المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على - الحسبة - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 تعريف الحسبة ومنزلتها ومقصودها وفضائلها وفوائدها

- ‌تعريف الحسبة لغة واصطلاحًا

- ‌منزلة الحسبة في الدين

- ‌مقصود الحسبة في الإسلام

- ‌فضائل الحسبة

- ‌فوائد الحسبة

- ‌الدرس: 2 حكم الحسبة والحكمة منها ومراتبها

- ‌(حكم الحسبة

- ‌الحِكمة من مشروعية الحسبة

- ‌مراتب الحسبة

- ‌الدرس: 3 الأصل التاريخي للحسبة

- ‌الحسبة نظام إسلامي أصيل

- ‌الحسبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحسبة في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الحسبة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌الحسبة في عهد الخليفة عثمان، وعلي رضي الله عنهما

- ‌الدرس: 4 المحتسب (1)

- ‌تعريف المحتسب

- ‌شروط المحتسب

- ‌آداب المحتسب

- ‌الدرس: 5 المحتسب (2)

- ‌أهمية العمل بالعلم للمحتسب

- ‌أهمية العمل بالعلم للمحتسب من القرآن والسنة والشعر

- ‌الدرس: 6 المحتسب (3)

- ‌أعوان المحتسب ومساعدوه

- ‌الصلاحيات الممنوحة للمحتسب

- ‌عُدد المحتسب في الماضي والحاضر، وأساليبه في تغيير المنكر

- ‌الدرس: 7 المحتسب (4)

- ‌وسائل الإعلام وكيفية استغلالها في الاحتساب

- ‌دور المؤسسات التعليمية في الاحتساب

- ‌المسجد ودوره في الاحتساب

- ‌الحركات الإسلامية المعاصرة ودورها في الاحتساب

- ‌الدرس: 8 المحتسب فيه (1)

- ‌تعريف المحتسب فيه

- ‌شروط المحتسب فيه

- ‌شمولية المحتسب فيه

- ‌الدرس: 9 المحتسب فيه (2)

- ‌قاعدة في تغيير المنكر

- ‌لا يجوز الخروج على السلطان بالقوة وحمل السلاح، وإن ظهر منه شيء من الفسوق

- ‌الدرس: 10 المحتسب عليه (1)

- ‌تعريف المحتسب عليه، وشروطه

- ‌أنواع المحتسب عليهم

- ‌الدرس: 11 المحتسب عليه (2)

- ‌ولاة الأمر، وحدود طاعتهم، ومنزلتهم في الإسلام

- ‌حكم بذل النصيحة لولاة الأمر

- ‌كيف يكون الإنكار على الحكام والأمراء

- ‌الدرس: 12 المحتسب عليه (3)

- ‌مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي

- ‌الوظيفة التي اختصت بها المرأة، والآداب التي يجب أن تلتزمها

- ‌الدرس: 13 الاحتساب

- ‌معنى الاحتساب، ومراتبه

- ‌فقه الاحتساب

- ‌متى يجب الاحتساب، ومتى يستحب، ومتى يكره، ومتى يحرم

- ‌الدرس: 14 علاقة الحسبة بالقضاء والمظالم

- ‌المقارنة بين ولاية الحسبة وولاية القضاء وولاية المظالم من حيث النشأة

- ‌المقارنة بين ولاية الحسبة وولاية القضاء وولاية المظالم من حيث الاختصاص

- ‌وجه الشبه والفرق بين ولايات الحسبة والقضاء والمظالم

- ‌الدرس: 15 علاقة الحسبة بالنيابة العامة

- ‌التعريف بالنيابة العامة وتطورها

- ‌المقارنة بين النيابة العامة والحسبة من حيث النشأة

- ‌المقارنة بين النيابة العامة والحسبة من حيث الاختصاصات والسلطات

- ‌الدرس: 16 نموذج للحسبة القائمة اليوم

- ‌مقدمة

- ‌نشأة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطورها

- ‌اختصاصات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الدرس: 17 الآثار المترتبة على ترك المسلمين الحسبة

- ‌عواقب ترك الحسبة والقعود عنها

- ‌ما كانت عليه المملكة العربية السعودية قبل توحيدها، وما صارت إليه بعد توحيدها

- ‌أنشطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية

- ‌الدرس: 18 شبهات حول الحسبة

- ‌الرد على من توهم أن واجب الحس بة لا يلزمه وأنه واجب كفائي يجب على العلماء فقط لا على الجميع

- ‌الرد على من قا ل: إن الباطل انتشر في الأرض، ولم تعد الدعوة إلى الله تنفع شيئًا

- ‌الرد على من يتعلل بأن الدعوة إلى الله تسبب له تعبًا ونصبًا لا يستطيع تحمله

- ‌الرد على من قال بعدم استجابة الناس له، وأنه يأمر ولا يطيعونه، وينهى ولا يطيعونه

- ‌القعود عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مخافة الفتنة

الفصل: وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها ذات ليلة وهو يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه، قالت: قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث))، وقد قال الله تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).

وكما أن المعصية سبب المصيبة والعذاب، فإن الطاعة سبب النعمة والرخاء ورضوان الله تعالى، وبذلك جرت سنة الله عز وجل كما قال عز وجل:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: 7)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل: 41، 42)، وقال تعالى:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 148).

فالطاعة تجلب الخير والبركة والرحمة، والمعصية تجلب العذاب واللعنة، ولن تدفع اللعنة، ولن تستجلب الرحمة إلا بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه هي الحكمة من مشروعية الحسبة.

‌مراتب الحسبة

وأما مراتبها: فقد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيره، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبلقبه، وذلك أضعف الإيمان)).

تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله عن هذا الحديث في كتابه القيم (جامع العلوم والحكم)، وأورد الروايات لهذا الحديث المتصلة والمنقطعة، ثم قال

ص: 40

-رحمه الله: "فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، أما إنكاره بالقلب فلا بد منه، فما لم ينكر قلب المؤمن دلَّ على ذهاب الإيمان من قبله"، وقد روي عن أبي جحيفة قال: قال علي: "إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد جهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر نُكس فجعل أعلاه أسفله".

وسمع ابن مسعود رجلًا يقول: "هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر". فقال ابن مسعود: "هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر" يشير بقوله إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك.

وأما الإنكار باللسان واليد، فإنما يجب بحسب الطاقة، قال ابن مسعود رضي الله عنه:"يوشك من عاش منكم أن يرى منكرًا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره".

وفي (سنن أبي داود) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها، فمن شهد الخطيئة فكرهها في قلبه كان كمن لم يشهدها، إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها، ولم ينكرها))؛ لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال.

وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها أحبها فكأنه حضرها))، وهذا مثل الذي قبله؛ فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال.

ص: 41

وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا؛ إلا يوشك الله أن يعمهم بعقابه)) أخرجه أبو داود بهذا اللفظ، وقال:"قال شعبة فيه: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر من من يعملوا".

وخرج أيضًا من حديث جليل قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا؛ إلا أصابهم الله بعاقب قبل أن يموتوا))، وخرج أيضًا من حديث عدي بن عمير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله تعالى العامة والخاصة)).

وأخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره، فإذا لقن الله عبدا حجته قال: يا ربي رجوتك وفرقت من الناس)).

وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ألا لا يمنعنَّ رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، وبكى سعيد وقال: والله رأينا أشياء فهبنا)).

ومن حديث أبي سعيد أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يحقر أحدكم ن فسه، قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمر الله عليه في مقال ثم لا يقول فيه، فيقول الله له: ما منعك أن تقول فيَّ كذا وكذا؟ فيقول: خشيت الناس، فيقول الله: إياي كنت أحق أن تخشى)).

قال الحافظ رحمه الله: "فهذان الحديثان محمولان على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة دون الخوف المسقط للإنكار"، قال سعيد بن جبير: "قلت لابن

ص: 42

عباس: أآمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفت أن يقتلك فلا، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بد فاعلًا ففي بينك وبينه".

وقال طاوس أتى رجل ابن عباس فقال: "ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه؟ فقال: لا تكن له فتنة، قال: أفرأيت إن أمرني بمعصية الله؟ قال: ذاك الذي تريد، فكن حينئذ رجلًا"، وقد ذكرنا من حديث المسعود الذي فيه:((يخلف من بعدهم خلوف فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن)) إلى آخره، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد، وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود، وقال: هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة.

وقد يُجاب عن ذلك أيضًا بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين، نعم إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يغزى أهله أو جيرانه لم ينبغ له التعارض لهم حينئذ؛ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذا قال الفضيل بن عياض وغيره، ومع هذا متى خاف منهم على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى؛ سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك منهم مالك، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم قال أحمد:"لا يتعرض إلى سلطان فإن سيفه مسلول".

بعد هذا البيان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهنا يغلط فريقان من الناس، فريق يترك ما يجب من الأمر والنهي تأويلًا لقول الله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُم} (المائدة: 105)، والفريق الثاني يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه، وإما بيده مطلقًا من غير فقه وصبر وحلم ونظر في ما يصلح من ذلك، وما لا

ص: 43

يصلح، وما يقدر عليه، وما لا

در عليه، ثم أطال الكلام رحمه الله في هذا، وأجمله القاضي عياض في (إكمال المعلم بفوائد مسلم) فقال رحمه الله في تفسير الحديث الذي هو عمدة هذا الدرس:((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)).

قال القاضي عياض رحمه الله: "الحديث أصل في صفة تغيير منكر، وعلم على العلم في عمله، فمن حق المغير أولًا أن يكون عالمًا بما يغيره، عارفًا بالمنكر من غيره، فقيهًا بصفة التغيير ودرجاته، فيغيره بكل وجه أمكنه زواله به، وغلبت على ظنه منفعة تغييره بمنزعه ذلك من فعل أو قول، فيكسر آلات الباطل، ويريق ظروف المسكر بنفسه، أو يأمر بقوله من يتولى ذلك، وينزع المغصوب من أيدي المعتديين بيده، أو يأمر بأخذها منهم، ويمكِّن منها أربابها، كل هذا إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل أو بالعزة الظالم المخوف شره؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، وامتثال أمره، وأسمع لوعظه وتخويفه، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الفضل والصلاح لهذا المعنى، ويغلظ على المغتر منهم في غيِّه، والمسرف في بطالته، إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرًا أشد مما غير، أو كان جانبه محميَّا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرًا أشد من قتله، أو قتل غيره بسببه؛ كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أيضًا أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعانة ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه".

هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال، وإن قُتل ونِيل منه كل أذى.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 44