الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي فقال: يا نبي الله علمني عملًا يدخلني الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:((لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة اعتق النسمة، وفك الرقبة، قال: أوليستا واحدة؟ قال: لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسقِ الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكفَّ لسانك إلا من الخير)).
فوائد الحسبة
فوائد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عدة نذكر منها: السلامة من العقاب الإلهي، والظفر برضوان الله تعالى وجنته، فإن الله تبارك وتعالى قال:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف: 165).
ومنها: الدخول في رحمة الله تبارك وتعالى والسلامة من عذابه كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 71، 72).
وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ
يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (المائدة: 78 - 81).
ومن فوائدها: ظفر الإنسان بما يرجوه من خيري الدنيا والآخرة.
ومنها: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب الأمن والأمان، وسبب جمع الشمل وتوحيد الصف؛ لأن الله تعالى قال:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، ثم قال سبحانه بعد هذه الآية:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105).
فالنهي عن التفرق بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل عن أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببًا للتفرق، وذلك أن الناس إذا كانت لهم مشارب متعددة مختلفة تفرقوا، فهذا يعمل طاعة، وهذا يعمل معصية، وهذا يسكر، وهذا يصلي وما أشبه ذلك؛ فتتفرق الأمة، ويكون لكل طائفة مشرب، ولهذا قال {وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 105).
إذًا لا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن الأمة أمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدًا، ولا حصل لهم الأمن، ولكان لهم أمن أشد من كل أمن، كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82).
إن الدول الآن الكبرى منها والصغرى كلها تكرس الجهود الكبيرة الجبارة لحفظ الأمن، ولكن كثيرًا من المسلمين غفلوا عن هذه الآية، الأمن التام موجود في هاتين الكلمتين:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فإذا تحقق الأمن في الشعب ولم يلبس إيمانه بظلم، فحينئذٍ يحصل له الأمن.
ومن فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: حماية الأرض أن تتحول إلى بؤرة من الشر والفساد، الأمر الذي يصعب معه تحقيق معنى العبودية لله عز وجل، إذ يقول الله سبحانه:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (البقرة: 251)، ويقول سبحانه:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: 40).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من، فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيدهم نجوا ونجوا جميعًا)).
ومن فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إقامة الحجة على المصرين والمعاندين فإن نفرا من الناس في فطرتهم عوج والتواء وإصرار وعناد، وأمثال هؤلاء لا يفيقون إلا في وقت المحن والشدائد، والواجب نحوهم هو التذكير والتخويف حتى إذا نزلت الشدائد، وكان العقاب لا يقولون: لو وجدنا من أرشدنا ودلنا على الطريق لكنا أهدى الناس وأقومهم قيلًا، ومن ثم يتوجهون إليه بالتأنيب والتوبيخ والعتاب، ويحاجون الله تبارك وتعالى، وله سبحانه الحكمة البالغة.
ولذا قال -سبحانه- عن حكمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَهْل الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة: 19)، وقال سبحانه عن حكمة إرسال الرسل جميعًا:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء: 165).
ومن فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تنبيه الغافلين، وانتشال الغارقين من الناس، ولا سيما المسلمين؛ فإن الإنسان خلق يوم خلق وهو ذو فطرة بيضاء نقية، لديها استعداد للخير واستعداد للشر، كما قال الخالق سبحانه:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس: 7، 8).
والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان أو التي تحيط به هي التي تساعد في صنعة على شاكلتها، إن كانت خيرة كان خيرًا، وإن كانت شريرة كان شريرًا، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل)).
هذا، وإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفوائد أكثر ما ذكرنا، ولكن فيما ذكرناه الكفاية عما سكتنا عنه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.