الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالطريق القويم، ويأتي بالأدلة المتنوعة من شريعة الإسلام التي تهدي الأمةَ إلى ما ينشر فيها الأمن والرخاء، والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
إن الخطاب الدعوي عندما تتوفر فيه هذه الضوابط، ويلتزمها الداعية في خطابه، يكون له أثره العظيم في الإصلاح وفي رقي الأمة وسعادتها.
وإن الخطاب الدعوي يجب أن يكون مستمدًّا من هدي القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة؛ لأنهما الأصلان اللذان تقوم عليهما شريعة الإسلام، كما يجب أن يكون مسيرًا للأحداث، ومتأثرًا فيها. فإنه أيضًا يجب أن يكون مبنيًّا على الصدق الذي لا تحوم حوله شبهة، ولا يقاربه ما يخالف الحقيقة، وذلك الصدق هو الإخبار بالحق، وهو لون من القوة التي هي على رأس الصفات التي يحبها الله تعالى؛ لأنها صفة من صفاته، واسم من أسمائه.
هذه هي ضوابط الخطاب الدعوي.
رسالة الخطاب الدعوي
أما رسالة الخطاب الدعوي، فنقول فيها:
للدعوة الإسلامية أهداف تدور حول ثلاثة محاور أو جوانب:
الأول: جانب الصلة بالله تعالى، وهذا الجانب يتحقق بالعبادة الخالصة لله سبحانه عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا؛ امتثالًا لقوله سبحانه:} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {(البقرة: 21).
الجانب الثاني: جانب الصلة بالنفس الإنسانية، ويتحقق هذا الجانب بالمحافظة على النفس وعدم تعريضها للمخاطر والمفاسد؛ امتثالًا لقول ربنا سبحانه:} وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {(البقرة: 195) وقوله:} وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ {(النساء: 29)} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا {(الشمس: 7 - 10).
الجانب الثالث: جانب الصلة بالناس، وهذا الجانب يتحقق بالتآخي والتعاون والتعاطف؛ امتثالًا لقول ربنا سبحانه:} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {(الحجرات: 10).
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجوانب الثلاثة بقوله: ((اتقِ الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).
أهداف الجوانب الثلاثة للدعوة الإسلامية:
تهدف هذه الجوانب الثلاثة إلى السمو بالإنسان، واحترام عقله وفكره، حينما تحقق الصلة بالله تعالى إيمانًا وإسلامًا وإحسانًا.
ثانيًا: تطهير النفس وتزكيتها حينما تتحقق الصلة بالنفس محافظة عليها وصيانة لها.
الثالث: استقامة السلوك الإنساني حينما تتحقق الصلة بالآخرين حبًّا وإخاءً.
والنتيجة العامة لهذه الجوانب أهدافها تكمن أو تتحقق في الوصول إلى أسمى درجات الكمال الإنساني الممكنة في مجال العقل والخلق والسلوك، وهي جوانب وأهداف تسمو بالإنسان في تفكيره وسلوكه وأخلاقه وتعاونه، ولا ترمي إلى نفع ذاتي، ولا إلى مصلحة خاصة، وإنما هدفها الخير العام للناس جميعًا.
هذه هي المحاور الثلاثة التي تهدف إليها الدعوة، وتعمل من أجلها، والتي يسعى الداعية بخطابه الدعوي إلى تحقيقها.
وبالتأمل الدقيق في آية واحدة من كتاب ربنا سبحانه وتعالى وهي الآية التي سبقت الإشارة إليها من سورة "الإنعام":} قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيْكُمْْ {إلى آخر الآيات. إن المتأمل في هذه الآيات يراها تدعو إلى:
إخلاص العبادة لله الواحد القهار؛ لأن الإشراك بالله هو أعظم المحرمات وأكبرها إفسادًا للفطرة، ولأنه الجريمةُ التي لا تقبل المغفرة من الله، بينما غيره قد يقبل المغفرة منه سبحانه كما قال عز وجل:} إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {(النساء: 48).
ثانيًا: إلى الإحسان إلى الوالدين؛ لأنهما هما السبب المباشر في وجود الإنسان في هذه الحياة.
ثالثًا: إلى رعاية الأولاد والعطف عليهم؛ لأن الحياة حق لهؤلاء الصغار، كما أنها حق لغيرهم من الكبار.
رابعًا: إلى عدم الاقتراب من الأقوال القبيحة والأفعال الذميمة سواء ما كان منها ظاهرًا وما كان منها خافيًا؛ لأن المجتمع الفاضل الطهور هو الذي يؤمن بأن هناك فضائلَ يجب أن تعتنق، وأن هناك رذائلَ يجب أن تجتنب، أما المجتمع الذي يسوي بين القبيح والحسن فلا بد أن يكون مصيره إلى التعاسة والضعف والخسران.
خامسًا: إلى المحافظة على النفس الإنسانية، وعدم التعرض لها بالأذى أو بالقتل، إلا إذا ارتكبت ما يوجب عقابها أو قتلها.
سادسًا: إلى عدم الاقتراب من مال اليتيم الذي فقد الأب الحاني إلا بالحق، ونهت عن التعرض لما هو من حقه إلا بالوجه الذي ينفعه في الحال، أو في المآل.
سابعًا: إلى الوفاء في الكيل والوزن وسائر المعاملات، بحيث يعطَى صاحب الحق حقه دون نقصان أو بخس، ويأخذ صاحب الحق حقه دون زيادةٍ أو طمعٍ.
ثامنًا: إلى العدل في القول كما قال تعالى:} وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى {(الأنعام: 152) أي: وإذا قلتم قولًا فاعدلوا فيه ولو كان المقول له أو
عليه صاحب قرابة منكم، إذ هذا هو أساس الحكم السليم: العدل في القول، والعدل في الحكم، والعدل في الشهادة، والعدل عند الإصلاح بين الناس، والعدل مع العدو، ومع الصديق، مع القريب، ومع البعيد. والقرآن عندما قال:} وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى {أراد أن يرتفع بالضمير الإنساني إلى مستوى سامق رفيع يتحرى فيه الإنسان العدالة في كل أحواله ولو إيذاء أقرب الأقربين إليه.
تاسعًا: إلى الوفاء بالعهود كما قال تعالى:} وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا {(الأنعام: 152).
عاشرًا: إلى اتباع الصراط المستقيم الذي يدعو المسلم خالقه عز وجل في اليوم الواحد سبع عشر مرةً في صلاته المفروضة بالثبات عليه والزيادة منه:} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {(الفاتحة: 6).
هذه هي الوصايا العشر التي جاءت بها هذه الآيات الكريمة من سورة "الأنعام"، والمتدبر فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة في إخلاص العبادة لله تعالى وحده، وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان إلى الوالدين والرحمة بالأولاد، وصانت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها الانتهاك: الأنفس والأموال والأعراض، ونهت عن الاقتراب من مال اليتيم إلا في دائرة الأحسن والأنفع له، وحرضت على الوفاء بالعهود؛ لأن هذا الوفاء صفة من صفات الله، وصفة من صفات الأنبياء والمرسلين.
هذه هي أهداف الخطاب الدعوي، وهذه هي الرسالة التي يريد الداعية أن يبلغها للمدعوين من خلال خطابه الدعوي.
هذا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.