الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (1))
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجلاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)(2)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)(3)
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (4).
(1) آل عمران: 102
(2)
النساء: 1، 2
(3)
الأحزاب: 70
(4)
أي صاحب الضلالة في النار.
أخي القارئ المسلم الكريم:
أضع بين يديك كتاباً .. جهدت فيه والتزمت أن لا أقول فيه إلا الحق المؤيد بالحجج القرآنية والبراهين السنية وسيرة ومنهج السلف الصالح ولا أراني محتاجاً لتعريف السلف الصالح
…
فالكل يعلم أنهم: محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والقرون الخيرة التي شهد لأهلها بالخير ومن سار على نهجهم وتقفى خطاهم الهادية إلى يوم القيامة.
وهذا الكتاب يبحث في موضوع جليل طالما تنازع فيه السلف والخلف واختلفوا فيه اختلافاً بيناً!!! ألا وهو موضوع التوسل وأعني بالتوسل التوسل إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه للفوز بمحبته ورضاه.
على أن الطريق المؤدية إلى منتهى هذه الرغبات .. وغاية هذه الأمنيات .. قد شذ فيها الخلف عن السلف .. ! واتبعوا طرائق .. أقل ما يقال فيها: أنها على غير السبيل القويم والصراط المستقيم الموصل إلى الهدف الأسمى من الرضا والفوز فلا بدع أن تزور بهم تلك الطرائق
…
عن النهج السوي فتضلهم عن الوصول إلى الغاية المنشودة.
(وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)(2).
بحثنا هذا
…
بحث سلفي موضوعي بأسلوب علمي منهجي وعرض سهل جديد مفصل ومبوب يتسلسل بالقارئ تسلسلاً يعين على فهم الموضوع بشكل بسيط واضح وجذاب بمقارنة جلية بينة بين حجة السلف ورأي الخلف فيخرج القارئ من البحث مستطيعاً أن يعين بنفسه الطرف الذي اقتنع بحجته ويسير على الطريق الذي اختاره بعد تمحيص وتدقيق ومقارنة وتقرير ويسلك المحجة التي يدين الله بها أنها هي الحق الذي ما بعده إلا الضلال.
(2) الأنعام: 153.
لا أدعي قط
…
أنه بحث جديد أو موضوع حديث
…
بل هو قديم وسحيق في آفاق القدم
…
فهو موجود منذ أن اصطرع الهدى والضلال على الأرض واختلف أهل كل فيها وقد يكون هبوط الرسالات
…
وابتعاث النبوات
…
سبباً موجباً ليوضح فيه طرق الحق من طرق الضلال ويسلك البشرية صراطاً مستقيماً فمن أخذ به من مشكاة النبوات ومصابيح الرسالات
…
فقد تجنب الغي والضلال واتبع النور الذي لا يجتمع والظلام في قلب واحد. ومن سلك فيه السبل
…
افترقت به عن سبيل الله التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
وهكذا فإن بحثنا اليوم
…
يسير في صراط المرسلين والنبيين أسلوباً وهدفاً وغاية تحقق فيه على نهجهم ومسيرتهم ما دعوا إلى تحقيقه منذ آدم إلى محمد عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليمات وأبرك التحيات.
إذا
…
هو بحث في صميم الدعوة إلى الإسلام
…
إن سلكت يا أخي فيه الحق والهدى كان القنطرة التي عليها تمر إلى جنات النعيم
…
وإن سلكت فيه السبل
…
أي غير طريق النبيين والمرسلين
…
كان القائد والدافع إلى الهاوية التي هوى فيها من قبل
…
من تنكب عن الطريق القويم وأزور عن الصراط المستقيم واختار على علم!!! خاتمة حذر منها ومن مغبتها المرسلون.
فاختر يا أخي المسلم ما ينجيك
…
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
منهجي في معالجة هذا الموضوع
اخترت لك يا أخي منهجاً في معالجة هذا الموضوع الهام
…
بل البالغ الأهمية حرصت فيه أن يكون منهجاً واضح المعالم ووضعت لك على كل منعطف الصوى الظاهرة البينة والدلالات القائمة التي يراها كل ذي بصر وبصيرة وأشرت لك بأوضح الإشارات وأبين العلامات على كل مفترق سبيل الخير والحق والهدى من سبل الشر والباطل والضلال وما المعالم والصوى
والإشارات والدلالات والعلامات إلا: تنزيل رب العالمين وهدي خير الأنبياء
والمرسلين ومنهج خير صحب ومسلك خير قرون الأولين والآخرين. بحثت لك معنى التوسل لغة وشرعاً وقسمت التوسل إلى قسمين وهما:
1 -
التوسل المشروع.
2 -
التوسل الممنوع وعرفت لك كلاً منهما.
وقسمت أيضاً التوسل المشروع إلى ثلاثة أقسام:
1 -
توسل المؤمن إلى الله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته.
2 -
توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة.
3 -
توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له.
ثم عرفت كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة وأثبت بالأدلة عليه من الآيات البينات
…
ففسرتها وذكرت الشاهد منها
…
وأكثرت الأمثلة والأدلة لتكون أوقع في النفس وأدعى إلى الاطمئنان واليقين.
وكذلك ذكرت في كل قسم الأدلة الواضحة من الأحاديث الصحيحة فشرحتها وذكرت كذلك الشاهد منها ومن إيرادها والموطن المقصود منها وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها معلماً ومبلغاً وهادياً وآمرا باتباع هديها وسلوك محجتها وذلك من أدعيته وتوسلاته إلى ربه أو من أدعية وتوسلات النبيين قبله أو من سيرة الأمم السالفة المؤمنة الذين سبقونا بالإيمان وكيف كانوا يتوسلون إلى ربهم ليكون سبيله هو، وسبيل النبيين قبله وسبيل الذين سبقونا بالإيمان قدوة لنا وأسوة ونبراساً وهدى.
وإنه صلى الله عليه وسلم لم يذكرها لأصحابه إلا ليعلموا بها ويقتدوا بهديها.
ثم ذكرت لك يا أخي: التوسل الممنوع وعرفته لك وذكرت حكم الشارع الحكيم فيه وفي من أخذ به وقسمته كذلك إلى أقسام ثلاثة:
1 -
التوسل إلى الله تعالى بذات وشخص المتوسل به من المخلوقين.
2 -
التوسل إلى الله بجاه فلان أو حقه أو حرمته أو بركته!!!
3 -
الإقسام على الله تعالى بالمتوسل به
ورددت كل ذلك بالدلائل الواضحات والبراهين الساطعات والحجج الدامغات من الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح رضي الله عنهم وبأقوال الأئمة المجتهدين
والعلماء الأعلام العاملين.
ثم ذكرت أقوال المجيزين للتوسل الممنوع وما يدلون به من الحجج من القرآن والسنة (بزعمهم
…
) وذكرت دعاواهم وشبههم التي تربو على الثلاثين فكشفت عنها ونقضها واحدة إثر واحدة متناً وسنداً .. إما أنهم لم يحسنوا الاستدلال بها بأن جاءوا بها في غير مناسبتها
…
وإما كونها من الأحاديث الموضوعة المكذوبة والباطلة وما لا أساس لها من الصحة!!! وأحسن ما أوردوا من حججهم الأحاديث الشديدة الضعف
…
!!! التي لا يجوز إيرادها إلا في معرض عللها ليكون الناس على بينة منها فكيف إذا أوردت من أجل الاحتجاج بها
…
!!!؟
وإنني لم أكن متجنياً عليهم ولا رددت شبههم لمجرد الهوى
…
أو لعصبية
…
لا والله
…
وإنني لأبرأ إلى الله تعالى من كل ذلك
…
وإنني أقسم بالله لو أن حججهم التي أدلوا بها صحيحة كلها أو جلها
…
حتى ولو واحدة منها
…
إذا لا تبعتها وأنا منشرح الصدر ولكن يا ليت
…
وهل تنفع ليت
…
؟
ما ذنبي أنا!! إذا هم أوردوا من الأدلة ما لم يصح منها ولا دليل واحد
…
؟ أهم يأتون بالموضوعات والمكذوبات وأنا الملوم والمسؤول لم رددتها .. !!!؟ أنا ما رددتها
…
إنما الذي ردّها وشهد بوضعها وكذبها وبطلانها جهابذة أعلام علم الحديث وأكابر أهل الجرح والتعديل.
إنني أرى نفسي
…
إنني أستحق الشكر منهم قبل غيرهم لأنني أنرت لهم الطريق ليروا الحق من الباطل والهدي من الضلال والرشاد بعد الغي ويتبعوا ما أمرهم الله أن يتبعوه
…
فسلكتهم السبيل خطوةً خطوة وكلي أمل أن يعودوا إلى ما نصح لهم من الحق والحقيقة عساهم أن يكونوا من أتباع الحق
…
فلعلهم كانوا مفتونين بتلك الشبهات والأباطيل
…
فكشفتها لهم على حقيقتها فإذا هي الأحابيل المزأبقة التي كان يخيل إليهم أنهت تسعى .. حتى إذا جاءت عصا الحقيقة .. فابتلعت كل ما يأفكون .. فرحنا لأنهم سيسجدون
لله مؤمنين بما جاءت به الرسل .. كما آمن السحرة من قبل
…
وسجدوا لله رب العالمين ونرجو الله أن يفعلوا لوجدوا الله تواباً رحيماً بل ولبدل سيئاتهم حسنات.
والذي يحز في النفس أنك يا أخي تسمع منهم أنهم يؤيدون التوسل المشروع ويقولون بمشروعيته كما نقول تماماً .. ولكن يا ليتهم عندما يدعون ويتوسلون إليه تعالى أن يتوسلوا إليه بالتوسلات المشروعة ولو مرة واحدة .. !! إنني تعمدت الإصغاء إليهم وهم يجأرون بالدعاء إلى الله لعلي أسمعهم ولو مرة واحدة يقولون: اللهم إننا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وبكل عمل صالح مقبول منا عندك أن تقضي حوائجنا
…
فلا والله ما سمعت منهم هذا أو ما يشبه
…
بل كلهم يتوسلون بأحرج الأوقات: بحق الأنبياء وجاه الأولياء وبركة الصالحين وينادونهم: بأن يدعوا الله لهم الكشف عنهم الهم والغم والحزن وهم يعلمون أن الذين ينادونهم: أموات غير أحياء وما يدرون أيان يبعثون.
ليت شعري
…
كيف يؤمنون معنا في صيغ التوسل المشروع
…
ويوافقوننا في ذلك ويقولون لا نختلف معكم في هذا
…
ثم لا يستعملونه أبداً
…
مما يدل على أنهم غير صادقين في قولهم الذي قالوه: بأنهم يؤيدون التوسل المشروع!! ولو كانوا صادقين لتقربوا إلى الله ولم يرضوا عنه بديلاً ولأثبتوا من فعلهم دليلاً على صدقهم بما يقولون.
ولعل هذا الموقف منهم
…
كان من جملة الأسباب التي دعتني إلى تأليف هذا الكتاب
…
راجيا أن أبلغ وإياهم به ما يقربنا إلى مرضاته تعالى فتنكشف الأعصبة وتنتهك الستر التي كانت تغشى الأبصار والبصائر فيظهر الحق جلياً واضحاً ونهتف جميعاً بلسان واحد:
(قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ما شاء الله وسلم تسليماً كثيراً وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد نسيب الرفاعي
خادم الدعوة