المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبدعاء أخيه المؤمن لهوأدلته من القرآن الكريم - التوصل إلى حقيقة التوسل

[محمد نسيب الرفاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌كلمة فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري

- ‌كلمة إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

- ‌كلمة الدكتور إبراهيم جعفر سقا

- ‌مقدمة

- ‌معنى‌‌ التوسل لغةوشرعاً

- ‌ التوسل لغة

- ‌التوسل شرعاً:

- ‌أقسام التوسل

- ‌ التوسل المشروع

- ‌1 - التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى

- ‌((الأمثلة الدالة على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاتهمن القرآن الكريم))

- ‌الدليل الثالثدعاء استفتاح رسول الله صلاته من الليل

- ‌2 - توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة

- ‌الدليل الأولالفاتحة

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبأعماله الصالحةوأدلته من السنة الصحيحة

- ‌الدليل السادسحديث الغار

- ‌3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبدعاء أخيه المؤمن لهوأدلته من القرآن الكريم

- ‌توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته السنية

- ‌الدليل الرابعحديث توسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌الدليل السادسحديث الاستسقاء بدعاء العباس

- ‌التوسل الممنوع:

- ‌تعريف التوسل الممنوع

- ‌حكم التوسل الممنوع

- ‌أوجه التوسل الممنوع

- ‌قول ابن تيمية: رحمه الله

- ‌قول أبي حنيفة رحمه الله:

- ‌قال شارح العقيدة الطحاوية: رحمه الله

- ‌الوجه الثالث - الإقسام على الله جل وعلا بالمتوسل به

- ‌قال شارح العقيدة الطحاوية:

- ‌التوسل الممنوعأدلة أنصاره وحججهم

- ‌ثم قالوا:

- ‌أدلتهم القرآنية

- ‌استشهادهم في الآيات كان في غير محله

- ‌أدلتهم الحديثية

- ‌الحديث الأولاللهم بحق السائلين عليك

- ‌الحديث الثانيتوسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌الكلام على هذا الحديث

- ‌انفراد الحاكم بالتصحيح لا عبرة له

- ‌فائدة

- ‌ قصة مالك مع أبي جعفر المنصور

- ‌الكلام على متن هذه القصة

- ‌ حديث فاطمة بنت أسد

- ‌الكلام على متن هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌ حديث الأعمى

- ‌ حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان

- ‌((الكلام على متن هذا الحديث))

- ‌الكلام على هذا الحديثمن ناحية سنده

- ‌ خبر إذا أعيتكم الأمور

- ‌ حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول

- ‌ أما ما يتعلق بسند الحديث

- ‌ حديث الاستسقاء بالعباس رضي الله عنه

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌ حديث الأعرابي

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على متن هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الحديث

- ‌الكلام على سند هذا الخبر

- ‌ الرد على الشبهة الأخيرة

- ‌فتوى رسميةمن مفتي الديار المصرية

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌توسل المؤمن إلى الله تعالىبدعاء أخيه المؤمن لهوأدلته من القرآن الكريم

‌توسل المؤمن إلى الله تعالى

بدعاء أخيه المؤمن له

وأدلته من القرآن الكريم

أخي المسلم الحبيب:

لقد أنهيت لك فيما تقدم من صفحات

بحث نوعين من الأنواع الثلاثة من التوسل المشروع وهما: التوسل إلى الله تعالى بذاته وصفاته والتوسل إليه بالأعمال الصالحة وقد دللنا على مشروعية كل نوع

بأدلة بالغة الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأرجو أن تكون قد اقتنعت واستقرت الفكرة في نفسك إذ ليس بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم شيء أوضح دليلاً وأبلغ حجة واسطع برهاناً

وما بعد الحق إلا الضلال فالحمد الله الذي وفق وأعان.

وها أناذا

اشرع في بيان مشروعية النوع الثالث من التوسل، وهو توسل المؤمن لأخيه المؤمن وهو على نوعين:

1 -

طلب المؤمن من أخيه المؤمن متوسلاً بدعائه إلى الله أن يقضي حاجته كأن يقول مثلاً: أدع الله لي أن يعافيني أو يقضي حاجتي وما أشبه

2 -

دعاء المؤمن لأخيه المؤمن دونما طلب المدعو له كأن يراه مثلاً في ضيق

فيدعو الله له أن يفرج عنه إن كان ذلك في حضور المدعو له أو كان ذلك في ظهر الغيب كالدعاء في الغيبة أو كصلاة الجنازة والدعاء عند زيارة قبور المؤمنين.

ص: 141

ولا فرق في أن يدعو الأعلى للأدنى أو الأدنى للأعلى فكل ذلك جائز .. ومقبول إذا يشاء ربنا ويرضى.

فالمسلمون كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء نبيهم عليه الصلاة والسلام في حياته

في الاستسقاء وغيره

فكان يدعو لهم فتستجاب دعوته عاجلاً أو آجلاً كما كان هو أيضاً

يطلب من أمته جميعاً أو أفراداً

أن يدعوا له. كالصلاة عليه من كل من يسمع الأذان من أمته فيقول مثلماً يقول المؤذن ثم يصلي ويدعو الله أن يعطيه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعده كما أنه صلى عليه وسلك طلب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم عمرته أن يدعو له.

والقرآن والسنة

فيهما أمثلة عديدة دالة على التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن

وسأجني لك يا أخي منهما باقة عطرة فواحة زكية .. لتكون على بينة من الأمر

وعلى علم ويقين من الحق الذي أحاول إقامة الحجة على صحته في هذه الصحائف .. لتطمئن نفسك به ويتثبت به فؤادك بإذن الله تبارك وتعالى وتقدس وهاك يا أخي الأدلة مبتدئاً بأدلة القرآن الكريم.

ص: 142

الدليل الأول

قوله تعالى:

وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما (64)

النساء

هذه الآية الكريمة توضح بصراحة: أن الله سبحانه وتعالى

هو التواب الرحيم ومهما اقترف عباده من الذنوب والخطايا

ثم رجعوا إليه وأنابوا

فإنه يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم على أن يعزموا على عدم العودة إلى الذنب. ومن رحمته بعباده أنه يدلهم على الطريق الذي إذا سلكوه

يوصلهم إلى عفوه ومغفرته لأن لكل شيء سبباً ففي هذه الآية يدلهم على هذه الأسباب

فإنه تعالى يخبر في محكم آياته أنه لم يرسل إلى الناس من رسول إلا ليطاع ويستجيبوا لرسالته التي أرسلها إليهم فمن أطاع له عند الله تعالى الدرجات العلى ومن ظلم نفسه بالإعراض

أو المعصية

فقد فتح له باب العودة إليه تعالى إنما هذا الطريق له سبل تؤدي إليه فدلهم عليها بقوله جل وعلا: (

ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً).

وذلك بأن يحضروا إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ويستغفروا الله في مجلسه ثم يسألوه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم أيضاً وهكذا

فإن استغفارهم ربهم ثم استغفار الرسول لهم

يكونان سبباً في توبته تعالى عليهم ورحمته بهم.

فثبت أن الله تعالى أرشدهم إلى توسلين يستمطرون بهما توبة الله ورحمته.

الأول: استغفارهم الله لأنفسهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: سؤالهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله لهم فالأول كان توسلاً بالأعمال

ص: 143

الصالحة

وهو استغفارهم الله الذي هو عمل صالح والثاني كان توسلاً بدعاء المؤمن لأخيه وكلا التوسلين كانا بإرشاد من الله تعالى فهل من دليل على مشروعية هذين التوسلين أدل من دلالة الله عليهما في هذه الآية

؟ ولما كان توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن أحد نوعي هذين التوسلين هو الذي نحاول إثبات مشروعيته في هذا الفصل فقد أثبتنا ذلك من بيان أن الله تعالى هو الذي أرشد عباده إليه في جملة ما أرشدهم في هذه الآية الكريمة وحسبك من دليل

إرشاد الله تعالى إليه وحض عباده عليه.

ومما يجب التنبه إليه والتنويه عنه هو أن الذهاب إلى الرسول واستغفار الله تعالى في مجلسه ثم سؤالهم رسول الله الاستغفار لهم واستغفاره صلى الله عليه وسلم لهم فعلاً .. كل هذا .. إنما ولا شك في حياته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد بعد وفاته أن يأتي قبره صلى الله عليه وسلم ويسأله أن يستغفر الله له لأن استغفاره صلى الله عليه وسلم قد انقطع بوفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى - بأبي هو وأمي - ولم يعد يستطيع الدعاء والاستغفار لانقطاع عمله بالوفاة.

وبناءً على ذلك فإن كل من سؤال منه بالاستغفار بعد وفاته محرم وليس لأحد أن يحتج بالآية على فعل ذلك فالآية خاصة بحياته صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى يحكي عن المنافقين الذين يصدون عن الحق وعن اتباعه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله فاستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً).

إذا هذه حكاية عن واقع حال أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرها الله في القرآن ويرويها لنا لنتعظ بما فيها ونعمل بما نفهم منها .. ويبين لنا صحة ما إذا أردنا أن نتوسل بدعاء أحد لنا أو استغفاره الله من ذنب بدر منا أو إن نحن دعونا أو استغفرنا لغيرنا فيكون ذلك جائزاً منا أو منهم

لا أن نذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أي قبر من قبور الصالحين ونسألهم أن يستغفروا لنا الله من ذنوب اقترفناها فهذا لا يجوز لأن وفاتهم حالت دون الاستغفار ودون أي عمل آخر كانوا يعملونه حال حياتهم.

ص: 144

الدليل الثاني

قال يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين (97) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم (98)

يوسف

وهذه آية كريمة توضح أن توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له معروف عند الأمم المؤمنة قبلنا وهؤلاء أبناء يعقوب عليه السلام الذين عصوا الله تعالى في معاملة أخيهم يوسف عليه السلام

ثم كذبهم على أبيهم بادعائهم أن الذئب أكل أخاهم

وليس الأمر كذلك

وبعد انكشاف الأمر شعروا بعبء التبعات فهرعوا إلى أبيهم يسألونه أن يستغفر الله لهم وهو النبي الكريم المستجاب الدعوة وقدموا دعاءه الله لهم بالمغفرة وسيلة مقبولة عند الله.

ثم لننظر ما كان موقف أبيهم من طلبهم

؟ أكان يوافق طلبهم أم يرى أن فيه محذوراً فلا يفعل

؟ لأن من تأكدنا هذا. نستدل على جواز ذلك أو عدمه إننا نرى أنه وافق ووعدهم بذلك وقال: (سوف أستغفر لكم ربي

) ولا شك أنه وفى بوعده واستغفر لهم الله تعالى مما فعلوا بأخيهم

وإننا نستنتج من استغفاره لهم صحة ومشروعية طلب الدعاء من الغير أي مشروعية توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له وإن ذكر هذه القصة في القرآن فيه إلفات نظر للمؤمنين أن يتأسوا بهم في طلب الدعاء من الغير وإن في ذلك لدليلاً على مشروعيته لأن العقيدة التي جاءت بها الأديان السماوية واحدة لا تتبدل ولا تتغير من لدن آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ولا شك أن يعقوب عليه الصلاة والسلام بر بوعده لأبنائه فاستغفر الله لهم وأن الله تعالى استجاب دعوته فغفر لبنيه خطيآتهم إنه هو الغفور الرحيم.

ص: 145

وهكذا

فإنك ترى يا أخي القارئ المسلم أن من أسباب استجابة الدعاء وقبول التوبة والمغفرة توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له. وإن هذا النوع من التوسل هو ولا شك توسل مشروع وأن التوسل به في جملة التوسلات المشروعة المارة الذكر

مجلبة لرحمة الله ومغفرته ورضوانه.

فهيا يا أمة خير نبي ورسول إلى هذه التوسلات المشروعة وإحيائها بالتوسل بها دائماً والاكتفاء بها عما سواها من التوسلات غير المشروعة

وذلك إحياء لسنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم التي هي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وهيا إلى هجر كل بدعة مستحدثة في الدين ما أنزل الله بها من سلطان فإن كل بدعة في الدين ضلالة وكل ضلالة في النار أي صاحب الضلالة في النار لأنه ابتدع وشرع من الدين ما لم يأذن به الله والعياذ بالله تعالى من الخذلان وسوء المنقلب.

ص: 146

الدليل الثالث

قوله تعالى:

سيقول المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو نفعاً بل كان الله بما تعلمون خبيراً (11) الفتح

يقول تعالى مخبراً رسوله صلى الله عليه وسلم بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذي اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا السير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد

بل على وجه التقية والمصانعة.

إنهم وإن كانوا مصانعين في تعللهم بانشغالهم بأموالهم وأهليهم وطلبهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم

إلا أن هذه المصانعة بطلب الاستغفار لهم تدل على أن هذا الطلب معلوم شرعيته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا

ما دفعهم إلى طلبه منه ولولا علمهم بشرعية ذلك

لما اتقوا به غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وثمة دليل آخر مستنبط من هذه الحادثة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعترض على طلبهم الاستغفار لهم

فدل على شرعية هذا الطلب

ولو كان غير شرعي لنهاهم عنه فقبوله طلبهم وعدم نهيهم عنه دليل على شرعيته ولا شك.

وبذلك تثبت مشروعية التوسل إلى الله بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن وصحة الاستدلال بهذه الآية عليه وهذا هو المطلوب والله الموفق للصواب.

وقد ثبت في القرآن توسلات أخرى من هذا التوسل المشروع

وهي توسلات قوم موسى بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام لأن يرفع الله عنهم الرجز

ص: 147

الذي نزل بهم من الطوفان والجراد والضفادع والقمل والدم وما أشبه

فقد قال الله تعالى:

(ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل /134/) الأعراف.

نكتفي بالإشارة إليها للمناسبة

فهي في حد ذاتها بدعاء موسى

ولكننا التزمنا البحث في معالجة شرعية توسل المؤمن وفيما تقدم من الاستشهادات بالآيات القرآنية كفاية

والله الموفق.

تقدم معنا قبيل صفحات

أن توسل لأخيه المؤمن على نوعين:

1 -

طلب المؤمن من أخيه المؤمن متوسلاً بدعائه إلى الله تعالى أن يقضي حاجته وهذا ما دللنا على صحته بما تقدم من الآيات القرآنية فيما بحثناه آنفاً

ونرجو الله تعالى أن يقدر النفع للمسلمين عامة.

2 -

دعاء المؤمن لأخيه المؤمن دونما طلب من المدعو له

كأنه يراه مثلاً في ضيق

فيدعو الله له أن يفرج عنه إن كان ذلك في حضور المدعو له أو كان ذلك في ظهر الغيب.

وهذا ما سنحاول الدلالة عليه أيضاً من القرآن الكريم فإذا دل القرآن على جواز ذلك بل وحض عليه ثبتت مشروعيته فعلى المسلمين أن يزاولوا هذا النوع من التوسل المشروع في جملة أنواع التوسل المشروع المتقدم الذكر رغبة استجابة توسلاتهم ونيلهم ما يتمنون من التمنيات المشروعة.

ص: 148

الدليل الرابع

قوله تعالى:

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم (8)

المؤمنون

لا شك أن التوبة من الذنب تدخل التائب حضيرة القدس وينعم من بالإجابة والرحمة والمغفرة ويأمر الله ملائكته حملة العرش ومن حول العرش منهم أن يجأروا إليه تعالى متوسلين بدعائهم له أن يغفر لهذا التائب من ذنبه والراجع إلى الله نادماً على ما فرطت يداه من الخطيئة يدعون له بالمغفرة وبتثبيته على الصراط المستقيم أي على المضي في طريق الهداية ليمحو ما اقترفه من الذنوب فيبدل الله سيئآته حسنات ويتقي بذلك عذاب الجحيم لأنه لو بقي على مضيه في طرق الخطايا لكانت نهايته إلى الهلاك ودخول النار والعياذ بالله تعالى ولكنه لما تاب وأناب ورجع إلى صراط الله العزيز الحميد توسل له الملائكة أن يقيه عذاب الجحيم ثم سألوا الله له أن يدخله جنات الخلود التي وعد الله التائبين والعاملين الصالحات أن يدخلهم فيها وتأمل يا أخي كيف أن صلاح الأبناء كيف نفع الآباء والأزواج والذرية

أجل إن صلاح الأبناء وبتوبتهم وعملهم العمل الصالح كان حافزاً للملائكة لا أن تدعوا لهم فقط بل فقد تعدى الدعاء بأسبابهم إلى الآباء والأزواج والأولاد أن يدخلهم الجنة وهذا من زيادة النعيم ومضاعفة

ص: 149

البهجة أن يجمع الله لهم في الجنة آباءهم وأزواجهم وذرياتهم لتقر أعينهم بأحبابهم وهذا ولا شك زيادة في النعيم.

وهكذا

فقد اتضح لك يا أخي كيف أن الملائكة تتوسل إلى الله دعائها أن يثبت التائبين ويغفر لهم ويرحمهم ويدخلهم جنات عدن مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم فقد ثبت بما تقدم دعاء الملائكة المؤمنين إلى الله بالمغفرة لإخوانهم التائبين المؤمنين من البشر أو المكلفين عامة وأن توسل الملائكة بدعائهم للمؤمنين دليل على مشروعية ذلك لأن الملائكة لا يعلمون ولا يفعلون شيئاً إلا وهو عمل صحيح بل إنه أمر من الله تعالى أن يفعلوا ذلك وإذا كان الله تعالى هو الذي أمرهم أن يدعوا لإخوانهم المؤمنين بظهر الغيب فهل هناك من دليل أدل على مشروعية ذلك من أمر الله لهم به

؟ وهكذا فقد اتضحت مشروعية دعاء المؤمن لأخيه وتوسله إلى الله بهذا الدعاء بظهر الغيب أن يغفر له ويرحمه إنني أعتقد أنه لم يبق في نفسك يا أخي أدنى شك بمشروعية ذلك فبادر يا أخي بفعل ذلك وأذعه بين إخوانك المؤمنين حتى يفعلوا ذلك أيضاً لأن الداعي لأخيه بالخير فإن ملكاً موكلاً بالدعاء له جزاء ما دعا لأخيه بالخير ويقول: [ولك بمثل] أي يدعو الملك بأن يكون لك أيضاً مثل ما دعوت لإخوانك المؤمنين من الخير والبركة والمغفرة والرحمة. والجزاء من نوع العمل.

ص: 150

الدليل الخامس

قوله تعالى:

والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)

الحشر

ذكر الله تعالى في كتابه العزيز من يستحق الفيء وهو: كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب أي لم يقاتلوا الأعداء بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب

ما ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حصل لبني النضير فأفاء الله أموالهم التي تركوها

على رسول الله خاصة. ولهذا تصرف في فيء بني النضير كما يشاء

قد لا يكون للكلام المتقدم علاقة في البحث الذي نعالجه ((بحث التوسل)) ولكن من أجل الوصول إلى ما نبغي

لابد لنا أن نستعرض باختصار الآيات التي سبقت هذه الآية الكريمة التي نحن بصدد التركيز عليها لاعتبارها دليلاً على ما ذهبنا إليه من جواز التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن ففي تلك الآيات التي تقدمت هذه الآية حدد الله فيها مستحقي الفيء فقسم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام: 1 - المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء فضل الله تعالى ونصره لله ورسوله الذين صدقوا في كل وقول صدر عنهم.

2 -

الأنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله وآووا رسول الله الذين هاجروا إليهم مع إخوانهم المهاجرين فقاسموهم الأموال ويؤثرونهم على أنفسهم

ص: 151

ولو كان بهم خصاصة فقد وقوا شح أنفسهم وأفلحوا ونجحوا.

3 -

والذي جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان

هؤلاء المذكورون في هذه الآية هم المؤمنون المسلمون عامة

والتابعون لهم أي المهاجرين والأنصار والمتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة والداعون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان في السر والعلانية.

وهنا نقف قليلاً

عند قوله تعالى: (يقولون ربنا اغفر لنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ولا شك أن الله تعالى عندما يذكر هؤلاء وهم المؤمنون والمسلمون الذين اتبعوا المهاجرين والأنصار في كل ما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وعملوا بمثل ما عملوا

ثم يدعون لهم أن يغفر لهم أي لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان لأنهم كانوا لهم هداة ومصابيح دلالة على الحق وبأسباب هذه الهداية كانوا مؤمنين ومسلمين فجزاء ما كانوا سبباً لذلك كان دعاؤهم لهم بالمغفرة والرحمة.

إذا فهؤلاء الذين جاءوا من بعدهم يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء لهم بالمغفرة جزاء ما أخذوا عنهم الصلاح والهدى والخير والحق وهذا دعاء بظهر الغيب من مؤمنين لمؤمنين قبلهم أخذوا عنهم الدين والإيمان وقد يكون هؤلاء بعيدين عنهم مئات السنين ولكن الدعاء يقطع عبر القرون السحيقة حاملاً لأولئك الرحمة والمغفرة من الله تعالى جزاء ما أسلفوا وخلفوا لمن بعدهم من الدين الصحيح والإيمان الحق.

وإن القرآن الكريم ليذكر صنيعهم الطيب بالرضا والتأييد ويسجل دعاءهم بالمغفرة لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان

ويهب بكل من تلقى من سلفه هدياً مماثلاً أن يدعو لهم دعاء مماثلاً بالمغفرة وهذا مما يدل دلالة قاطعة أن الله سبحانه وتعالى راض عن عملهم ودعائهم أيضاً سواهم على متابعة خطاهم أيضاً واتباعهم في هديهم مع سلفهم إلى أن تقوم الساعة فعمل يكون الله مؤيداً له وحاضاً عليه

لا شك أنه يدل على مشروعيته القطعية التي لا غموض فيها.

ص: 152

ولعل هذا الوصف لموقف الذين جاءوا من بعدهم من بعد قرون الخير والهدى المتبعين هدي من كان قبلهم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومن الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يهيب بمؤمني هذا الزمن أن يكون موقفهم موقف الذين وصفهم الله في كتابه ورضي عنهم يقولون كما قالوا: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).

ص: 153