنه وطرده.
(قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين /39/ إلا عبادك منهم المخلصين /40/ قال هذا صراط علي مستقيم /41/ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من تبعك من الغاوين /42/ وإن جهنم لموعدهم أجمعين /43/
…
الحجر
وها أناذا اشرع بالكلام على هذا الحديث بحديث الغار وأحاول أن أتطلع إلى مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيراده وذكره وروايته لأصحابه
…
فأقول وبالله المستعان: لعل سائلاً يسأل كيف يروي رسول الله صلى الله عليه وسلم خبراً عن الأمم السابقة المؤمنة وهو لم يعاصرهم ولا رواه له من عاصرهم ما دام بينه وبينهم زمن سحيق يقدر بآلاف السنين
…
؟!!!
الجواب: سؤال
…
من الذي أخبر صلى الله عليه وسلم عن قوم عاد وثمود وإبراهيم ولوط وغيرهم وما حل بهم
…
؟ سيقولون أخبره الله تعالى في قرآنه
…
فنقول: وكذلك أخبره الله تعالى في السنة
…
فالقرآن وحي والسنة وحي أيضاً
…
إلا أن القرآن كلام الله والسنة ليست كلامه إنما كلاهما وحيان: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) /3/النجم.
إذاً فهذا الحديث
…
إخبار عن الله تعالى كغيره من الأحاديث التي ترد في مواضيع شتى
…
والغرض منه إخبار أمته بأخبار الأمم فتحصل بذلك العظة والأسوة ولفت أنظار أمته صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما فعل الثلاثة
…
بعد أن أووا إلى الغار وأطبقت الصخرة فسدته عليهم
…
فقالوا: لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.
وقد يسأل سائل آخر: من أين علموا أنه لا ينجيهم إلا الدعاء بصالح أعمالهم؟
الجواب: إن مثل هذا القول الذي قالوه
…
لا بد أن سمعوه من نبيهم في ذلك الحين
…
أو من آبائهم الصالحين عن نبيهم .. لأن علمهم هذا لا يعرف إلا من مشكاة النبوة كما يفهم أن قائليه مؤمنون
…
ولولا ذلك ما استشهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب أمته أن يعملوا عملهم أي يتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة إما حز بهم أمر أو حلت بهم شدة أو نزل بهم كرب.
أما الأول: فقد توسل إلى الله ببره لوالديه وتفضلهما على أهله وأولاده ونفسه أما الثاني: فقد توسل إلى الله بعفته عن الحرام وعن الوقوع في الفحشاء مخافة الله. أما الثالث: فقد توسل إلى الله تعالى بأمانته واستقامته وبمعاملة أجيره كما يعامل بل وزيادة وكل فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى لا خوفاً من العباد ولا طمعاً بإطراء منهم أو مديح
…
أو جزاء.
ولا شك أن أعمالهم من أرفع الأعمال الصالحة
…
فهي أعمال صالحة مرضية مقبولة رفعت إلى الله وسيلة لاستجابته الدعاء بنجاتهم من كربهم العظيم
…
وكان كل توسل يصدر من أحدهم يكرمه الله تعالى فوراً باستجابة الدعاء
…
إلى أن أجاب الجميع وأنقذهم من الصخرة
…
وأزاحها عنهم
…
بسبب توسلهم الصالح المخلص
…
وخرجوا جميعاً يمشون .. !!
فعندما يذكر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مثل هذا الخبر عن الأمم السابقة
…
يعلم الكل ما هو مقصده من ذكره فينشط الجميع إلى التأسي بمن ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسلون عند الاقتضاء كما توسل أولئك الثلاثة رضي الله عنهم.
إذا فذكر هذا الحديث وإيراده
…
إنما هو حض وتحريض منه صلى الله عليه وسلم على العظة والأسوة والاقتداء وهكذا قد جعل أصحابه صلى الله عليه وسلم من بعده وكذلك القرون الخيرة
…
ثم ظهر اقرن البدعة من وراء قرن الشيطان فنسي الهدي المحمدي والمنهج المصطفوي والصراط النبوي
…
فماتت السنة وقامت البدعة فاستبدلوا التوسل المشروع بالتوسل الممنوع وجعلوا المخاليق وذواتهم هدف الغرض فتوسلوا بهم إليه تعالى وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوها حسنة ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
الدليل السابع
دليل من عمل الصحابة
لا شك في أن نذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أخبار الأمم السابقة المؤمنة إنما يهدف من ذلك للعظة والتأسي.
وأن الصحابة الكرام هم أول المتلقين عنه صلى الله عليه وسلم هذه العظات وهم أول الذين يتأثرون بها ويستفيدون من العظة ويحرصون على التأسي بمن قبلهم من الأمم المؤمنة لا سيما إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الدال والحاض على هذا التأسي. فتعود تلك العظات ليست مجرد أخبار للاطلاع فحسب
…
إنما أصبحت شرعاً يقتدى به استجاباً أو وجوباً
…
بحسب مكانة العظة
…
أو درجة تركيز الرسول عليها وحضه على تنفيذها.
ولا شك في أن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أوعية إرث النبوة الخاتمة والقلوب الواعية لهذا العلم الموروث
…
وما حبسوا عن الأمة بعد نبيهم أية سنة علموها منه وكانوا في حياتهم العامة والخاصة أمثلة حية صادقة لحياة الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى التحية.
فكانوا في حالهم وقالهم
…
الهداة الصادقين الحريصين على تبليغ ما وعوه عن الرسول الكريم في كل شأن من الشؤون الدينية والدنيوية فكانوا القدوة الكاملة للأمة حملة أنفاس الرسول العطرة بالهدى والخير.
وفي صدد ما نحن جادون في معالجته من بحث التوسل بالأعمال الصالحة نأتي على سبيل المثال بما كان الصحابة يفعلونه من التوسل
…
.
وهذا خبر عن ابن مسعود رضي الله عنه نورده كنموذج من توسلاتهم التي طبقوها في حياتهم كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول بعد صلاة الليل: (اللهم أمرتني فأطعتك ودعوتني فأجبتك وهذا سحر فاغفر لي).
فالقيام في السحر والناس نيام من أجل الأعمال الصالحة قدمها ابن مسعود بين يدي دعائه ولم يدع قبل أن يتوسل بها إلى الله تعالى:
(اللهم أمرتني فاطعتك ودعوتني فأجبتك وهذا سحر فاغفر لي).
وفي هذا
…
إشارة إلى الحديث: [ينزل ربكم إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له] أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهذا عراك بن مالك رضي الله عنه:
(كان إذا صلى الجمعة، انصرف
…
فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني (1) فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين) رواه ابن أبي حاتم.
وإن كلام عراك رضي الله عنه كما هو واضح هو توسل إلى الله تعالى بإجابة دعوة الله إلى الصلاة وهي الأذان وبصلاته فريضة الجمعة وبانتشاره من بعد الصلاة كما أمره الله تعالى وسائر المسلمين في قوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
…
) /10/الجمعة. كل هذه الأعمال الصالحة قدمها توسلاً إليه تعالى بين يدي دعائه
…
ثم شرع يدعو فقال: فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.
وإذا كان هذا عمل توسل به ابن مسعود وعراك بن مالك رضي الله عنهما فليس سائر الصحابة دونهما توسلاً
…
وعملاً وتطبيقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كانوا جميعاً على هذا النمط من العمل والتطبيق والحرص على اتباع الرسول
(1) وهذا دليل على أن الصحابة كانوا ينتشرون بعد صلاة الجمعة فلا يصلون ظهراً بعدها!!! كما هي حال بعض المسلمين اليوم من صلاة الظهر بعد الجمعة كأن في هذا اليوم فرضاً سادساً!!!؟ راجع رسالتنا: ((حكم الشرعية في صلاة الظهر بعد الجمعة)).
الأعظم صلى الله عليه وسلم وهل تلقينا السنة المطهرة إلا عن
طريقهم؟ ولكن خلف بعد القرون الخيرة خلف تسلك البدعة إلى فوفهم ثم توارثت الأجيال الجاهلة ما سول الشيطان لهم بدعة
…
حتى صار لهم أعوان وأنصار
…
فشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً حتى أصبح التوسل الممنوع شعاراً عاماً بين المسلمين - إلا من رحم ربك - فترى الكثرة الكثيرة عامة وخاصة عند ما يتوسلون يكاد
…
أن لا يخطر على بالهم التوسل إلى الله بذات الله بأسمائه وصفاته أو بالأعمال الصالحة
…
وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة!!! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا حاولت يا أخي تذكيرهم بالحق وبالسنة المنسية غضب أكثرهم وسمع لأنفاسهم شهيق وزفير ولأضراسهم تغيظ وصرير وتكاد أعينهم ترميك بالشرر
…
كل هذا
…
لأنك ذكرتهم بالسنة وإحيائها ودعوتهم إلى شميم العبق وأريحها الفواح بالحق والخير والهدى.
لا تيأس يا أخي
…
إن الحياة جهاد وكفاح
…
وإن إصرارك في الحق ورسوخك مؤثراً في النفوس فتتفتح له القلوب والأفئدة عاجلاً أو آجلاً ويعود الحق خفاق البنود في ظل ظليل من الرعاية الإلهية والعناية الربانية فإلى ذلك المستقبل المنتظر
…
أسرع الخطى وكل آت قريب إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه نتوكل وبه نستعين.
وليس التوسل المشروع الذي أضاعه المسلمون هو المقصود من الجهاد فحسب لا إنما السنة النبوية في كل شيء دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها
…
من قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى الحكم بما أنزل الله
…
إلى
…
إماطة الأذى عن الطريق كل هذا يدخل في حساب الجهاد في سبيل الله حتى تعود العقيدة الصحيحة والحكم الصالح والحياة الإسلامية في كل معانيها
…
في البيت وفي الشارع وفي المسجد وفي المجتمعات العامة والسوق والحانوت والمتجر وكل شأن من شؤون الحياة لأن الإسلام الشامل شمل كل الحاجات أعلاها وأدناها
وقعد لها قواعد وسن لها شرائع من يوم أن نزل جبريل بـ (اقرأ باسم ربك الذي خلق) /1/ العلق إلى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) /3/المائدة.
أجل
…
إن المسلم من يتمثل فيه الإسلام بكامله، يأتمر يكل الأوامر وينتهي عن كل النواهي ويشعر من أعماقه أنه لو تخلى الناس عن الإسلام ما تخلى عنه ولو هجر كل الناس الدعوة إليه ما هجرها
…
فيدعو إليه في نفسه وأهله وأقربائه ومجتمعه وأصدقائه ويستعين بكل وسيلة في سبيل إذاعته ونشره ولا يهولنه طول الطريق وما حوله أو على جنباته من العوائق
…
وليعتمد على الله فإنه ناصره لا محالة ولو طال السبيل فلا بد واصل إلى النهاية وما النهاية إلا الوصول إلى الهدف الأسمى
…
وهو عودة المسلمين إلى دينهم الحق والعودة إلى الإسلام إنما هي النجاح في كل ناحية من نواحي الحياة لأن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة في جميع شؤون الحياة
…
إلا وطرقها وأحصاها واستقصاها .. عندما نستطيع أن نقول عن أنفسنا إننا مسلمون حقاً فتفتح لنا القلوب وتهفو الينا النفوس وتدعونا البلدان والثغور لنحل فيها الحق والعدل والهدى والخير ويهتف أهلها: أهلاً بالمنقذين.
أخي المسلم
…
هذا والله سيكون إذا كنت داعية مخلصاً في دعوتك للإسلام تدعو إليه لا لفتح أو تسلط أو جبروت
…
إنما لتذويق القلوب الأفئدة طعم الحق والعدل وتنقذ الحيارى والتائهين وتدلهم على الصراط المستقيم.
هذه مهمة في الحياة ليكون هادياً ومعلماً وداعياً إلى الحق طبق ما وصفه الله سبحانه في كتابه العزيز:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله
…
) (110) آل عمران.