الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع
حديث توسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم
-
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه:
[أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) قال: فادعه. فأمر أن يتوضأ وضوءه ويدعو بهذا الدعاء:
((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى. اللهم شفعه في)).
فعاد وقد أبصر] وفي رواية قال ابن حنيف: [فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضر] رواه النسائي والبيهقي والطبراني وقد روى الترمذي والحاكم في مستدركه زيادة جملة في آخر الحديث وهي [وشفعني فيه].
لا شك أن هذا الحديث صحيح ومشهور
…
وقد ثبت فيه بلا شك ولا ريب ارتداء بصر الأعمى بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له.
إن هذا الأعمى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وطلب أن يدعو الله ليعافيه من ضره. فخيره رسول صلى الله عليه وسلم بين الدعاء له بالشفاء وبين أن يصبر على ضره وذلك خير له عند الله تعالى ولكن الأعمى أصر على التوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله له فقال: فادعه. فلما رأى النبي إصرار الأعمى على طلب الدعاء منه عندها أمره عليه صلوات الله وسلامه
…
أن يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يدعو: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)). ولنقف قليلاً عند قوله:
…
. وأتوجه إليك بنبيك لنرى من خلاله قوله ..
ماذا يريد ويبغي منه أيقصد ذات النبي صلى الله عليه وسلم أم يريد منه الدعاء إلى الله تعالى أن يعافيه .. ؟
لا شك أن الأعمى قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من داره من أجل شيء يحرص عليه كل حرص وهو إعادة بصره إليه وإنه أي الأعمى ليعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعا له الله تعالى أن يعافيه من الضر
…
تقبل الله دعاءه وأذن سبحانه بمعافاته في بصره هذا هو الدافع الوحيد الذي دفع بالأعمى للقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن دليلاً آخر يؤيد ذلك أنه لما وصل إليه صلى الله عليه وسلم بادره حالاً قائلاً أدع الله أن يعافيني. إذاً فقد تعين من كلام الأعمى مراده من قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليريد دعاء رسول الله له
…
ليعافيه الله من الضر.
ثم فلننظر إلى أثر هذا الطلب - أي طلب الأعمى - في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث حله أو حرمته أو إمكانه أو عدمه
…
فمن أجل التثبيت من ذلك فلنستعد ما أجابه به رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
أجابه بقوله: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) أي خيره بين أمرين اثنين وتركه في ذلك إلى مشيئته فإن شاء دعا له وإن شاء صبر على الضر وهذا خير له.
إذاً فهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن توسله بطلب الدعاء إلى الله أن يعافيه طلب صحيح ولا غبار عليه وأنه أيضاً في مكنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيقه له أي بدعائه الله له أن يعافيه
…
إنما نبهه إلى شيء خير من ذلك
…
وهو صبره على ما قدر الله عليه
…
لأن الله أعد للصابرين على قدره في الآخرة أجراً يفوق عودة بصره في الدنيا لكن الأعمى فضل المعافاة وعودة بصره في الدنيا - ما دام ذلك لا يطعن في دينه بشيء - على ما سيكون له في الآخرة إن صبر .. وقال: ((فادعه
…
)) أي أدع الله أن يعافيني.
ترى
…
ما كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب الأعمى .. ؟ وبخاصة بعد أن خيره بين الدعاء له أو الصبر على العمى
…
؟ لا سيما وبعد أن
اختار الأعمى الدعاء على الصبر
…
لا شك أن المجزوم به قطعاً
…
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وعد وفى
…
وقد وعد الأعمى بالدعاء
…
إنما أراد أن يكون للأعمى عمل أيضاً
…
وإن أنفع عمل له في هذا الوطن هو دعاؤه الله تعالى بمعافاته من ضره
…
بالإضافة إلى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك الأعمى يدعو بما يشاء دون أن يعلمه دعاء معيناً يدعو به
…
فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه
…
وهذا عمل صالح يدعو بهذا الدعاء:
((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى. اللهم شفعه في)) - وفي رواية الترمذي - ((وشفعني فيه)).
هذا هو الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى فذهب وتوضأ وأحسن وضوءه ثم دعا بهذا الدعاء
…
كما علمه إياه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وبينما كان الأعمى يتوضأ ويحسن وضوءه
…
دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفع له عند الله تعالى: أن يعيد له بصره كما وعده.
ولعل سائلاً يسأل: من أين علمت أن رسول الله قد دعا له
…
؟ بينما الحديث خلو من هذا العلم
…
ولم يقل دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب.
نعم أن الحديث لم يخبرنا نصاً بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا له
…
ولكن هذا مفهوم ولا شك من الحديث نفسه.
1 -
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وعده بالدعاء ووعده حق وصدق.
2 -
قول الأعمى في آخر الدعاء: اللهم شفعه في أي يدعو الله تعالى أن يقبل شفاعة رسول الله فيه فلولا أن يكون قد شفع فيه لما دعا الأعمى أن يتقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم فلا بد إذن من أن رسول الله دعا له وشفع له عند الله تعالى أن يرد عليه بصره وإلا فأي شفاعة يدعو الأعمى أن يتقبلها الله
…
وممن يتقبلها
…
؟
3 -
وفي رواية الترمذي: ((وشفعني فيه)) أي وأقبل شفاعتي بقبولك
شفاعة رسول الله في أي كمن يقول آمين عندما ينتهي الإمام من قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة. أي استجب دعاء الإمام فينا بقوله: (اهدنا الصراط المستقيم).
وكذلك الأعمى يقول: شفعني في قبول شفاعة رسول الله في
…
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع له فكيف يقول: شفعني في قبول الله في لأن الهاء من قوله ((وشفعني فيه)) ضمير متصل تقديره هو عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
كل هذا
…
يدل دلالة قاطعة جازمة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا للأعمى وشفع فيه عند الله أن يرد إليه بصره ولا شك أن دعاء رسول الله مستجاب وقد استجاب الله له في الأعمى فرد إليه بصره وهو على كل شيء قدير.
وهذا عثمان بن حنيف رضي الله عنه يحدثنا: ((فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأنه لم يكن به ضر)).
هذه قصة توسل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليعافيه
…
ويرد إليه بصره وإنها - كما رأيت - قصة صحيحة وفيها الدليل الواضح على مشروعية التوسل إلى الله تعالى بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن
…
إن كان الأعلى للأدنى أو الأدنى للأعلى وهكذا فقد ثبت بهذا الحديث ما أردنا إثباته من مشروعية توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وفهم أن معنى نبيك أي بدعاء نبيك.
أما الرد على من يتخذ هذا الحديث حجة في إثبات مشروعية التوسل الممنوع
…
!! أي التوسل إلى الله بذوات المخلوقين (1) فسيكون ردنا على ذلك بعد قليل ي- إن شاء الله - رداً يستند إلى قواعد علم الحديث والمناقشة العلمية بالحجة الشرعية والبرهان المؤيد بشاهدين عدلين أعظم بهما من شاهدين عدلين: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هذا ما نرجو أن يوفقنا الله إليه
(1) راجع الصفحة 236 - 240 من هذا الكتاب تر الرد الموعود به إن شاء الله.
من نصرة الحق على الباطل والعلم على الجهل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).
الدليل الخامس
استسقاء الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
في حال حياته
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
1 -
[خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه]. رواه الخمسة وأبو عوانة وابن حبان وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
2 -
[شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد.
اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين)). ثم رفع يديه فلم يزل يدعو حتى رئي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى بالت السيول. فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله.))] رواه الحاكم وصححه، وأبو داود وقال: هذا حديث غريب وإسناده جيد.
وعن عبد الله بن زيد قال:
3 -
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء
وأكثر المسألة قال: ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه] أخرجه أحمد بسند قوي.
وعن أنس رضي الله عنه:
4 -
[أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السب (1) فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله يديه، ثم قال:((اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا)). قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (2) وما بيننا وبين ((سلع)) (3) من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً (4) ثم دخل رجل من ذلك الباب
في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب (5) وبطون الأودية ومنابت الشجر)) فأقلعت (6) وخرجنا نمشي في الشمس))] رواه البخاري ومسلم.
سجلت لك يا أخي أحاديث أربعة صحيحة تثبت لك أن الصحابة طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم فماذا فعل
…
؟ لقد علمت من نص هذه الأحاديث أنه رفع يديه وسأل الله تعالى الغيث فاستجاب الله سؤله في كل طلب من مطالب الناس منه بالاستسقاء لهم
…
فسقوا بإذن الله تعالى. هذه عملية الاستسقاء كما وردت في الأحاديث المتقدمة
…
ومعنى ذلك أنهم توسلوا إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم
…
فدعا لهم فسقاهم الله
…
فهل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك وهل طلب أن يتوسلوا بذاته إلى الله أو بذوات الأنبياء والمرسلين قبله؟! لا ما يكون له أن يقل لهم ذلك على أن التوسل
(1) أي من عدم وجود ما يحملونه إلى السوق.
(2)
السحاب المتفرق.
(3)
اسم جبل في المدينة
(4)
أي أسبوعاً
(5)
الآكام: مرتفعات الأرض والضراب الجبال الصغيرة.
(6)
أمسكت.
في ذلك الزمن
…
كان له معناه الحقيقي فكان بدهياً عند الجميع أن معناه طلب الدعاء فإذا قالوا: توسلنا مثلاً أي طلبنا منه الدعاء. ولم يكن التوسل بالذوات من مفاهيم المسلمين إذ ذاك بل هو من البدع المحدثة. على هذا الأساس من الفهم الصحيح كان معنى التوسل عندهم والاستسقاء الذي حصل كان توسلاً بدعاء رسول الله وكان مبنياً على أساس هذا الفهم. والأحاديث المتقدمة تشهد لهذا الفهم أيضاً
…
بأنه هو المتبادر إلى الأذهان بل هو المقصود وليس من معنى آخر محتمل يخالف هذا المفهوم المقرر.
إذا فهم هذا
…
علم أن توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له هو توسل مشروع متقبل وهو المطلوب أن يتخذه المؤمنون في جملة الوسائل المشروعة لقبول الدعاء. أما المفاهيم المخالفة التي تأبى أن تقر بهذه النتيجة وتصر على أن التوسل ليس له هذا المفهوم فحسب
…
إنما يعني أيضاً التوسل بذات المتوسل به لقربه من الله لأنه عند الله مقدم وعظيم المكانة
…
فمن أجل هذا يستجيب الله الدعاء!!! لا دعاء المتوسل به بل دعاء المتوسل بجاه أو بذات هذا المقرب إلى الله لمجرد قربه ومكانته كما هي حال الوزير عند الملك مثلاً!!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وشأن الله أجل من ذلك. وهذه المفاهيم مفاهيم جاهلية
…
هذه المفاهيم الجاهلية
…
ليست جديدة إنما هي مفاهيم أبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف بل هي أيضاً مفاهيم المشركين منذ أن كان الشرك على الأرض إنما سولها الشيطان وزينها لحزبه في كل زمان
…
ليحول دون هداية رسالات السماء
…