الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
مثالب الخطاب الدعوي وطرق علاجها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإذا عرفنا ضوابط الخطاب الدعوي، فإننا نستطيع أن نقول:
إن عدم الالتزام بهذه الضوابط يعد من مثالب الخطاب الدعوي، ونستطيع القول: بأن من مثالب الخطاب الدعوي إهمال التحضير، عدم حسن الاختيار، خلو الخطاب من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال سلف الأمة، عدم حسن الإلقاء، الإخلال بقواعد اللغة العربية، التطويل الممل، التقصير المخل، عدم وحدة الموضوع، عدم التمييز بين الصحيح المقبول والضعيف المردود، الجري وراء الشواذ والغرائب والموضوعات والإسرائيليات؛ حرصًا على رضا الجمهور.
فهذه بعض مثالب الخطاب الدعوي، وقد حذر منها العلماء، وأرشدوا إلى طرق علاجها.
وإليك -أيها الداعية المجد الحريص على أن يهدي الله بك- بعض ما قاله العلماء في مثالب الخطاب الدعوي وطرق علاجها.
يقول الدكتور حسن عبد الرءوف:
لا شك أن الخطبة وسيلة قوية وفعَّالة في تبليغ الدعوة، وهي ليست عملية سهلة وليست مجرد كلام يقال دون ترتيب أو تبويب أو تنظيم، حيث إنه يتحتم على الخطيب حين يريد أن يخطب الاستعداد والإعداد لهذا الكلام الذي لا بد وأن يكون له معنى، وأن يقصد من ورائه إقناع الجمهور، واستمالتهم إلي مقولته، وأن يتصور الخطبة بوجدانه قبل أن يلقيها، وأن يفكر في عناصرها، وأن يقف على الأدلة والبراهين التي سيوردها خلال إلقائها، ويهيئ ويرتب أسلوبه وبيانه الذي سيحدث به المستمعين.
ولكي تنجح الخطبة ويحقق الخطاب الدعوي الغرض منه لا بد أن يراعي الداعية الخطيب في خطابه الدعوي ما يلي:
أولًا: إعداد الخطبة إعدادًا علميًّا سليمًا: فلا بد للخطيب أن يبذل جهده ووقته في إعداد خطبته إذا أراد لها النجاح، فلا نجاحَ دون الأخذ بأسبابه، ومن أسباب نجاح الخطبة: أن تكون معدة ومحضرة ومهيأةً؛ حتى مع مَن يسهل عليه إلقاء الخطب، ولعل السبب في ضعف الخطبة وقصورها في هذا العصر هو هذا الإهمال من جانب الخطباء في إعداد وتهيئة الخطبة وعدم تحضيرها، ولن ينجح الدعاة في خطبهم إلا إذا أعدوها واهتموا بها، وتخيروا موضوعاتها بدقة.
وإعداد الخطبة يمر بمراحل متعددة حتى تظهر بصورتها اللائقة بها، وهذا الإعداد يبدأ:
أولًا: باختيار الموضوع وتحديده في العقل والاقتناع به.
ثانيًا: تحليل الموضوع الذي وقع الاختيار عليه لعناصره الأساسية.
ثالثًا: اختيار أدلته وتنسيق هذه الأدلة.
رابعًا: صياغة المعاني في قالب بياني فصيح، وأسلوب بليغ يتناسب مع المستمعين.
وهذه المراحل العلمية لإعداد الخطبة ضرورية، وجميعها يؤدي في النهاية إلى خطبة جميلة مؤثرة متماسكة ناجحة، يرضَى عنها صاحبها ويرضى عنها كل مَن يستمع إليها.
ثانيًا: يجب أن يراعي الخطيب عند اختياره لموضوع الخطبة ما يلي:
أولًا: عقلية المدعوين.
ثانيًا: نفسياتهم.
ثالثًا: المناسبة.
ثالثًا: الاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والتطبيقات العملية لها من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم والرسل الكرام. فإن ذكر التطبيق يجعل معنى الآية والحديث مشهودًا محسوسًا.
رابعًا: الاستعانة بالقصص الواردة في الكتاب والسنة، ولا بأس من تصوير المعاني بشكل قصصي، ولا بأس أيضًا بضرب الأمثال.
خامسًا: ألا يطيل الخطبة، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقِصر خطبته مئمةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة)).
سادسًا: اختيار الأسلوب البسيط الواضح؛ لأن الذين يسمعونه ليسوا في مستوى واحد من العلم والقدرة على فهم الخطاب.
سابعًا: اعتدال الصوت، وموافقته للأحوال، بحيث يجعله مطابقًا للمعاني التي يصدرها بالألفاظ ويمثلها بالصوت، ويكيف الصوت بكيفيات خاصة وانفعالاتٍ تتناسب مع المعني الذي يقصده.
ثامنًا: على الخطيب أن يكون حاضر الذهن، سريعَ البديهة، بحيث إذا أحس بملل المستمعين أو بعضهم عرف كيف يغير الحديث، وينتقل إلى فكرة جديدة بحيث يدفع عنهم هذا الملل.
تاسعًا: على الخطيب أن يكون ذا صدر رحب لا يضيق إذا هُوجم، وإذا استداره أحد من المستمعين لا يستولي عليه الغضب.
عاشرًا: الإلمام بالكثير من العلوم الإنسانية كالتاريخ والجغرافيا، وعلم النفس وعلم الاجتماع، وعلم الأخلاق، ومعرفة الملل والنحل، ومذاهب الأمم فيها، والعلم بلغات الأمم التي يراد دعوتها.
حادي عشر: لا بد أن يظهر الخطيب بمظهر لائق به وبمركزه؛ لأن مظهر الخطيب من الأشياء التي يجب الاعتناء بها.
ثاني عشر: أن لا يتعمد الخطيب تجريح الأشخاص أو الجماعات، فَلَمْ تُشرع خطبة الجمعة للسب والشتم.
ثالث عشر: على الخطيب أن يعرف أن التركيز والتلخيص من أسباب نجاح خطبته، ويتم ذلك بعرض المعلومات التي يتناولها الموضوع، ثم يعيدها بشكل موجز مختصر.
رابع عشر: إتقان تلاوة القرآن الكريم، والإلمام بمصطلح الحديث؛ وذلك ليتمكن الخطيب من تمييز الصحيح المقبول من الضعيف المردود.
وهناك أمور أخرى يجب أن يراعيها الخطيب؛ حتى تؤدي خطبته دورها، ولكننا نكتفي بما ذكرناه.
ويقول الشيخ عبد الله ناصح علوان: الداعية إلى الله لا يكون موفقًا في دعوته وتبليغه، مالكًا للب محدثه وجليسه، قائمًا بمسئولية إصلاحه وتقويمه، إلا أن يتأسى بسيد الدعاة صلى الله عليه وسلم في تحدثه وحواره، ويأخذ بأصوله ومنهجه -صلوات الله وسلامه عليه- في تبليغ الناس ودعوتهم، والتحدث إليهم.