الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت من النساء الفضليات، قال أبو هريرة رضي الله عنه:((قيل: يا رسول الله أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)).
وأخيرًا: المرأة مسئولة عن البيت وشئونه، ومؤتمنة عليه، فعليها القيام بهذه الأمانة، والخروج من عهدته:((كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل في بيته راعٍ، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها)).
الوظيفة التي اختصت بها المرأة، والآداب التي يجب أن تلتزمها
خلق الله سبحانه وتعالى كل مخلوق على نحو يمكنه من أداء الغرض الذي خلق من أجله، وقد خلق الله تعالى المرأة على نحو يمكنها أن تكون زوجة وأمًّا، وأودع فيها التطلع والحنين إلى ذلك، وقد وهبها الله تعالى القابلية والقدرة على تربية أولادها، والصبر عليهم في جو من حنان الأمومة الفطري فيها.
فالوظيفة الأصلية التي اختصت بها المرأة هي: وظيفة الزوجة، والأم، وتربية الأولاد، وتنشئتهم النشأة الصالحة، وتربية الأولاد تكون في البيت لا في الطريق، وتحتاج إلى انصراف إلى أداء هذه الوظيفة، ووقت كافٍ لها، وقد وفر لها الإسلام ذلك، فقد رفع عنها مئونة العيش، والاكتساب بما فرضه على الزوج من واجب الإنفاق عليها وعلى أولادها، ومن ثم لم تعد لها حاجة للعمل خارج البيت؛ لأن العمل يقصد به الكسب وتحصيل الرزق، وقد كفيت ذلك لقاء انصرافها إلى عمل جليل هو تربية الأولاد في البيت، كما أن الإسلام رفع عنها إيجاب بعض ما فرضه على الرجل تحقيقًا لأغراض معينة، منها: توفير الوقت الكافي للانصراف إلى مهمتها.
فالقتال في سبيل الله ليس بواجب عليها وجوبه على الرجل، والصلاة في المساجد واجب على الرجال دون النساء، وصلاة الجمعة تجب على الرجل دون المرأة، فهذا وأمثاله يدل على أن الإسلام يرغب في بقاء الزوجة في بيتها وعدم الخروج منه إلا لحاجة أو سبب معقول لتنصرف إلى مهمتها الخطيرة: تربية الأولاد، وتهيئة المسكن المريح للزوج الذي يأوي إليه بعد تعبه خارجه، قال الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33).
وليس المقصود بالقرار في البيوت عدم الخروج منه مطلقًا، ألا يرى أن المرأة تخرج للحج، وتخرج لأداء الصلاة في المساجد إذا شاءت، وتخرج لزيارة أهلها، وتخرج للعلاج، ونحوه، وإنما المقصود أن المرأة تقر في بيتها ولا تخرج بلا غرض مشروع ولا سبب معقول؛ لأن هذا هو المرغوب فيه في نظر الشرع.
أما عن الآداب التي يجب على المرأة أن تلتزمها؛ فهناك جملة آداب وأخلاق يجب أن تلتزم بها المرأة لتسهم في بقاء طهارة المجتمع ونظافته مما يشينه، ولتبقى هي نفسها بعيدة عن مظنة التهم ومزالق الشيطان، ومن هذه الآداب ما يأتي:
أولًا: لا يجوز للمرأة أن تخلو بأي رجل يحل له نكاحها حتى ولو كان قريبًا لها؛ كابن العم، أو ابن الخال، وهذا المنع كما هو واضح يسري على الرجل سريانه على المرأة، فلا يجوز لمسلم أن يخلو بامرأة يحل له نكاحها، وتعليل هذا المنع هو سد منافذ الشيطان؛ فإن الشيطان كما جاء في الحديث:((يجري من ابن آدم مجرى الدم)) فيزين له الخطيئة، ويهيج فيه الشهوة.
وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما))، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:((لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم)).
ولا يقال: إن الثقافة عاصمة من الوقوع في الخطيئة فلا ضرر من الخلوة بالأجنبية؛ لأن المسألة مسألة ضعف النفس، وما فيها من شهوات وقابليات للاستجابة لغواية الشيطان، والمثقف والمثقفة كالجاهل والجاهلة في هذه المسائل، والواقع شاهد على صحة ما نقول.
وأيضًا فإن الثقافة لا تقلع الشهوات، وإنما الذي يضعفها ولا يستأصلها تقوى الله، والخشية منه، وعمارة القلب بالإيمان، بدليل أن الحديث الشريف يخاطب المؤمنين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خيار خلق الله بعد رسول الله، فكيف بغيرهم ممن عشش الشيطان في قلبه وباض وفرخ، وإن ملأ رأسه ببعض ما يسمى ثقافة وعلمًا.
ومثل المنع من الخلوة منع المرأة من السفر وحدها بدون زوجها أو أحد محارمها؛ لأن الوحدة في ديار الغربة تفتح للشيطان منافذ للإغواء وللإيقاع في الخطيئة.
ثانيًا: لزوم ابتعادها عن الاختلاط بالرجال خوف الفتنة، يدل على ذلك أن الإسلام في سبيل عدم الاختلاط بالرجال لم يفرض على المرأة صلاة الجمعة، ولم يوجب عليها صلاة الجماعة، ولا يستحب لها اتباع الجنائز، وإذا حضرت للصلاة في المسجد وجب عليها أن تقف مع النساء في الصف الأخير خلف الرجال، فإذا كان الأمر هكذا في بيوت الله فكيف يجوز الاختلاط في غير أماكن العبادة؟!.
ومع هذا فإذا وجدت الضرورة والحاجة إلى مثل هذا الاختلاط جاز في حدود الأدب والاحتشام؛ كخروج المرأة مع المجاهدين تعد الطعام وتداوي الجرحى؛ فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بعض نساء المسلمين للقتال، وقمن بمداواة
الجرحى، وسقي المقاتلين من المسلمين، بل وقد تضطر المرأة إلى القتال الفعلي مع المسلمين، كما حصل لبعضهن في موقعة أُحد، وهذا يستلزم الاختلاط، وكذلك قد تضطر المرأة إلى الخروج من بيتها لقضاء حاجتها، فتركب السيارة العامة، أو القطار، وتختلط بالرجال، فهذا ونحوه يجوز عند الحاجة بشرط الالتزام بالآداب الإسلامية في المشي واللباس والكلام.
ثالثًا: إخفاء زينتها إلا ما ظهر منها؛ فقد جاء في القرآن الكريم في آداب النساء: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31)، ف لا يجوز تعمد إظهار شيء من زينتها إلا ما ظهر منها بغير قصد، أو ما كان ظاهرًا لا يمكن إخفاؤه كالرداء والثياب، وهذه هي الزينة الظاهرة التي يجوز إبداؤها على رأي ابن مسعود رضي الله عنه أو هي الكحل والخاتم على رأي ابن عباس رضي الله عنه أو هي الوجه والكفان على رأي بعض العلماء.
رابعًا: ويجب أن يكون لباس المرأة شرعيًّا، أي: وفق ما أمر به الشرع، قال الله تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31)، والخمار ما يوضع على الرأس، فالآية الكريمة تأمر بإنزال الخمار إلى العنق والصدر لإخفائهما، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 59)، والجلباب هو الملاءة التي تغطي جسم المرأة وتلبسه فوق ثيابها، فلا يظهر منها شيء، وهو يشبه العباءة التي تستعملها بعض نسائنا اليوم، وكانت شائعة بالأمس.
ومن الشروط الأخرى في لبس المرأة في حكم الإسلام: ألا يكون شفافًا ولا ضيقًا حتى لا يظهر أعضاء المرأة ولا يصفها؛ فقد جاء في الحديث الشريف: ((سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات)) فهن كاسيات بالاسم، عاريات أو
كالعاريات في الحقيقة والواقع، وهذا الحديث من أعلام النبوة؛ فقد وقع ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن شروط لباس المرأة الشرعي أيضًا: ألا يكون معطرًا إذا خرجت من بيتها، وألا يشبه لباس الرجال ولا زيهم، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لباس المرأة، والمرأة تلبس لباس الرجل.
وخلاصة القول في لباس المرأة الشرعي الذي تتحقق فيه الآداب الإسلامية في اللباس: أن يكون ساترًا لجميع بدنها، وألا يكون زينة في نفسه، ولا شفافًا، ولا ضيقًا يصف بدنها، ولا مطيبًا، ولا مشابهًا للباس الرجال، ولباس الكفار، وألا يكون ثوب شهرة.
خامسًا: من آداب الإسلام في مشي المرأة وكلامها: ما أشار إليه القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور: 31)، أي: لا تضرب المرأة برجليها ليسمع قعقعة خلخالها، فإذا فعلت ذلك بالتبرج والتعرض للرجال فهو حرام، والواقع أن هذا يدخل في باب سد الذرائع، وعلى هذا لا ينظر إلى القصد، وإنما ينظر إلى مآل الفعل، وعلى هذا ينبغي للمرأة ألا تفعله لئلا يثير ما لا ينبغي في الرجال بأن ينتبهوا إليه، وإلى مشيها، فيقعون في إثم النظر إليها أو الظن السيئ بها، ويقاس على ذلك المنع منع أي مشية فيها إثارة للفتنة، فينبغي أن تمشي المرأة مشية لا تغري الفساق وضعيفي الأخلاق، قال تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32).
كانت هذه مقدمة عن المرأة ودورها الذي لا ينبغي أن يغيب عن كل ما له القدرة في الاحتساب في شأنها سواء كان من أقربائها أو من الغيورين المسلمين
على عفافها وطهرها؛ لأن في ذلك طهر للأمة، كيف لا وقد قوضت أمة بكاملها بسبب فتنة النساء؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
وحذر صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، وبيّن أنها أشد فتنة على الرجال؛ فقال عليه الصلاة والسلام:((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
ولهذا كانت المرأة ومنذ القدم يتخذها أعداء الدين من شياطين الإنس والجن مطية ولعبة يحققون بها أغراضهم الدنيئة، وذلك بنشر الرذيلة والفاحشة، والترويج لها وإعلانها، وفي ذلك الهلاك والدمار، كما قال عليه الصلاة والسلام:((إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله))، وقال صلى الله عليه وسلم:((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)).
وخوفًا من هذا كانت المرأة محط أنظار المحتسبين في الماضي والحاضر، وحتى نربط ماضي الاحتساب في هذا الجانب بحاضره نذكر بعض المنكرات التي كان يحتسب عليها فيها في الماضي، والتي هي بلا شك مواطن احتساب على المرأة في كل زمان ومكان.
وعن الصور الحسبية عليها في الماضي يذكر لنا صاحب كتاب (نصاب الاحتساب) رحمه الله أن من الاحتساب على المرأة منعها من السفر بدون محرم، ويقول:"وعبدها والأجنبي سواء في عدم جواز السفر معها، فحلًا كان أو مجبوبًا أو خصيًا، وإنما منعت المرأة من السفر وحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة قصر إلا ومعها ذو محرم)) ".
ثم يقول صاحب (نصاب الاحتساب): "ويحتسب على الحرة بأن تمنع من كشف وجهها والكف والقدم فيما يقع عليها نظر الأجنبي، ويحتسب عليها ألا تزور قبرًا؛ فقد روى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه قال:((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور)).
ويحتسب على المرأة إذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه للحمّام -والحمّام قديمًا ليس هو الحمّام الذي يعرفه الناس اليوم داخل بيوتهم، الحمّام في قديم الزمان كان مكانًا عامًّا للاغتسال في المدن الكبيرة- أو خرجت غير مقنعة، وأما إذا خرجت للحمام بإذن زوجها مقنعة بعذر بأن كانت مريضة أو نفساء يباح لها.
ويحتسب عليها عدم الركوب على السرج إلا بعذر؛ كالحج والعمرة والجهاد إذا كانت مستترة، ويحتسب عليهن بعدم الضرب بأرجلهن عند اتخاذ الخلاخل في أرجلهن؛ لأن مبنى حالهن على الستر، وفيه -أي: الخلخال- إظهار لزينتهن الواردة في قول الله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} .
ويحتسب على الرجل والمرأة إذا كانا في خلوة، وكانا أجنبيين عن بعضهما، وإذا سمع والي الحسبة بامرأة عاهرة أو مغنية استتابها عن معصيتها؛ فإن تابت وإلا عزرها ونفاها من البلد، ويحتسب على المعتدات من النساء عن موت أو طلاق بائن أن يتجنبن الزينة؛ كالكحل، والحناء، والتحلي، والطيب، ولبس المطيب، والمصبوغ بالمعصفر، والزعفران، إلا إذا كان غسيلًا لا ينفض.
ويحتسب على المرأة ألا تقص شعرها كالرجل، ذكر في (النوازل) في كتاب النكاح، وسئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن امرأة قطعت شعرها قال: عليها أن تستغفر الله وتتوب، ولا تعود إلى مثله. قيل: فإن فعلت ذلك بإذن زوجها؟ قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قيل له: لم لا يجوز ذلك؟ قال: لأنها
شبهت نفسها بالرجال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)).
ولأن شعر رأس المرأة كاللحية بالنسبة للرجل، فكما أنه لا يجوز للرجل أن يقطع لحيته فكذلك لا يحل للمرأة أن تقطع شعرها، ويحتسب على النامصة والمتنمصة، والواصلة والمستوصلة، والواشرة والمستوشرة، والواشمة والمستوشمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن من فعل ذلك.
ويحتسب على المرأة المطلقة طلاقًا رجعيًّا أن تعتد في بيت زوجها، ولا تخرج إلى بيت أهلها كما يفعل غالبية النساء اللاتي يحصل لهن هذا الطلاق اليوم، ما إن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق، حتى تركض ركضًا للخروج من بيته إلى بيت أهلها، وهذا مخالف لما أمر الله تبارك وتعالى به؛ حيث قال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (الطلاق: 1) ".
وإلى جانب ما مر ذكره فإن مما يحتسب فيه على النساء اليوم منعهن من التبرج، وإظهار المفاتن، والتبختر في المشي، فقد قال الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها؛ فهي كذا وكذا))، وقال صلى الله عليه وسلم:((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
ويحتسب على الذين تبتاع معهم المرأة اليوم في الأسواق، ويحذرهم المحتسب من أن يسلكوا معهن طرقا ملتوية تجر إلى الفاحشة، ويمنعهم من إيجاد أماكن للخلوة داخل محلاتهم، بل يكون المحل مفتوحًا وواضحًا لكل مارٍّ من الطريق بقدر الإمكان، كذلك يجب تحذير النساء وتنبيههن إلى الاهتمام بالحجاب، ولا سيما
أمام هؤلاء الباعة الأجانب، وعموم الرجال الأجانب، ويحتسب عليهن في ألا يمكثن في الوقوف طويلًا عند هؤلاء الباعة، وتجاذب الحديث معهم بما لا تدعو إليه الحاجة من الحديث.
ومما ينبغي أن يلاحظه المحتسبون اليوم الشباب المتسكع في الطرقات والأسواق، وزجرهم عن القيام بالتعرض للنساء الأجنبيات، بإحداث نظر، أو غمز، أو لمز، قال الله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30).
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة))، وسئل صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؛ فقال:((اصرف بصرك))، وقال صلى الله عليه وسلم:((لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له)).
كما ينبغي للمحتسب أن يحرص دائمًا بأن لا يحدث الاختلاط المنهي عنه شرعًا فيزجر ويحذر منه لئلا ينتشر في المصالح، والمصانع، والمستشفيات، والمحلات العامة، ومحلات التجارة، ويعمل أن يكون هناك مكان مخصص في وسائط النقل العامة.
هذا وإذا كان لكل عصر ما يفرزه من المداخل والأسباب التي تغوى من خلالها المرأة، ويسلك بها طريق الانحراف عن منهج الله؛ فإن لهذا العصر الذي نعيشه النصيب الأوفر من ذلك، فقد أفرزت لنا الحضارة المعاصرة ما لا يمكن حصره، لكن ما أريد أن أركز عليه هنا هي تلك المنافذ التي فتحت على المرأة في مجتمعنا، ولم تكن تعرفها من قبل، والتي يجب أن يكون تركيز المحتسبين اليوم عليها أكثر، ومحاولة سدها حماية للفضيلة داخل المجتمع ودرءًا للرذيلة.
من هذه المنافذ
عمل المرأة الذي يفضي إلى اختلاطها بالرجال في القطاعات الحكومية، أو المؤسسات الخاصة، فهذا المنفذ الخطر يجب غلقه ودعوة المرأة المسلمة، وبكل صدق وإخلاص، إلى أن تعود إلى مهمتها الأصلية في البيت، وهي تربية أولادها، والاهتمام بزوجها.
ثانيًا: السفور وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي.
ثالثًا: السائقون والخدم، هذه الظاهرة قد كانت فردية إلى حد ما لكن لما كثرت في المجتمع حتى ابتلي بها كثير من بيوت المسلمين فإنها خرجت عندئذ من نطاق الفردية، وأصبحت ظاهرة اجتماعية خطيرة، وخطرها أول ما يكون على المرأة المسلمة، فكيف يتصور وجود رجل أجنبي مع امرأة لا تحل له داخل حيطان المنزل وعلى مدار اليوم، أو في سيارة تنتقل معه من مكان إلى مكان دون وجود المحرم، وما يكفي أن يكون هذا الرجل السائق أجنبيًّا، بل وفي حالات كثيرة يكون كافرًا كتابيًّا أو وثنيًّا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من هذا الاختلاط وهذه الخلوة؛ فقال:((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، فينبغي أن يكون هناك انضباط، وأن يكون هناك ابتعاد عن كل ما يؤدي إلى اختلاط المرأة بالرجال أو خلوتها بهن.
ومن منافذ الشر التي أفسدت بل وأهلكت كثيرًا من النساء الخياطون، محلات الخياطة النسائية، هذه المحلات التي انتشرت مع الأسف في كل الأحياء والأسواق وفي القرى حتى أصبحت أكثر من البقالات، ولم تكن المشكلة في كثرتها فقط، بل المشكلة في أن 97% منها من العاملين فيها هم رجال، والواقع أن الناس كانوا في غنى عنها، وإلى حد بعيد باعتبار أنه يوجد من يقوم بهذا العمل من بين بنات المسلمين ونسائهم، وقد تعلمه أكثرهن في المدارس ضمن منهج دراستهن، وحيث إن أكثر سلبيات هذه المحلات لم تظهر إلا بعد السماح
بها؛ فإن الجهات المسئولة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبلدية والأمن عمدت إلى وضع ضوابط لعمل هذه المحلات، يجب الالتزام بهذه الضوابط حفاظًا على نسائنا.
كذلك من منافذ الشر التي فتحت على النساء تلك المحلات التي عرفت بالكوافير، هذه التي تغير فيها خلقة المرأة، وتخرج فيها عن حد الحشمة، فتتنمص، وتزيل شعر وجهها، وتفلج أسنانها، وتفعل بصورتها ما نهاها الله تبارك وتعالى عنه.
كل هذا من منافذ الشر التي فتحت على المرأة، ثم الأدهى والأمر أن الذي يزين النساء في تلك المحلات رجال لا نساء، فعلى الغيور على محارم أمته أن يقف وقفة جادة لإزالة هذه المنكرات، وعدم السماح بدخول النساء إليها، وبقدر حرص المحتسب على المرأة فإنه يجب أن يراقب وسائل أخرى شاعت وذاعت في المجتمع مؤخرًا، وهي الهاتف المحمول، أو النقال، أو الجوال؛ فإن هذا الهاتف قد صار يستعمل استعمالًا سيئًا، أفسد الأخلاق، وأضاع الشرف، وانتهكت بسببه الأعراض.
فالمعاكسات الهاتفية كثيرة جدًّا يستغلها الشباب مع البنات والنساء على حد سواء، يتصلوا اتصالًا جزافيًّا غير مقصود بأي رقم فيفاجأ بامرأة ترد عليه، فإذا سألها وجاوبته استرسل في الكلام، واسترسل واستطرد حتى ينتهي الأمر في آخره إلى دعوتها للقاء، فإذا ما تم اللقاء المحرم ضاع معه الشرف، وانتهك معه العرض، وكان ما حرمه الله تبارك وتعالى.
كذلك من شر ما ابتليت به النساء في هذا الزمان تلك الصور الخليعة والفاتنة التي تصور بها النساء، وتحت شعارات الفن تارة، وباسم الحرية الشخصية تارة أخرى، كل هذه الصور سواء ما كان منها بالفيديو أو التلفاز أو بكاميرة
الهاتف الجوال، وغير ذلك، هذه الصور أيضًا من شر ما ابتليت به النساء، وابتلي به المجتمع؛ فيجب على المحتسب أن يحتسب على هؤلاء الرجال والنساء الذين يستخدمون هذه الصور ويعملون على ترويجها ونشرها، ومثل هذه الصور المجلات التي ابتليت بصور النساء العاريات دعوة إلى الفاحشة التي حرمها الله تبارك وتعالى والله عز وجل يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور: 19).
كما أن على المحتسب أن يمنع الناس من مظان التهم ومواقف الريب؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، فإذا رأى المحتسب رجلًا واقفًا مع امرأة في طريق سابل لم تظهر عليهما أمارة الريب لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار، لكن إن كان الطريق خاليًا أنكر؛ لأن خلو المكان ريبة، ولا يعمل في التأديب عليهما حذرًا من أن تكون ذات محرم له، وليقل له: إن كانت ذا محرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فاتق الله تعالى في خلوة تؤدي بك إلى معصية الله.
وعلى المحتسب أن يراقب الأماكن التي يتجمع فيها النسوان مثل أسواق الذهب، والمستشفيات، وعند الخياطين، وبعض أماكن التنزه والفنادق، وشواطئ البحار، وغيرها، فإذا رأى من الشباب أو غيرهم من الفساق من يقف في مواقف الريبة في هذه الأماكن انتهره وأدبه، ومنعه من الوقوف حفاظًا على العرض، وحفاظًا على الشرف، وحفاظًا على العفة، فما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض والأسقام التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.