الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس عشر
(نموذج للحسبة القائمة اليوم)
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:
إنّ المُتَكَلِّمَ في أمر الحسبة في المملكة العربية السعودية يَجْمُل به أن يَرْبِطَ ماضي هذه الولاية -ولاية الحسبة- بحاضرها؛ فإنّ في ذلك تذكيرًا لمن شطط بهم الأهواء، وبهرتْهُم بَهارِجُ وزيف الحضارة الغربية؛ فجَعَلُوها قدوة لهم، وأخذوا بأنْظمتها، ورأوا أنّ الحَسنَ ما أقرته وطبقته، والقَبيحَ ما تركته ورَفضته، ثم ليعلم أولئك أنه لا يَصْلُح آخر هذه الأمة إلّا بما صلح به أولها، وأنّ الخير كل الخير أن يعود المسلمون إلى منابع دينهم وتراثهم، وثقافتهم التي جاءت في الكتاب والسنة.
وهذا الربط يتمثل في أن نعرض بشيء من الإيجاز لبدايات وأساسيات قيام هذه الهيئة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تمثل ولاية الحسبة في المملكة العربية السعودية، والتي حددناها نموذجًا ومثالًا لواقع الحسبة المعاصرة.
وهذا يَشُدُّنا إلى العودة إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، بداية قيام الدولة السعودية الأولى، وانتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فمَعْلُوم لدى من رجع إلى التاريخ أنّ هذه البلاد الجزيرة العربية كانت تئن تحت ظلمات الجهل، ومتاهات الشرك والخرافات، والبدع المنكرة المهلكة؛ فكانَ النّاسُ نتيجة لذلك قد فقدوا نور العلم، وحلاوة الإيمان؛ مما جَعَلَهُم ينْجَرِفُون مع تيارات الشرك، ولوثة المعتقد.
لكن رحمة الله ولُطفه بعبادة تتدخل دائمًا؛ حيثُ يُقيض الله عز وجل على رأس كل فترة لهذه الأمة من يجدد لها دينها، ويعيدها إلى حظيرة الإيمان بعد أن اجتالتها الشياطين، فأخرجتها منها، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إنّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجَدِّدُ لها دينها)).
فكانَت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المُجدد رحمه الله ذلك السراج الذي قاد الناس، وأعادهم إلى أصول دينهم، ومنابع ثقافتهم إلى الكتاب والسُّنة؛ لقَد كان ذَلك المُصْلِحُ الكبير يَدْعُو النّاس إلى العودة إلى الاعتقاد الصحيح ونبذ الشرك، فقوبل أول ما قوبل بالنكير والأذى، بل لقد تعدى الأمر إلى محاولة اغتياله؛ لكن الله حفظه ولم تقف محاولات أعداء دعوته عند ذلك الحد، بل طاردوه من بلد إلى آخر؛ حتى انتهى به المطاف إلى بلدٍ أمن فيه على دعوته، هو بلد الدرعية، وهناك التقى بالأمير محمد بن سعود المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى، وشرح الله صدر الأمير للدعوة، فقبلها وناصرها، وكثر أتباع الشيخ ومؤيدوه.
ومع ذلك؛ فإنّ الذِينَ وقَفُوا من هذه الدعوة موقف العداء، لا زالوا يتربصون بها الدوائر، ويُحَاولُون مُستَميتينَ القَضَاء عليها؛ حيثُ هَالَهُم سرعة انتشارها بين الناس، ولم يتركوا سبيلًا يروا فيه إضعافها إلا سلكوه، وهنا أدرك الشيخ أنّ الموعظة والجدال، وإرسال الرسائل لتوضيح طبيعة هذه الدعوة الجديدة، ولتدعو في الوقت نفسه أولئك الخصوم إلى التروي والرجوع إلى الحق؛ فلم يزدهم ذلك إلا عنادًا وإصرارًا وبغيًا وعدوانًا، أدرك عند ذلك كله أنّه لم يبق أمامه إلا رفع راية الجهاد، لدحر تلك الدعوات المضادة، ونشر دعوة الحق بين الناس، الذين هم متطلعون إليها راغبون فيها، فقد طال ليل الشرك على أفهامهم وعقولهم، ورانت المعاصي على قلوبهم.
فوقعت حروب ومغازي للشيخ وأتباعه، كَلّلها اللهُ له بالنّصر، وأعز الله بذلك دينه، وسَقَطت كُلُّ الدعوات الشيطانية، وسَقَطَ مَعها كُلُّ وثنٍ يُعبد من دون الله، وخَنَس كُلُّ مُشَعْوِذٍ وكَذّاب، وتنفس المسلمون في سائر أنحاء الجزيرة العربية الصعداء، ورَسَخت عَقِيدة التوحيد في نفوس الناس صافية نقية، كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.