الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
(شبهات حول الحسبة)
الرد على من توهم أن واجب الحس بة لا يلزمه وأنه واجب كفائي يجب على العلماء فقط لا على الجميع
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا ع بده ورسوله، أما بعد:
قد يتوهم البعض أن واجب الحسبة لا يلزمه؛ لأنه ليس من رجال الدين، وإن هذا الواجب واجب كفائي يجب على العلماء فقط لا على الجميع بدليل قوله تعالى:{و َلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (آل عمران: 104).
والجواب على ذلك -كما بينا في حكم الحسبة- أن ابن كثير رحمه الله بين أن المراد بالآية: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} أي: تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه، وبينا أن كلمة "من" في قوله تعالى:{وَلْتَ كُن مِّنكُمْ} أنها ليست للتبعيض ولكنها للبيان.
وعلى ذلك، فالراجح من أقوال العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل من يستطيعه، ولكن الحسبة يشترط لها العلم، والعلم ليس شيئًا واحدًا لا يتجزأ ولا يتبعض، وإنما هو بطبيعته يتجزأ ويتبعض، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل بالثانية، ومعنى ذلك أنه يعد من جملة العلماء بالمسألة الأولى، وبالتالي يتوفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل، ولا خلاف بين الفقهاء أن من جهل شيئًا أو جهل حكمًا أنه لا يدعو إليه؛ لأن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة، وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالقدر الذي يعلمه.
ومن قال إن المقصود بالآية العلماء الذي نالوا حظًّا كبيرًا من العلم دون سواهم فقد أخطأ في ذلك، فالدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما بيناه- فرض عين وفرض كفاية؛ فرض عين على كل مسلم فيما يعرف من الدين وحسب استطاعته، وفرض كفاية في الأمور التي يعجز عنها العامة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في بيان حكم الحسبة.
وقد يتشبث البعض توهمًا منه بقول الله تعالى: {يَ اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} (المائدة: 105)، قد يتشبث البعض بهذه الآية ليتخلص من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبرر قعوده وتقاعسه متوهمًا أن هذه الآية الكريمة تعفيه من تكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام هو في نفسه مؤتمرًا ومنتهيًا، وإن هذا الوهم قد تسرب إلى البعض في زمن الصديق أبي بكر رضي الله عنه فلما بلغه ذلك عنهم خرج فخطب الناس وقال: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية الكريمة، وتضعونها في غير موضعها:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)).
إذًا يجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إصلاحًا لغيره بعد أن صلح هو في نفسه، فإن النجاة لا تتم إلا بهذا، فقد قال الله تعالى:{و َالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} (العصر: 1 - 3)
فلا يكفي الإنسان أن يكون صالحًا في نفسه حتى يكون مصلحًا لغيره، ولا يكفي أن يكون مهتديًا في نفسه حتى يكون هاديًا لغيره، ولا يكفي أن يكون مؤتمرًا