الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمنكرات ببيان أضرارها وعقوباتها في الدنيا، ومصير الذي يقارفها، ويداوم عليها في الآخرة، وأول ذلك النار، نعوذ بالله منها.
وبعدما تقدم نصل إلى نقطة هامة هي نص في موضوعنا، وهو بذل ما في الوسع للتركيز على غرس فقه الاحتساب، من خلال إبراز الأصول الشرعية لذلك، من الكتاب والسنة بالشرح والتوضيح، مع الاستنارة في ذلك باستعراض نماذج من سيرة سلفنا الصالح، لا سيما في المواقف التي قدموا فيها صورًا احتسابية.
كذلك يقوم المعلم بمحاولة تطبيق ذلك عمليًّا كلما سنحت له الفرصة، وحصل له موقف يوجب الاحتساب في الوسط المدرسي، والأماكن المحيطة؛ حتى يراه الطلاب؛ فإن ذلك أدعى للفهم، والتأسي، والتطبيق.
فإذا تحقق اتباع هذه الخطوات نكون -بإذن الله- قد ضمنا سندًا قويًّا جدًّا داخل المجتمع، وتصبح عملية الاحتساب عملية سهلة؛ لأنّ المحتسبين يكثرون يومًا بعد يوم بخروج هؤلاء الطلاب الذين تسلحوا بفقه الحسبة، وبذلك يكون الخير والفلاح، والأمن والرضا من الله عز وجل.
المسجد ودوره في الاحتساب
المسجد -كما هو معلوم- هو الشمعة المضيئة إضاءة يهتدي بها كل فرد داخل البناء الإسلامي في توجهه، وسيره إلى معبوده وخالقه سبحانه وتعالى ففيه يتم اتصال المسلم بربه، من خلال ركوعه وسجوده، وفيه يتلى القرآن، ويعلم، ومنه تخرج علماء الإسلام، بداية بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ورغم ظهور المؤسسات الرسمية من تعليمية وغيرها، فإنها لم تسلب المسجد رسالته وأهميته التعليمية، والتربوية، وسيظل للمسجد أثره وفاعليته الروحية في تكوين عقيدة المسلم، وبناء الشخصية الإسلامية.
وبهذا كان المسجد، وما يزال هو المؤسسة التربوية التي تقوم بإعداد المسلم الإعداد المتكامل الذي يساعده على التكيف مع رسالته في الحياة، ومتطلباتها وفق استعداداته وقدراته دون تقيد بسن معينة.
وبذلك حقق المسجد ويحقق أبعادًا تربوية، منها: البعد النفسي، هو التعلم وفق القدرات والاستعدادات، كما قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، والبعد الاجتماعي، وهو إعداد الفرد للمشاركة، وبذل الجهد في الحياة العامة، والبعد التكاملي أي: التكامل في الإعداد حيث أن الإسلام ينظر إلى الفرد على أنه وحدة متكاملة من كل الجوانب السابقة الجسمية منها، والعقلية، والروحية.
وفي المسجد يتم البناء التربوي متكامل، وعلى هذا فلا سبيل إلى النهوض بالمسلمين فيما يتعلق بدينهم، وتراثهم، وبعث روح الإسلام الفاعلة في نفوسهم إلا برجعة واعية وحثيثة إلى رسالة المسجد، ولا تعني هذه العودة إلغاء كل ما وجد في حياتنا من تطورات مادية، وتوزيع لبعض الوظائف التي كانت للمسجد، فنغلق المدارس والأندية وسائر مراكز النشاط الاجتماعي والثقافي لا، لا نقول ذلك، ولكن ما نريده هو أن تتضافر جهود المخلصين؛ لننقل إلى كل هذه الجهات التي أخذت من وظائف المسجد ننقل إليها روح المسجد؛ فتصبح هي بدورها امتدادًا فاعلًا لرسالة المسجد في حياة المجتمع.
إنّ الله تبارك وتعالى رفع من شأن المساجد، ومن شأن أهلها، فقال الله تبارك وتعالى:{فِي بُيُوتٍ إذًا اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 36، 37)،
ويقول تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة: 18).
فالوظيفة الأساسية للمسجد: هي الاجتماع فيها لأداء الصلوات، وهي بالإضافة إلى ذلك أمكنة لتلقي العلم، واجتماع العلماء، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)).
وبهذا كان المسجد أول المؤسسات التعليمية، فلم يكن عجبًا إذًا أن ارتبط التعليم بالمسجد لزمن طويل، ففي كل مسجد يقام كانت تقوم بداخله مدرسة، أو حلقة، أو حلقات فكرية وعلمية، تعلم القرآن وغيره، ولم يكن التعليم في المساجد يقتصر على تعلم الأمور الشرعية فقط، بل كان يضم إلى ذلك علومًا أخرى، كما يقول السيوطي: بأن دروسًا مختلفة رتبت في الجامع الطولوني في مصر شملت التفسير، والحديث، والفقه، والقراءات، والطب، وغيرها. كما أن من وظائف المسجد: الخلوة مع الله عز وجل بالاعتكاف، والتفرغ لذكره، وعبادته.
وقد أشار إلى ذلك ربنا سبحانه وتعالى في قوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البقرة: 187). وفي المساجد كان يتم التقاضي، ومن ذلك: قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد على رجل اعترف بالزنا، فحكم عليه بإقامة حد الزنا عليه.
وروى البخاري في صحيحه: ((أن كعب بن مالك قاضى رجلًا دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا كعب، ضع عنك دينك هذا. قال: لقد فعلت ذلك يا رسول الله)).
وفي المسجد كانت تتم مداواة الجرحى وعياداتهم، وكان المسلمون يتشاورون، ويتبادلون الرأي في المساجد، وفي المساجد كانت توزع الأموال من زكوات وغيرها، وفي أكثر بلاد المسلمين كانت تتم في المساجد -وإلى وقت قريب- عقود الأنكحة وإعلانها، وفيها كان يتم استقبال الضيوف.
ومن وظائف المسجد الكبرى: أنه المكان الذي يجتمع فيه المسلمون اجتماعات تسودها المحبة، والصفاء، والوئام، مجتمع يحث الجميع فيه بأخوة الإسلام، ووحدة الهدف والمصير.
وإذا كان هذا هو دور المسجد، فإنه أيضًا كما أكدنا على ضرورة استغلال، وتسخير الوسائل الإعلامية المختلفة، والتعليم؛ ليكونا وسيلتين فاعلتين تساعد عمل المحتسب داخل المجتمع، فإن المسجد لا يقل أهمية في ذلك، بل هو أقرب وأسهل وأشمل في هذه المساندة لعمل المحتسب.
ويُمكننا أن نلخص دور المسجد في مساندة عمل المحتسب في النقاط التالية:
أولًا: قيام المُحتسب بنفسه، أو بالتعاون مع العلماء والمشايخ بإلقاء دروس ومواعظ في مسجد الحي الذي يعمل فيه المحتسب، يعلم الناس فيها تعاليم الإسلام، ومبادئه، وينير لهم الطريق بعدم الوقوع فيما يخالف تلك التعاليم والمبادئ؛ حتى إذا ما احتسب على أمر يخالف شيئًا منها كان المخالف على سابق علم بما وقع فيه.
ثانيًا: استغلال خطبة الجمعة في طرح القضايا التي يرى المحتسب ضرورة الاحتساب على الناس فيها.
ثالثًا: إضافة إلى ما تقدم، يتحين المحتسب الفرص لعقد ندوات بين كل فترة وأخرى، وليكن موضوعها: القضايا التي تهم أهل تلك الجهة، ولا تكفي خطبة الجمعة لمناقشتها، بحيث يتولى المنتدون مناقشة القضية من كل جوانبها.