الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه هي أبرز ما كان ينظر فيه والي المظالم في النظم الإسلامية، التي قامت لمختلف الدول الإسلامية في الماضي، والتي لا تزال ينظر في بعضها اليوم، ولكن تحت مسميات أخرى كمحاكم النقض، أو التمييز، أو هيئة المظالم، كما عليه الحال في المملكة العربية السعودية اليوم.
وجه الشبه والفرق بين ولايات الحسبة والقضاء والمظالم
وجه الشبه والفرق بينها:
فيقول الماوردي رحمه الله: "اعلم أن الحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم؛ فأما ما بينها وبين القضاء، فهي موافقة لأحكام القضاء من وجهين، ومقصورة عنه من وجهين، وزائدة عليه من وجهين؛ فأما الوجهان في موافقتها لأحكام القضاء:
فأحدهما: جواز الاستعداء إليه، وسماعه دعوى المستعدي على المستعدى عليه في حقوق الآدميين، وليس هذا على عموم الدعاوى؛ وإنما يختص بثلاثة أنواع من الدعوى:
أحدها: أن يكون فيما يتعلق ببخس وتطفيف في كيل أو وزن.
والثاني: ما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع أو ثمن.
والثالث: فيما يتعلق بمطل وتأخير لدين مستحق، مع القدرة على أدائه.
وإنما جاز نظره في هذه الأنواع الثلاثة من الدعاوى، دون ما عداها من سائر الدعاوى؛ لتعلقها بمنكر ظاهر، هو منصوب لإزالته، واختصاصها بمعروف بين هو مندوب إلى إقامته؛ لأنّ موضوع الحسبة إلزام الحقوق، والمعونة على استيفائها، وليس للناظر فيها أن يتجاوز ذلك إلى الحكم الناجز والفصل البات، فهذا أحد وجهي الموافقة.
والوجه الثاني: أنّ له إلزام المُدّعى عليه للخروج من الحق الذي عليه، وليس هذا على العموم في كل الحقوق، وإنما هو خاص في الحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها؛ وإذا وجبت باعتراف وإقرار مع تمكنه وإيثاره؛ فيُلزم المقر الموسر الخروج منها، ودفعها إلى مُسْتَحِقِّيها؛ لأنّ في تأخيره لها منكرًا هو منصوب لإزالته.
وأما الوجهان في قصورها عن أحكام القضاء:
فأحدها: قصورها عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات، من الدعاوى في العقود والمعاملات، وسائر الحقوق والمطالبات، فلا يجوز أن ينتدب لسماع الدعوى لها، ولا أن يتعرض للحكم فيها، لا في كثير حقوق ولا في قليلها، من درهم فما دونه؛ إلا أن يرد ذلك إليه بنص صريح، يزيد على إطلاق الحسبة، فيجوز ويصير بهذه الزيادة جامعًا بين قضاء وحسبة، فيراعي فيه أن يكون من أهل الاجتهاد، وإن اقتصر به عن مطلق الحسبة؛ فالقضاة والحكام بالنظر في قليل ذلك وكثيره حق فهذا وجه.
والوجه الثاني: أنها مقصورة على الحقوق المُعْتَرف بها؛ فأما ما يتداخله التجاحد والتناكب، فلا يجوز له النظر فيه؛ لأنّ الحاكم فيها يقف على سماع بينة، وإحلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بينة على إثبات الحق، ولا أن يحلف يمينًا على نفي الحق، والقضاة والحكام بسماع البينة، وإحلاف الخصوم أحق.
وأما الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء:
فأحدهما: أنه يجوز للناظر فيها أن يتعرض لتصفح ما يأمر به من المعروف، وينهى عنه من المنكر، وإن لم يحضره خَصمٌ مستعدٍ، وليس للقاضي أن يتعرض
لذلك إلا بحضور خصم يجوز له سماع الدعوى منه؛ فإنْ تعرض القاضي لذلك خرج عن منصب ولايته، وصار متجوزًا في قاعدة نظره.
والثاني: أن للنّاظر في الحِسبة من سلاطة السلطنة، واستطالة الحماة؛ فيما تعلق للمنكرات ما ليس للقضاة، لأن الحسبة موضوعة للرهبة، فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلطة، تجوزًا فيها ولا خرقًا والقضاء موضوع للمناصفة، هو بالأناة والوقار أحق؛ وخروجه عنهما إلى سلاطة الحسبة تجوز وخرق؛ لأن موضوع كل واحد من المنصبين مختلف، فالتجوز فيه خروج عن حده".
وأما ما بين الحِسْبة والمظالم فبينهما شبه مؤتلف، وفرق مختلف؛ فأما الشبه الجامع بينهما فمن وجهين:
أحدهما: أنّ مَوضوعهما مستقر على الرهبة المختصة بسلاطة السلطنة، وقوة الصرامة.
والثاني: جواز التعرض فيهما لأسباب المصالح، والتطلع إلى إنكار العدوان الظاهر.
وأما الفَرْقُ بينهما فمن وجهين:
أحدهما: أنّ النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة، والنظر في الحسبة موضوع لما رفه عنه قضاء القضاة، ولذلك كانت رتبة المظالم أعلى، ورتبة الحسبة أخفض، وجاز لولي المظالم أن يوقع إلى القضاة والمحتسب، ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم.
وجاز له أن يوقع للمحتسب، ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما؛ فهذا الفرق الثاني: أنه يجوز لولي المظالم أن يحكم، ولا يجوز لوالي الحسبة أن يحكم.
وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.