الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
(المحتسب عليه (1))
تعريف المحتسب عليه، وشروطه
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
قال الدكتور عبد الكريم زيدان في تعريف المحتسب عليه: "المحتسب عليه: هو كل إنسان يباشر أي فعل يجوز، أو يجب فيه الاحتساب، ويسمى: المحتسب عليه، أو المحتسب معه".
ويقول الدكتور علي حسن القرني: "المحتسب عليه: هو إنسان ترك معروفًا في الشرع، أو أتى منكرا محظورا في الشرع مكلفًا أو غير مكلف.
فهذا هو تعريف المحتسب عليه".
أما شروطه: فقد قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرًا، وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنسانًا، ولا يشترط كونه مكلفًا؛ إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر منع منه، واحتسب عليه، وإن كان قبل البلوغ. ولا يشترط كونه مميزًا؛ إذ بينا أن المجنون لو كان يزني بمجنونة، أو يأتي بهيمة منع منه. نعم، من الأفعال ما لا يكون منكرًا في حق المجنون، كترك الصلاة، والصوم، وغيره، ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل، فإن ذلك أيضًا مما يختلف فيه المقيم، والمسافر، والمريض، والصحيح، وغرضنا: الإشارة إلى الصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكار عليه، لا ما بها يتهيأ للتفاصيل".
قال: "فإن قلت: فاكتفي بكونه حيوانًا، ولا تشترط كونه إنسانًا، فإن البهيمة لو كانت تفسد زرعًا لإنسان، لكنا نمنعها منه كما نمنع المجنون من الزنا، وإتيان البهيمة.
قال في جواب هذا الاعتراض: فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها؛ إذ الحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق الله؛ صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر، ومنع المجنون عن الزنا وإتيان البهيمة لحق الله، وكذا منع الصبي عن شرب الخمر، والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين:
أحدهما: حق الله تعالى، فإن فعله معصية.
والثاني: حق المتلف عليه.
فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى، فلو قطع طرف غيره بإذنه، فقد وجدت المعصية، وسقط حق المجني عليه بإذنه، فتثبت الحسبة والمنع بإحدى العلتين، والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية، ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين، ولكن فيه دقيقة، وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة، بل حفظ مال المسلم؛ إذ البهيمة لو أكلت ميتة، أو شربت من إناء فيه خمر، أو ماء مشوب بخمر، لم نمنعها منه، بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف، والميتات، ولكن مال المسلم إذا تعرض للضياع، وقدرنا على حفظه بغير تعب، وجب علينا حفظًا للمال، بل لو وقعت جرة من علو، وتحتها قارورة لغيره، فتدفع الجرة لحفظ القارورة، لا لمنع الجرة من السقوط، فإنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن تصير كاسرة للقارورة.
ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة، وشرب الخمر، وكذا الصبي، لا صيانة للبهيمة المأتية، أو الخمر المشروب، بل صيانة للمجنون عن شرب الخمر، وتنزيها له من حيث إنه إنسان محترم.
فهذه لطائف دقيقة لا يتفطن لها إلا المحققون، فلا، ينبغي أن يغفل عنها، ثم فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر؛ إذ قد يتردد في منعهما من لبس الحرير وغير
ذلك، فإن قلت: فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان، فهل يجب عليه إخراجها، وكل من رأى مالًا لمسلم أشرف على الضياع، هل يجب عليه حفظه؟.
فإن قلت: إن ذلك واجب، فهذا تكليف شطط يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخرًا لغيره طول عمره، وإن قلتم: لا يجب، فلم يجب الاحتساب على من يغصب مال غيره، وليس له سوى مراعاة مال الغير.
فنقول: هذا بحث دقيق غامض، والقول الوجيز فيه: أن نقول: مهما قدر على حفظه من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه، أو خسران في ماله، أو نقصان جاهه وجب عليه ذلك، فذلك القدر واجب في حقوق المسلم، بل هو أقل درجات الحقوق، والأدلة الموجبة في حقوق المسلمين كثيرة، وهذا أقل درجاتها، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام، فإن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام.
بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم، وكان عند الشهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه، وجب عليه ذلك، وعصى بكتمان الشهادة، ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر على الدافع فيه، فأما إن كان عليه ضرر في مال أو جاه لم يلزمه السعي في ذلك، ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نوم أو بإعلامه يلزمه، فإهمال تعريفه وتنبيهه كإهمال تعريف القاضي بالشهادة، وذلك لا رخصة فيه، ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر؛ حتى يقال: إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم إلا قدر درهم مثلًا، وصاحب الزرع يفوته مال كثير فيترجح جانبه؛ لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف حفظ الألف، ولا سبيل للمصير إلا ذلك.