الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(الآثار المترتبة على ترك المسلمين الحسبة)
عواقب ترك الحسبة والقعود عنها
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
إن شرائع الإسلام لا تقوم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لذا فقد أوجبه الله سبحانه وتعالى على الأمة؛ فقال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (آل عمران: 104).
فإن قامت هذه الأمة بهذا الواجب، فإنها تكون عزيزة مهابة الجانب متبوعة، وتتسنم قيادة الأمم، بل تكون مصدر خير للناس جميعًا تقودهم إلى ما فيه عزهم وتمكينهم ونجاتهم من عقاب الله تعالى في الدنيا وعذابه في الآخرة، حيث يقول الله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران: 110)، كما قال تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُو ر} (الحج: 40، 41).
وتكون بذلك قد أدت ما عليها، ونالت رضا ربها عز وجل وتجنبت مقته وسخطه سبحانه وتعالى وعقوبته إياها، وإذا قصرت الأمة في أداء هذا الواجب، فإنها ستكون عرضة لعقاب الله عز وجل وسخطه، وستجري عليها سنن الله تعالى في هذا الكون التي لا تتأخر عن القوم الظالمين، وهذا هو العدل المطلق، فليس بين الله سبحانه وتعالى وبين أحد نسب، وليس هناك محاباة في سنن الله عز وجل.
وقد تحدثنا عن فوائد الحسبة في الدرس الأول من هذه المادة، وعرفنا ما يترتب من الخير على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى ضوء ما قدمنا من فوائد الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فإننا نستطيع أن نفهم عواقب التقصير في هذا الواجب، وتتلخص فيما يلي:
أولًا: التعرض للغضب، والسخط الإلهي في الدنيا المتمثل في اللعن والطرد من رحمة الله عز وجل مع التباغض والفرقة والخلاف.
في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من كان قبلكم من بين إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة فنهاه الناهي تعزيرًا، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه كأنه لم يره على الخطيئة بالأمس، فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على أيدي المسيء، ولتأطرنه على الحق أطرًا، وليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ويلعن كم كما لعنهم)).
كما يتمثل الغضب والسخط في تأمير الأشرار الذي يسومون الناس سوء العذاب مع عدم إجابة دعاء الأخيار، فعن أبي الرقاد قال: خرجت مع مولاي، وأنا غلام فدفعت إلى حذيفة- يعني: ابن اليمان- وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقًا، وإني لأسمعها من أحدكم في ال مقعد الواحد أربع مرات:"لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير -أي: ليحض بعضكم بعضًا على فعل الخير- وليسحتنكم الله جميعًا بعذاب وليأمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم".
كما يتمثل سخط الله وغضبه على الذين تركوا القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الخذلان والهزيمة، وتمكن العدو منهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم أنت الظالم، فقد تودع منهم)) أي: استريح منهم وخذلوا، وخلي بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي.
ثانيًا: من العقوبات تمكن الباطل وسيادته، وذلك يؤدي إلى أن تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر والفساد قال الله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} (البقرة: 251) وقال سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: 40).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، فلم نؤذِ من فوقنا فلو تركوا وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
ثالثًا: إعطاء الكسالى والمقصرين من الناس المبرر للقعود بدعوى أنهم لم يجدوا من يرشدهم، ويأمرهم وينهاهم ويدلهم على الله تعالى.
رابعًا: تضييع طائفة كبيرة من الناس تتمتع بنفس شفافة وفطرة نقية، ولكن صرفتها عن الالتزام بالإسلام والعمل له صوارف الحياة، ولعل هذا والذي قبله مما نفهمه من قول الله تعالى:{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} (الأعراف: 164).
خامسًا: مقت الرأي العام المسلم الحر الذي يحرس آداب الأمة، وأخلاقها وفضائلها، وحقوقها، ويجعل لها الشخصية وسلطانًا هو أقوى من القوة، وأنفذ من القانون.