الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنتهيًا حتى يأمر وينهى غيره، فبذلك يحصل هدى الذي هو شرط في عدم إضرار ضلال الغير للمهتدين {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يعني: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يستجب لكم حينئذ لا يضركم ضلال من ضل كما فعل الله تبارك وتعالى بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أصحاب قرية أصحاب السبت، قال تعالى:{ف َلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون} (الأعراف: 165)، فإذا أمر المسلم بالمعروف، ونهى عن المنكر فلم يستجب له لا يضره ضلال من ضل.
الرد على من قا ل: إن الباطل انتشر في الأرض، ولم تعد الدعوة إلى الله تنفع شيئًا
وقد يتشبث البعض بشب هة أخرى، وهي أن الباطل انتشر في الأرض، ولم تعد الدعوة إلى الله تنفع شيئًا، وعلى المسلم أن يهتم بنفس هـ ويدع أمر الخلق.
والجواب على هذه الشبهة: أن الواجب على المسلم هو القيام بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء حصل المقصود واستجاب الناس أو لم يستجيبوا، وقد حصلت هذه الشبهة لأقوام سالفين قص الله تعالى لنا من أخبارهم، وكيف أن الدعاة إلى الله ردوا عليهم شبهتهم قال الله تعالى:{واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْس قُون * وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون} (الأعراف: 63 - 165)
فأصحاب هذه القرية لما أمروا بتعظيم الجمعة، فرفضوا واختاروا السبت ابتلاهم الله تبارك وتعالى فسلط عليهم الحيتان تظهر لهم على الشواطئ يوم السبت تنالها أيديهم فضلًا عن شباكهم، ثم تغيب الحيتان الأسبوع كله، وتأتي في السبت الذي يليه، فاحتال بعضهم فحفر للسمك أو وضع الشباك له في أيام المباحة العمل فيها، فوقع السمك في الشباك يوم السبت، فأخذوها يوم الأحد، فصار أصحاب هذه القرية ثلاث فرق؛ فرقة ارتكبت الحرام بالحيلة، وفرقة أنكرت عليهم ووعظتهم، وفرقة سكتت عنهم لم تنكر عليهم، ولم تعظهم، بل قالت للفرقة التي أنكرت ووعظت:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} أي: لما تنهون هؤلاء وقد علمتم أنه قد هلكوا، واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم، فقالت الفرقة المنكرة بالجواب الصحيح:{قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي: فيما أخذ علينا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن بقيامنا بهذا الواجب نعتذر إلى ربنا لا نملك إلا أن ندعوا هؤلاء العصاة للإقلاع عن معصيتهم والإنابة إلى ربهم، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} أي: ولعل هذا الإنكار عليهم ودعوتنا إياهم للإنابة إلى ربهم والرجوع إليه يدعوهم إلى الاستجابة.
ففي هذه القصة، وفي قيام هذه الفرقة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى أنه ما دام هناك احتمال قبول الدعوة، فلا بد من استمرار الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله تعالى:{لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} (الأنفال: 42).