الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس
حديث الاستسقاء بدعاء العباس
رضي الله عنه
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثبت لك يا أخي أن الصحابة كانوا يتوسلون إلى الله بالاستسقاء بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وذلك من الأحاديث الواردة في البحث الماضي
…
نعم
…
كانوا يفعلون ذلك في حال حياته صلى الله عليه وسلم ولما قبض الله نبيه إليه وألحق بالرفيق الأعلى فإذا أجذب الصحابة وقحطوا استسقوا وتوسلوا بغيره من الأحياء الذين تكون فيهم مظنة التقى والورع وبخاصة إذا كانت له وشائج قربى تربطه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ولعلك تسأل يا أخي المسلم ولم يعدلون عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الناس
…
؟ إذ مهما كان فيه ورع وتقى وصلاح لم يكن هذا شيئاً مذكوراً بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وإليك الجواب:
إن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء رسول الله حال حياته ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعد يستطيع الدعاء بسبب وفاته وإذا مات ابن آدم انقطع عمله والدعاء ولا شك فانقطع بالموت.
ولهذا استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبان خلافته بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال:
[إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: ((اللهم كما نتوسل بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) قال فيسقون] رواه البخاري في صحيحه.
وإذاً ثبت لديك ثبوتاً قطعياً أن عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين رضي الله عنه استسقى بالعباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه ولم يعترض أحد من الصحابة على عمل عمر بن الخطاب إذ ليس من المعقول أن يعترض أحد لعلم الناس جميعاً أن عملية
الاستسقاء عملية توسل بدعاء المستسقي فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استسقوا بدعائه حالة حياته ولم يعد بالإمكان أن يدعو
…
كان بدهياً وجوب التفتيش عن غيره ليستسقي لهم
…
فاختار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العباس بن عبد المطلب
…
ثم علل اختياره له بقوله: ((اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)).
أجل
…
إنه علل اختياره: أولاً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قضى، ولم يعد يدعو. ثانياً: لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أما الفضل والسابقة والروع فيوجد في المسلمين من هو أفضل من العباس إنما قرابته من رسول الله كانت السبب باختياره للدعاء ولم يعلم أحد من الصحابة خالف عمر أو اعترض عليه فكان ذلك إجماعاً والإجماع أحد أصول الشريعة الأربعة الذي تقوم به الحجة إذاً فاختيار عمر للعباس للاستقاء بدعائه كان عملاً صحيحاً ومشروعاً وهو من نوع توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن.
فبعد أن كلف عمر العباس بالاستسقاء قال: ((أدع يا عباس
…
)) وهنا نترك المجال ونتخلى عن موقف الكلام في الاسترسال بهذا البحث للحافظ ابن حجر العسقلاني ((أمير المؤمنين)) في الحديث ليروي لنا في كتابه: ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) صيغة الدعاء الذي دعا به العباس رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه ((فتح الباري)): ((وقد بين الزبير بن بكار في [الأنساب] صفة ما دعا به العباس لما استسقى به عمر. قال:
[اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك
…
وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] فأرخت كالجبال)).
هذا هو دعاء العباس
…
وإنك يا أخي لترى أن العباس توسل إلى الله بالاعتراف باقتراف الذنوب ثم التوبة منها وهذا من أجل الأعمال الصالحة. وكان العباس رضي الله عنه يدعو
…
والمسلمون يؤمنون
…
فلم يضعوا أيهديهم حتى أرخت السماء مطراً كالجبال بإذن الله.
هذا هو هدي السلف في الاستسقاء
…
وهكذا كان المسلمون كلما قحطوا أو أجدبوا يظهرون إلى خارج مدينتهم ويستسقون بدعاء صالحيهم فقد استسقى المسلمون في عهد معاوية رضي الله عنه بيزيد بن الأسود. وهكذا إلى زمننا هذا يستسقون بصالحيهم أي بدعائهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما فعل العباس بن عبد المطلب ويزيد بن الأسود وسواهم إلى يومنا هذا
…
على أن (البعض.!!؟) قد بدل هدي السلف الصالح في الاستسقاء المنوه عنه إلى قراءة كتاب صحيح البخاري بتمامه
…
فتوزع أجزاؤه على الحاضرين فيقرأ كل شخص جزء وهكذا
…
زاعمين أن بقراءة حديث صحيح البخاري يكون الاستسقاء ويمطرون متجاهلين سنة الرسول الأعظم والسلف الصالح في ذلك وهي كما تقدم خروج المسلمين إلى المصلى خارج البلد حين تعلو الشمس متواضعين متبذلين متخشعين مترسلين متضرعين فيصلون ركعتين بإمامهم ثم يدعو أحد صالحيهم على النحو المتقدم الذكر
…
وعندما يعودون يقلبون أرديتهم ظهراً لبطن إشارة للتبذل والخضوع لله تعالى.
على أن هذا الحديث نفسه يحتج به (البعض .. ؟.) أي حديث استسقاء العباس على جواز التوسل بذوات المخلوقين كأنهم فهموا أن المسلمين أن المسلمين توسلوا إلى الله بشخص لا بدعائه وسنفرد المرد على ذلك صفحات قادمة إن شاء الله (1)
…
فتظهر الحقيقة واضحة ويتضح أن الدعاوى المجردة لا تنفع.
أما الحقائق العلمية القاطعة التي يتألق منها الحق بهياً أبلج ساطعاً وتتفتح على نوره العيون التي أغمضها الباطل ردحاً من الزمن وتستنير به القلوب التي كانت ترتقب دفق دم الحياة لتخفق به أبداً وتتخذ من الأيدي الأمينة التي قصر بها ضعف الأنصار وقلة المحبين وندرة السالكين أنصاراً وأحباباً نعم هذه الحقائق العليمة سينفذ نورها إلى كل قلب إن شاء الله فيولي الباطل مهزوماُ مرذولاً
…
ويحل الحق في هذه القلوب يملأها هدى
(1) راجع الصفحة 261 - 266 ترى الرد الموعود.
وخيراً ونعمى.
نحن نرجو من إخواننا المسلمين عامة أن ينظروا إلى ما نقدمه من حجج شرعية بعين التأمل على الأقل
…
ثم يدعوا الله تعالى أن يوفقهم إلى رؤية الحق أنه هو الحق بعينه ويحببهم فيه وإلى أن يروا الباطل أنه هو الباطل بذاته ويكرههم فيه
…
وما أحد التجأ إلى الله بالدعاء المخلص إلا أجاب سؤله لا إله غيره ولا رب سواه.
عندها نلتقي جميعاً على الحق الذي ما بعده إلا الضلال
…
ونعقد الأيدي على نصرته
…
والحق ليس في قضية معينة فحسب
…
بل في جميع القضايا وسائر الأمور التي جاء بها هذا الدين الكريم.
فإذا توافقت القلوب وتحابت الأفئدة وتجاوبت النفوس على نصرة الحق أينما كان وتضافرت الجهود على الاستماتة في هذه النصرة فإن الظفر كائن لا محالة .. والمجد عائد ولا بد والسيادة للإسلام يهتف بها في كل بلد وإنقاذ أمم الأرض يتحقق على أيدي هؤلاء الأبناء والأحفاد كما تحققت في الزمن الأول على أيدي الآباء والأجداد
…
ويملأ دين الإسلام الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً وترف راية لا إله إلى الله محمد رسول الله على كل جبل وسهل وكل بر وبحر وجو إلى أن يقضي الله أمره ويهتف الجميع بأنشودة الحق: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهز الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده.
الدليل السابع
عن أبي الزبير عن بن صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال:
[قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام
…
فقلت: نعم. فقالت: ادع لنا بخير
…
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين ولك بمثل)) قال: فخرجت إلى السوق
…
فلقيت أبا الدرداء. فقال لي مثل لك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم] أخرجه مسلم.
هذا الحديث يحثنا على أن نتوسل إلى الله تعالى لإخواننا بالدعاء ويرغبنا في الثواب الذي أعده الله لمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فهذه أم الدرداء رضي الله عنها تقول لصفوان: أدع لنا بخير وتعني أن يدعو لهم بخير في الحج عند المشاعر
…
وهذا ولا شك دعاء بظهر الغيب فالداعي في مكة والمشاعر
…
والمدعو لهم في الشام
…
ثم ترغبه بأن لا ينسى
…
ولا يفوت الثواب عليهم ولا على نفسه بقولها: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين ولك بمثل)).
فهذه أم الدرداء توسلت إلى الله تعالى بدعاء صفوان في الحج
…
كيما تستجاب الدعوة فتصيب خيراً عظيماً واستجابة متحققة وصفوان توسل إلى الله تعالى بدعائه لأم الدرداء بالخير حتى يدعو له الملك: ((، ولك بمثل)). فأم الدرداء توسلت بدعاء صفوان لها
…
وصفوان توسل إلى الله بدعاء الملك له وكلاً التوسلين
توسل بدعاء المؤمن لأخيه.
أليس في هذا الحديث حض من رسول الله صلى الله عليه وسلم على توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن .. ؟ ألا يدل حض رسول الله وحثه على هذا التوسل
…
على مشروعيته
…
؟ لا شك ولا ريب أن يدل على ذلك فيها يا أخي فإن دعاءك لأخيك بظهر الغيب توسل منك إلى الله سبحانه وتعالى كي يستجيب دعاءك فيه. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يحضنا على الخير
…
من خلال حياته مع أصحابه فما ذاك إلا من أجل أنه عمل مشروع
…
ومن أجل التأسي بهم والعمل بمثل ما كانوا يعملون. وهذه أم سليم رضي الله عنها تتوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس وتقول: (يا رسول الله خادمك أنس أدع الله له) وهذه المرأة التي كانت تصرع وتتكشف حين صرعها. تقول: يا رسول الله: ادع الله لي فأمرها بالصبر .. وآخر الأمر سألته الدعاء لها بأن لا تنكشف عندما لا تصرع
…
أنها تتوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله لها ألا تتكشف حينما يقدر الله صرعها فدعا لها .. فلم تتكشف بعد ذلك.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه رضي الله عنهم أن يطلبوا الدعاء من ((أويس القرني)) إذا ما أدركوه
…
أي أن يتوسلوا إلى الله تعالى بدعاء أويس لهم لأنه رجل - كما أخبرهم رسول الله - مستجاب الدعوة.
إن الأدلة والأمثلة على ذلك
…
كثيرة لا تحصى ولا تستقصى إنما قدمت لك يا أخي يالقارئ المسلم - كما ذكرت لك آنفاً - قدمت لك باقة فواحة جنيتها من حديقة عبقة بالشذى النبوي العطر مكتظة بأفانين لا تعد من الزهر الزكي الذي يضوع أريجه على الدنيا فيضمخها بعرف زكي شذي ..
تنتعش به النفوس المؤمنة والأفئدة المطمئنة وترتاح له العقول السليمة والأفهام الصحيحة فتمتليء جميعاً هدى يقودها إلى الطريق القويم وسيسلك بها الصراط المستقيم إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين اللهم اجعلنا منهم وجنبنا مواطن الزلل واهدنا وأهد بنا إنك على كل شيء قدير وبالإجابة
جدير وصلى الله على محمد وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أخي القارئ المسلم الكريم:
وهكذا فإنني على نهاية بحث التوسل المشروع بأقسامه الثلاثة:
1 -
توسل المؤمن إلى الله بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
2 -
توسل المؤمن إلى الله تعالى بعمله الصالح.
3 -
توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له.
وقد جهدت - كما رأيت - وبقدر المستطاع
…
أن أقرب هذا البحث لإخواني المسلمين المؤمنين بالدلائل المشرقة والأمثلة المتلألئة بنور الوحيين الأزهرين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلوب كتابي بسيط وتعابير هينة لينة
…
يفهمها العالم والمتعلم والمبتدئ بطلب العلم حتى يفهمها العامة إن قرأوها .. ، أو قرئت عليهم .. مبتغياً في ذلك وجه الله في ذي الجلال والإكرام ثم لتكون واسطة لإذاعة الحق الذي بان لي هداه.
وقد لا أكون أول من بحث هذا البحث فلا شك أني مسبوق إليه من أئمة الأمة الأعلام المجتهدين إنما قد يكون في تعابيرهم الراقية الفائقة وأسلوبهم الكتابي العميق وإنشائهم الرائع الرفيع
…
ما لا يستطيع كل قارئ أن يغوص في هذا البحر الزخار اللآليء والجواهر فيحصل على ما يتمنى منها من الكنوز فقد عمدت إلى تقريبها وتبسيطها بأسلوب متواضع وإنشاء لين وعرض مبسط آملاً أن أكون قد قمت بهذه الخدمة على النحو المطلوب والنمط المرغوب سائلاً ربي سبحانه أن يتقبله لوجهه الكريم متوسلاً إليه بذاته العلية وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبكل عمل مني صالح يرضى عنه ويجبي لسيد رسله وبإيماني بجاه سيد خلقه وبحبي لأوليائه الصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يجعله عملاً نافعاً ووسيلة مقبولة لولوج رحاب رحمته ومغفرته ورضاه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم على هداه إلى ما شاء الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.