الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع
(المحتسب (4))
وسائل الإعلام وكيفية استغلالها في الاحتساب
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
جاء في الأثر: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها". وعليها نقول: الوسيلة التي تعين المحتسب في عمله، وتحقق أهداف احتسابه الأولى بها والأجدر أن يستغلها، ولا يتعلل بصارف يمنعه من استغلال أي وسيلة مهما كانت بسيطة.
وسائل الإعلام -لا سيما المعاصرة منها- هي كما يقولون: سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه في الخير، كما يمكن استخدامه في الشر، وما نريد الكلام عنه هو الحد الأول لهذا السيف، وهو جانب الخير؛ فوسائل الإعلام المختلفة من مقروءة وتمثلها: الصحف، والمجلات، والنشرات، والكُتب، ومرئية ويمثلها: التلفزيون، والفيديو، ومسموعة وتمثلها: الإذاعة عن طريق الراديو، والمسجل.
هذه الأجهزة والوسائل هي آلة في يد مشغلها، يمكن -كما قلنا من قبل- أن يجعلها تنطق بخير، وهو ما نريده، ويريده كل مسلم، أو يسخرها للشر، وهو ما ينكره كل مسلم وعاقل، ومن غير المسلمين.
ووسائل الإعلام وإن كان يغلب على بعضها الاستخدام في الشر، فإنها من أجل ذلك تحتاج إلى الاحتساب عليها أولًا قبل أن تسخر لتكون وسيلة تدعم عمل المحتسب.
والاحتساب ليس على الأجهزة والآلات وسائر الوسائل، ولكن الاحتساب على من يشغل، ويستخدم هذه الأجهزة والوسائل.
فإن الواقع الذي عليه الإعلام اليوم في كثير من البلاد الإسلامية سلبي في كثير من جوانبه تجاه الأمة، وتوجيه النشء فيها؛ مما حدا بالمؤتمر الإسلامي العالمي الذي عقد في المدينة النبوية في عام ألف وثلاثمائة وسبعة وتسعين أن يندد بهذا الوضع القائم للإعلام، حيث كان ضمن توصيات المؤتمر: إن المؤتمر يندد بالهوة السحيقة التي تردى إليها إعلامنا، ولا يزال يتردى، فبدلًا من أن يكون الإعلام في بلدنا منبر دعوة إلى الخير، ومنار إشعاع للحق، صار صوت إفساد، وسوط عذاب عن علم من القائمين به أو عليه، أو عن جهل منهم، وسكت القادة فأقروا بسكوتهم أو أجازوا ذلك؛ فشجعوا، وخفت صوت الدعوة وسط ضجيج الإعلام الفاسد، وزلزل الناس في إيمانهم، وأخلاقهم، وقيمهم، ومثلهم.
ولم يعد الأمر يحتمل السكوت؛ ولذا كان على أولي الأمر الواجب الأكبر، ولهم الكلمة الأخيرة، وحسبنا الله، ولهذا نقول -والحال للإعلام ما تقدم-: إن من أهم وأولى طرق الاحتساب على الإعلام، هو محاولة وضع موطئ قدم فيه لأهل الاحتساب، ونقصد بأهل الاحتساب هنا: المتطوعين؛ فإن وجود أهل الخير في الإعلام بداية للتصحيح والصيانة؛ لاستغلال هذه الوسيلة لبث الخير، بدعوة الناس إلى دين الله، وتعليمهم، وإبلاغهم تعاليم ربهم، وسنة نبيهم، وكفى بهذه المهمة شرفًا ورفعة، وكفى بها وسيلة ناجحة في الاحتساب على وسائل الإعلام المختلفة.
فإذا تم الاحتساب عليها هي أولًا؛ أمكن بعد ذلك تسخيرها لتكون وسيلة فعالة من الوسائل التي تسند عمل المحتسب.
وسائل الإعلام قديمًا وحديثًا:
نعرف أن الإعلام كما كان يستخدم، ولا يزال في الشر والدعوة إلى الباطل، ومنذ حقب التاريخ التي مضت، فإنه يمكن كما أمكن من قبل استغلاله لنصر الحق، ونشر الخير. وباستعراض بسيط لوسائل الإعلام في الماضي والحاضر ندرك مدى أهمية الإعلام كوسائل فعالة للتبليغ، أو للدفع، والمنافحة.
وباختصار، فإن المتتبع للإعلام في الماضي -لا سيما فيما قبل الإسلام، وإلى ما قبل النهضة الصناعية المعاصرة- كانت وسائله تنحصر في الرحلات التجارية، ونقل الأخبار إلى مكان آخر، وكذا في الشعر، وهو أهم الوسائل الإعلامية في الماضي، ثم تأتي بعده خطابه، فالشاعر في الماضي كان يعتبر لسان القبيلة، وهو كالصحافة بالنسبة للأحزاب والحكومات اليوم، فما يكاد الشاعر ينطق بالبيت حتى تسير به الركبان، ويسري ويشيع في أنحاء الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، لا سيما إذا كان مدحًا أو هجاء، أو غزلًا أو رثاء أو وصفًا لنصر أو هزيمة، فهو يسير بسرعة تفوق توقعات الشاعر نفسه.
ولما كان الشعر بهذه الفاعلية والقبول، فقد استخدم لمنافحة ومضادة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما في بدايتها، فكان الرد منه صلى الله عليه وسلم ومن صحابته بالوسيلة نفسها. وقد استغل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الوسيلة أحسن استغلال، بل لقد كان له عليه الصلاة والسلام شعراء سخروا شعرهم لنشر الدعوة، ومدافعة أعدائها، منهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وغيرهم.
ونماذج شعرهم كثيرة، وهي محفوظة في دواوينهم، وكان شعر حسان على الكفار أشد وقعًا من السهام والنبال، وضرب السيوف، حتى لقب حسان: بشاعر الرسول. كما كان صلى الله عليه وسلم يعين لحسان ولغيره المصدر والمرجع إذا التبس نسب، أو يوم من أيام العرب، وما عليهم إذا أشكل عليهم ذلك، إلا أن يسألوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان نسابة العرب في عصره.
وكم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعد حسانًا لمنازلة أعدائه، مما جعل قريحته الشعرية تجود بأحسن ما يكون من الهجاء لأعداء الله ورسوله.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اهج قريشًا؛ فإنه أشد عليها من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم. فهجاهم، فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه ويقول: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان -أي: أتى أبا بكر- ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله)).
وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هجاهم حسان فشفا واستشفى)).
ولقوة هذه الوسيلة -أي: الشعر- وفعاليتها، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يكتفي بالرد عليهم بالوسيلة نفسها، بل كان يتعدى ذلك إلى إهدار دم بعض حاملي هذه الوسيلة من أعداء الإسلام، ممن اشتد أذاهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وهكذا كان رجال الدعوة الإسلامية يستخدمون وسائل الإعلام المتاحة لنشرها، ومنافحة أعدائها، وتأسيًا بهم وسيرًا على طريقتهم، لا بد لرجال الدعوة والحسبة اليوم أن يستخدموا وسائل الإعلام المعاصرة التي هي بلا شك أقوى تأثيرًا، وأبلغ إقناعًا وأكثر اشتهارًا، وأشد استقطابًا للنفوس والعقول من تلك التي كانت في الماضي؛ ولأن وسائل الإعلام المعاصرة لا يمكن للمسلمين أن يسكتوها أو يمنعوها من نشر سمومها التي تبث صباح مساء عبر موجات الأثير؛ لذا كان عليهم ألا يورثوا أنفسهم الوهن والكسل والاستسلام، بل عليهم أن يستغلوا ما بأيديهم من وسائل مشابهة، وينافحوا بها كما نافح الرسول صلى الله عليه وسلم أعداء دعوته بنفس وسائلهم.
ويوم أن نستطيع استغلال وسائل الإعلام المعاصرة بكل ذكاء وفطنة وتعقل؛ فإننا نستطيع -بإذن الله عز وجل أن نصل من خلالها إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
الأول: هو محاولة الذب عن الإسلام ضد التيارات والأباطيل التي تحاك ضده، وتلصق به، ثم العمل بعد ذلك وأثناءه على نقل صورته المشرقة للعالم خارج حدود دار الإسلام؛ لننقذ الناس من الضلال والكفر، وندخلهم في دائرة الإيمان، ونور الهداية.
والهدف الثاني: هو مساندة عمل المحتسب بتربية الناس على الفضيلة، وتشويقها لهم، وإبعادهم عن الرذيلة، وتقبيحها في أعينهم، والاستمرار في تعليمهم أمور دينهم عن طريق ما تبث هذه الأجهزة التي تصل إلى كل إنسان وفي أي مكان، وهذه والله نعمة قد وجدت لنا، يجب أن نحسن استغلالها في الخير، وتعليمه للناس كما مهر غيرنا في تسخيرها للشر من الكفرة والمنافقين، وأضرابهم.
وإذا لم يكن لنا السبق والاستحواذ على استخدامها فيما ينفع الناس في دينهم وآخرتهم، فإنها تكون طامة كبرى، وتكون خسارة ماحقة بعدم استخدامنا لهذه الوسائل الفعالة جدًّا، أما إذا تم استغلالنا لهذه الأجهزة والوسائل فيما يخدم رسالة المحتسب في المجتمع، فإننا سنصل -بإذن الله تعالى- إلى تحقيق أهداف وغايات يسعى المحتسب دائما إلى تحقيقها، ولعل من أظهرها:
أولًا: بذل الجهد في الحفاظ على جوهر العقيدة الإسلامية بدفع كل شوائب الشرك، وضلال البدع، وإبطال الشبه التي تحاك ضد العقيدة، وتوضيح ذلك للمسلمين.
ثانيًا: الحفاظ على الشريعة الإسلامية، تطبيقًا، وسلوكًا، اتباعًا للأوامر، واجتنابًا للنواهي، وتربية النشء على ذلك.
ثالثًا: إشاعة الحلال، وتحبيب الناس فيه، وإظهار بشاعة الحرام، وبيان آثاره السيئة على المجتمع حتى يسري بغضه في نفوس الناس.
رابعًا: الحث على الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام، والتي يجب أن يتحلى بها المسلمون أفرادًا وجماعات مثل: الحب في الله، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمانة، والإخلاص، والصدق، والوفاء، والصلة، وإظهار محاسن الإسلام ونشرها لمن لم تبلغه من غير المسلمين.
خامسًا: تنمية روح الاحتساب لدى عامة المسلمين فقهًا وتطبيقًا حتى يتجدد جهاز الصيانة داخل المجتمع المسلم الذي يعمل على التذكير بأوامر الله، واجتناب نواهيه، ويتحرك لتغيير المنكر، وإظهار المعروف.
سادسًا: إحياء التراث الإسلامي، وبث البرامج العملية التي تستعيد نبوغ المسلمين في العلوم التجريبية؛ لتلحقهم بركب الحضارة المعاصرة؛ حتى يتمكنوا من الإسهام بما حث عليه دينهم من العلم والمعرفة.