الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس
(المحتسب (3))
أعوان المحتسب ومساعدوه
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
معلوم أن المحتسبين مهما كثر عددهم، فإنهم لا يغطون تلك الاختصاصات والمسئوليات الواسعة التي ينبغي، بل يجب أن يغطيها عمل المحتسب، ولا سيما وأننا قلنا أن الاحتساب شامل لوظائف الدين والحياة كلها.
وقد كان اتخاذ الأعوان والمساعدين في السابق أكثر منه في الحاضر، وإن كان لا زال المُحتسب يستفيد من تعاون وخدمات أولئك الأعوان؛ ذلك لأن التنظيم لولاية الحسبة وتكثير أعضائها في الماضي لم يكن بمثل ما هو عليه الآن، فقد كان جهاز الحسبة في الماضي يتكون من شخصية المحتسب، ومن يتخذه لمساعدته من الأعوان والعيون، وأمناء الحرف، وعرفاء في شئون المهن والصناعات.
وقد استدعت الشمولية في عمل المحتسب أن يعزز إدارته أيضًا بالنواب، ولا سيما في الأمصار الكبيرة ذوات الضواحي الآهلة، والأسواق المزدحمة بخدم مسخرين بمهمات تسيير أشغاله، وأعوان فنيين من وجوه أرباب الصنائع الذين يستظهر بهم في هذه المهام؛ ليطلعوه على خفي أسرار أصحاب الحرف والتجارة؛ حتى لا يخفى عليه من أمور السوق كثير ولا قليل، ولا يستتر عليه من الأمر دقيق ولا جليل، وهؤلاء هم المساعدون، وهم الذين أصبح يطلق عليهم العرفاء.
وعن العرفاء واختيارهم كأعوان للمحتسب يقول الشيزري: "ولما لم تدخل الإحاطة بأصحاب السوقة -يعني: أصحاب الحرف والصناعات- تحت وسع المحتسب جاز له أن يجعل لأهل كل صنعة عريفًا من صالح أهلها، خبيرًا بصناعتهم، بصيرًا بغشوشهم وتدليساتهم،
مشهورًا بالثقة والأمانة، يكون مشرفًا على أحوالهم، ويطالعه بأخبارهم، وما يجلب إلى سوقهم من السلع والبضائع، وما تستقر عليه من الأسعار، وغير ذلك من الأسباب التي يلزم المحتسب معرفتها".
لما كان الأمر كذلك، كان من مسئوليات العريف أيضًا تنبيه أهل حرفته إلى الأخطاء، وتحذيرهم من الوقوع فيها في السر والعلن، وإذا اتضح للعريف أن هناك من يغش في صناعته رفعه إلى المحتسب.
وقد يقوم العريف بحل الخلافات والمنازعات التي تقوم بين أهل صنعته، ويحكم فيها دون إبلاغها إلى الحاكم. وإذا حدث نزاع بين أهل صنعتين أو حرفتين مختلفتين قام عريفاهما بحل وتسوية الأمر.
وقد كان العريف في الغالب وخصوصًا في الماضي يأخذ أجره من أهل الأصناف؛ باعتبار ما يقوم به من واجب رعايتهم.
ومن الأعوان الذين كان يتخذهم المحتسب في الماضي الغلمان، وهم بمثابة العيون، يلاحقون المخالفين مما يجعل أهل السوق أكثر خوفًا ورهبة منه، فلا يغشون.
ومن الصفات التي يجب توفرها في أولئك الأعوان من الغلمان: العفة، والشهامة، وبعد الهمة. وكان يجري تهذيبهم وتعليمهم على واجباتهم، واكتشاف المخالفين تحت إشراف المحتسب.
وكان أيضًا من أعوان المحتسب ونوابه على الحدود والموانئ وسواحل البحر، وفي الأماكن التي ترد إليها الغلة؛ ليعلموه بما يرد من الغلال والبضائع، وما يخرج منها، ويشرف على مخازنها التي قد يختمونها إلى وقت الحاجة إليها؛ ليكون